ثم إنَّ التكبيرَ مصاحِبٌ للمسلم في عبادات عديدة وطاعات متنوعة
فالمسلم يكبر الله عند ما يكمل عدَّة الصيام،
ويكبر في الحج كما سبق الإشارة إلى دليل ذلك من القرآن الكريم،
وأما الصلاة فإنَّ للتكبير فيها شأناً عظيماً ومكانة عالية، ففي النداء إليها يشرع التكبير وعند الإقامة لها، وتحريمها هو التكبير،
بل إنَّ تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة،
ثم هو يصاحب المسلم في كلِّ خفض ورفع من صلاة،
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبّر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول: ربنا لك الحمد، ثم يكبر حين يهوي، ثمَّ يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلِّها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس».(1)
وبهذا فالتكبير يتكرر مع المسلم في صلاته مرات كثيرة ، فالصلاة الرباعية فيها اثنتان وعشرون تكبيرة،
والثنائية فيها إحدى عشرة تكبيرة،
وكلُّ ركعة فيها خمسُ تكبيرات،
وعلى هذا فالمسلم يكبر الله في اليوم والليلة في الصلوات الخمس المكتوبة فقط أربعاً وتسعين تكبيرة،
فكيف إذا كان محافظاً مع ذلك على الرواتب والنوافل، وكيف إذا كان محافظاً على الأذكار التي تكون أدبار الصلوات وفيها التكبير ثلاثٌ وثلاثون مرة،
فالمسلم إذا كان محافظاً على الصلوات الخمس مع السنن الرواتب وعددُها ثنتا عشرة ركعة مع الشفع والوتر ثلاث ركعات ومحافظاً على التكبير المسنون أدبار الصلوات ثلاثا وثلاثين مرة ،
فإنَّ عدد تكبيره لله في يومه وليلته يكون ثلاثمائة واثنتين وأربعين تكبيرة،
ولا ريب أنَّ هذا فيه دلالة على فضيلة التكبير حيث جعل الله للصلاة منه هذا النصيب الوافر، فإذا ضُمَّ إلى ذلك التكبيرُ في الأذان للصلاة والإقامة لها ممّن يؤذِن أو يُحافظ على إجابة المؤذِن، زاد بذلك عدد تكبيره في يومه وليلته، فإنَّ عدد ما يكون فيهما من تكبيرات في اليوم والليلة خمسون تكبيرة، فإنَّ عدد التكبير بذلك يزيد.
ثم إنَّ المسلم إذا كان محافظاً على التكبير المطلق غير المقيد بوقت فإن عدد تكبيره لله في أيامه ولياليه لا يحصيه إلا الله - سبحانه -.
والتكبير ركنٌ من أركان الصلاة ، فتحريمها لا يكون إلاّ به، وهذا يُشعِر ولا ريب بمكانة التكبير من الصلاة، وأنّ الصلاة إنما هي تفاصيل للتكبير الذي هو تحريمها، يقول ابن القيّم - رحمه الله -: « ... لا أحسن من كون التكبير تحريماً لها، فتحريمها تكبير الربّ تعالى الجامع لإثبات كلِّ كمال له، وتنزيهه عن كلِّ نقص وعيبٍ، وإفراده وتخصيصه بذلك، وتعظيمه وإجلاله، فالتكبير يتضمّن تفاصيل أفعال الصلاة وأقوالها وهيآتها، فالصلاة من أوّلها إلى آخرها تفصيل لمضمون ((الله أكبر))، وأيّ تحريم أحس-ن من هذا التحريم المتضمّن للإخلاص والتوحيد! ». (2)اهـ.
وبهذا يتبيّن مكانةُ التكبير وجلالةُ قدره وعِظمُ شأنه من الدين، فليس التكبيرُ كلمةً لا معنى لها، أو لفظةً لا مضمون لها، بل هي كلمةٌ، عظيمٌ شأنها، رفيعٌ قدرها تتضمّن المعاني الجليلةَ والمدلولاتِ العميقةَ والمقاصد السامية الرفيعة.
قال ابن جرير - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ﴾ (3)
«يقول وعظِّم ربَّك يا محمد بما أمرك أن تعظِّمه به من قول وفعل، وأطِعه فيما أمرك ونهاك.(4)
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - في تفسير الآية نفسها:
«أي: عظِّمه تعظيماً شديداً، ويظهر تعظيم الله في شدّة المحافظة على امتثال أمره واجتناب نهيه والمسارعة إلى كلِّ ما يرضيه».(5)