فالدعوة إلى الحق هي أفرض الفروض
وأكمل الفضائل، وصاحبها مبارك
أينما كان على نفسه وعلى غيره
وخصوصاً إذا دعا نفسه قبل غيره
واتصف بما دعا إليه كما في الآية السابقة
وهي: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]
فهذا لا أحسن قولاً منه، ولا أكمل منه؛
لأنه دعا الخلق إلى الله، وقام بما دعا إليه
وانقاد للدين والطاعة من كل وجه
وقد أمر تعالى بالدعوة إلى سبيله
وهي طريقة الرسول ودينه الذي هو الصراط المستقيم
بالحكمة أي: بكل دعوة وكل وسيلة يحصل بها
المقصود كله أو بعضه، وذلك متوقف على علم الداعي
ومعرفته، وبصيرته
ولا يكفي هذا حتى يعرف كيف الطريق إلى دعاية الخلق
وكيف سلوك الوسائل التي يتوصل بها
إلى إيصال الحق إلى القلوب بالعلم والرفق واللين
وأحسن الوسائل إلى ذلك وأنجحها السبل التي دعا الرسل إليها قومهم- أولياءهم وأعداءهم-
فإنهم يدعون إلى الله بتوضيح الحق وبيان أدلته وبراهينه
وإبطال ما يناقضه؛
يدعون كل أحد بما يناسب حاله ويليق بمقامه
فالمستجيبون القابلون لما جاءوا به
الذين ليس عندهم معارضات لما جاءت به الرسل
يبينون لهم الحق، ويخبرونهم بمواضع مراضي الله ومواطن سخطه
فإن ما معهم من الإيمان الصادق
والانقياد الصحيح، والاستعداد لطلب الحق
أكبر داع إلى سلوك سبيله إذا بان
والانقياد له إذا اتضح؛
ولهذا يخبر الله في كتابه في- عدة آيات-
أنه {هدى ورحمة للمؤمنين}، و{هدى للمتقين}
و{هدى ورحمة لقوم يوقنون}
لأن هؤلاء لا يحتاجون إلى مجادلة
فعندهم الاستعداد الكامل لسلوك الصراط المستقيم؛
وهو الإيمان واليقين بصحة ما جاء
به الرسول وصدقه
وأما أهل الأغراض والأهواء المانعة من أتباع الحق
فإنهم يدعونهم مع التعليم والتوضيح للحقائق، بالموعظة الحسنة؛
بذكر ما في الأوامر من المصالح والخيرات
والثمرات العاجلة والآجلة
وكانوا يجادلون المعارضين والمعاندين
بالتي هي أحسن من الترغيب والترهيب؛
في اتباع الحق، بذكر فضائله ومحاسنه، والترهيب من الباطل
بذكر مضاره ومساوئه
وإقامة الأدلة والبراهين المقنعة على ذلك
بحسب الحال والمقام، وذلك كله بالرفق واللين؛
وعدم المخاشنة المنفرة؛
لأن الغرض المقصود نفع الخلق، وردهم عما هم عليه من الباطل