32 ـ " وأَل " تًُفِيدُ الكُلَّ فِي العُمُومِ فِي الجَّمْعِ والإِفْرَادِ كَالعَلِيمِ
33 ـ والنَّكِراتُ فِي سِيَاقِ النَّفْي تُعْطِي العُمُومَ أَوْ سِياقِ النَّهْي
34 ـ كَذَاكَ " مَنْ " و " مَا " تُفِيدَانِ مَعَا كُلَّ العُمُومِ يَا أُخَيَّ فاسْمَعَا
35 ـ وَمِثْلُهُ المُفْرَدُ إِذْ يُضافُ فَافهم ـ هُدِِيتَ الرُّشدَ ـ ما يُضَافُ
الأبيات ( 32 ، 33 ، 34 ، 35 ) هذه الأبيات تتعلق بذكر ألفاظ العموم . وهذا ما ذهب إليه الجمهور .فقد ذهب جمهور الأصوليين والفقهاء واللُّغَويين أن للعموم صيغًا وألفاظًا . وقد ذَكر أنه قول الجمهور غيرُ واحدٍ ، كأبي المعالي الجُوَيني في كتابه " البرهان " ، والغَزَّالي في كتابه " المستصفى " ، والقرافي في كتاب له عن ألفاظ العموم ، وغيرهم .
واقتصر الموفق بن قُدامَة ـ رحمه الله ـ في : " الروضة " على خمس صيغ تَبِعَهُ الناظم هنا فذكرها .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 104 .
فشرع الناظم في بيان بعض الألفاظ التي يُستفاد منها العموم لغة ، وهذه تعتبر مباحث في علم الأصول .
ذكرها الأصوليون وغيرهم لتوقف الاستدلال بالنصوص على معرفتها .
وبدأ بأداة التعريف " أل " على مذهب الخليل بن أحمد ، أما على ما ذهب إليه الجمهور ، فنقول " لام التعريف"لأن التعريف عندهم حاصلٌ باللام وحدها ، والألف للوصل ، بدليل سقوطها في دَرَجِ الكلام ، ولو كانت للقطع لثبتت .
قال ابنُ مالكٍ :
" أل " حرف تعريف أو اللامُ فقط *فنمطٌ عَرَّفْتَ قُلْ فيه النَّمطْ .
منظومة القواعد الفقهية / للسعدي / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
" وأَل " تًُفِيدُ الكُلَّ فِي العُمُومِ فِي الجَّمْعِ والإِفْرَادِ كَالعَلِيمِ
أنواع " أل " :
المعرف ب ( أل ) له ثلاث حالات :
أ ـ الاستغراق :
" أل " الاستغراقية ، تفيد العموم ، ويحل محلها كلمة " كل " ، ـ وهي المقصودة في مقامنا هذا ، وسيأتي شرحها ـ .
ب ـ العهد :
" أل " تفيد العهد (1) :
" أل " العهدية : هي التي يُراد بها إرجاع الكلام إلى معهود مصاحب سابق . ولا يستفاد منها العموم . منظومة القواعد ... / الشثري .
والعهد : إما ذِكري ، وإما حضوري ، وإما ذهني .
مثال " أل " التي تفيد العهد الذكري :
قوله تعالى " إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَليْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلاً " . سورة المزمل / آية : 15 ، 16 .
" أل " الرسول تفيد العهد الذكري ، أي الرسولالذي سبق ذِكره .
مثال " أل " التي تفيد العهد الحضوري :
كأن تقول : " أكرِم الرجل " ، وأنت تريد رجلاً حاضرًا في المجلس .
مثال " أل " التي تفيد العهد الذهني :
كأن تقول " ذهب الإمام إلى كذا " ، وفي أذهاننا أنك تقصد الإمام أحمد ، أو الإمام مالك ... . شرح الأصول من علم الأصول / ص : 257 / بتصرف .
ج ـ لبيان الجنس :
و " أل " هنا لا تفيد العموم فلا يحل محلها " كل " . ومثاله : " الرجل خير من المرأة " أو الرجال خير من النساء " ، وهذا قطعًا لا يراد به أن كل رجل خير من كل امرأة . ولكن المراد جنس الرجال إجمالاً خير من جنس النساء إجمالاً ، وإن كان قد يوجد من أفراد النساء من هو خير من بعض الرجال .
الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 259 / بتصرف .
o لطيفة :
ـــــــ
إذا كانت الكلمة مكونة من حرف ، ذُكِرَتْ باسمها ، كالحروف الهجائية ، فيقال : همزة ، وكاف ، ونون ونحو ذلك .
وإذا كانت مكونة من حرفين أو أكثر ، ذُكِرَت بمسماها لا باسمها ، نحو " أل " ، فيقال " أل " ولا يقال ألف لام .
[ ذكر هذه القاعدة اللغوية ابن هشام ـ رحمه الله ـ في " مغني اللبيب " ] .
مجموعة الفوائد البهية على ... / ص : 104 / بتصرف .
قال الناظم ـ السعدي ـ :
وأل تفيد الكلِّ في العموم في الجمع والإفراد كالعليم
* هذه القاعدة من القواعد المهمة ، والتي يحتاج إليها المتفقه في دين الله .
إذا دخلت " أل " ـ الاستغراقية ـ على اسم أفادت العموم (1) سواءٌ كان الاسم مفردًا أم كان جمعًا .
( 1 ) العموم : هو شمول اللفظ لجميع أفراده دَفْعَةً بلا حصر . منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
* فدخولها على المفرد مثل :
قوله تعالى" وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الّذِينَ آمَنُوا " .سورة العصر / آية : 1 : 3 .
أي كل إنسان في خسر ولم يقل سبحانه : ـ " إن الإنسان خاسر " ـ ، لأن تعبير القرآن أبلغ ، لأن " في " للظرفية ، فيكون الخسر محيطًا به من كل جانب كإحاطة الإناء بما فيه . فكل إنسان في خُسر ، لا يختص بإنسان دون غيره ، إلا من استثني ، وهم : الذين آمنوا بقلوبهم ، وعملوا الصالحات بجوارحهم ، وتواصوا بالحق الذي هو : العلم النافع ، والعمل الصالح ، وتواصوا بالصَّبرِ على ذلك ، فهؤلاءِ هم الرابحون ، ومن فاته شيء من هذه الخصال كان
له من الخسار بحسب مافاته .
وكذلك قوله تعالى :
" إِنَّ الإِِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلاَّ الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ " . سورة المعارج / آية : 19 : 27 .
أي كل واحد من الناس هذه صفته ، إلا من أخرجه عن هذه الصفات المذمومة إلى صفات الخير التي هي أضدادها .
- وحديث " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " .
* فعن ابن جُرَيج ، أنه سمِع أبا الزبير يقول : سمعتُ جابرًا يقول : سمعتُ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول " المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانِهِ ويده " . صحيح مسلم . متون / ( 1 ) ـ كتاب : الإيمان / ( 14 ) ـ باب : بيان تفاضل الإسلام ، وأي أموره أفضل / حديث رقم : 65 ـ ( 41 ) / ص : 24 .
المسلم : اسم مفرد ، دخل عليه " أل " التعريف الاستغراقية ، أفادت العموم والاستغراق لجميع المعنى . وجميع المعنى هنا ، أي جميع معنى المسلم الحق ، أي تفيد ـ صفات ـ الكمال ـ اللائقة بالمخلوق .
وتفصيل ذلك :
أن المسلم المتصف بكل صفات المسلم الحق الكامل أو بكل ما ينبغي أن يتصف به المسلم الحق الكامل ، وليس كل مسلم ، هو الذي يسلم المسلمون من لسانه ويده .
فمن المسلمين من لا يسلم المسلمين من لسانه ويده ، فهذا مسلم لكنه لم يتصف بكل صفات المسلم الحق ، فهو فاقد للكمال ، ولا نخرجه من ملة الإسلام ، فالحدود وردت في حق المسلم أصلاً ، فالذي تُقطع يده مسلم ، والذي يرجم مسلم ، ولكنه فاقد للكمال . والكمال منه ما هو واجب ومنه ما هو مستحب .
فهو فاقد للكمال الواجب كمن زنا أو سرق ، ... ولذلك انتفى عنه الإيمان الحق .
* فعن أبي هريرة ، أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال :
" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربُها وهو مؤمن ، والتوبة معروضةٌ بعدُ " .
صحيح مسلم . متون / ( 1 ) كتاب : الإيمان / ( 24 ) ـ باب : بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ، ونفيه عن المتلبس بالمعصية ، على إرادة نفي كماله / حديث رقم : 104 ـ ( 57 ) / ص : 28 .
- ودخول " أل " على أسماء الله وصفاته :
فكلما دَخَلَتْ " أل " على اسم من أسماء الله ، أو صفة من صفاته أفادت جميع ذلك المعنى ، واستغرقته ، وبلغت نهايته . " كالحيّ القيّوم " أي الذي له الحياة الكامِلةُ المستلزمة لصفات الذَّات ، والقيومية الكاملة ؛ الذي قام بنفسه ، وقام بجميع الخلق تدبيرًا .
" العليم " الذي له العلم الكامل الشامل لكل معلوم .
" الرحمن الرحيم " الذي له الرحمة العامة الواسعة لكل مخلوق .
" الغنيّ " الذي له الغنى التام المطلق من جميع الوجوه .
" العلي ، الأعلى " الذي له العلوّ المطلق من جميع الوجوه
" العظيم ، الكبير ، الجليل ، الجميل ، الحميد ، المجيد " الذي له جميع معاني العظمة والكبرياء ، والجلال ، والجمال ، والحمد والمجد ، وقس على هذا بقية الأسماء والصفات .
ولو لم يكن في هذه القاعدة إلا هذا الموضع الشريف لكفى بها شرفًا وعظمةً .
* دخول أَلْ على الجمع مثل :
- قوله تعالى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ".سورة فاطر / آية : 15 .
وقوله تعالى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ " .سورة الحج / آية : 1 .
يدخل في هذا الخطاب جميع الناس .
- وقوله تعالى " إِنَّما الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ " . سورة التوبة / آية : 28 .
يدخل فيه كل مشرك .
وقوله تعالى " إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا " .
سورة الأحزاب / آية : 35 .
فكل وصف قد دخلت عليه " أل " في هذه الآية يعم ما يدخل في هذا الوصف .
الدرة المرضية / شرح منظومة القواعد الفقهية / جُمعة صالح محمد / ص : 85 / بتصرف .