ما أكثر ما في الكتب من دس للروايات عن هارون الرشيد ، والدولة الأموية ، والعباسية ، وسيرة أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم . أتمنى منكم أن ترشدوني إلى أفضل وأصح الكتب التي تتحدث عما ذكرت .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله
تاريخُ الإسلامِ صفحاتٌ عظيمةٌ من الأحداث
والوقائع المتنوعة ، اختلطت فيها جوانب السياسة
والاجتماع والاقتصاد ، وامتزجت بالكثير من
العوارض المختلفة أو المتناقضة ، فاحتملت
لذلك في طبيعتها مادة خصبة استغلها الكثير من
أهل الأغراض والأهواء ، فلم يتورعوا عن
التشويه والتحريف والزيادة والنقصان .
وإذا غضضنا الطرف عن العوامل الخارجية
التي أدت إلى وجود الخلل في أحداث التاريخ
المروية ، وقَصَرْنَا النظرَ على طبيعة المادة
المنقولة والمدونة ، لوجدنا أن ذلك الخلل يرجع
إلى سببين اثنين رئيسين :
السبب الأول : غياب التدوين المباشر للتاريخ مِن
قِبَل شهود العيان ، ومَن عاصر الأحداث ، أو
على الأقل غياب الإسناد المقبول لتلك الأحداث ،
فقد غلب الإرسال والانقطاع بين المدون والراوي
وبين الوقائع المروية ، ففقدت المنهجية العلمية
الركن الرئيس فيها ، وغدت أحداث التاريخ نهبة
لمن شاء أن يحكي فيها ما يريد ، فالكل يكتب
ويشارك ، سواء أسند أم أرسل . كما قال الإمام
أحمد رحمه الله : " ثلاثة كتب ليس لها أصول :
المغازي والملاحم والتفسير " انتهى .
رواه الخطيب في "الجامع" (2/162) وفسره
بقوله: المراد به كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة ، غير معتمد عليها ، ولا موثوق بصحتها
، لسوء أحوال مصنفيها ، وعدم عدالة ناقليها ،
وزيادات القصاص فيها " ، وفسرها شيخ الإسلام
ابن تيمية بكثرة المراسيل في هذه الأبواب .
والسبب الثاني : غياب الحس النقدي لدى كثير
من كُتَّاب التاريخ الأول ، فلا تكاد تجد في
المؤرخين القدامى من يزيد على الحكاية
والرواية ، فقد كان هذا سعيهم الأول ، ولعلهم
أوكلوا النقد بالتصديق أو التكذيب إلى القارئ
الذي غالبا ما يتيه بين آلاف الصفحات المسطرة .
ولعل القراءة المجردة في "تاريخ الأمم والملوك"
لابن جرير الطبري ، وفي "الإمامة والسياسة"
المنسوب خطأ لابن قتيبة ، وفي "مروج الذهب"
لعلي بن الحسين المسعودي ، وفي "تاريخ
اليعقوبي" ، و"الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني ،
وفي "العقد الفريد" لابن عبد ربه ، وفي "تاريخ
التمدن الإسلامي" لجرجي زيدان – لعل القراءة
المجردة فيها توقف القارئ على الصورة الحقيقية
لقدر التشويه الذي لحق بمصنفات التاريخ
ومدوناته .
وانظر للتوسع عن كتب التاريخ المشوهة كتاب
"كتب حذر منها العلماء" للشيخ مشهور حسن
سلمان ، الجزء الثاني .
يقول ابن خلدون في "المقدمة" (ص/9-10) :
" وكثيرا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة
النقل من المغالط في الحكايات والوقائع
لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثًّا أو سمينًا ،
ولم يعرضوها على أصولها ، ولا قاسوها
بأشباهها ، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف
على طبائع الكائنات ، وتحكيم النظر والبصيرة
في الأخبار ، فضلوا عن الحق ، وتاهوا في بيداء
الوهم والغلط ، ولا سيما في إحصاء الأعداد من
الأموال والعساكر إذا عرضت في الحكايات ، إذ
هي مَظِنَّةُ الكذب ، ومَطِيَّةُ الهَذَر ، ولا بد من
ردها إلى الأصول ، وعرضها على القواعد " انتهى .
والأدوات التي يحتاجها المؤرخ الناقد متنوعة ما
بين علم بأحوال الرواة وطبائع الأمم وقواطع
العادات والسنن ودقة في الملاحظة والقياس ،
وذلك ما لا يتوفر إلا في القليل من المؤرخين
المتقدمين والمتأخرين .
يقول ابن خلدون في "المقدمة" (ص/28) :
" فإذا يحتاج صاحب هذا الفن إلى العلم بقواعد
السياسة وطبائع الموجودات واختلاف الأمم
والبقاع والأعصار في السير والأخلاق والعوائد
والنحل والمذاهب وسائر الأحوال ، والإحاطة
بالحاضر من ذلك ، ومماثلة ما بينه وبين الغائب
من الوفاق أو بون ما بينهما من الخلاف ،
وتعليل المتفق منها والمختلف ، والقيام على
أصول الدول والملل ومبادئ ظهورها وأسباب
حدوثها ودواعي كونها وأحوال القائمين بها
وأخبارهم ، حتى يكون مستوعبا لأسباب كل خبره
، وحينئذ يعرض خبر المنقول على ما عنده من
القواعد والأصول ، فإن وافقها وجرى على
مقتضاها كان صحيحا ، وإلا زيفه واستغنى عنه .
وما استكبر القدماء علم التاريخ إلا لذلك ، حتى
انتحله الطبري والبخاري وابن إسحاق من قبلهما
، وأمثالهم من علماء الأمة ، وقد ذهل الكثير عن
هذا السر فيه حتى صار انتحاله مجهلة ،
واستخف العوام ومن لا رسوخ له في المعارف
مطالعته وحمله والخوض فيه والتطفل عليه ،
فاختلط المرعي بالهمل ، واللباب بالقشر ،
والصادق بالكاذب ، وإلى الله عاقبة الأمور " انتهى .
ونحن وإن كنا نستشعر النقص في التحقيق
التاريخي ، والنقد المنهجي ، إلا أننا لا ننفي
وجوده ، فقد سطر نقاد العلماء كتبا محققة محكمة
، محَّصوا فيها الصادق من الكاذب ، والحقيقي
من الزائف ، فيمكن الاستفادة منها والرجوع إليها
، والأهم من ذلك : البناء عليها ، ومنها :
"العواصم من القواصم" لأبي بكر ابن العربي
المالكي ، "البداية والنهاية" لابن كثير ، و
"الكامل في التاريخ" لابن الأثير ، وكتب الحافظ
الذهبي عموما : "تاريخ الإسلام" و "سير أعلام
النبلاء" ، و"العبر" وغيرها .
وهناك أيضا كثير من الدراسات المعاصرة
النافعة والمفيدة في هذا المجال ، مثل كتاب
"التاريخ الإسلامي" للأستاذ محمود شاكر
الحرستاني ، و "مرويات أبي مخنف في تاريخ
الطبري" للدكتور يحيى بن إبراهيم اليحيى ،
وكتب الدكتور محمد علي الصلابي التاريخية ـ
بصفة عامة ـ كـ " السيرة النبوية" ، وكتبه عن
الخلفاء الراشدين ، "الدولة الأموية" ، "الدولة
الفاطمية" ، "دولة السلاجقة" ، "الدولة العثمانية"
وغيرها كثير ، وأيضا كتاب "تحقيق مواقف
الصحابة في الفتنة" تأليف الدكتور محمد آمحزون .
ففي هذا الكتب ، إن شاء الله ، غنية لمن أراد
قد يراك البعضُ تقياً و قد يراك آخرون مجرماً ، و قد يراك آخرون كذا أو كذا لكن الحقيقة أنك أنت أدرى بنفسك ،السرُ الوحيدُ الذى لايعلمه غيرُك ، هو سر علاقتك بربك فلا يغرنك المادِحون و لايضُرنّك القادِحون لِأن الحقيقة تقول : بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَه.