أختي الحبيبة
هــنـد
جزاكِ الله خيراً
وأنقل لكم تتمة الموضوع
من أمثلة الشائعات:
احذروا من يقول كل خبر، وتصديق كل ما يقال، فإن هناك فئات وأصنافاً من الناس في كل مجتمع، قلوبها مريضة، وأرواحها ميتة، وذممها مهدرة، لا تخاف من الله، ولا تستحي من عباد الله، مهنتهم ووظيفتهم وهوايتهم نشر الشائعات في أوساط الناس، تتغذى على لحوم البشر، ترتقي على أكتاف وحساب غيرها.
وإليكم بعض الأمثلة على هذه الشائعات: * في معركة أحد، عندما أشاع الكفار أن الرسول-صلى الله عليه وسلم-قتل فتّ ذلك في عضد كثير من المسلمين، حتى أن بعضهم ألقى السلاح وترك القتال، فتأملوا رحمكم الله تأثير الإشاعة.(7)
* الشائعات الكاذبة التي صنعت ضد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه -، ماذا كانت آثارها السيئة لا على المجتمع في ذلك الوقت، بل على الأمة حتى وقتنا هذا، تجمع أخلاط من المنافقين ودهماء الناس وجهلتهم، وأصبحت لهم شوكة وقتل على إثرها خليفة المسلمين بعد حصاره في بيته, وقطع الماء عنه، بل كانت آثار هذه الفتنة أن قامت حروب بين الصحابة الكرام, كمعركة الجمل, وصفين، من كان يتصور أن الإشاعة تفعل كل هذا، بل خرجت على إثرها الخوارج، وتزندقت الشيعة، وترتب عليها ظهور المرجئة, والقدرية الأولى، ثم انتشرت البدع بكثرة، وظهرت فتن وبدع وقلاقل كثيرة، ما تزال الأمة الإسلامية تعاني من آثارها إلى اليوم.
* حادثة الإفك، تلك الشائعة التي طعنت في عرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشائعة التي هزت بيت النبوة شهراً كاملاً، بل هزت المدينة كلها، بل هزت المسلمين كلهم، هذا الحادث الذي كلف أطهر النفوس في تاريخ البشرية كلها آلاماً لا تطاق، وكلف الأمة المسلمة كلها أن تمر به من أشق التجارب في تاريخها الطويل، وعلق قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقلب زوجه عائشة التي يحبها، وقلب أبي بكر الصديق, وزوجه وقلب صفوان بن المعطل شهراً كاملاً، علقها بحبال الشك والقلق والألم الذي لا يطاق.(8)
لسنا مبالغين إذا قلنا أن ما واجهه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الإفك هو حدث الأحداث في تاريخه - عليه الصلاة والسلام -، فلم يُمكر بالمسلمين مكر أشد من تلك الإشاعة، وهي مجرد إشاعة مختلقة بين الله - تعالى - كذبها، ولولا عناية الله - عز وجل - لكانت قادرة على أن تعصف بالأخضر واليابس، ولا تُبقي على نفس مستقرة مطمئنة، ولقد مكث مجتمع المدينة بأكمله شهراً كاملاً وهو يصطلي نار تلك الإشاعة، ويتعذب ضميره وتعصره الإشاعة الهوجاء، حتى نزل الوحي ليضع حداً لتلك المأساة الفظيعة، وليكون درساً تربوياً رائعاً لذلك المجتمع، ولكل مجتمع مسلم إلى قيام الساعة (9)
ما الذي ينبغي على المسلم عند سماع الشائعات:
1- أن يقدم حسن الظن بأخيه المسلم ، وهو طلب الدليل الباطني الوجداني، وأن ينزل أخيه المسلم بمنزلته، وهذه هي وحدة الصف الداخلي :{لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرا} النور آية 12
2- أن يطلب الدليل الخارجي البرهاني : { لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}.النور آية 13
3- أن لا يتحدث بما سمعه ولا ينشره، فإن المسلمين لولم يتكلموا بمثل هذه الشائعات لماتت في مهدها ولم تجد من يحيها إلا من المنافقين : {ولَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا }. النور آية 16
4- أن يرد الأمر إلى أولي الأمر، ولا يشيعه بين الناس أبداً، وهذه قاعدة عامة في كل الأخبار المهمة ، والتي لها أثرها الواقعي ،كما قال-تعالى-: {وإذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ولَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وإلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إلاَّ قَلِيلاً} النساء: 83.
والشائعات إذا حوصرت بهذه الأمور الأربعة، فإنه يمكن أن تتفادى آثارها السيئة المترتبة عليها ، ولكن ليس الإشكال في هذا بل الإشكال أن هناك فريق من المؤمنين يرضون أن يستمعوا لمثل هذه الإشاعات، هذا فضلاً عن فريق من أصحاب القلوب المريضة التي تحب البحث ونشر مثل هذه الأمور، وقد بين الله ذلك بقوله-تعالى-: {وفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} التوبة: 47.
أي للمنافقين المغرضين ، وهذا هو الداء الكبير، وهو أن يرضى فريق من الناس الاستماع إلى مثل هذه الشائعات ، وإلى كلام المنافقين والمغرضين .
يقول "شيخ الإسلام ابن تيمية"-رحمه الله تعالى- (فأخبر أن المنافقين لو خرجوا في جيش المسلمين ما زادوهم إلا خبالاً، ولكانوا يسعون بينهم مسرعين، يطلبون لهم الفتنة، وفي المؤمنين من يقبل منهم ويستجيب لهم : إما لظن مخطئ ، أو لنوع من الهوى , أو لمجموعهما.. )(10) .
5- عدم سماع ما يقوله الكذابون، والمنافقون، والمغتابون، وأصحاب القلوب المريضة، وعدم الرضى بذلك ، كما هو منهج السلف -رضوان الله عليهم- . والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء ، فصار الأكابر، عاجزين عن إطفاء الفتنة وكف أهلها، وهذا شأن الفتن، كما قال تعالى:
{واتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً}، وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله(8).
والله الهادي إلى سواء السبيل.
.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*
(7) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عَمَّهُ غَابَ عَنْ بَدْرٍ فَقَالَ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أُجِدُّ فَلَقِيَ يَوْمَ أُحُدٍ فَهُزِمَ النَّاسُ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ فَتَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ فَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ أَيْنَ يَا سَعْدُ إِنِّي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ فَمَضَى فَقُتِلَ فَمَا عُرِفَ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِشَامَةٍ أَوْ بِبَنَانِهِ وَبِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ
رواه البخاري / الجامع الصحيح/كتاب المغازي / باب غطوا بها رأسه واجعلوا على رجله الإذخر / حديث رقم 3822
(8) رواه البخاري / الجامع الصحيح / كِتَاب الشَّهَادَاتِ/ بَاب تَعْدِيلِ النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ بَعْضًا / حديث رقم 2518
(9) الإشاعة ناصر محمد الأحمد بتصرف يسير
(10)درء تعارض العقل والنقل (2/105