ملتقى قطرات العلم النسائي
 
 

الـــمـــصـــحـــــف الـــجـــامـــع
مـــصـــحـــــف آيـــــات
موقع الدرر السنية للبحث عن تحقيق حديث

العودة   ملتقى قطرات العلم النسائي > ::الملتقى العام:: > ملتقى القرآن وعلومه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-14-2010, 03:07 PM
الصورة الرمزية أم سليمان
أم سليمان أم سليمان غير متواجد حالياً
مشرفة ملتقى البراعم والأسرة المسلمة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 458
من نفيس كلام العلاّمة محمد الأمين الشنقيطي

بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين.
و أصلّي و أسلّم على من بُعث رحمة للعالمين و على آله واصحابه اجمعين
وبعد



قال رحمه الله في سياق تفسيره لقول الله تبارك و تعالى

(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ). الآية
وَمِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ : هَدْيُهُ إِلَى حَلِّ الْمَشَاكِلِ الْعَالَمِيَّةِ بِأَقْوَمِ الطُّرُقِ وَأَعْدَلِهَا

، وَنَحْنُ دَائِمًا فِي الْمُنَاسَبَاتِ نُبَيِّنُ هَدْيَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ إِلَى حَلِّ ثَلَاثِ مُشْكِلَاتٍ ، هِيَ
مِنْ أَعْظَمِ مَا يُعَانِيهِ الْعَالَمُ فِي جَمِيعِ الْمَعْمُورَةِ مِمَّنْ يَنْتَمِي إِلَى الْإِسْلَامِ ، تَنْبِيهًا بِهَا
غَيْرِهَا :
الْمُشْكِلَةُ الْأُولَى : هِيَ ضَعْفُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَقْطَارِ الدُّنْيَا فِي الْعَدَدِ وَالْعِدَدِ عَنْ مُقَاوَمَةِ

الْكُفَّارِ ، وَقَدْ هَدَى الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ إِلَى حَلِّ هَذِهِ الْمُشْكِلَةِ بِأَقْوَمِ الطُّرُقِ وَأَعْدَلِهَا ، فَبَيَّنَ
أَنَّ عِلَاجَ الضَّعْفِ عَنْ مُقَاوَمَةِ الْكُفَّارِ إِنَّمَا هُوَ بِصِدْقِ التَّوَجُّهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَقُوَّةِ
الْإِيمَانِ بِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ، قَاهِرٌ لِكُلِّ شَيْءٍ ، فَمَنْ كَانَ مِنْ
حِزْبِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَغْلِبَهُ الْكُفَّارُ وَلَوْ بَلَغُوا مِنَ الْقُوَّةِ مَا بَلَغُوا .فَمِنَ
الْأَدِلَّةِ الْمُبَيِّنَةِ لِذَلِكَ : أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا ضَرَبُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ الْحِصَارَ الْعَسْكَرِيَّ
الْعَظِيمَ فِي غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ ، الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ
أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ هُنَالِكَ
ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [33 \ 10 - 11] ، كَانَ عِلَاجُ ذَلِكَ هُوَ
مَا ذَكَرْنَا ، فَانْظُرْ شِدَّةَ هَذَا الْحِصَارِ الْعَسْكَرِيِّ وَقُوَّةَ أَثَرِهِ فِي الْمُسْلِمِينَ ، مَعَ أَنَّ جَمِيعَ
أَهْلِ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُقَاطِعُوهُمْ سِيَاسَةً وَاقْتِصَادًا ، فَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ
الْعِلَاجَ الَّذِي قَابَلُوا بِهِ هَذَا الْأَمْرَ الْعَظِيمَ ، وَحَلُّوا بِهِ هَذِهِ الْمُشْكِلَةَ الْعُظْمَى ، هُوَ مَا
بَيَّنَهُ جَلَّ وَعَلَا (فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ) بِقَوْلِهِ : وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا
هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)
[33 \ 22] .فَهَذَا الْإِيمَانُ الْكَامِلُ ، وَهَذَا التَّسْلِيمُ الْعَظِيمُ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا ، ثِقَةً بِهِ ،
وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ ، هُوَ سَبَبُ حَلِّ هَذِهِ الْمُشْكِلَةِ الْعُظْمَى .وَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ تَعَالَى بِنَتِيجَةِ هَذَا
الْعِلَاجِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ
الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ
وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا [33 \ 25 ، 26
27] .وَهَذَا الَّذِي نَصَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ عَلَى عَدُوِّهِمْ مَا كَانُوا يَظُنُّونَهُ ، وَلَا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
يُنْصَرُونَ بِهِ وَهُوَ الْمَلَائِكَةُ وَالرِّيحُ ، قَالَ تَعَالَى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا [33 \ 9] ، وَلَمَّا عَلِمَ
جَلَّ وَعَلَا مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ الْإِخْلَاصَ الْكَامِلَ ، وَنَوَّهَ عَنْ إِخْلَاصِهِمْ بِالِاسْمِ
الْمُبْهَمِ الَّذِي هُوَ الْمَوْصُولُ فِي قَوْلِهِ : لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ
الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ [48 \ 18] : أَيْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِخْلَاصِ ، كَانَ مِنْ
نَتَائِجَ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي قَوْلِهِ : وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا
وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا [48 \ 21] ، فَصَرَّحَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَنَّهُمْ
لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا ، وَأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا أَحَاطَ بِهَا فَأَقْدَرَهُمْ عَلَيْهَا ، وَذَلِكَ مِنْ نَتَائِجِ قُوَّةِ
إِيمَانِهِمْ وَشِدَّةِ إِخْلَاصِهِمْ .فَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْإِخْلَاصَ لِلَّهِ وَقُوَّةَ الْإِيمَانِ بِهِ ، هُوَ
السَّبَبُ لِقُدْرَةِ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ وَغَلَبَتِهِ لَهُ قال تعالى : كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ
فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [2 \ 249] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ
: لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا [48 \ 21] فِعْلٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ، وَالْفِعْلُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ مِنْ
صِيَغِ الْعُمُومِ عَلَى التَّحْقِيقِ ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ
الصِّنَاعِيَّ - «أَعْنِي الَّذِي يُسَمَّى فِي الِاصْطِلَاحِ فِعْلَ الْأَمْرِ أَوِ الْفِعْلَ الْمَاضِيَ أَوِ الْفِعْلَ
الْمُضَارِعَ» - يَنْحَلُّ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ وَبَعْضِ الْبَلَاغِيِّينَ عَنْ مَصْدَرٍ وَزَمَنٍ ، كَمَا أَشَارَ لَهُ
فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ :الْمَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ ... مَدْلُولَيِ
الْفِعْلِ كَأَمْنٍ مِنْ أَمِنْ
وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْبَلَاغِيِّينَ يَنْحَلُّ عَنْ مَصْدَرٍ وَزَمَنٍ وَنِسْبَةٍ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا

حَرَّرَهُ بَعْضُ الْبَلَاغِيِّينَ ، فِي بَحْثِ الِاسْتِعَارَةِ التَّبَعِيَّةِ .فَالْمَصْدَرُ إِذَنْ كَامِنٌ فِي مَفْهُومِ
الْفِعْلِ إِجْمَاعًا ، فَيَتَسَلَّطُ النَّفْيُ الدَّاخِلُ عَلَى الْفِعْلِ عَلَى الْمَصْدَرِ الْكَامِنِ فِي مَفْهُومِهِ ،
وَهُوَ فِي الْمَعْنَى نَكِرَةٌ ، إِذْ لَيْسَ لَهُ سَبَبٌ يَجْعَلُهُ مَعَرِفَةً ، فَيُؤَوَّلُ إِلَى مَعْنَى النَّكِرَةِ فِي
سِيَاقِ النَّفْيِ ، وَهِيَ مَنْ صِيَغِ الْعُمُومِ .فَقَوْلُهُ : لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا [48 \ 21] فِي
مَعْنَى : لَا قُدْرَةَ لَكُمْ عَلَيْهَا ، وَهَذَا يَعُمُّ سَلْبَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْقُدْرَةِ ; لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي
سِيَاقِ النَّفْيِ تَدُلُّ عَلَى عُمُومِ السَّلْبِ وَشُمُولِهِ لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ الْعُنْوَانِ
كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَحَلِّهِ .وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا مَسْلُوبٌ عَنْهُمْ
، وَلَكِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا أَحَاطَ بِهَا فَأَقْدَرَهُمْ عَلَيْهَا ، لِمَا عَلِمَ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِخْلَاصِ فِي
قُلُوبِهِمْ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [37 \ 173] .


الْمُشْكِلَةُ الثَّانِيَةُ : هِيَ تَسْلِيطُ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ وَأَنْوَاعِ الْإِيذَاءِ ،

مَعَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْحَقِّ ، وَالْكُفَّارَ عَلَى الْبَاطِلِ .وَهَذِهِ الْمُشْكِلَةُ اسْتَشْكَلَهَا
أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَفْتَى اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِيهَا ، وَبَيَّنَ السَّبَبَ فِي
ذَلِكَ بِفَتْوَى سَمَاوِيَّةٍ تُتْلَى فِي كِتَابِهِ جَلَّ وَعَلَا .وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ مَا وَقَعَ بِالْمُسْلِمِينَ
يَوْمَ أُحُدٍ : فَقُتِلَ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ عَمَّتِهِ ، وَمُثِّلَ بِهِمَا ،
وَقُتِلَ غَيْرُهُمَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَقُتِلَ سَبْعُونَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ ، وَجُرِحَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَشُقَّتْ شَفَتُهُ ، وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ ، وَشُجَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
اسْتَشْكَلَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ ، وَقَالُوا : كَيْفَ يُدَالُ مِنَّا الْمُشْرِكُونَ وَنَحْنُ عَلَى الْحَقِّ
وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ قَوْلَهُ تَعَالَى : مُبِينٍ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ
مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [3 \ 165] .وَقَوْلُهُ تَعَالَى : قُلْ هُوَ
مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ، فِيهِ إِجْمَالٌ بَيَّنَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ
بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ
مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا - إِلَى قَوْلِهِ - لِيَبْتَلِيَكُمْ [3 \ 152] .فَفِي هَذِهِ الْفَتْوَى السَّمَاوِيَّةِ بَيَانٌ
وَاضِحٌ ; لِأَنَّ سَبَبَ تَسْلِيطِ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ هُوَ فَشَلُ الْمُسْلِمِينَ ، وَتَنَازُعُهُمْ فِي
الْأَمْرِ ، وَعِصْيَانُهُمْ أَمْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِرَادَةُ بَعْضِهِمُ الدُّنْيَا مُقَدِّمًا لَهَا عَلَى
أَمْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا فِي سُورَةِ «آلِ عِمْرَانَ»
وَمَنْ عَرَفَ أَصْلَ الدَّاءِ عَرَفَ الدَّوَاءَ ، كَمَا لَا يَخْفَى .


الْمُشْكِلَةُ الثَّالِثَةُ : هِيَ اخْتِلَافُ الْقُلُوبِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْأَسْبَابِ فِي الْقَضَاءِ عَلَى كِيَانِ

الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ ، لِاسْتِلْزَامِهِ الْفَشَلَ ، وَذَهَابَ الْقُوَّةِ وَالدَّوْلَةِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الْآيَةَ 8 \ 46] .وَقَدْ أَوْضَحْنَا مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ
فِي سُورَةِ «الْأَنْفَالِ» .فَتَرَى الْمُجْتَمَعَ الْإِسْلَامِيَّ الْيَوْمَ فِي أَقْطَارِ الدُّنْيَا يُضْمِرُ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ ، وَإِنْ جَامَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهَا مُجَامِلَةً
، وَأَنَّ مَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ الضَّمَائِرُ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ .وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى فِي سُورَةِ «الْحَشْرِ» أَنَّ
سَبَبَ هَذَا الدَّاءِ الَّذِي عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى إِنَّمَا هُوَ ضَعْفُ الْعَقْلِ ; قَالَ تَعَالَى : تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا
وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [59 \ 14] ، ثُمَّ ذَكَرَ الْعِلَّةَ لِكَوْنِ قُلُوبِهِمْ شَتَّى بُقُولِهِ : ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا
يَعْقِلُونَ [59 \ 14] ، وَلَا شَكَّ أَنَّ دَاءَ ضَعْفِ الْعَقْلِ الَّذِي يُصِيبُهُ فَيُضْعِفُهُ عَنْ إِدْرَاكِ
الْحَقَائِقِ ، وَتَمْيِيزِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ ، وَالنَّافِعِ مِنَ الضَّارِّ ، وَالْحَسَنِ مِنَ الْقَبِيحِ ، لَا دَوَاءَ
لَهُ إِلَّا إِنَارَتُهُ بِنُورِ الْوَحْيِ ; لِأَنَّ نُورَ الْوَحْيِ يَحْيَا بِهِ مَنْ كَانَ مَيِّتًا وَيُضِيءُ الطَّرِيقَ
لِلْمُتَمَسِّكِ بِهِ ، فَيُرِيهِ الْحَقَّ حَقًّا وَالْبَاطِلَ بَاطِلًا ، وَالنَّافِعَ نَافِعًا ، وَالضَّارَّ ضَارًّا ، قَالَ
تَعَالَى : أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي
الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ [6 \ 122] وَقَالَ تَعَالَى : اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا
يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [2 \ 257] وَمَنْ أُخْرِجَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ
أَبْصَرَ الْحَقَّ ; لِأَنَّ ذَلِكَ النُّورَ يَكْشِفُ لَهُ عَنِ الْحَقَائِقِ فَيُرِيهِ الْحَقَّ حَقًّا ، وَالْبَاطِلَ بَاطِلًا
وَقَالَ تَعَالَى : أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
[67 \ 22] ، وَقَالَ تَعَالَى : وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا
الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ [35 \ 19 - 22] ، وَقَالَ تَعَالَى :
مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْآيَةَ [11 \ 24]
، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يُكْسِبُ الْإِنْسَانَ حَيَاةً بَدَلًا مِنَ الْمَوْتِ
الَّذِي كَانَ فِيهِ ، وَنُورًا بَدَلًا مِنَ الظُّلُمَاتِ الَّتِي كَانَ فِيهَا .وَهَذَا النُّورُ عَظِيمٌ يَكْشِفُ
الْحَقَائِقَ كَشْفًا عَظِيمًا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ - إِلَى قَوْلِهِ
وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [24 \ 35] ، وَلَمَّا كَانَ تَتَبُّعُ جَمِيعِ
مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ يَقْتَضِي تَتَبُّعَ جَمِيعِ
الْقُرْآنِ وَجَمِيعِ السُّنَّةِ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالسُّنَّةِ مِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ; لِقَوْلِهِ
تَعَالَى : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [59 \ 7] ، وَكَانَ تَتَبُّعُ
جَمِيعِ ذَلِكَ غَيْرَ مُمْكِنٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ ، اقْتَصَرْنَا عَلَى هَذِهِ الْجُمَلِ الَّتِي ذَكَرْنَا
مِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ تَنْبِيهًا بِهَا عَلَى غَيْرِهَا ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى
منقول



__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-12-2011, 02:41 PM
هند هند غير متواجد حالياً
عضوة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,493
افتراضي

جزاكِ الله خيراً
أم سليمان الحبيبة
__________________
[CENTER][IMG]http://store1.up-00.com/2014-12/1418387439583.jpg[/IMG]

[URL="http://katarat1.com/forum/showthread.php?t=757"]موسوعه صور بسمله وفواصل واكسسوار للمواضيع [/URL][/CENTER]
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 02-24-2011, 11:48 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,646
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا
اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



أوقات الصلاة لأكثر من 6 ملايين مدينة في أنحاء العالم
الدولة:

الساعة الآن 02:59 PM بتوقيت مسقط


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
Powered & Developed By Advanced Technology