سادساً :أجـــر الوقوف بعرفـــــة
عسى الله أن يشرح صدورنا لأدائه على وجه يرضى به عنا
يقـول صاحبنـا : أمـا عـن الوقـوف بعرفـة : فالنفـس إليـه توّاقـة ، تتلهـف علـى أدائـه ؛ إلـى عظيـم الأجـر فيـه مشـتاقة :
فعـن عبـد الله بـن عمـرو بـن العـاص ـ رضي الله عنهما عـن النبــي صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قـال : (إن الله تعالـى يباهـي ملائكتـه عشـية عرفـة بأهـل عرفـة، يقـول :انظـروا إلـى عبـادي، أتونـي شـعثًا غبـرًا ) (1)
ففضـل الله فيـه عظيـم ، والرحمـات علـى العبـاد تتـرى مـن الكريـم ؛ فحقـيق أن يكـون وقـوف هـذا اليـوم المشـهود أهـم المناسـك علـى الحجيـج
فعـن عبـد الرحمـن بـن يعمـر الديلـي - رضي الله عنه - عـن النبــي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قــال : ( الحـج عرفـة ) (2)
فحـري بمـن وقـف هـذا الموقـف : أن يكـون الدعـاء إلـى الله همـه ، فـلا يكـف لسـانه عنـه سـائر يومـه .
فعـن طلحـة بـن عبيـد الله بـن كريز - رضي الله عنهما - عـن النبــي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قـال :
( أفضـل الدعـاء دعـاء يـوم عرفـة ...)(3)
وحقيـق بمـن امتـن الله عليـه بشـهوده : أن يتحـرى الدعـاء بالمأثـور ؛ مسـتنًا بمـا جـاء عـن الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
فعـن علـي بـن أبـي طالـب ـ رضي الله عنه ـ عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال : ( أفضـل مـا قلـت أنـا والنبيـون عشـية عرفـة : لا إله إلا الله وحـده لا شريك لـه ، له الملـك ولـه الحمـد ، وهـو علـى كـل شـيء قديـر) (4)
فمـن وضـع نصـب عينيـه أجـر وقـوف ذلـك اليـوم ؛ لـن يكـف عـن سـؤال الكريـم أن يجعـل لـه إلـى ذلـك سـبيلاً ، ولـن يألـو فـي طلـب الأسـباب ، ولـن يدخـر في سـبيل تحقيـق نوالـه مـن حيلـة ، يحـدوه فـي ذلـك الأمـل مشـفوعًا بالدعـاء والعمـل :
عـن عبـد الله بـن عمـر بـن الخطـاب ـ رضي الله عنهما ـ قـال : ( كنـت جالسًـا مـع النبـي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فـي مسـجد منـى فأتـاه رجـل مـن الأنصـار ورجـل مـن ثقيـف فسـلما ثـم قـالا يـا رسـول الله جئنـا نسـألك فقـال :
" إن شـئتما أخبرتكمـا بمـا جئتمـا تسـألاني عنـه فعلـت ، وإن شـئتما أن أمسـك وتسـألاني فعلـت " ؟ . فقـالا : أخبرنـا يـا رسـول الله ! فقـال الثقفـي للأنصـاري : سـل . فقـال : " جئتنـي تسـألني عـن مخرجـك مـن بيتـك تـؤم البيـت الحـرام ومـا لـك فيـه ، وعـن ركعتيـك بعـد الطـواف ومـا لـك فيهمـا ، وعـن طوافـك بيـن الصفـا والمـروة ومـا لـك فيـه ، عـن وقوفـك عشـية عرفـة ومـا لـك فيـه ، وعـن رميـك الجمـار ومـا لـك فيـه ، وعـن نحـرك ومـا لـك فيـه ، مـع الإفاضـة " .
فقـال : والـذي بعثـك بالحـق ! لعـن هـذا جئـت أسـألك .
قـال : " فإنـك إذا خرجـت مـن بيتـك تـؤم البيـت الحـرام ؛ لا تضـع ناقتـك خفًـا ، ولا ترفعـه ؛ إلا كتـب ( الله ) لـك بـه حسـنة ، ومحـا عنـك خطيئـة .
وأمـا ركعتـاك بعـد الطـواف ؛ كعتـق رقبـة مـن بنـي إسـماعيل .
وأمـا طوافـك بالصفـا والمــروة ؛ كعتـق سـبعين رقبـة .
وأمـا وقوفـك عشـية عرفــة ؛ فـإن الله يهبـط إلـى سـماء الدنيـا فيباهـي بكـم الملائكـة يقـول : عبـادي جاؤنـي شـعثًا مـن كـل فـج عميـق يرجـون رحمتـي ، فلـو كانـت ذنوبكـم كعـدد الرمـل ، أو كقطـر المطـر ، أو كزبـد البحـر ؛ لغفرتهـا ، أفيضـوا عبـادي ! مغفـورًا لكـم ، ولمـن شـفعتم لـه ....) (5)
وعـن عائشـة - رضي الله عنها - قالـت: قـال : النبـي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: ( مـا مـن يـوم أكثـر مـن أن يعتـق الله فيـه عبيـدًا مـن النـار مـن يـوم عرفـة ، وأنـه ليدنـو ، ثـم يباهـي بهـم الملائكـة فيقـول : مـا أراد هـؤلاء ؟ اشـهدوا ملائكتـي أنـي قـد غفـرت لهـم ) (6)
فـائــدة:
قـال ابـن الأثيـر: ... وفيـه : ( صلـى بنـا رسـول الله ـ عليه السلام - إحـدى صلاتـي العشـي فسـلم مـن اثنتيـن ) يريد صـلاة الظهـر أو العصـر ؛ لأن مـا بعـد الـزوال إلـى المغـرب عشـي ، وقيـل : العشـي مـن زوال الشـمس إلـى الصبـاح . (7) انتهى النقل
ولن أستطيع وصف ما أصاب القلب ، فلم يكن له في يومه همٌ و لا كرب ، إلا الإلحاح متذللاً للربّ ، أن يجعله مغفورا له الذنب ، وأن يدخله برحمته في زمرة من أحبّ .
وبعدُ : ألا يحق لنا الرجاء ، والإلحاح على الكريم بالدعاء ، مشفوعٍ بالتذلل والبكاء ، أن يرزقنا شهود الموقف مرات ومرات ، وألا يحرمنا نوال تلك الفضائل والرحمات بما ارتكبناه من ذنوبٍ وزلاّت ، إنه كريم سميع مجيب الدعوات .
***************************
يتبـــــــــ إن شاء الله ـــــــــــــــــــــع