🟢على منهاج النُّبُوَّة
2⃣5️⃣
✍فلا تُقْدِمُوا عليه!
خرجَ عُمر بن الخطاب من المدينة يُريدُ الشَّام، فلما صارَ في منطقة يُقال لها سَرْغ، لَقِيَهُ أبو عبيدة بن الجراح وأُمراء الجند، وأخبروه أن الطاعون قد وقع في الشام. فدعا إليه المهاجرين، فمنهم من أشار عليه أن يرجع إلى المدينة، ومنهم من أشار عليه أن يمضي في مسيره! فقال لهم: ارتفعوا عني! ثم دعا الأنصار واستشارهم، فإذا هم كالمهاجرين على رأيين أحدهما العودة إلى المدينة، والآخر بالمضي قُدُماً! فقال لهم: ارتفعوا عني. ثم دعا شيوخ قريش الذين أسلموا بعد الفتح فاقترحوا عليه أن يرجع إلى المدينة فهو أمير المؤمنين ومن معه بقية صحابة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وليس الأمر حثيثاً يدعو للمُخاطرة، فأخذَ برأيِهم!
👈🏻فقال له أبو عبيدة: أفراراً من قدرِ الله يا أمير المؤمنين؟!
فقال له عمر: لو أنَّ غيرك قالها يا أبا عبيدة، وكان عُمر يحبُّه ويكره خلافه، ثم قال له: لو كان لك إبل فهبطتْ وادياً فيه مكان خصيب ومكان جدب أليسَ إن رعيتَ في الخصيبِ رعيتَ بقدرِ الله، وإن رعيتَ في الجدبِ رعيتَ بقدرِ الله؟!
ثم أمر الناس أن يستعدوا للعودة إلى المدينة،
👈🏻 وفي هذه الأثناء حضرَ عبد الرحمن بن عوف وكان متغيّباً لبعض حاجته، فقال: إنَّ عندي من هذا علماً، سمعتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول عن الطاعون: ▪"إذا سمعتم به بأرضٍ فلا تُقدِموا عليه، وإذا وقعَ بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه"! فحمدَ عمرُ اللهَ تعالى أن أراه الحقَّ وهداه إلى السُّنة، ثم مضى بالناس عائداً إلى المدينة!
هذه هي سُنَّة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عند انتشارِ الأوبئة، أن لا يسافر الإنسان لمكان موبوء، وأن لا يخرج من مكانٍ ضربه الوباء، والسبب قد أقرَّه الطب بعد 1400 سنة من حديث النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو أن للأمراض فترة حضانة، وهي المدة التي تقع بين إصابة المريض بالمرض وظهور عوارض عليه، وهذه تختلف من مرض إلى آخر، فالإيدز مثلاً قد يصاب به الإنسان ولا تظهر عوارضه إلا بعد سنوات، أما فايروس كورونا ففترة حضانته أسبوعان، وقد يحسب المرء أنه معافى منه فينقُله معه إلى بلد آخر، وقد يكون سليماً ويلتقي في سفره بإنسانٍ لم تظهر عليه العوارض بعد فيُصاب ويرجع إلى أهله حاملاً المرض!
والحرص مطلوب، والأخذ بالأسباب واجب ، وتجنب أماكن الزحام في هذه الأوضاع أولى، ومن شكَّ بعوارض المرض فليعتزل حتى المساجد !
▪بقي أن نُشير أن هذا الفايروس الذي انتشر إنما هو خلق من خلقِ الله، ناصيته بيده سبحانه مثلنا تماماً! إنه يعمل بأمرِ اللهِ لا بأمر نفسه، وإنَّ الله سبحانه لا يخلق شيئاً إلا لحكمةٍ ولو غابتْ عنا وعجِزنا بأفهامنا المحدودة أن نُدركَ حكمته جلَّ في علاه، صحيح أنَّ الهلع والخوف فطرة بشرية لا شيء فيها، واتِّخاذ التدابير الوقائية وسبل السلامة أمر واجب في هذه الحالات، إلا أنَّ هذه الحوادث والأوبئة فرصة لنتذكَّر عظمة هذا الرب وقدرته، لقد قام هذا الكوكب واستنفر من مشرقه إلى مغربه بسبب فايروس لا يرى بالعين المُجردة، جنديٌ واحد من جُنود الله، جعلنا نُدرك كم نحن ضُعفاء ونُعيدُ بُوصلة العقيدة إلى اتجاهها الصحيح إلى الله القوي والقادر!
▪إن البلاء لا ينزل إلا بذنب، ولا يرتفعُ إلا بتوبة، وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أنه في سنة 478 للهجرة كثُرَتْ الأمراض بالحمى والطاعون في العِراقِ والشَّامِ والحِجَاز، وماتتْ الوحوش في البراري، ثم تلاها موت البهائم، وماتَ خلقٌ كثير، فأمرَ الخليفة المُقتدي بأمرِ الله بتجديدِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكسر آلات الملاهي، فانجلى ذلك الطاعون، وذهبتْ تلك الأمراض!
عافانا الله وإياكم، وسلَّمنا من كل سوء!
منقول
التعديل الأخير تم بواسطة أم حذيفة ; 04-19-2020 الساعة 02:02 AM
|