موافقات عمر رضي الله عنه لربه عزوجل
*------**------**------**------**------*
"إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه و قال ابن عمر ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال فيه عمر أو قال ابن الخطاب فيه شك خارجة إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر "(1)
قال البخاري في صحيحه
"حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ عُمَرُ : وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ ، فَقُلْتُ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ؟ فَنَزَلَتْ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَمُصَلًّى سورة البقرة آية 125 ، وَآيَةُ الْحِجَابِ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ لَهُنَّ : عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ، أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ" (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَا تٍسَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) سورة التحريم الآية 5الكتب (2)
قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري في شرحه للحديث
قوله : ( وافقتربي في ثلاث ) أي وقائع ، والمعنى وافقني ربي فأنزل القرآن على وفق ما رأيت، لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه ، أو أشار به إلى حدوث رأيه وقدم الحكم، وليس في تخصيصه العدد بالثلاث ما ينفي الزيادة عليها ; لأنه حصلت له الموافقة فيأشياء غير هذه من مشهورها قصة أسارى بدر وقصة الصلاة على المنافقين ، وهما في الصحيح، وصحح الترمذي من حديث ابن عمر أنه قال ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال فيه عمر إلا نزل القرآن فيه على نحو ما قال عمر وهذا دال على كثرة موافقته ، وأكثر ما وقفنا منها بالتعيين على خمسة عشر لكن ذلك بحسب المنقول ، وقد تقدم الكلام على مقام إبراهيم، وسيأتي الكلام على مسألة الحجاب في تفسير سورة الأحزاب ، وعلى مسألة التخيير في تفسيرسورة التحريم ، وقوله في هذه الرواية " واجتمع نساء النبي - صلى الله عليه وسلم- في الغيرة عليه فقلت لهن : عسى ربه . . . إلخ " وذكر فيه من وجه آخر عن حميدفي تفسير سورة البقرة زيادة يأتي التنبيه عليها في باب عشرة النساء في أواخر النكاح.
عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ :قَالَ عُمَرُ : " وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ ، وَفِيالْحِجَابِ ، وَفِي أُسَارَى بَدْرٍ " .(3)
لما كان يوم بدر ، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف ، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا . فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة . ثم مد يديه فجعل يهتف بربه ( اللهم ! أنجز لي ما وعدتني .اللهم ! آت ما وعدتني . اللهم ! إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض) فما زال يهتف بربه ، مادا يديه ، مستقبل القبلة ، حتى سقط رداؤه عن منكبيه . فأتاهأبو بكر . فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه . ثم التزمه من ورائه . وقال : يا نبي الله! كذاك مناشدتك ربك . فإنه سينجز لك ما وعدك . فأنزل الله عز وجل : { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين } [ 8 / الأنفال / 9 ] فأمده الله بالملائكة. قال أبو زميل : فحدثني ابن عباس قال : بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجلمن المشركين أمامه . إذ سمع ضربه بالسوط فوقه . وصوت الفارس يقول : اقدم حيزوم . فنظرإلى المشرك أمامه فخر مستلقيا . فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه ، وشق وجهه كضربة السوط. فاخضر ذلك أجمع . فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال( صدقت . ذلك مدد السماء الثالثة ) فقتلوا يومئذ سبعين . وأسروا سبعين . قال أبو زميل:
قال ابن عباس : فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر ( ما ترون فيهؤلاء الأسارى ؟ ) فقال أبو بكر : يا نبي الله ! هم بنو العم والعشيرة . أرى أن تأخذمنهم فدية . فتكون لنا قوة على الكفار . فعسى الله أن يهديهم للإسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما ترى ؟ يا ابن الخطاب ؟ ) قلت : لا . والله ! ما أرى الذي رأى أبو بكر . ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم . فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه . وتمكنيمن فلان ( نسيبا لعمر ) فأضرب عنقه . فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها . فهوى رسول اللهصلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر . ولم يهو ما قلت . فلما كان من الغد جئت فإذا رسولالله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان . قلت : يا رسول الله ! أخبرني منأي شيء تبكي أنت وصاحبك . فإن وجدت بكاء بكيت . وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء . لقدعرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة ) ( شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم) وأنزل الله عز وجل : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَفِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . إلى قوله : فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ 8 / الأنفال/ 67 - 69 ] فأحل الله الغنيمة لهم .(4)
قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيرالآية :
هذه معاتبة من اللّه لرسوله وللمؤمنين يوم (بدر ) إذ أسروا المشركين وأبقوهم لأجل الفداء،.
وكان رأي: أمير المؤمنين عمر بن الخطابفي هذه الحال، قتلهم واستئصالهم.
فقال تعالى: ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَلَهُ أَسْرَىَ حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرْضِ )
أي: ما ينبغي ولا يليق به إذا قاتل الكفارالذين يريدون أن يطفئوا نور الله ويسعوا لإخماد دينه،
وأن لا يبقى على وجه الأرض من يعبد الله، أن يتسرع إلى أسرهم وإبقائهم لأجل الفداء الذي يحصل منهم،
وهو عرض قليل بالنسبة إلى المصلحة المقتضية لإبادتهم وإبطال شرهم،.فما دام لهم شر وصولة، فالأوفقأن لا يؤسروا.
فإذا أثخنوا، وبطل شرهم، واضمحل أمرهم، فحينئذ لا بأس بأخذ الأسرى منهم وإبقائهم.
يقول تعالى: ( تُرِيدُونَ ) بأخذكم الفداء وإبقائهم( عَرَضَ الدُّنْيَا ) أي: لا لمصلحة تعود إلى دينكم.
( وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ) بإعزاز دينه، ونصر أوليائه، وجعل كلمتهم عالية فوق غيرهم، فيأمركم بما يوصل إلى ذلك.
( وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) أي: كامل العزة، ولو شاء أن ينتصر من الكفار من دون قتال لفعل، لكنه حكيم، يبتلي بعضكم ببعض.
( لَوْلاكِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ ) به القضاء والقدر، أنه قد أحل لكم الغنائم، وأن اللّه رفع عنكم - أيها الأمة - العذاب ( لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا) وهذا من لطفه تعالى بهذه الأمة، أن أحل لها الغنائم ولم يحلها لأمة قبلها.( وَاتَّقُوااللَّهَ ) في جميع أموركم ولازموها، شكرا لنعم الله عليكم. ( إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ)
يغفر لمن تاب إليه جميع الذنوب، ويغفر لمن لم يشرك به شيئا جميع المعاصي.
( رَحِيمٌ) بكم، حيث أباح لكم الغنائم وجعلها حلالا طيبا.انتهى كلامه رحمه الله
وفي الصلاة على عبد الله بن سلول
روى البخاري في صحيحه
لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول، دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه ، فلما قام رسول الله صلى الله عليهوسلم وثبت إليه ، فقلت : يا رسول الله ، أتصلي على ابن أبي ، وقال قال يوم كذا وكذا: كذا وكذا ؟ أعدد عليه قوله ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أخر عنييا عمر . فلما أكثرت عليه ، قال : إني خيرت فاخترت ، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها . قال : فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف ، فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا - إلى ......وهم فاسقون } . قال : فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ،والله ورسوله أعلم .(5)
" لما توفي عبد الله بن أبي ، ابن سلول ،جاء ابنه ، عبدالله بن عبدالله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه . فأعطاه . ثم سأله أن يصلي عليه . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه . فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : يا رسول الله ! أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إنما خيرني الله فقال : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم . إن تستغفر لهم سبعين مرة . وسأزيده على سبعين " قال : إنه منافق . فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأنزل الله عز وجل : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره } [9 / التوبة / 84 ] .
وفي رواية : نحوه . وزاد : قال فترك الصلاة عليهم . " (6)
* وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده رحمه شديدة وشفقة على المسلمين ويخشى تعرضهم لعذاب الله وسخطه لأنه صلى الله عليه وسلم كان أعلم الناس بربه وورد في الحديث "والذي نفس محمد بيده ، لو تعلمون ما أعلم ، لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا "(7)
فكان يخشى على المسلمين وكان صلى الله عليه وسلم يحزن على من لا يؤمن من الناس بالله تبارك وتعالى وفي ذلك قال عز وجل (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) الكهف الآية 6.
قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيرالآية
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية الخلق، ساعيا في ذلك أعظم السعي، فكان صلى الله عليه وسلم يفرح ويسر بهداية المهتدين،ويحزن ويأسف على المكذبين الضالين، شفقة منه صلى الله عليه وسلم عليهم، ورحمة بهم،أرشده الله أن لا يشغل نفسه بالأسف على هؤلاء، الذين لا يؤمنون بهذا القرآن، كما قالفي الآية الأخرى: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَن لا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وقال فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ وهنا قال ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ) أي: مهلكها، غما وأسفا عليهم، وذلك أن أجرك قد وجب على الله، وهؤلاء لو علم الله فيهم خيرا لهداهم، ولكنه علم أنهم لا يصلحون إلا للنار، فلذلك خذلهم، فلم يهتدوا، فإشغالك نفسك غما وأسفا عليهم، ليس فيه فائدة لك. وفي هذه الآية ونحوها عبرة، فإن المأمور بدعاءالخلق إلى الله، عليه التبليغ والسعي بكل سبب يوصل إلى الهداية، وسد طرق الضلال والغواية بغاية ما يمكنه، مع التوكل على الله في ذلك، فإن اهتدوا فبها ونعمت، وإلا فلا يحزنولا يأسف، فإن ذلك مضعف للنفس، هادم للقوى، ليس فيه فائدة، بل يمضي على فعله الذي كلفبه وتوجه إليه، وما عدا ذلك، فهو خارج عن قدرته، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلميقول الله له: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وموسى عليه السلام يقول: رَبِّ إِنِّيلا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي الآية، فمن عداهم من باب أولى وأحرى، قال تعالى:( فَذَكِّرْإِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ).(ا.هــ)
(1)الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الألباني - المصدر:صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3682خلاصة حكم المحدث: صحيح
(2) صحيح البخاري » كِتَابالصَّلَاةِ » أَبْوَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ » بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ، وَمَنْ لَمْ يَرَ . » رقم الحديث: 390 .
(3)الكتب » صحيح مسلم » كِتَاب فَضَائِلِالصَّحَابَةِ » بَاب مِنْ فَضَائِلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ » رقم الحديث:4419 .
(4) الراوي: عبدالله بن عباس و عمربن الخطاب المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم -رقم 1763خلاصة حكم المحدث:صحيح.
(5)الراوي: عمر بن الخطاب المحدث:البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1366خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
(6)الراوي: عبدالله بن عمر المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2774خلاصة حكم المحدث: صحيح
(7)الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر:صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6637خلاصة حكم المحدث: صحيح.