ملتقى قطرات العلم النسائي

ملتقى قطرات العلم النسائي (http://www.katarat1.com/forum/index.php)
-   ملتقى القرآن وعلومه (http://www.katarat1.com/forum/forumdisplay.php?f=4)
-   -   { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّ (http://www.katarat1.com/forum/showthread.php?t=1434)

الأخت المسلمة 10-23-2012 08:20 PM

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّ
 
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}

وهـٰذه الآية الكريمة فيها بيان ثمرةٍ عظيمة
من ثمار الإيمان وأثرٌ مبارك من آثاره العظام
ألا وهو : أن الله عز وجل يجعل للمؤمن الذي يعمل الصالحات وُدًّا في قلوب عباده ،
وتأمل قول الله عز وجل في هـٰذه الآية الكريمة :
﴿
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ﴾ فهـٰذا منُّ الله عز وجل وفضله وتوفيقه سبحانه ،

وهو -كما تقدَّم- أثرٌ من آثار الإيمان والأعمال الصَّالحات.

وفوائد الإيمان لا حصر لها ،
وقد كتب فيها أهل العلم كتابات نافعة، ومن أميَز ذلك ما كتبه العالم المحقِّق الشَّيخ عبد الرحمـٰن بن ناصر السعدي رحمه الله في كتابه
« التَّوضيح والبيان لشجرة الإيمان» ؛
حيث عقد فيه فصلًا في بيان فوائد الإيمان وثماره وآثاره .

وهـٰذه الفائدة التي دلَّت عليها هـٰذه الآية الكريمة
﴿
سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ يبيِّنها الحديث الذي في صحيح مسلم - حديث أبي هريرة رضي الله عنه ،
وقد أورده عامَّة المفسرين عند هـٰذه الآية الكريمة
- أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ،
قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ،
فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ،
قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ
)) « يُوضَعُ »
تأمّل هنا وفي الآية قال: ﴿
سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ ﴾ الأمر بيده جلَّ وعلا. قال: (( وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ ، فَيَقُولُ :
إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ
)) نسأل الله لنا جميعًا العافية قَالَ: ((فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ
إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ،
قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ
)) .

وهـٰذا الحديث لما خرّجه مسلم في صحيحه وذكر له بعض الطرق ذكر في بعض طرقه -طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة – قصة ، وهي أن سهيل بن أبي صالح يقول : « كُنَّا بِعَرَفَةَ فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
العزيز

وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ فَقَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ


- أي: نظرة حبّ وتقدير ومودّة -
فَقُلْتُ لِأَبِي : يَا أَبَتِ إِنِّي أَرَى اللَّهَ يُحِبُّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ،

قَالَ وَمَا ذَاكَ ؟ قُلْتُ لِمَا لَهُ مِنْ الْحُبِّ فِي قُلُوبِ النَّاسِ ،
فَقَالَ : بِأَبِيكَ أَنْتَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ((إنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا...)) وذكر الحديث».

وجاء عن أبي الدَّرداء رضي الله عنه أنه كتب إلى مسْلَمة بن مُخَلَّد

رضي الله عنه وكان وَلِي مصر فقال له:

« سَلامٌ عَلَيْك أمَّا بَعْد : فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا عَمِل بِطَاعَةِ الله

أَحَبَّهُ اللهُ، فَإِذَا أَحَبَّهُ اللهُ حَبَّبَهُ إِلَى عِبَادِه ،
وَإِنَّ العَبْدَ إِذَا عَمِلَ بِمَعْصِيَةِ اللهِ أَبْغَضَهُ اللهُ،


فَإِذَا أَبْغَضَهُ، بَغَّضَهُ إِلَى عِبَادِهِ
» ؛ وهـٰذه البُغضة التي تكون
من نصيب من يعصي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تُوضع في قلوب العباد ،

ولهـٰذا يجد الإنسان العاصي وحشة بينه وبين الصَّالحين من عباد الله خاصة،

ويجد نفسه نافرةً منهم ، وأنَّه ليس منهم وليسو منه ،
ولا يحرص على مجالستهم ؛ وهـٰذا كله من شؤم المعصية

وآثارها السَّيئة وعواقبها الوَخيمة على الإنسان في هـٰذه الحياة الدُّنيا .
ثم إنّ المؤمن عندما يقوم بالأعمال الصَّالحات يجب عليه

أن يقوم بها مبتغيًا بها وجه الله راجيًا بها ثواب الله،
لا يقوم بها تزلُّفًا للمخلوقين وتصنُّعًا للعباد ومراءاة للنَّاس ،
فإنَّ المراءاة والتصنُّع والتزلّف للنَّاس لا تزيد الإنسان عند الله إلا بُعدًا ،
وفي قلوب النَّاس لا يزداد إلا مقتًا ،
والعبادة لا يُتقرَّب بها إلَّا إلى الله، ولا يُطلب بها إلَّا ثواب الله،
ولا يُرجى من ورائها إلا نيل رحمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة:5] .
أمَّا من يقوم بالعبادات من أجل النَّاس تصنُّعا وتزلُّفًا
ومراءاة فهـٰذا لا يحصِّل ما أمَّل ويَحرم نفسَه
ثواب تلك الأعمال وأجورها ، في الحديث القدسي

يقول الله تعالى : « أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ
مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ
».
وممَّا يُروى في هـٰذا المقام : ما رواه ابن أبي حاتم عن الحسن البصري رحمه الله تعالى قال: « إنَّ رجلاً قال: لأعبدنَّ الله عبادة أُذكر بها -أنظر إلى النِّية-

ثم أخذ يجتهد في العبادة ، فكان لا يُرى إلا قائمًا يُصلِّي ،
قال: وكان أوَّل داخل للمسجد وآخر خارجٍ منه
- لـٰكن النِّية ما هي؟ (عبادة أُذكر بها) - قال: فلم يعظَّم ،

وكان كلَّما مرَّ بقوم قالوا : انظروا هـٰذا المرائي -

لأنَّ الإنسان مهما حاول أن يخبِّئ خفاياه يفضحه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ،
ولا يجعل له قَبولًا أو محبَّة في قلوب العباد ،
ولهـٰذا ننتبَّه مرَّة ثانية لقوله:
﴿ سَيَجْعَلُ ﴾
وأيضا لقوله: «يُوضَعُ له» هـٰذا أمرٌ بيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى –
قال : فكان لا يمرُّ بقوم إلَّا قالوا: انظروا إلى هـٰذا المرائي،
فقال: ما أراني أُذكر عند النَّاس إلا بشرٍّ -

واربط هـٰذا بقوله في بداية الكلام: (عبادة أُذكر بها) ،
فأصبح لا يُذكَر عند النَّاس إلا بشرٍّ ،

عُومِل بنقيض قصْده ، حتى الشَّيء الذي كان يطمع فيه في دنياه ما حصَّله - قال: فلمَّا رأى هـٰذه الحال قال: لأجعلنَّ عملي كلَّه لله ،

وقَلَب نيَّته ، قال: فما أن قلب نيَّته ولم يزد على

العمل الذي كان يعمل حتى كان لا يمرُّ على
قوم إلَّا قالوا : رحم الله فلانًا - يعني أصبح في ألسنة الناس الدُّعاء له -

ثم تلا الحسن قول الله سبحانه:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ ».

والعبد ينبغي أن يسعى في هـٰذه الحياة في نيل محبَّة الله

ونيل محبة عباد الله ، وقد جاء في ابن ماجه وغيره عن

سهل بن سعد رضي الله عنه أنَّ رجلا قال :

يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ
أَحَبَّنِي اللَّهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّوكَ ))

الشاهد أن الإنسان يجتهد في هـٰذه الحياة

في نيل محبَّة الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ولن ينال هـٰذه المحبَّة بمجرد

الأماني ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾[النساء:123]

بل لهـٰذا علامة وبيِّنة بيَّنها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في قوله:

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران:31] ،
ومن الدُّعاء المأثور عن نبينا صلى الله عليه وسلم ممّا يتعلق بهـٰذا المقام :
«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ ، وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ».
ولِيَكُن هـٰذا الدُّعاء ختام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بتصرف قليل / من تفريغ محاضرة للشيخ :

- عبد الرازق بن عبد المحسن البدر


الساعة الآن 08:24 PM بتوقيت مسقط

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir

a.d - i.s.s.w