عن عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ-رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال "أَهْلُ الجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ القَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ" صحيح مسلم.
وأهلُ الجنَّةِ ثلاثةٌ، أي: ثلاثةُ أجناسٍ مِنَ الأشخاصِ.
* الأوَّلُ: ذو سلطانٍ، أي: حَكَمٌ مُقسِطٌ، أي: عادلٌ، مُتصدِّقٌ، أي: مُحسِنٌ إلى النَّاسِ، مُوفَّقٌ، أي: الَّذي هُيِّئَ له أسبابُ الخيرِ، وفُتحَ له أبوابُ البِرِّ. فعبر بالسلطان المقسط : عن كل ذي ولاية ، فيدخل في ذلك الحاكم في ولايته ، والأب في أسرته ، والرئيس في عمله ، وكل من له ولاية على أحد .
*والثَّاني: رجلٌ رَحيمٌ، أي: على الصَّغيرِ والكبيرِ رقيقُ القلبِ لكلِّ ذي قُربى خُصوصًا. ومُسلمٍ، أي: لكلِّ مُسلِمٍ عمومًا. وعبّر بالرحيم رقيق القلب : عن عموم المسلمين ، فالمسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يسلمه ، ويحبه ، ويحب له ما يحب لنفسه من الخير ، ويعطف عليه ويرفق به ويرحمه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا " رواه مسلم (54) ، وقال صلى الله عليه وسلم " الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ" رواه أبو داود (4941) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
*والثَّالثُ: عَفيفٌ، أي: مُجتَنِبٌ عمَّا لا يَحلُّ، مُتعفِّفٌ، أي: عَنِ السُّؤالِ، مُتوكِّلٌ على الملِكِ المتعالِ في أمْرِه، ذُو عِيالٍ، أي: لا يحمِلُه حُبُّ العيالِ ولا خوفُ رزقِهم على ترْكِ التَّوكُّلِ بِارتكابِ سُؤالِ الخلْقِ، وتحصيلِ المالِ الحرامِ والاشتغالِ بهم عَنِ العلمِ والعملِ مِمَّا يجبُ عليه، ويُحتملُ أنَّه أشارَ بِالعَفيفِ إلى ما في نَفْسِه مِنَ القوَّةِ المانعةِ عَنِ الفواحشِ، وبِالمتعفِّفِ إلى إبرازِ ذلك بِالفعلِ واستعمالِ تلكَ القوَّةِ؛ لإظهارِ العفَّةِ عَن نفسِه. وعبر بالعفاف عن تقوى الله المانعة من تعدي حرمات الله والتجاسر عليها ، قال القاري رحمه الله : " وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَشَارَ بِالْعَفِيفِ : إِلَى مَا فِي نَفْسِهِ مِنَ الْقُوَّةِ الْمَانِعَةِ عَنِ الْفَوَاحِشِ " انتهى من "مرقاة المفاتيح" 7 3107-
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله " وَإِذِ اسْتَقْرَيْتَ أَحْوَالَ الْعِبَادِ ، عَلَى اخْتِلَافِهَا : لَمْ تَجِدْ أَحَدًا يَسْتَأْهِلُ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَيَحِقَّ لَهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا ، إِلَّا وَهُوَ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ ، غَيْرُ خَارِجٍ عَنْهَا " انتهى من "مرقاة المفاتيح" 7- 3107-
وقيل : يفيد أن غالب أهل الجنة إنما يكونون من هؤلاء الأصناف ، فقد يأتي ما يفيد ظاهره الحصر ، ويكون المراد الإشارة إلى الغالب ، كقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ: النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ " رواه مسلم :1985. والمقصود إرَادَةُ الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُتَّخَذُ الْخَمْرُ مِنْ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ .
انظر : "نيل الأوطار" 8/ 201.