الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن الدعوة إلى الله - تعالى - فرض على كل مسلم ومسلمة، بحسب استطاعتهم؛
قال الله – تعالى -: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ [يوسف:108].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((فليبلغِ الشاهدُ الغائبَ فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع))؛ متفق عليه.(1)
وأما وسائل الدعوة وأساليبها:
فمن أعظمها: أن تكون بحكمة ولين وحسن خلق،
مع الجدال بالتي هي أحسن،
والصبر والحلم لمن تأمر وتنهى،
فالدعوة بحق مقام الصبر والعفو والكمال،
ومن تأمل هدي نبينا - صلى الله عليه وسلم - أدرك هذا؛
ففي "الصحيحين" عن عائشة، أنها قالت:
((ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده خادمًا له، ولا امرأة، ولا دابة، ولا شيئًا قطُّ، إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا نِيلَ منه فانتقم لنفسه، إلا أن تُنتَهك محارمُ الله، فإذا انتُهِكت محارمُ الله، لم يقم لغضبه شيء، حتى ينتقم لله))،(2)
وقد أخبر - تعالى - عن عونه للصابرين بالنصر والتأييد،
فقال: ﴿ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46]،
وكما قال - سبحانه -: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24]،
فبالصبر واليقين، تُنال الإمامةُ في الدين،
مع الصبر الصدق، والعلم الذي هو البصيرة.
فعليك - أخي الكريم - بالصبر وتحمُّل ما تلقى من إخوانك بطيب نفس، محتسبًا الأجر عند الله،
مع المداومة الأعمال الصالحة، وتعلَّمْ وتفقَّهْ وتثقَّفْ في دينك،
وكن على بينة في جميع أمورك؛ لتكون قدوة وأسوة صالحة في أعمالك الطيبة، وسيرتك الحسنة،
فليس - هناك - أحدٌ أحسنَ كلامًا وطريقة وحالة ممن تصدى لتعليم الجاهلين، ووعظ الغافلين المعرضين، ومجادلة المبطلين، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وفق الضوابط الشرعية المرعية،
فالدعوة إلى الإسلام رسالة شريفة، وهي وظيفة الأنبياء والمرسلين، وعباد الله المتقين.
كما قال – تعالى -: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].
يقول الأستاذ سيد قطب في "ظلاله": ويختم هذا الشوط برسم صورة الداعية إلى الله، ووصف روحه ولفظه، وحديثه وأدبه، ويوجه إليها رسوله - صلى الله عليه وسلم - وكل داعية من أمته.
وكان قد بدأ السورة بوصف جفوة المدعوين، وسوء أدبهم، وتبجحهم النكير؛
إن النهوض بواجب الدعوة إلى الله، في مواجهة الْتواءات النفس البشرية، وجهلها، واعتزازها بما أَلِفت، واستكبارها أن يُقال: إنها كانت على ضلالة، وحرصها على شهواتها، وعلى مصالحها، وعلى مركزها الذي قد تهدده الدعوة إلى إله واحد، كل البشر أمامه سواء.
إن النهوض بواجب الدعوة في مواجهة هذه الظروف أمر شاق، ولكنه شأن عظيم:
وليس له أن يرد بالسيئة؛ فإن الحسنة لا يستوي أثرها؛ كما لا تستوي قيمتها مع السيئة.
والصبر والتسامح، والاستعلاء على رغبة النفس في مقابلة الشر بالشر، يرُدُّ النفوس الجامحة إلى الهدوء والثقة، فتنقلب من الخصومة إلى الولاء، ومن الجماح إلى اللين:
****************************
(1)رواية البخاري :الراوي: أبو بكرة نفيع بن الحارث المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7078
خلاصة حكم المحدث: [صحيح] هنا
(2) رواية مسلم : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده . ولا امرأة . ولا خادما . إلا أن يجاهد في سبيل الله . وما نيل منه شيء قط . فينتقم من صاحبه . إلا أن ينتهك شيء من محارم الله . فينتقم لله عز وجل . الراوي: عائشة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2328
خلاصة حكم المحدث: صحيح