جاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أرَأَيْتَ إنْ جاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أخْذَ مالِي؟ قالَ: فلا تُعْطِهِ مالَكَ قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قاتَلَنِي؟ قالَ: قاتِلْهُ قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قالَ: فأنْتَ شَهِيدٌ، قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قالَ: هو في النَّارِ.
الراوي : أبو هريرة -صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم : 140 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
الدِّفاعُ عنِ المالِ والنَّفسِ أمرٌ لازمٌ وثابتٌ، ودَفعُ المُعتدي على شَيءٍ من ضَروريَّاتِ الدِّينِ أمرٌ واجبٌ أيضًا، ولذلكَ أمَرَ الشَّرعُ بدَفعِ الصَّائلِ والمُعتدي دفعًا لضَررِهِ، ودفعًا لتكَرُّرِ هذا الأمرِ على الغَيرِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه جاءَ رَجلٌ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسألَه: أخبِرني إن جَاءَ رجُلٌ يُريدُ أن يَعتديَ عليَّ ويَسلُبَني مالي دُونَ وَجه حقٍّ، فماذا أفعَلُ؟ فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"فلا تُعطِهِ مالَكَ". وهذا أمرٌ صَريحٌ بالامتِناعِ عن إِهلاكِ المالِ بإعطائه للصَّائلِ والمُعتدي أوِ الظَّالمِ الذي يُحاوِلُ أخْذَ أموالِ النَّاسِ، بَل تَعدَّى الأمرُ عن مُجرَّدِ الامتِناعِ إلى ضَرورةِ الدِّفاعِ والمُقاتَلةِ، فسألَ الرَّجلُ"أَرَأَيْتَ إنْ قَاتَلَني؟" يُريدُ أن يَأخُذَه بالقوَّةِ والغَصبِ، فأخبِرني ماذا أفعلُ معه؟ فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" قاتِلْه"، هكذا بالأمرِ الصَّريحِ: إن قاتَلَكَ على أخذِ مالِكَ فقاتِله حتَّى تَدفَعَه، ثُمَّ إنَّ هذه المُقاتَلةَ تَكونُ بعدَ المُناشَدةِ باللهِ، والاستعانةِ بالمُسلِمينَ، ووُلاةِ الأمورِ؛ فقد أخرَجَ النَّسائيُّ عن أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه قالَ"جاءَ رَجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَ: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ إنْ عُدِيَ على مالي، قالَ: فانْشُدْ باللهِ، قالَ: فإنْ أبَوا عليَّ؟ قالَ: فانشُدْ باللهِ، قالَ: فإنْ أبَوا عليَّ؟ قالَ: فانشُدْ باللهِ، قالَ: فإنْ أبَوا عليَّ؟ قالَ: فقاتِلْ، فإنْ قُتِلتَ ففي الجَنَّةِ، وإنْ قَتَلتَ ففي النَّارِ"، وهنا سألَ هذا الرَّجلُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"أرأيتَ إنْ قَتَلَني؟" أي: فما حُكمُ اللهِ في أمري؟ فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" فأنتَ شَهيدٌ"، أي: فأنتَ بمَنزِلةِ الشَّهيدِ، ولكَ أجرُ شَهيدٍ في الآخِرةِ، دُونَ أحكامِ الدُّنيا؛ فيُغسَّلُ ويُصلَّى عليه، ولا يَلزَمُ منه أن يكونَ مِثلَ ثَوابِ شَهيدِ الحَربِ. فسألَه الرَّجلُ" أَرَأيْتَ إنْ قتَلْتُهُ؟" فما حُكمُ اللهِ في أمرِه، وماذا عليَّ؟ فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"هُوَ في النَّارِ" لكَونِه قُتِلَ ظالمًا، ولا شيءَ عليك؛ لكَونِك مَظلومًا مُدافِعًا عن حقِّك، والمُرادُ أنه يَستحقُّ النَّارَ، وقد يُجَازَى، وقد يُعفَى عنه، إلَّا أن يَكُونَ مُستحِلًّا لذلك بغيرِ تأويلٍ، فإنَّه يَكفُرُ، ولا يُعفَى عنه. وهذا منَ التَّغليظِ والتَّخويفِ والتَّحذيرِ من الاعتداءِ على أموالِ الناسِ مَخافةَ أخذِها ظُلمًا وعُدوانًا.
وفي الحديثِ: بيانُ تَحريمِ مالِ المُسلِمِ بغَيرِ رِضاه.
وفيه: دليلٌ على أنَّه لا ديَةَ في قتلِ المُحارِبينَ، ولا قَوَدَ. الدرر.