قصة الرجل المثري مع صاحبه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان رجل مثرٍ قد أعطاه الله من أصناف المال المتنوع من : عقار ،
ونقود ، وعروض ، أموالاً كثيرة .
وكان له صاحب يعرف منه النصح والعلم .
فقال لصاحبه ، شاكيا له الحال :
ألم تر ما أنا فيه من الغنى الواسع ، والأموال الكثيرة ؟
والناس كالمتفقين على أن من كان كذلك ، فقد حصلت لـــه السعادة
الدنيوية ، والعيش الهين ، والحياة السعيدة . وأنا - فيمــا أنا فيه -
لم أدرك ما ذكروا ، ولم أزل أتنقل من هم إلى كدر ، ولم تحصل لي
اللذة الصحيحة في حياتي . فأحب أن ترشدني - يا صاحبي - إلى
الحياة السعيدة ، وإلى الراحة في حياتي .
فقــال لـه صاحبه : يا أخي ! اعلم أن من أتى الأمور من غير أبوابها
وطرقها ، وسلك للمنافع غيــر مسالكها لم يدرك المطلوب ، ولم ينج
من المرهوب . وأنت جعلت الدنيا أكبر همك ، ومبلغ علمك، وحبيبك
الوحيد الذي ملك عليك ظاهرك وباطنك ، ومشاعرك وحواسك كلها .
ومـن كان كذلك فهو طبعا لا يستريح في دنياه ، فإنه إن حصل عليه
كساد ، أو خسارة في بيع وشراء ، أو نقص فـي ثمار ، أو تشوشت
عليه الأسباب في جهة من جهات دنياه ، فإنه في كدر ، فضلا عـــن
الأكدار التي تنتابه من جهة الأهل والعائلة والمعاملين والمعاشرين،
واختلاف الإرادات، وتعذر الاتفاق، والانسجام بينهم من كل وجه ،
أو تعسر ذلك .
فقال له المثري : صدقت ، من هذه الجهات كلها ومن غيرها، يأتيني
الكدر ، والهم ملازم لي في كل أحوالي ، فهل من سبيل إلى تخفيف
ذلك ، أو زواله بالكلية ؟ فقد ضاقت علي الحيل والمحاولات ،
وأنا حريص على راحة نفسي بأي سبيل .
فقال له صاحبه : يأخي ! السبيل واضح ، ولكن ما دامت خطتك على
هذا المنوال ، فغير ممكن لك العيشة الهنيئة ، فإن غيرت خطتك ،
وفهمت ما أقول لك ، وعملت عليه ، رجوت لك الخير ، والحياة
الطيبة السعيدة .
فأول ذلك : أن تعلــم علــم اليقين أن الدنيا والأموال المتنوعة ليست
هي المقصود لذاتها، وإنما هي مقصودة لغيرها، ووسيلة يتوسل بها
العبد إلى منافعه الحقيقية ، ومطالبه الأبدية ، وسعادته الأخروية .
فــاجـعل - يا أخي - هـــذا المعنى الذي لا يستريب فيه العقلاء نصب
عينيك ، وقبلة قلبك ، ثــم اسع فــي تحصيل الدنيا وفــي تصريفها ،
وفي تدبيرها - من كل جهة - على هذا الأساس ، واستصحب النية
الصادقة في جميع نواحي حياتك ، سعيا وتدخيلا وتصريفا .
فـإذا عاملت الناس ببيع وشراء وتأجير ومشاركات وغيرها ، فاقصد
بذلك القيام بالواجبات والمستحبات، والاستغناء عن الخلق، واقتصر
على المعاملات الطيبة الحلال . واجتهد في أن تكون مكاسبك كلهـــا
حلالاً، وأن تصرفها في الواجبات من الزكاة والنفقات، والمستحبات
وتوابعها . تقرب بذلك إلى الله ، واحتسب عنـــده الأجــر والثواب ،
واحمد ربك الذي أقدرك علـى المال ، ثم وفقك في صرفه في الوجوه
النافعة التي تبرئ بها ذمتك ، وتكتسب بهـا الأجر العظيم عند الله ،
وتكــــون لك مغنما لا مغرما . فإنك إن فعـلــت ذلك ، هانت عليـــك
النفقات ، وبذلتها بسماحة ورغبة ، وعلـم بأنها تكسب لك أمثالها
أضعافا مضاعفة . ومــع ذلك ، فـإذا حصل فيها ما تحب من زيادة
ونمو وكمال، فأكثر من حمد الله وشكره، وإذا حصل فيها ما تكره،
فاحتسب ذلك عند الله ، واعتبرها من المصائب التي يعوض الله
الصابرين عليها من الأجر أضعاف أضعاف ما فاتهم .
فإنك إن وفقت لذلك ، حصلت لك الحياة الطيبة ، وهـــي راحة القلب
وطمأنينته ، وطمعه في فضل الله وثوابه في كل حالة ، وفــي كـــل
وقت .ومع ذلك، فإنه لا يفوتك من نصيبك من الدنيا، ولا من لذاتها
شيء ، بل تستوفيها كاملة هنيئة ، تفوق فيها لذة المترفين
ونعيمهم ، ويجمع الله لك بين خيري الدنيا والأخرة .
واعلم أن هذا ليس بعسير ، بل هو يسير على من يسره الله عليه .
ومن ذاق طعم هذه الحياة، علم أن هذه الحياة التي يسعى لها الخلق
وأرباب الدنيا وجمهورهم ، لم يدركها الساعي بل مات بغمه
ولم يذق لها طعما .
ولكنك - يا أخــي - تحتـاج إلى تمرين كثير ، وتغيير لطبيعتك الأولى
حيث ملكت الدنيا عليك مشاعرك وأمورك كلها ، وتستعين الله على
ذلك ، فمن توكل عليه أعانه وكفاه .
فوا أسفا لمن أعطوا نصيبا من الدنيا فخسروها ، وأعطوا الأسباب
التي تدرك بها الخيرات فلم يستعملوها ، ووهبت لهم المواهب
المتنوعة فلم ينتفعوا بها ، ويستغلوها !
وما أحسن ما قاله الحكيم في شعره :
ولم أر في عيوب الناس عيبا ... كنقص القادرين على التمام !
كتاب الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة فـي العقائد والفنون
المتنوعة الفاخرة ( ص 193 ) للشيخ عبدالرحمن السعدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعديل الأخير تم بواسطة أم سليمان ; 08-11-2016 الساعة 03:26 AM
|