أيها الإخوة! إن مدرسة أهل السنة والجماعة من معالمها:
أولاً: أنها مدرسة تتبع الدليل، وقال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي لا تتمسك إلا بالوحي، لأن العصمة من التحريف لكتاب الله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القيم ، رحمه الله:
قرأت أن بعض المستشرقين أراد أن يسلم، وقد تعلم العربية، فقرأ القرآن، فكان سبب إسلامه أن عرض عليه المصحف فابتدأ بسورة البقرة ((الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ))البقرة(2)
فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
فقال له أحد الناس: لماذا أسلمت؟
قال: كل كاتب إذا كتب كتاباً، بدأ في المقدمة بالاعتراف بالعجز والتقصير، إلا الله، فإنه بدأ متحدياً الناس أن يوجد في كتابه نقص أو تقصير.
انظر إلى المكتبة انظر إلى رسائل التخصص من: الماجستير والدكتوراه.
فكلهم عند البدء يعتذر طويلاً من الأخطاء والتقصير والغفلة والنسيان.
أما الله تعالى فيقول: ((الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)). يقول: ليس فيه شك، ولا نقص، ولا تقصير، ولا تردد، ولا ريبة.
ويقول سبحانه وتعالى عن كتابه: ((وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا))النساء(82)
الثالث: من معالم هذه المدرسة أنها
~~~~~~~
تحارب البدع في الدين والأهواء،
فإنها صافية كالثوب الأبيض، فلا ترى تجميع من هب ودب، إنما هي مدرسة ربانية لا تدخل فيها
إلا بشروط:
أن تكون سنياً، سلفياً صرفاً، موحداً لله، ذا منهج رباني، أما التلفيق والترقيع فهذا لا يصلح أبداً،
حتى يقول بعض أهل العلم.
عامي موحد يغلب ألف عالم مخلط.
وهذا صحيح، فإن علماء المبتدعة بحور في العلوم، لكنهم مخلطون.
وقد يقل علم عالم أهل السنة ، ولكنه صافي المنبع، كالنطفة من الماء العذب، أو كالساقية الصغيرة، أما علم المبتدع فكالبحر المالح.
يقول صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) (1) .
وقال أبو بكر في أول خطبة على المنبر: [إنما أنا متبع ولست بمبتدع].
وقد كتب عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله، كتاباً إلى رجل قد سأله عن القدر جاء فيه:
(أما بعد، أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وترك ما أحدث المحدثون بعدما جرت به سنته، وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السنة، فإنها لك -بإذن الله- عصمة، ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أو عبرة فيها، فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وقفوا وببصر نافذ كفوا، وهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى؛ فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم: إنما حدث بعدهم، ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، فإنهم هم السابقون، فقد تكلموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر، وقد قصر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم..) (2).
وهي من عيون الكلم ودرره، رحمه الله تعالى.
الرابع: من معالم هذه المدرسة:
~~~~~~~
أنهم يدعون للاجتهاد الشرعي، ويطالبون العلماء، وطلاب العلم بالجد والاجتهاد، حتى يحققوه، والغرض من هذا: محاولة التخلص من التقليد الذي يؤدي إلى مخالفة السنة، فالاجتهاد باق وهو خاصية من خصائص هذه الأمة، وإنما يجب عليها وجوباً كفائياً أن تحقق أدواته، وأسبابه، وهذا لا يكون أبداً إلا بمطالعة كتب الأوائل، واعتماد طريقتهم في تقديم النقل الصحيح، واعتماد القواعد الأصولية التي أصلوها، ويستلزم من هذا: التنبيه على ما وقعت فيه كتب الأوائل من بعض الهنات التي لا يخلو منها كتاب، ولا ينفك عنها عالم، مع احتفاظنا للجميع بالتقدير والاحترام فلولا الله تعالى، ثم حملة العلم الأوائل، لما وصل الخالدين بهذه الصورة الصافية النقية، وإنما ذكرت هذا، حتى لا يتوهم متوهم أن الاجتهاد من لوازمه: القدح في الأئمة الأوائل، أو العكس أي: تعظيم الأوائل يلزم منه رد السنة، أو التقليد الأعمى، فليتنبه.
(1)الراوي: عائشة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1718
خلاصة حكم المحدث: صحيح
(2)أخراجه صحيح الى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز
أخرجه أبو داود(2164) وغيره بأسنيد صحيحه