لقوله تعالى: ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ) . الآية فيها توبيخ لأهل النار فتقام عليهم الحجة من وجهين ، الوجه الأول: كوني. والثاني: شرعي.أما الكوني: فإن الله أمدهم في العمر حتى بلغوا عمراً يتذكر فيه المتذكر ، أي لم يعاجلهم بالموت حتى يقولوا والله إننا لم نعطي فسحة نتذكر فيها بل أعطوا مهلة يتذكرون فيها ويشمل هذا طول العمر والحوادث التي تجد على الإنسان ، والمصائب فيتعظ بها لأن المصائب يجب أن تكون موعظة للقلوب يتعظ بها الناس لأن الله يقول: { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون } فهذا أيضاً مما يعمر فيه الإنسان عمراً يتعظ فيه. أما الشرعي أو الحجة الشرعية فقال: ( وجاءكم النذير ) وهو الرسول والخطاب لكل أمة بحسبها فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم نذير لأمة محمد ، وغيره من الأمم نذيرهم رسولهم ، كل أمة خلا فيها نذير وقامت عليها الحجة فهم إذا وُبخوا هذا التوبيخ ، ازدادوا حسرة والعياذ بالله وقالوا: يا أسفاً ، ويا حسرتا ، كيف لم نتعظ ! جاءنا النذير وعُمرنا عمراً نتمكن فيه من الاتعاظ والموعظة.
أعذر الله إليه: أي أعطاه عمرا يكون فيه العذر ، أي عذر الله فأقام عليه الحجة فلم يعد له عذر عند الله عز وجل. (أ.هــ) .
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كلما كبر الإنسان ازداد حباً في الدنيا وازداد أمله فتجد العمر غالياً جداً عند الكبير ، وتجده عند الصغير رخيصاً فالصغير يبذل عمره ولا يهتم ، ولكن الكبير يشح في العمر ، كلما ازداد في العمر ازداد قوة في الأمل ، والحديث الأول يقول: حب الدنيا. والحديث الثاني يقول: حب المال. والأول أشمل وأعم ، يعني يشمل حب الدنيا ، القصور ، والمال والجاه والرئاسة ، والنساء وغيره ، وحب المال أخص.فالأول أعم وهذا هو الواقع ، ولهذا يذكر أن رجلاً قيل له يا أبا فلان بلغت ثلاث وستين سنة ، وهو عمر النبي صلى الله عليه وسلم وفيها بركة ، قال: نعم في عمر النبي صلى الله عليه وسلم بركة ، ولكن نبدأ من اليوم ، أي يكون له مائة وست وعشرين ، فلم ترضه الثلاث وستين سنة.
س: ( وجاءكم النذير ) المراد به الرسل وليس الشيب ، فتقام عليهم الحجة بذلك.
ج: والإنسان غالباً لا يذكر عمره لحبه أن يبقى شاباً ، ولهذا يقال: ( اسأل الصدوق عن عمره يكذبك ) وهذا طبيعي وفطري كل إنسان يريد أن يكون شاباً ، كما قال الشاعر :
ألا ليت الشباب يعود يوماً *** فأخبره بما فعل المشيب
ج: وذكر الستين سنة ليس المقصود أن النذير يمتد إلى الستين سنة ، المقصود أن الإنسان إذا بلغ الستين يعرف أنه قرب من الموت ، فعليه أن يتعظ بالنذير.
قوله: ( أعذر الله ) الإعذار إزالة العذر والمعنى: أنه لم يبق له اعتذار كأن يقول لو مد لي في الأجل لفعلت ما أمرت به ، يقال أعذر إليه إذ بلغه أقصى الغاية في العذر ومكنه منه. وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له فلا ينبغي له حينئذٍ إلا الاستغفار والطاعة والإقبال على الآخرة بالكلية ونسبة الإعذار إلى الله مجازية والمعنى أن الله لم يترك للعبد سبباً في الاعتذار يتمسك به والحاصل أنه لا يعاقب إلا بعد حجة. فالله أمده بعمر لا يكون له فيه عذر عند الله عز وجل. (أ.هـ).
(1) لو أنَّ لابنِ آدمَ واديًا من ذهبٍ أحبَّ أن يكونَ له واديان ، ولن يملأَ فاه إلَّا التُّرابُ ، ويتوبُ اللهُ على من تاب . وقال لنا أبو الوليدِ : حدَّثنا حمادُ بنُ سلمةَ ، عن ثابتٍ ، عن أنسٍ ، عن أُبيٍّ قال : كنَّا نرَى هذا من القرآنِ ، حتَّى نزلت : أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ .
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 6439 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] |