ملتقى قطرات العلم النسائي
 
 

الـــمـــصـــحـــــف الـــجـــامـــع
مـــصـــحـــــف آيـــــات
موقع الدرر السنية للبحث عن تحقيق حديث

العودة   ملتقى قطرات العلم النسائي > ::الملتقى العام:: > ملتقى الحديث وعلومه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-19-2013, 03:18 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016
إنَّكَ لن تدَعَ شيئًا اتِّقاءَ اللَّهِ

«إنَّكَ لن تدَعَ شيئًا اتِّقاءَ اللَّهِ، جَلَّ وعَزَّ، إلَّا أعطاكَ اللَّهُ خيرًا منهُ »

من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد: فقد رُوِيَ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((مَنْ تَرَكَ شَيْئًا للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيْرًا مِنْه)).
وهذا الحديث ضعيف لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا اللفظ، وإن كان مشهورًا - لغويًا - عند كثير من الناس، وقد ثبت بِلَفْظٍ آخر

«إنَّكَ لن تدَعَ شيئًا اتِّقاءَ اللَّهِ، جَلَّ وعَزَّ، إلَّا أعطاكَ اللَّهُ خيرًا منهُ »
الراوي: رجل من أهل البادية-المحدث: الوادعي - المصدر: الصحيح المسند - الصفحة أو الرقم: 1523-خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

وهذا الحديث العظيم قد اشتمل على ثلاث جُمَل.

الأولى قوله: ((لن تدع شيئًا))، وهذا لفظ عام يشمل كل شيء يتركه الإنسان؛ ابتغاءَ وجه الله تعالى.

الثانية: قوله: ((اتقاء الله - عزَّ وجلَّ -))، هذه الجملة بَيَّن فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الترك لابد أن يكون ابتغاءَ مرضاة الله لا خوفًا من سُلْطان، أو حَيَاء من إنسان، أو عدم القدرة على التمكن منه، أو غير ذلك.

الثالثة: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أبدله الله خيرًا منه))، وهذه الجملة فيها بيانٌ للجزاء

الذي يناله من قام بذلك الشرط، وهو تعويض الله للتارك خيرًا وأفضل
مما ترك، والعوض من الله قد يكون من جنس المتروك، أو من غير جنسه، ومنه الأنس بالله - عز وجل - ومحبته وطُمأنينة القلب وانشراح الصدر، ويكون في الدنيا والآخرة؛ كما عَلَّم اللهُ المؤمِنَ أن يدعو: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: 201].


قال قتادة السدوسي: لا يقدر رجلٌ على حرام ثم يدعه، ليس به إلا مخافة الله - عز وجل -، إلا أَبْدَلَهُ في عاجل الدنيا قبل الآخرة.


وفي حديث أبي هريرة عنه - صلى الله عليه وسلم - فيما يَرْوِيه عن ربه قال: ((يقول الله: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أنْ يَعْمَلَ سَيئَةً فَلا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَة، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوا لَهُ حَسَنَة، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سُبْعُمَائَة))[2].


والأمثلة التي تُبيِّن عظيم خلف الله تعالى لعباده كثيرة جدًا، منها:

ما قصه الله تعالى عن نبي الله سليمان - عليه السلام - في سورة (ص)، وخلاصته: أنه كان محبًّا للجهاد في سبيل الله، ولذلك كانت عنده خيل كثيرة وكان يحبها حبًّا شديدًا، فاشتغل بها يومًا حتى فاتته صلاة العصر، فغربت الشمس قبل أن يصلي، فأمر بها فرُدَّتْ عليه، فضرب أعناقها وعراقبيها بالسيوف؛ إيثارًا لمحبة الله - عز وجل -، وقد كان ذلك جائزًا في شريعتهم.

فعَوَّضه الله - عز وجل - خيرًا منها الريح التي تجري بأمره رخاءً حيث أصاب، تقطع في النهار ما يقطعه غيرها في شَهْرَيْن.


وإليك الآيات فتدبر. قال تعالى:
{وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ * وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص: 30: 36].


المثال الثاني: النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لما هاجروا تركوا ديارهم، وأموالهم لله تعالى، فعوَّضهم الله بأن جعلهم قادة الدنيا، وحُكَّام الأرض وفتح عليهم خزائن كِسْرَى وقيصر، ومَكَّنهم من رقاب الملوك والجبابرة، هذا مع ما يرجى لهم من نعيم الآخرة، فشكروا، ولم يكفروا، وتواضعوا ولم يتكبروا، وحكموا بالعدل بين الناس، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].

وتأمل قصة أحد هؤلاءِ المهاجرين، وهو صُهَيْب الرومي - رضي الله عنه -، فعن عِكْرِمة قال: لمَّا خرج صهيب مُهاجرًا تبعه أهل مكة، فنثل كنانته فأخرج منها أربعين سَهْمًا، فقال: "لا تَصِلُونَ إليّ حتَّى أضع في كُلِّ رجُلٍ منكم سهمًا، ثم أصير بعد إلى السيف، فتعلمون أني رجل، وقد خلفت بمكة قينتين فهما لكم.. ونزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فلمَّا رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أَبَا يَحْيَى رَبِحَ البَيْعُ، قَالَ: وتلا عليه الآية))[3].


المثال الثالث: نبي الله يوسف - عليه الصلاة والسلام - عُرِضَتْ عليه المغريات في أرقى صورها، فاستعصم فعصمه الله، وترك ذلك لله - عز وجل -؛ لأنَّ الله جعله من المخلصين، وأُوذِيَ بسبب ذلك؛ فاختار السجن على ما يدعونه إليه، فصبر واختار ما عند الله فعوضه الله تعالى أحسن العوض، فملَّكه على خزائن الأرض، وعلمه تأويل الرؤيا، فنعم المُعْطِي، ونعم المُعْطَى، ونعمت العَطِيَّة.

قال تعالى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يوسف: 33: 34].


وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 56].


والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــ


[2] صحيح البخاري (4/404) برقم (7501).
[3] مستدرك الحاكم (3/450) ورقم (1298) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وحسنه الشيخ مقبل الوادعي في كتابه الصحيح المسند من أسباب النزول (ص33).
منقول بتصرف

لمَّا خرجَ صهَيبٌ مهاجرًا تبِعَه أهلُ مكَّةَ ، فنَثَلَ كِنانتَهُ ، فأخرجَ مِنها أربعينَ سهمًا فقال : لا تصِلونَ إليَّ حتَّى أضعَ في كلِّ رجلٍ منكُم سهمًا ثمَّ أصيرَ بعدَه إلى السَّيفِ فتعلَمونَ أنِّي رجلٌ وقد خلَّفتُ بمكَّةَ قَينتَينِ فهُما لكُم قال : وحدَّثنا حمَّادُ بنُ سَلمةَ عن ثابتٍ عن أنسٍ نحوَه ونزلَت علَى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّمَ : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ الآيةُ . فلمَّا رآهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّمَ قال : أبا يحيَى رَبِحَ البَيعُ ، قال : وتلا عليهِ الآيةَ . الراوي: أنس بن مالك المحدث: الوادعي - المصدر: صحيح أسباب النزول - الصفحة أو الرقم: 40
خلاصة حكم المحدث: له طرق أخر أغلبها مراسيل وهي بمجموعها تزيد الحديث قوة وتدل على ثبوته
الدرر السنية

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 11-30-2016 الساعة 08:29 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-20-2013, 08:30 AM
الاء الرحمن الاء الرحمن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 26

جزاك الله خيرا

معلمتي الغالية
أم أبي التراب



رد مع اقتباس
  #3  
قديم 02-18-2014, 04:46 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016

آمين وإياك حبيبتي الاء الرحمن
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 02-25-2014, 12:53 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016
افتراضي


إن للشهوات سلطاناً على النفوس، واستيلاء وتمكناً في القلوب، فتركها عزيز، والخلاص منها عسير، ولكن من اتقى الله كفاه، ومن استعان به أعانه { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } وإنما يجد المشقة في ترك المألوفات والعوائد من تركها لغير الله، أما من تركها مخلصاً لله فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا أول وهلة؛ ليمتحن أصادق في تركها أم كاذب، فإن صبر على تلك المشقة قليلاً استحالت لذة، وكلما ازدادت الرغبة في المحرم، وتاقت النفس إلى فعله، وكثرة الدواعي للوقوع فيه عظم الأجر في تركه، وتضاعفت المثوبة في مجاهدة النفس على الخلاص منه.
ولا ينافي التقوى ميل الإنسان بطبعه إلى الشهوات، إذا كان لا يغشاها، ويجاهد نفسه على بغضها، بل إن ذلك من الجهاد ومن صميم التقوى، ثم إن من ترك لله شيئاً عوضه الله خيراً منه، والعوض من الله أنواع مختلفة، وأجل ما يعوض به: الأنس بالله، ومحبته، وطمأنينة القلب بذكره، وقوته، ونشاطه، ورضاه عن ربه تبارك وتعالى، مع ما يلقاه من جزاء في هذه الدنيا، ومع ما ينتظره من الجزاء الأوفى في العقبى.
نماذج لأمور من تركها لله عوضه الله خيراً منها:

*- من ترك مسألة الناس، ورجائهم، وإراقة ماء الوجه أمامهم، وعلق رجاءه بالله دون سواه، عوضه خيراً مما ترك فرزقه حرية القلب، وعزة النفس، والاستغناء عن الخلق « ومن يتصبر يصبره الله ومن يستعفف يعفّه الله ».
- أَنَّ ناسًا من الأنصارِ سألوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . فأعطاهم . ثم سألوه فأعطاهُم . حتى إذا نفَذَ ما عنده قال ما يكن عندي من خيرٍ فلن أدَّخرَه عنكم . ومن يستعفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ . ومن يستغنِ يُغنِهِ اللهُ . ومن يصبرِ يُصبِّرْهُ اللهُ . وما أُعطِيَ أحدٌ من عطاءٍ خيرٍ وأوسعَ من الصَّبْرِ .
الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1053- خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

*ومن ترك التكالب على الدنيا جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة.
مَن كانتِ الآخرةُ هَمَّه . جعل اللهُ غِنَاه في قلبِه وجَمَع له شَمْلَه ، وأَتَتْه الدنيا وهي راغمةٌ ، ومَن كانت الدنيا هَمَّه . جعل اللهُ فقرَه بين عَيْنَيْهِ ، وفَرَّق عليه شَمْلَه ، ولم يَأْتِهِ من الدنيا إلا ما قُدِّرَ له
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6510-خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

*من ترك الكذب، ولزم الصدق فيما يأتي ويذر، هدي إلى البر، وكان عند الله صدّيقاً، ورزق لسان صدق بين الناس، فسودوه، وأكرموه، وأصاخوا السمع لقوله.

عليكم بالصِّدقِ . فإنَّ الصِّدقَ يهدي إلى البرِّ . وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّةِ . وما يزالُ الرَّجلُ يصدُقُ ويتحرَّى الصِّدقَ حتَّى يُكتبَ عند اللهِ صِدِّيقًا . وإيَّاكم والكذِبَ . فإنَّ الكذِبَ يهدي إلى الفجورِ . وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النَّارِ . وما يزالُ الرَّجلُ يكذِبُ ويتحرَّى الكذِبَ حتَّى يُكتبَ عند اللهِ كذَّابًا . وفي روايةٍ : بهذا الإسنادِ . ولم يُذكرْ في حديثِ عيسَى ويتحرَّى الصِّدقَ . ويتحرَّى الكذبَ . وفي حديثِ ابنِ مسهرٍ حتَّى يكتُبَه اللهُ .
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2607
- خلاصة حكم المحدث: صحيح

الدرر السنية


*ومن ترك المراء وإن كان محقاً ضمن له بيت في ربض الجنة، وسلم من شر اللجاج والخصومة، وحافظ على صفاء قلبه، وأمن من كشف عيوبه.
"مَن تَركَ المراءَ و هوَ مُبطِلٌ بُنِيَ لهُ بَيتٌ في رَبَضِ الجنَّةِ ، و مَن تَركَهُ و هوَ مُحِقٌ بُنِيَ لهُ في وَسطِهَا ، ومَن حَسُنَ خُلُقُه بُنِيَ لهُ في أَعلاهَا"

الراوي: أبو أمامة الباهلي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 138
خلاصة حكم المحدث:حسن لغيره
الدرر السنية


*- ومن ترك الكبر، ولزم التواضع كمل سؤدده، وعلا قدره، وتناهى فضله، قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم في الصحيح: « ومن تواضع لله رفعه ».
والكبر : هو الترفع واعتقاد الإنسان نفسه أنه كبير، وأنه فوق الناس، وأن له فضلاً عليهم.

والإعجاب: أن يرى الإنسان عمل نفسه فيعجب به، ويستعظمه ويستكثره.
فالإعجاب يكون في العمل، والكبر يكون في النفس، وكلاهما خلق مذموم الكبر والإعجاب.
والكبر نوعان: كبر على الحق، وكبر على الخلق، وقد بيّنهما النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (( الكبر بطر الحق وغمط الناس)) فبطر الحق يعني رده والإعراض عنه، وعدم قبوله، وغمط الناس يعني احتقارهم وازدراءهم وألا يرى الناس شيئاً، ويرى أنه فوقهم.

"ما نقُصتْ صدقةٌ من مالٍ وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلَّا عزًّا . وما تواضَع أحدٌ للهِ إلَّا رفعه اللهُ"
الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2588- خلاصة حكم المحدث: صحيح

الدرر السنية


*- ومن ترك الانتقام والتشفي مع قدرته على ذلك، عوضه الله انشراحاً في الصدر، وفرحا في القلب؛ ففي العفو من الطمأنينة والسكينة والحلاوة وشرف النفس، وعزها، وترفعها ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام.
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: « وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ».
*"ما نقُصتْ صدقةٌ من مالٍ وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلَّا عزًّا . وما تواضَع أحدٌ للهِ إلَّا رفعه اللهُ"
الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2588 -خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

*جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ اللهِ، كم نعفو عن الخادمِ فصمَتَ، ثم أعادَ عليه الكلامَ فصَمَتَ، فلما كان في الثالثةِ قال: "اعفوا عنه في كل يومٍ سبعين مرةٍ." الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 5164- خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

* "ارْحموا تُرْحموا ، و اغفِروا يغفِرِ اللهُ لكم ويلٌ لأقماعِ القولِ ، ويلٌ للمُصِرِّين الذين يُصرُّون على ما فعلوا و هم يعلَمون" الراوي: عبدالله بن عمرو المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الأدب المفرد - الصفحة أو الرقم: 293
خلاصة حكم المحدث:
صحيح
الدرر السنية




**ووردت آيات كثيرة في ذكر العفو والصفح والترغيب فيهما، ومن هذه الآيات:
- قوله تعالى: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 22].


" وَلَا يَأْتَلِ " أي: لا يحلف ""أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا"

كان من جملة الخائضين في الإفك " مِسْطَح بن أثاثة " وهو قريب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه, وكان مسطح فقيرا من المهاجرين في سبيل الله.
فحلف أبو بكر أن لا ينفق عليه, لقوله الذي قال.
فنزلت هذه الآية, ينهاهم عن هذا الحلف المتضمن لقطع النفقة عنه, ويحثه على العفو والصفح, ويعده بمغفرة الله, إن غفر له فقال: " أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " إذا عاملتم عبيده, بالعفو والصفح, عاملكم بذلك, فقال أبو بكر - لما سمع هذه الآية-: بلى, والله إني لأحب أن يغفر الله لي, فرجع النفقة إلى مسطح.
وفي هذه الآية دليل على النفقة على القريب, وأنه لا تترك النفقة والإحسان بمعصية الإنسان, والحث على العفو والصفح, ولو جرى منه ما جرى من أهل الجرائم.

تفسير السعدي
قال ابن كثير: (هذه الآية نزلت في الصدِّيق، حين حلف ألا ينفع مِسْطَح ابن أثاثة بنافعة بعدما قال في عائشة ما قال،... فلما أنزل الله براءةَ أمِّ المؤمنين عائشة، وطابت النفوس المؤمنة واستقرت، وتاب الله على مَن كان تكلَّم من المؤمنين في ذلك، وأُقيم الحدُّ على مَن أُقيم عليه، شَرَع تبارك وتعالى، وله الفضل والمنة، يُعطِّفُ الصدِّيق على قريبه ونسيبه، وهو مِسْطَح بن أثاثة، فإنَّه كان ابن خالة الصديق، وكان مسكينًا لا مال له إلا ما ينفق عليه أبو بكر، رضي الله عنه، وكان من المهاجرين في سبيل الله، وقد وَلَق وَلْقَة تاب الله عليه منها، وضُرب الحدَّ عليها. وكان الصديق رضي الله عنه معروفًا بالمعروف، له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب. فلما نزلت هذه الآية إلى قوله: أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي: فإنَّ الجزاء من جنس العمل، فكما تغفر عن المذنب إليك نغفر لك، وكما تصفح نصفح عنك. فعند ذلك قال الصديق: بلى، والله إنَّا نحبُّ -يا ربنا -أن تغفر لنا. ثم رَجَع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة، وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا، في مقابلة ما كان قال: والله لا أنفعه بنافعة أبدًا، فلهذا كان الصديق هو الصديق رضي الله عنه وعن بنته)

تفسير ابن كثير


- وقال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 133].
(قوله تعالى... وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ يدخل في العفو عن الناس، العفو عن كلِّ من أساء إليك بقول أو فعل، والعفو أبلغ من الكظم؛ لأنَّ العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء، وهذا إنما يكون ممن تحلَّى بالأخلاق الجميلة، وتخلَّى عن الأخلاق الرذيلة، وممن تاجر مع الله، وعفا عن عباد الله رحمة بهم، وإحسانًا إليهم، وكراهة لحصول الشرِّ عليهم، وليعفو الله عنه، ويكون أجره على ربه الكريم، لا على العبد الفقير، كما قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى: 40])


وقال سبحانه: "وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ "[الشورى:40].
(قال ابن عباس رضي الله عنه: من ترك القصاص وأصلح بينه وبين الظالم بالعفو (فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) أي إن الله يأجره على ذلك. قال مقاتل: فكان العفو من الأعمال الصالحة)


قال السعدي: (ذكر الله في هذه الآية، مراتب العقوبات، وأنها على ثلاث مراتب: عدل، وفضل، وظلم.
فمرتبة العدل: جزاء السيئة بسيئة مثلها، لا زيادة ولا نقص، فالنفس بالنفس، وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها، والمال يضمن بمثله.
ومرتبة ال
فضل: العفو والإصلاح عن المسيء، ولهذا قال: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى: 40] يجزيه أجرًا عظيمًا، وثوابًا كثيرًا، وشرط الله في العفو الإصلاح فيه؛ ليدلَّ ذلك على أنَّه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته، فإنه في هذه الحال لا يكون مأمورًا به.
وفي جعل أجر العافي على الله ما يُهيِّج على العفو، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فَلْيَعْفُ عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم؛ فإنَّ الجزاء من جنس العمل.
وأما مرتبة الظلم: فقد ذكرها بقوله: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى:40] الذين يجنون على غيرهم ابتداءً، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته، فالزيادة ظلم)

وقال تعالى: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى: 37].
قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: (أي: سجيتهم وخلقهم وطبعهم تقتضي الصفح والعفو عن الناس، ليس سجيتهم الانتقام من الناس)



الدرر السنية موسوعة الأخلاق

الوسائل المعينة على ترك الانتِقَام

مِن الوسائل المعينة على ترك الانتِقَام:
1- تذكُّر انتقام الله مِن أهل معاصيه:
قال تعالى: أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [إبراهيم: 5]. قال: (أيَّامه التي انتقم فيها مِن أهل معاصيه مِن الأمم، خوَّفهم بها، وحذَّرهم إيَّاها، وذكَّرهم أن يصيبهم ما أصاب الذين مِن قبلهم)

2- العفو والصَّفح:
الإنسان إذا عفا وأحسن، أورثه ذلك مِن سلامة القلب لإخوانه، ونقائه مِن طلب الانتِقَام وإرادة الشَّرِّ، وحصل له مِن حلاوة العفو ما يزيد لذَّته ومنفعته عاجلًا وآجلًا

قال ابن حبَّان: (ولم يُقْرَن شيءٌ إلى شيءٍ أحسن مِن عفوٍ إلى مَقْدِرة. والحِلْم أجمل ما يكون مِن المقتدر على الانتِقَام)

وعن ابن السَّمَّاك أنَّ رجلًا مِن قريش -عظيم الخطر في سالف الدَّهر- كان يطالب رجلًا بذَحْلٍ*، وألحَّ في طلبه، فلمَّا ظفر به، قال: لولا أنَّ المقدرة تُذْهِب بالحفيظة لانتقمت منك، ثمَّ عفا عنه
*- ذحل : ثأر . 2 - ذحل : حقد . 3 - ذحل : عداوة المعجم: الرائد
هنا
3- كَظْم الغَيْظ:
قال تعالى:" وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ "[آل عمران: 133-134].
قال السعدي: (قوله تعالى: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ" أي: إذا حصل لهم مِن غيرهم أذيَّةٌ توجب غيظهم، وهو امتلاء قلوبهم مِن الحَنْق الموجب للانتقام بالقول والفعل، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطِّباع البشريَّة، بل يكظمون ما في القلوب مِن الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم)

4- تجنُّب السُّخرية والاستهزاء بين أفراد المجتمع:
فشيوع أمثال هذه الأخلاق يبْذُر بذور العداوة والبغضاء بين الناس، ويوَلِّد الرَّغبة في الانتِقَام.
5- الخوف مِن ضياع الزَّمان والعمر، وتفرُّق القلب وفَوْت المصالح:
أن يعلم أنَّه إذا اشتغلت نفسه بالانتِقَام وطلب المقَابَلة، ضاع عليه زمانه، وتفرَّق عليه قلبه، وفاته مِن مصالحه ما لا يمكن استدراكه

6- التَّفكير بأنَّ في الانتِقَام زيادة شرِّ الخصومة:
فإذا انتقم لنفسه، تسبَّب إلى زيادة شرِّ خصمه.
7- فراغ القلب مِن الاشتغال به والفِكْر فيه:
وأن يقصد أن يمحوه مِن باله كلَّما خطر له، فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفِكر فيه

8- الإقبال على الله والإخلاص له، وذلك في كلِّ وقت وحين.
9- دفع أسباب الانتِقَام: ومنها الغضب: ولا يأتي إلَّا عند هيجانه، فلا بدَّ مِن معرفة العلاج للغضب عند هيجانه؛ حتى يتسنَّى للمرء التَّخلُّص مِن هذه المعضلة، وقد ذكر الغزَّالي أسباب علاج الغضب، فقال: (وإنَّما يُعَالَج الغضب عند هيجانه بمعجون العلم والعمل، وأمَّا العلم فهو أمور:
الأوَّل: أن يتفكَّر فيما ورد في فضل كَظْم الغَيْظ والعفو والحِلْم والاحتمال، فيرغب في ثوابه، وتمنعه الرَّغبة في الأجر عن الانتِقَام، وينطفئ عنه غيظه.
الثَّاني: أن يخوِّف نفسه بعقاب الله لو أمضى غضبه، وهل يأمن مِن غضب الله يوم القيامة، وهو أحوج ما يكون إلى العفو.
الثَّالث: أن يحذِّر نفسه عاقبة العداوة والانتِقَام، وتشمُّر العدو لمقابلته، والسَّعي في هدم أغراضه، والشَّماتة بمصائبه، وهو لا يخلو عن المصائب، فيخوِّف نفسه بعواقب الغضب في الدُّنيا، إن كان لا يخاف مِن الآخرة.
الرَّابع: أن يتفكَّر في قُبْح صورته عند الغضب، بأن يتذكَّر صورة غيره في حالة الغضب، ويتفكَّر في قُبْح الغضب في نفسه، ومشابهة صاحبه للكلب الضَّاري والسَّبع العادي، ومشابهة الحليم الهادي التَّارك للغضب للأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء، ويخيِّر نفسه بين أن يتشبَّه بالكلاب والسِّباع وأراذل النَّاس، وبين أن يتشبَّه بالعلماء والأنبياء في عادتهم؛ لتميل نفسه إلى حب الاقتداء بهؤلاء إن كان قد بقي معه مُسْكَةٌ مِن عقل.
الخامس: أن يتفكَّر في السَّبب الذي يدعوه إلى الانتِقَام، ويمنعه مِن كَظْم الغَيْظ، مثل قول الشَّيطان له: إنَّ هذا يحمل منك على العجز والذِّلَّة وتصير حقيرًا في أعين النَّاس. فيقول لنفسه: (ما أعجبك! تأنفين مِن الاحتمال الآن، ولا تأنفين مِن خزي يوم القيامة، ولا تحذرين مِن أن تصغري عند الله والملائكة والنَّبيين). فمهما كَظَم الغَيْظ فينبغي أن يكظمه لله، وذلك يعظِّمه عند الله، فما له وللنَّاس؟!
السَّادس: أن يستشعر لذَّة العفو، فلو علم النَّاس أنَّ لذَّة العفو خيرٌ مِن لذَّة التَّشفِّي؛ لأنَّ العفو يأتي بالحمد، والتَّشفِّي يأتي بالنَّدم، لو علموا هذا ما انتقم لنفسه إنسان، لأنَّه لو فعل كلُّ إنسان هذا، وانتقم لنفسه لانحطَّ عالم الإنسان إلى دَرْك السِّباع والوحوش.
وأمَّا العمل: فأن تقول بلسانك: أعوذ بالله مِن الشَّيطان الرَّجيم، وإن كنت قائمًا فاجلس، وإن كنت جالسًا فاضطجع، ويُستحبُّ أن يتوضأ بالماء البارد؛ فإنَّ الغضب مِن النَّار، والنَّار لا يطفئها إلا الماء

الدرر
*- ومن ترك المماطلة في الدين أعانه الله، وسدد عنه بل كان حقا على الله عونه.
قال صلى الله عليه وسلم
"مَنْ أخذَ أموالَ الناسِ يُريدُ أداءَها ، أدَّى اللهُ عنْهُ ، و مَنْ أخذها يريدُ إتْلافَها أتْلَفَهُ اللهُ"
الراوي: أبو هريرة المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 5980 - خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

"من أنظرَ مُعسرًا أو وضعَ لَهُ ، وقاهُ اللَّهُ من فَيحِ جَهَنَّمَ ، ألا إنَّ عملَ الجنَّةِ حزنٌ بربوةٍ - ثلاثًا - ألا إنَّ عملَ النَّارِ سَهْلٌ -بِسَهْوَةٍ-بشهوةٍ ، والسَّعيدُ مَن وُقيَ الفتنَ ، وما مِن جَرعةٍ أحبُّ إلى اللَّهِ مِن جَرعةِ غَيظٍ يَكْظِمُها عبدٌ ، ما كظمَها عبدٌ للَّهِ إلَّا ملأَ اللَّهُ جَوفَهُ إيمانًا"
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: أحمد شاكر - المصدر: عمدة التفسير - الصفحة أو الرقم: 1/415-خلاصة حكم المحدث: [أشار في المقدمة إلى صحته]
الدرر السنية

و الحزن : هو الطريق الوعر المسلك و الربوة : هو المكان المرتفع و أراد به أعلى ما يكون من الروابي و السهوة : بالسين المهملة هو الموضع السهل الذي لا غلط فيه و لا وعورة هنا
"من نفَّس عن غريِمه ، أو محا عنه ، كان في ظلِّ العرشِ يومَ القيامةِ"
الراوي: أبو قتادة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6576-خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية


أتى اللهُ بعبدٍ من عبادِه ، آتاه اللهُ مالًا . فقال له : ماذا عملتَ في الدنيا ؟ ( قال : ولا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا ) قال : يا ربِّ ! آتيتَني مالَكَ . فكنت أبايعُ الناسَ . وكان من خُلُقي الجوازُ . فكنت أتيسَّر على الموسرِ وأُنظِرُ المُعسرَ . فقال اللهُ : أنا أَحَقُّ بذا منك . تجاوَزوا عن عبدي ) . فقال
عقبةُ بنُ عامرٍ الجُهَنِيُّ ، وأبو مسعودٍ الأنصاريُّ : هكذا سمعناه من في رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ .
الراوي: حذيفة بن اليمان المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1560- خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية

محمد بن إبراهيم الحمد بتصرف

هنا
"أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال : ( بينما ثلاثةُ نفرٍ ممن كان قبلكم يمشون، إذ أصابهم مطرٌ، فأووا إلى غارٍ فانطبق عليهم، فقال بعضُهم لبعض : إنه والله يا هؤلاء، لا ينجيكم إلا الصدقُ، فليدعُ كلُّ رجلٍ منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه . فقال واحدٌ منهم : اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجيرٌ عمل لي على فرَقٍ من أرزٍ، فذهب وتركه، وإني عمدتُ إلى ذلك الفرَق فزرعتُه، فصار من أمره أني اشتريت منه بقرًا، وأنه أتاني يطلبُ أجرَه، فقلتُ : اعمد إلى تلك البقر فسُقها، فقال لي : إنما لي عندك فرَقٌ من أرزٍ، فقلت له : اعمد إلى تلك البقرِ، فإنها من ذلك الفرَق، فساقها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرِّج عنا، فانساحت عنهم الصخرةُ . فقال الآخرُ : اللهم إن كنت تعلم : كان لي أبوان شيخان كبيران، فكنت آتيهما كلَّ ليلةٍ بلبنِ غنمٍ لي، فأبطأت عليهما ليلةً، فجئت وقد رقدا، وأهلي وعيالي يتضاغَون من الجوع، فكنتُ لا أسقيهم حتى يشرب أبواي، فكرهتُ أن أوقظهما وكرهتُ أن أدَعهما فيستكنا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتى طلع الفجرُ، فإن كنت تعلم أني فعلتُ ذلك من خشيتك ففرِّج عنا، فانساحت عنهم الصخرةُ حتى نظروا إلى السماءِ . فقال الآخرُ : اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنةُ عمٍّ، من أحب الناسِ إليَّ، وأني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائةِ دينارٍ، فطلبتها حتى قدرتُ، فأتيت بها فدفعتُها إليها فأمكنتني من نفسها، فلما قعدتُ بين رجلَيها، قالت : اتقِ اللهِ ولا تفضَّ الخاتمَ إلا بحقه، فقمتُ وتركتُ المائةَ دينارٍ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتِك ففرِّج عنا، ففرج الله عنهم فخرجوا ) .

الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3465- خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الدرر السنية

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 03-29-2014 الساعة 03:10 PM
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 03-04-2014, 01:39 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016
4

معنى البِرِّ لغةً واصطلاحًا
معنى البِرِّ لغةً:
البِرُّ: الصِّدق والطَّاعة والخير والفضل، وبَرَّ يَبـَــرُّ، إذا صَلَحَ. وبَرَّ في يمينه يَبَرُّ، إذا صدَّقه ولم يحنث. وبَرَّ رحمه يَبَرُّ، إذا وصله. ويقال: فلان يَبَرُّ ربَّه ويتبرَّره، أي: يطيعه. ورجل بَرٌّ بذي قرابته، وبارٌّ: من قوم بررة وأبرار، والمصدر: البِرُّ، والبَـرُّ: الصَّادق أو التقي وهو خلاف الفاجر، والبِرُّ: ضدُّ العقوق. وبَرِرْتُ والدي بالكسر، أَبَرُّهُ برًّا، وقد بَرَّ والده يَبَرُّه ويَبِرُّه بِرًّا... وهو بَـرٌّ به وبارٌّ.. وجمع البَرِّ الأبرار، وجمع البَارِّ البَرَرَةُ .
معنى البِرِّ اصطلاحًا:
قال المناوي: (البِرُّ بالكسر أي:التوسُّع في فعل الخير، والفعل المرضِي، الذي هو في تزكية النَّفس... يقال: بَرَّ العبدُ ربَّه. أي: توسَّع في طاعته... وبِرُّ الوالد: التَّوسع في الإحسان إليه، وتحرِّي محابِّه، وتوقِّي مكارهِه، والرِّفقُ به، وضدُّه: العقوق. ويستعمل البِرُّ في الصِّدق؛ لكونه بعض الخير المتوسَّع فيه-
قال القاضي المهدي: والبِرُّ: هو الصِلة، وإسداء المعروف، والمبالغة في الإحسان.هنا

البر يطلق في اللغة العربية على المكان المتسع الذي لاتكاد ترى حدوده بسبب إتساعة فهو لغوياً يأتي بمعنى المتسع أو الزيادة في الشي الحسن الطيب بدون حدود ولا نهاية، و قيل البِرّ كثرة الإحسان والبَرّ هو كثير الإحسان وقيل البَرّ واسع الخير وكثير الإحسان والرحمة.
هنا
*ادْنُ يا وابصةُ ! . ، فدنوتُ منه حتى مسَّتْ رُكبتي ركبتَه ، فقال لي : يا وابصةُ ! أُخبرُك ما جئتَ تسألُ عنه ؟ قلتُ : يا رسولَ اللهِ ! أَخبِرني . قال : جئتَ تسألُ عن البِرِّ والإثمِ . قلتُ :نعم. فجمع أصابعَه الثَّلاثَ ، فجعل ينكُتُ بها في صدري ويقولُ :يا وابصةُ ! استَفْتِ قلبَك ، البِرُّ ما اطمأنَّت إليه النفسُ ، واطمأنَّ إليه القلبُ ، والإثمُ ما حاك في القلبِ ، وتردَّد في الصدرِ وإن أفتاك الناسُ وأفتَوْك .الراوي: وابصة بن معبد الأسدي المحدث: الألباني- المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 1734
خلاصة حكم المحدث: حسن لغيره
الدرر السنية

*سألتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن البِرِّ والإثمِ ؟ فقال " البِرُّ حُسنُ الخُلُقِ . والإثمُ ما حاك في صدرِك ، وكرهتَ أن يطَّلِعَ عليه الناسُ " . الراوي: النواس بن سمعان المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2553
خلاصة حكم المحدث: صحيح

*عليكم بالصِّدقِ . فإنَّ الصِّدقَ يهدي إلى البرِّ . وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّةِ . وما يزالُ الرَّجلُ يصدُقُ ويتحرَّى الصِّدقَ حتَّى يُكتبَ عند اللهِ صِدِّيقًا . وإيَّاكم والكذِبَ . فإنَّ الكذِبَ يهدي إلى الفجورِ . وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النَّارِ . وما يزالُ الرَّجلُ يكذِبُ ويتحرَّى الكذِبَ حتَّى يُكتبَ عند اللهِ كذَّابًا . وفي روايةٍ : بهذا الإسنادِ . ولم يُذكرْ في حديثِ عيسَى ويتحرَّى الصِّدقَ . ويتحرَّى الكذبَ . وفي حديثِ ابنِ مسهرٍ حتَّى يكتُبَه اللهُ . الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: مسلم- المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2607-خلاصة حكم المحدث: صحيح


*دخلتُ الجنةَ ، فسمعتُ فيها قراءةً ، فقلتُ : مَن هذا ؟ قالُوا : حارِثةُ بنُ النُّعمانِ ، كَذَلِكُمُ البِرُّ، كَذَلِكُمُ البِرُّ !الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: الألباني- المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 3371- خلاصة حكم المحدث: صحيح

*إن أبرَّ البرِّ صلةُ المرءِ أهلَ ودِّ أبيه بعد أن يوليَ"الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 5143-خلاصة حكم المحدث: صحيح

البِر صفة لله تعالى ثابتة بالكتاب والسنة، والبَر من اسمائة تعالى
@
الدليل من الكتاب
قولة تعالى " إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ‌ الرَّ‌حِيمُ" "الطور: ظ¢ظ¨"
@
الدليل من السنة
حديث انس بن مالك رضى الله عنه:إن من عباد الله تعالى من لو اقسم على الله لأبره...رواه:البخارى 2703.....ومسلم 1675
@
ومعنى البَر:
1_
اللطيف بعباده.قاله ابن جرير فى تفسير الاية السابقة

_وقال ابن القيم فى نونيته (2/99)
والبِرُ فى أوصافه سبحانه...هو كثرة الخيرات والإحسانِ
منقول من كتاب
صفات الله عزوجل الواردة فى الكتاب والسنة ...لعلوى بن عبد القادر السقَّاف



المصدر : المجلس العلمي


ولن يبلغ العبد ذلك إلا إذا تضرع إلى ربه أن ينيله الله البر ويرزقه إياه وهذا كان من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم في سفره أنه كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال : ( سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ، اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ في سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى ...) [رواه مسلم]
*أنَّ ابنَ عمرَ علَّمهم ؛ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان إذا استوى على بعيرِه خارجًا إلى سفرٍ ، "كبَّر ثلاثًا ، ثم قال : سبحانَ الذي سخَّر لنا هذا وما كنا لهُ مقرنينَ . وإنا إلى ربنا لمنقلبونَ . اللهم ! إنا نسألك في سفرنا هذا البرَّ والتقوى . ومن العملِ ما ترضى . اللهم ! هوِّنْ علينا سفرنا هذا . واطوِ عنا بعدَه . اللهم ! أنتَ الصاحبُ في السفرِ . والخليفةُ في الأهلِ . اللهم ! إني أعوذُ بك من وعثاءِ السفرِ ، وكآبةِ المنظرِ ، وسوءِ المنقلبِ ، في المالِ والأهلِ وإذا رجع قالهنَّ . وزاد فيهنَّ آيبونَ ، تائبونَ ، عابدونَ ، لربنا حامدونَ"الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: مسلم- المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1342
خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية


التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 10-10-2020 الساعة 08:28 PM
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 03-08-2014, 03:24 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016
Haedphone

ضوابط قاعدة الأجر على قدر الشقة
الحمد لله
إذا كانت المشقة ملازمة للعبادة ، بحيث لا يمكن القيام بالعبادة إلا مع تحمل هذه المشقة ، فكلما زادت المشقة زاد معها الأجر والثواب ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها "إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك "-1رواه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1116) وأصل الحديث في الصحيحين .
قال النووي في "شرح مسلم"
" قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَى قَدْر نَصَبك أَوْ قَالَ : نَفَقَتك :هَذَا ظَاهِر فِي أَنَّ الثَّوَاب وَالْفَضْل فِي الْعِبَادَة يَكْثُر بِكَثْرَةِ النَّصَب وَالنَّفَقَة , وَالْمُرَاد النَّصَب الَّذِي لا يَذُمّهُ الشَّرْع , وَكَذَا النَّفَقَة " انتهى .
وهذه القاعدة : "أن الأجر على قدر المشقة" ليس مطردة في كل شيء ، بل هناك من الأعمال ما هو أخف وأعظم أجرًا
قال الزركشي في " المنثور في القواعد " 2/415-419
" العمل كلما كثر وشق كان أفضل مما ليس كذلك , وفي حديث عائشة رضي الله عنه"أجرك على قدر نصبك " . وقد يفضل العملُ القليلُ على الكثير في صور :
منها : قصر الصلاة أفضل من الإتمام للمسافر .
ومنها : الصلاة مرة في الجماعة أفضل من فعلها وحده خمسا وعشرين مرة .
ومنها : تخفيف ركعتي الفجر أفضل من تطويلهما .
ومنها : التصدق بالأضحية بعد أكل لقم منها أفضل من التصدق بجميعها .
ومنها : قراءة سورة قصيرة في الصلاة أفضل من قراءة بعض سورة , وإن طالت ، لأنه المعهود من فعله صلى الله عليه وسلم غالباً " انتهى بتصرف واختصار .
والله أعلم . الإسلام سؤال وجواب

"إنَّ لكِ منَ الأجرِ على قدرِ نَصَبِكَ ونفقتِكَ"الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: السيوطي - المصدر: الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم: 2404-خلاصة حكم المحدث: صحيح


فليس دائمًا" الأجر على قدر المشقة"، فهناك من الأعمال اليسيرة ماله ثواب عظيم وجزيل وهو سهل ميسور،
أما المشقة التي لا تنفك عن العبادة فلها أجر أعظم من عبادة أخرى لا يوجد فيها مشقة، أما أن يتقصد الإنسان إدخال المشقة على نفسه فهذا ليس بحسن،
"
أفضلُ الذكرِ : لا إلَه إلَّا اللهُ ، و أفضلُ الدعاءِ : الحمدُ للهِ"
الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1104-خلاصة حكم المحدث: حسن

"
كلمتانِ حبيبتانِ إلى الرحمنِ ، خفيفتانِ على الِّلسانِ ، ثقيلتانِ في الميزانِ : سبحان اللهِ وبحمدِه ، سبحان اللهِ العظيمِ" الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7563-خلاصة حكم المحدث: صحيح


التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 10-10-2020 الساعة 08:24 PM
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 04-05-2014, 05:54 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016
الخوف مِن ضياع الزَّمان والعمر


أهمية الوقت

أهمية الوقت في حياة المسلم

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 04-05-2014 الساعة 06:08 PM
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 04-22-2014, 12:21 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016
Haedphone

أهمية الوقت في حياة المسلم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وبعد:
فمن تتبع أخبار الناس وتأمل أحوالهم، وعرف كيف يقضون أوقاتهم، وكيف يمضون أعمارهم، عَلِمَ أن أكثر الخلق مضيِّعون لأوقاتهم، محرومون من نعمة استغلال العمر واغتنام الوقت، وإن المرء ليعجب من فرح هؤلاء بمرور الأيام، وسرورهم بانقضائها، ناسين أن كل دقيقة بل كل لحظة تمضي من عمرهم تقربهم من القبر والآخرة، وتباعدهم عن الدنيا.
إنَّا لنفرحُ بالأيام نقطعها ** وكل يوم مضى جزءٌ من العمرِ
ولما كان الوقت هو الحياة وهو العمر الحقيقي للإنسان، وأن حفظه أصل كل خير، وضياعه منشأ كل شر، كان لابد من وقفة تبين قيمة الوقت في حياة المسلم، وما هو واجب المسلم نحو وقته، وما هي الأسباب التي تعين على حفظ الوقت، وبأي شيء يستثمر المسلم وقته.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن طالت أعمارهم وحسنت أعمالهم، وأن يرزقنا حسن الاستفادة من أوقاتنا، إنه خير مسئول.
قيمة الوقت وأهميته
إذا عرف الإنسان قيمة شيء ما وأهميته حرص عليه وعزَّ عليه ضياعه وفواته، وهذا شيء بديهي، فالمسلم إذا أدرك قيمة وقته وأهميته، كان أكثر حرصاً على حفظه واغتنامه فيما يقربه من ربه، وها هو الإمام ابن القيم رحمه الله يبين هذه الحقيقة بقوله: “وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مرَّ السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته…. فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته”.
ويقول ابن الجوزي: “ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل “.
ولقد عني القرآن والسنة بالوقت من نواحٍ شتى وبصور عديدة، فقد أقسم الله به في مطالع سور عديدة بأجزاء منه مثل الليل، والنهار، والفجر، والضحى، والعصر، كما في قوله تعالى ( واللَّيْلِ إِذَا يَغْشى والنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ) ، ( وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) ، ( وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ ) ، ( وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِيْ خُسْر ) . ومعروف أن الله إذا أقسم بشيء من خلقه دلَّ ذلك على أهميته وعظمته، وليلفت الأنظار إليه وينبه على جليل منفعته.
وجاءت السنة لتؤكد على أهمية الوقت وقيمة الزمن، وتقرر أن الإنسان مسئول عنه يوم القيامة، فعن معاذ بن جبل أن رسول الله قال: " لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، و عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه"رواه الترمذي وحسنه الألباني. وأخبر النبي أن الوقت نعمة من نعم الله على خلقه ولابد للعبد من شكر النعمة وإلا سُلبت وذهبت. وشكر نعمة الوقت يكون باستعمالها في الطاعات، واستثمارها في الباقيات الصالحات، يقول" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ "رواه البخاري.
واجب المسلم نحو وقته
لما كان للوقت كل هذه الأهمية حتى إنه ليعد هو الحياة حقاً، كان على المسلم واجبات نحو وقته، ينبغي عليه أن يدركها، ويضعها نصب عينيه، ومن هذه الواجبات:
1- الحرص على الاستفادة من الوقت:
إذا كان الإنسان شديد الحرص على المال، شديد المحافظة عليه والاستفادة منه، وهو يعلم أن المال يأتي ويروح، فلابد أن يكون حرصه على وقته والاستفادة منه كله فيما ينفعه في دينه ودنياه، وما يعود عليه بالخير والسعادة أكبر، خاصة إذا علم أن ما يذهب منه لا يعود. ولقد كان السلف الصالح أحرص ما يكونون على أوقاتهم؛ لأنهم كانوا أعرف الناس بقيمتها، وكانوا يحرصون كل الحرص على ألا يمر يوم أو بعض يوم أو برهة من الزمان وإن قصرت دون أن يتزودوا منها بعلم نافع أو عمل صالح أو مجاهدة للنفس أو إسداء نفع إلى الغير، يقول الحسن: أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم.
2- تنظيم الوقت:
من الواجبات على المسلم نحو وقته تنظيمه بين الواجبات والأعمال المختلفة دينية كانت أو دنيوية بحيث لا يطغى بعضها على بعض، ولا يطغى غير المهم على المهم.
يقول أحد الصالحين: “أوقات العبد أربعة لا خامس لها: النعمة، والبلية، والطاعة، والمعصية. و لله عليك في كل وقت منها سهم من العبودية يقتضيه الحق منك بحكم الربوبية: فمن كان وقته الطاعة فسبيله شهود المنَّة من الله عليه أن هداه لها ووفقه للقيام بها، ومن كان وقته النعمة فسبيله الشكر، ومن كان وقته المعصية فسبيله التوبة والاستغفار، ومن كان وقته البلية فسبيله الرضا والصبر”.
3- اغتنام وقت فراغه:
الفراغ نعمة يغفل عنها كثير من الناس فنراهم لا يؤدون شكرها، ولا يقدرونها حق قدرها، فعن ابن عباس أن النبي قال:
"
نِعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاسِ : الصِّحَّةُ والفراغُ"الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6412-خلاصة حكم المحدث: صحيح
وقد حث النبي على اغتنامها فقال" اغتنم خمسًا قبل خمس…، وذكر منها: وفراغك قبل شغلك"رواه الحاكم وصححه الألباني.
يقول أحد الصالحين: “فراغ الوقت من الأشغال نعمة عظيمة، فإذا كفر العبد هذه النعمة بأن فتح على نفسه باب الهوى، وانجرَّ في قِياد الشهوات، شوَّش الله عليه نعمة قلبه، وسلبه ما كان يجده من صفاء قلبه”.
فلابد للعاقل أن يشغل وقت فراغه بالخير وإلا انقلبت نعمة الفراغ نقمة على صاحبها، ولهذا قيل: “الفراغ للرجال غفلة، وللنساء غُلْمة” أي محرك للشهوة.
أسباب تعين على حفظ الوقت
1- محاسبة النفس:
وهي من أعظم الوسائل التي تعين المسلم على اغتنام وقته في طاعة الله. وهي دأب الصالحين وطريق المتقين، فحاسب نفسك أخي المسلم واسألها ماذا عملت في يومها الذي انقضى؟ وأين أنفقت وقتك؟ وفي أي شيء أمضيت ساعات يومك؟ هل ازددت فيه من الحسنات أم ازددت فيه من السيئات؟.
2- تربية النفس على علو الهمة:
فمن ربَّى نفسه على وحرص معالي الأمور والتباعد عن سفسافها، كان أحرص على اغتنام وقته، ومن علت همته لم يقنع بالدون، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
3- صحبة الأشخاص المحافظين على أوقاتهم:
فإن صحبة هؤلاء ومخالطتهم، والحرص على القرب منهم والتأسي بهم، تعين على اغتنام الوقت، وتقوي النفس على استغلال ساعات العمر في طاعة الله، ورحم الله من قال:
إذا كنتَ في قومٍ فصاحِب خِيارَهم *** ولا تصحبِ الأردى فتردى مع الرَّدِي
عن المرءِ لا تَسَلْ وسَلْ عن قرينهِ *** فكلُّ قرينٍ بالمقارَن يقتدِي
4- معرفة حال السلف مع الوقت:
فإن معرفة أحوالهم وقراءة سيرهم لَأكبر عون للمسلم على حسن استغلال وقته، فهم خير من أدرك قيمة الوقت وأهمية العمر، وهم أروع الأمثلة في اغتنام دقائق العمر واستغلال أنفاسه في طاعة الله.
5- تنويع ما يُستغل به الوقت:
فإن النفس بطبيعتها سريعة الملل، وتنفر من الشيء المكرر. وتنويع الأعمال يساعد النفس على استغلال أكبر قدر ممكن من الوقت.
6- إدراك أن ما مضى من الوقت لا يعود ولا يُعوَّض:
فكل يوم يمضي، وكل ساعة تنقضي، وكل لحظة تمر، ليس في الإمكان استعادتها، وبالتالي لا يمكن تعويضها. وهذا معنى ما قاله الحسن: “ما من يوم يمرُّ على ابن آدم إلا وهو يقول: يا ابن آدم، أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك، فقدِّم ما شئت تجده بين يديك، وأخِّر ما شئت فلن يعود إليك أبداً”.
7- تذكُّر الموت وساعة الاحتضار:
حين يستدبر الإنسان الدنيا، ويستقبل الآخرة، ويتمنى لو مُنح مهلة من الزمن، ليصلح ما أفسد، ويتدارك ما فات، ولكن هيهات هيهات، فقد انتهى زمن العمل وحان زمن الحساب والجزاء. فتذكُّر الإنسان لهذا يجعله حريصاً على اغتنام وقته في مرضاة الله تعالى.
8- الابتعاد عن صحبة مضيعي الأوقات:
فإن مصاحبة الكسالى ومخالطة مضيعي الأوقات، مهدرة لطاقات الإنسان، مضيعة لأوقاته، والمرء يقاس بجليسه وقرينه، ولهذا يقول عبد الله بن مسعود: “اعتبروا الرجل بمن يصاحب، فإنما يصاحب الرجل من هو مثله”.
9- تذكُّر السؤال عن الوقت يوم القيامة:
حين يقف الإنسان أمام ربه في ذلك اليوم العصيب فيسأله عن وقته وعمره، كيف قضاه؟ وأين أنفقه؟ وفيم استغله؟ وبأي شيء ملأه؟ يقول " لن تزول قدما عبد حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه"رواه الترمذي وحسنه الألباني. تذكرُ هذا يعين المسلم على حفظ وقته، واغتنامه في مرضاة الله.
من أحوال السلف مع الوقت
قال الحسن البصري: “يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يوم ذهب بعضك”. وقال: “يا ابن آدم، نهارك ضيفك فأحسِن إليه، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك، وإن أسأت إليه ارتحل بذمِّك، وكذلك ليلتك”. وقال: “الدنيا ثلاثة أيام: أما الأمس فقد ذهب بما فيه، وأما غداً فلعلّك لا تدركه، وأما اليوم فلك فاعمل فيه”.
وقال ابن مسعود: “ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي”.
وقال ابن القيم: “إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها”.
وقال السري بن المفلس: “إن اغتممت بما ينقص من مالك فابكِ على ما ينقص من عمرك”.
بم نستثمر أوقاتنا؟
إن مجالات استثمار الوقت كثيرة، وللمسلم أن يختار منها ما هو أنسب له وأصلح، ومن هذه المجالات:
1- حفظ كتاب الله تعالى وتعلُّمه:وهذا خير ما يستغل به المسلم وقته، وقد حثَّ النبي على تعلم كتاب الله فقال" خيركم من تعلم القرآن وعلمه "رواه البخاري.
2- طلب العلم:فقد كان السلف الصالح أكثر حرصاً على استثمار أوقاتهم في طلب العلم وتحصيله؛ وذلك لأنهم أدركوا أنهم في حاجة إليه أكبر من حاجتهم إلى الطعام والشراب. واغتنام الوقت في تحصيل العلم وطلبه له صور، منها: حضور الدروس المهمة، والاستماع إلى الأشرطة النافعة، وقراءة الكتب المفيدة وشراؤها.
3- ذكر الله تعالى:فليس في الأعمال شيء يسع الأوقات كلها مثل الذكر، وهو مجال خصب وسهل لا يكلف المسلم مالاً ولا جهداً، وقد أوصى النبي أحد أصحابه فقال له" لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله "رواه أحمد وصححه الألباني. فما أجمل أن يكون قلب المسلم معموراً بذكر مولاه، إن نطق فبذكره، وإن تحرك فبأمره.
4- الإكثار من النوافل:وهو مجال مهم لاغتنام أوقات العمر في طاعة الله، وعامل مهم في تربية النفس وتزكيتها، علاوة على أنه فرصة لتعويض النقص الذي يقع عند أداء الفرائض، وأكبر من ذلك كله أنه سبب لحصول محبة الله للعبد ، جاء في الحديث القدسي" ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه "رواه البخاري.
5- الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والنصيحة للمسلمين:كل هذه مجالات خصبة لاستثمار ساعات العمر. والدعوة إلى الله تعالى مهمة الرسل ورسالة الأنبياء، وقد قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيْلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيْرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِيْ "يوسف:108. فاحرص أخي المسلم على اغتنام وقتك في الدعوة إما عن طريق إلقاء المحاضرات، أو توزيع الكتيبات والأشرطة، أو دعوة الأهل والأقارب والجيران.
6- زيارة الأقارب وصلة الأرحام:فهي سبب لدخول الجنة وحصول الرحمة وزيادة العمر وبسط الرزق، قال : “من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه” رواه البخاري
7- اغتنام الأوقات اليومية الفاضلة:مثل بعد الصلوات، وبين الأذان والإقامة، وثلث الليل الأخير، وعند سماع النداء للصلاة، وبعد صلاة الفجر حتى تشرق الشمس. وكل هذه الأوقات مقرونة بعبادات فاضلة ندب الشرع إلى إيقاعها فيها فيحصل العبد على الأجر الكبير والثواب العظيم.
8- تعلُّم الأشياء النافعة:مثل الحاسوب واللغات والسباكة والكهرباء والنجارة وغيرها بهدف أن ينفع المسلم نفسه وإخوانه.
وبعد أخي المسلم فهذه فرص سانحة ووسائل متوفرة ومجالات متنوعة ذكرناها لك على سبيل المثال – فأوجه الخير لا تنحصر – لتستثمر بها وقتك بجانب الواجبات الأساسية المطلوبة منك.
آفات تقتل الوقت
هناك آفات وعوائق كثيرة تضيِّع على المسلم وقته، وتكاد تذهب بعمره كله إذا لم يفطن إليها ويحاول التخلص منها، ومن هذه العوائق الآفات:
1- الغفلة:وهي مرض خطير ابتلي به معظم المسلمين حتى أفقدهم الحسَّ الواعي بالأوقات، وقد حذَّر القرآن من الغفلة أشد التحذير حتى إنه ليجعل أهلها حطب جنهم، يقول تعالى: وَلَقَد ذَرَأنَا لِجَهَنمَ كَثِيرًا منَ الجِن وَالإِنسِ لَهُم قُلُوبٌ لا يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرُونَ بِهَا وَلَهُم ءاذَانٌ لا يَسمَعُونَ بِهَا أُولَـئِكَ كَالأنعام بَل هُم أَضَل أُولَـئِكَ هُمُ الغاَفِلُونَ "الأعراف:179.
2- التسويف:وهو آفة تدمر الوقت وتقتل العمر، وللأسف فقد أصبحت كلمة “سوف” شعاراً لكثير من المسلمين وطابعاً لهم، يقول الحسن: “إياك والتسويف، فإنك بيومك ولست بغدك” فإياك أخي المسلم من التسويف فإنك لا تضمن أن تعيش إلى الغد، وإن ضمنت حياتك إلى الغد فلا تأمن المعوِّقات من مرض طارئ أو شغل عارض أو بلاء نازل، واعلم أن لكل يوم عملاً، ولكل وقت واجباته، فليس هناك وقت فراغ في حياة المسلم، كما أن التسويف في فعل الطاعات يجعل النفس تعتاد تركها، وكن كما قال الشاعر:
تزوَّد من التقوى فإنك لا تدري *** إذا جنَّ ليلٌ هـل تعـيشُ إلى الفجرِ
فكم من سليمٍ مات من غير عِلَّةٍ *** وكم من سقيمٍ عاش حِيناً من الدهرِ
وكم من فتىً يمسي ويصبح آمناً *** وقـد نُسجتْ أكفانُه وهـو لا يـدري
فبادر أخي المسلم باغتنام أوقات عمرك في طاعة الله، واحذر من التسويف والكسل، فكم في المقابر من قتيل سوف. والتسويف سيف يقطع المرء عن استغلال أنفاسه في طاعة ربه، فاحذر أن تكون من قتلاه وضحاياه.
وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
مشروع سلسلة العلامتين ابن باز والألباني -هنا


التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 10-10-2020 الساعة 08:03 PM
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 04-26-2014, 03:55 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016
افتراضي

حال السلف مع الوقت
كان يزيد الرقاشي يحاسب نفسه ويقول: يا يزيد ! من ذا يصلي عنك بعدالموت؟! يا يزيد ! من ذا يصوم عنك بعد الموت؟ يا يزيد ! من ذا الذي يُرضيعنك ربك بعد الموت؟ ثم يبكي ويقول: أيها الناس! ألا تبكون على أنفسكم وتنوحون؟! من كان الموت يطلبه، والقبر بيته، والتراب فراشه، والدود أنيسه،وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر، فكيف يكون حاله؟!أيتها الغالية! إن الواحدةلتحزن أشد الحزن إذا ضاع عليها مبلغ زهيد من المال، أو عقد من الذهب، ولاتحزن على ضياع وقتها وعمرها فيما لا ينفع!كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: ما من أحد إلا وفي عقله نقص عن حلمه وعلمه، وذلك أنه إذا أتته الدنيابزيادة مال ظل فرحًا مسرورًا، والليل والنهار دائبان في هدم عمره ثم لايحزنه ذلك، ما نفع مال يزيد ،وعمر ينقص.وكان السري يقول: إذا اغتممتَ بماينقص من مالك فابك على ما ينقص من عمرك.
وقال أبو بكر بن عياش : إن أحدهم لوسقط منه درهم لظل يومه يقول: إنا لله، ذهب درهمي، ولا يقول: ذهب يومي، ماعملتُ فيه؟!اعلمي -أخية- أنك منذ ولادتك يبدأ العد التنازلي في ساعات عمرك،فابدئي أنت في العد التصاعدي في جمع الحسنات الكثيرات؛ لتنفعكِ بعدالممات.قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل أنت فيهما. وقال الحسن البصري : الأيام والليالي تبليان كالجديد، وتقربان كل بعيد، وتأتيان بكل موعود ووعيد.قال الزهري :
كان عمر بن عبد العزيز إذا أصبح أمسك بلحيته ثم قرأ"أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ"الشعراء:205-207
ثم يبكي ويقول:نهارك يا مغرور سهو وغفلة وليلك نوم والردى لك لازم فلا أنت في الأيقاظ يقظان حازم ولا أنت في النوام ناجٍ فسالم ،تسر بما يفنى وتفرح بالمنى كما سُرّ باللذات في النوم حالم وتسعى إلى ما سوف تكره غبه كذلك في الدنيا تعيش البهائم
*أصناف الناس مع أوقاتهم
في هذه الوقفة نتعرف على أحوال الناس مع أوقاتهم، فالناس على أحوال ثلاثة في استغلال الأوقات، وقد بينهم الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة" ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌوَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ"فاطر:32.
الصنف الأول:الظالم لنفسه
وهم يظنون أن الحياة غناء ورقص ولعب ولهو وأكل وشرب ونوم،وما علم المساكين أن الله سوف يسألهم عن كل دقيقة من دقائق حياتهم، فقداستغلوا الأوقات بالازدياد من اللذات والشهوات ومضاعفة السيئات، ونسوا أوتناسوا رقابة الواحد الأحد رب الأرض والسماوات.
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحيي من نظر الإله ،وقل لهاإن الذي خلق الظلام يراني.
لقد نسي هؤلاء المساكين مراقبة الله ولقاءه، فتجد كثيراًمن بناتنا تسمع الموسيقى والغناء، وترقص على المعازف والألحان، ونسيت أنهاحفيدة خديجة التي أقرأها الله السلام، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا تعب فيه ولا نصب1، ونسيت المسكينة أنها حفيدة عائشة الصديقة بنت الصديق الصائمة القائمة المتصدقة، راوية الحديث، وعالمة الأمة.
ونسيت المسكينة أنها حفيدة المجاهدة نسيبة الأنصارية أم عمارة .....2، فاسمعي أخية! تلك الأمنيات والرغبات، فماذا تسأل المسلمات اليوم؟! أين المضيعات للعمر والساعات عن مثل هؤلاء؟! أين المضيعات للحقوق والواجبات؟!قد هيوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
الصنف الثاني: المقتصد
إنها أخية التي لم يستغل الأوقات في معصية الله، وإنمااستغلوها في المباحات، فهم يؤدون الفرائض ولا يفعلون المحرمات، ولكنهم تنام كثيراً، ويكثر من الزيارات والفسحات، فأين استثمار الوقت في العلم والتعلم وقراءة القرآن؟ يقول الإمام الغزالي رحمه الله: من نام في كل أربع وعشرين ساعة ثمان ساعات فقد نام -مَنْ عمرُه ستون سنة- عشرين سنة، ثم تبقى أربع ونسنة ما بين لهو ولغو ومعاصٍ ومخالفات وشغل بالدرهم والدينار، فماذا تبقَّى من العمر؟!أليست القضية أيتها المؤمنة قضية ميزان ترجح فيه كفة الحسنات أوالسيئات؟! أليس في يوم الحسرات يتمنى العبد والأمة أن لو يزداد في الرصيد من الحسنات؟ ولكن هيهات هيهات!أليست مكانة عند الله على قدر إيمانهاوأعمالها؟! ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقوم الليل كله حتى تفطرت قدماه، ثم إذا عوتب قال: أفلاأكون عبداً شكورًا؟
الصنف الثالث: السابق بالخيرات
هن فتيات الإسلام، وهن نجوم التوحيد، وهن المتبعات لسنةنبيهن محمد صلى الله عليه وسلم، وهن أمل الأمة للخروج من الذل الذي تعيش فيه، إنهن فتيات عرفوا معنى الحياة، وعلموا أنهم سيقفوا بين يدي علام الغيوب، وعرفوا أن الستين أو والسبعين سنة هي مزرعة للآخرة، وعرفوا أن نساءالسلف استثمروا أوقاتهم في مرضاة ربهم، فقد كانوا صائمات قائمات مجاهدات في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فأردوا أن يكونوا مثلهم.والأمة اليوم أحوج ما تكون لمثل هؤلاء الذين تربوا على تقوى من الله ورضوان. هنا
1
-أتى جبريلُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . فقال : يا رسولَ اللهِ ! هذه خديجةُ قد أتتك . معها إناءٌ فيه إدامٌ أو طعامٌ أو شرابٌ . فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلامَ من ربها عزَّ وجلَّ . ومنِّي . وبشِّرها ببيتٍ في الجنةِ من قصبٍ . لا صخبَ فيه ولا نصبَ . قال أبو بكرٍ في روايتِه : عن أبي هريرةَ . ولم يقل : سمعتُ . ولم يقل في الحديثِ : ومِنِّي .الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم- المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2432- خلاصة حكم المحدث: صحيح

ما غِرتُ على امرأةٍ لرسولِ اللهِ كما غِرتُ على خديجةَ، لكثرةِ ذِكرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إياها وثنائِه عليها، وقد أُوحِيَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُبَشِّرَها ببيتٍ لها في الجنةِ من قَصَبٍ" .الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: البخاري- المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5229-خلاصة حكم المحدث: صحيح

قلتُ لعبدِ اللهِ بنِ أوفى : أكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بشَّر خديجةَ ببيتٍ في الجنةِ ؟ قال : نعم . بشَّرها ببيتٍ في الجنةِ من قصبٍ . لا صخبَ فيه ولا نصبَ . الراوي: إسماعيل بن أبي خالد المحدث: مسلم- المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2433خلاصة حكم المحدث: صحيح


2

أم عمارة * نسيبة بنت كعببن عمرو بن عوف بن مبذول ، الفاضلة المجاهدة الانصارية الخزرجية النجارية المازنية المدنية ، كان أخوها عبدالله بن كعب المازني من البدريين ، وكان أخوها عبد الرحمن ، من البكائين شهدت أم عمارة ليلة العقبة ، وشهدت أحدا ، والحديبية ، ويوم حنين ، ويوم اليمامة ، وجاهدت ، وفعلت الافاعيل .
روي لها أحاديث ، وقطعت يدها في الجهاد . وقال الواقدي : شهدت أحدا ، مع زوجها غزية بن عمرو، ومع ولديها (1).خرجت تسقي ، ومعها شن ، وقاتلت ، وأبلت بلاء حسنا . وجرحت اثني عشر جرحا (2).وكان ضمرة بن سعيد المازني يحدث عن جدته ، وكانت قد شهدت أحدا ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان ".وكانت تراها يومئذ تقاتل أشد القتال، وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها، حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا ; و [ كانت تقول ]: إني لانظر إلى ابن قمئة وهو يضربها على عاتقها.وكان أعظم جراحها، فداوته سنة . ثم نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلى حمراء الاسد (3). فشدت عليها ثيابها، فما استطاعت من نزف الدم.رضي الله عنها ورحمها (4) . أخبرنا محمد بن عمر: أخبرنا عبد الجبار بن عمارة، عن عمارة بن غزية قال: قالت أم عمارة: رأيتني، وانكشف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بقي إلا في نفير ما يتمون عشرة ; وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه، والناس يمرون به منهزمين، ورآني ولا ترس معى، فرأى رجلا موليا ومعه ترس، فقال: ألق ترسك إلى من يقاتل.فألقاه، فأخذته.فجعلت أترس به عن رسول الله.وإنما فعل بنا الافاعيل أصحاب الخيل ; لو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم، إن شاء الله.فيقبل رجل على فرس، فيضربني، وترست له، فلم يصنع شيئا، وولي ; فأضرب عرقوب فرسه، فوقع على ظهره.فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصيح: يا ابن أم عمارة، أمك ! أمك ! قالت: فعاونني عليه، حتى أوردته شعوب (5).

__________
* مسند أحمد: 6 / 439، طبقات ابن سعد: 8 / 410412، طبقات خليفة: 339، الاستبصار: 82، الاستيعاب: 4 / 1948، أسد الغابة: 7 / 280، تهذيب الكمال: 1703، تهذيب التهذيب: 12 / 474، الاصابة: 13 / 151، خلاصة تذهيب الكمال: 499، كنز العمال: 13 / 625.
(1)
أي: ولديها من زوجها الاول زيد بن عاصم بن عمرو، وهما: عبدالله وحبيب.
أما ولداها من غزية، فهما تميم وخولة، كما في " الطبقات " 8 / 412.
(2)
ابن سعد 8 / 412. والشن: القربة الخلق.
(3)
موضع على ثمانية أميال من المدينة عن يسار الطريق إذا أردت الحليفة.
وانظر " زاد المعاد " 3 / 242، 243 بتحقيقنا.
(4)
ابن سعد 8 / 413.
(5)
شعوب: من أسماء المنية، والخبر في " الطبقات " 8 / 413، 414.
نقلاً عن كتاب سير اعلام النبلاء للأمام الذهبي رحمه الله
- نِمنا تلكَ الليلَةَ – ليلةَ العقَبَةِمع قومِنا في رحالِنا ، حتَّى إذا مضى ثُلثُ اللَّيلِ ، خرَجنا مِن رحالِنا لميعادِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ ، نتسلَّلُ تَسلُّلَ القَطا مُستَخفينَ ، حتَّى اجتمَعنا في الشِّعبِ عندَ العَقبَةِ ، ونحنُ ثلاثةٌ وسَبعون رجُلًا ، ومعَنا امرأتانِ من نسائِنا ، نَسيبَةُ بنتُ كَعبٍ وأسماءُ بنتُ عمرِو بنِ عدِيٍّ . فلمَّا اجتمَعنا في الشِّعبِ ننتَظِرُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ ، جاءَنا ومعَهُ العبَّاسُ بنُ عبدِ المطَّلِبِ ، وهو يومَئذٍ علَى دينِ قومِهِ ، إلَّا أنَّهُ أحبَّ أن يحضُرَ أمرَ ابنَ أخيهِ ويستوثِقَ لهُ ، فلمَّا جلَس كان أوَّلَ متكَلِّمٍ ، قال : يا معشَرَ الخَزرَجِ إنَّ محمَّدًا منَّا حيثُ قد علِمتُم ، وقد منَعناهُ مِن قومِنا مِمَّنْ هو علَى مثلِ رأينا فيهِ ، فهو في عزَّةٍ من قومِه ومنَعَةٍ في بلدِهِ ، وإنَّهُ قد أبى إلَّا الانحيازَ إليكُم واللُّحوقَ بكُم ، فإن كنتُم تَرَونَ أنَّكُم وافونَ لهُ بما دَعوتُموه إليهِ ، ومانِعوهُ ممَّن خالَفَهُ ، فأنتُم وما تحمَّلتُم من ذلكَ ! ! وإِن كنتُم ترَون أنَّكُم مُسلِموهُ وخاذِلوهُ بعدَ الخروجِ إليكُم ، فمِنَ الآنَ فدَعوهُ فإنَّهُ في عزَّةٍ ومنعَةٍ مِن قومِهِ وبلَدِهِ . . . قال كعبٌ : فقُلنا لهُ : قَد سمِعنا ما قلتَ فتكَلَّم يا رسولَ اللهِ ، فخُذ لنَفسِكَ وربِّكَ ما أحبَبتَ ، فتكلَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ ، فتلَا القُرآنَ ، ودعا إلى اللهِ ، ورغَّبَ في الإسلامِ ، ثُمَّ قالَ : أبايعُكُم علَى أَن تمنَعوني مِمَّا تمنعونَ منهُ نساءَكُم وأبناءكُمْ . قال كعبٌ : فأخذَ البراءُ بنُ مَعرورٍ بيدِهِ وقالَ : نعَم ، فوالَّذي بعثَكَ بالحقِّ لنمنعنَّكَ ممَّا نمنَعُ أزُرَنا ، فبايِعنا يا رسولَ اللهِ ، فنحنُ – واللهِ - أبناءُ الحروبِ ، ورِثناها كابرًا عن كابرٍ ، فاعتَرضَ هذا القولَ – والبراءُ يكلِّمُ رسولَ اللهِ صل اللهُ علَيهِ وسلَّمَ - أبو الهيثَمِ بنُ التَّيهانِ فقالَ : يا رسولَ اللهِ ، إن بَيننا وبينَ الرِّجالِ – يعني اليهودَ – حبالًا وإنَّا قاطعوها ، فهل عَسيتَ إن فَعلنا ذلكَ ثمَّ أظهرَكَ اللهُ أن ترجِعَ إلى قومِكَ وتدَعَنا قالَ : فتبسَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ ، ثم قال : بلِ الدَّمَ الدَّمَ والهدمَ الهدمَ ، أنا منكُم وأنتُم مِنِّي ، أحارِبُ مَن حاربتُم وأسالِمُ مَن سالمتُم . . . وأمرَهُم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ أن يُخرِجوا منهُم اثنَي عَشرَ نقيبًا يكونونَ علَى قومِهم بما فيهِم ، فأخرجوا منهُم النُّقباءَ ، تِسعةً من الخزرَجِ وثلاثةً مِن الأَوسِ .الراوي: كعب بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: فقه السيرة - الصفحة أو الرقم: 149خلاصة حكم المحدث: صحيح

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 10-10-2020 الساعة 08:01 PM
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 05-10-2014, 04:16 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016
افتراضي

وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير "، فنسأل الله أن نكون من السابقين بالخيرات، هؤلاء هم الذين سارعوا في طاعة الله سبحانه وتعالى، سارعوا في التوجه إلى الله، فمن أسرع إلى الله، أسرع الله إليه، ومن تقرب إلى الله شبرا تقرب الله إليه ذراعا، وما تقربت بعمل إلى الله، وهذا العمل يقربك إلى الله ذراعا إلا أقبل الله عليك بالباع، وإذا تقربت إلى الله فمشيت إليه مشياً -من الشبر إلى الذراع، إلى المشي- جاءك هرولة، كما ورد ذلك في الحديث الصحيح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً". صحيح البخاري (7405)، ومسلم :2675.

أقبلْ على الله يقبل الله عليك، إذا أدبرت عن الله أدبر الله عنك، "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى "طه: 124

لذلك؛ هذا المسابق والمسارع في الخيرات هو المؤمن المؤدي للفرائض، لكنه مكثر من النوافل ومن الطاعات، ومن أفعال البِر الخيرات، " ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ "فاطر: 32هذا الفضل: وراثة الكتاب، فضل من الله أكبر من أي فضل، فأيُّ فضل غيره"غير الكتاب، غير الإسلام" كالعدم؛ لأن هذا الفضل إذا سُلِب من أمّة كان خسارا عليها ووبالا، وأوردها المهالك، ابتعادُها عن ربها، وكفرُها بدين ربها، وكفرُها بكتاب ربها، وأي فضل أكبر من أن تكون مسلماً موحِّدا لله عز وجل، تنطق بلا إله إلا الله، وتشهد أن محمدا عبده ورسوله، في الليل وفي النهار، أطراف الليل وأطراف النهار تذكر الله عز وجل، فأنت المؤمن إن وقعت منك بعض التقصيرات يغفرها الله إن شاء، يعفوا عمن يشاء، أما من تاب؛ فيتوب الله عليه.
لذلك؛ المؤمن الذي ظلم نفسه: ظُلمُه لنفسه لم يخرجه من إيمانه، وظلمه لنفسه لم يسلب عنه إسلامه، فهو مؤمن ظالم لنفسه، فـالذي وقع في السيئات والخطايا مؤمن ظالم لنفسه، قد يعاقبه الله في الدنيا، وقد يعفو عنه، وقد يعاقبه في الآخرة، يوم القيامة إن شاء، وإن شاء عفا، والعفو من شيم الكرماء؛ فكيف بأكرم الأكرمين جل في علاه؟!
لكنَّ هذا الظلمَ وتلك المعصية، وذلك الذنبَ من هذا المؤمن يُنقص إيمانَه، يقللُ من إسلامه، يؤخره عن القرب عن ربه سبحانه وتعالى.
لذلك هذه الصفاتُ؛ صفاتُ المخالفات، صفاتُ الظلم للنفس؛ ارتكابُ ما حرم الله عز وجل وإن كانت لا تسلب الإيمان، فالإيمان لا يأمر بها، لا نقول: هذا مؤمن يفعل كذا من الزنا، ومن شرب الخمر، وما شابه ذلك، فهل هذه الأفعال من الإيمان! لا والله!. قال صلى الله عليه وسلم"لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ" صحيح البخاري :6772، ومسلم :57.

"
لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، .. "، إيمانه لا يأمره بذلك، "وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، ... "، ليس ذلك سلْبٌ للإيمان عنه، ولكن سلبٌ لأمر الإيمان به، الإيمان لم يأمر بالمخالفات والمعاصي والذنوب، لذلك لا يُتخذ المؤمن الظالم لنفسه، المؤمن الزاني، دليلا على جواز المعصية!!
والمؤمن الذي ارتكب هذه الخطيئة لا يدل على أن هذا الزنى وتلك الخطيئة فِعْلها جائز؟! لماذا؟ لأن المؤمن فَعَلها، لا! ليس هذا دليلا، هذا لا يدل على جواز ذلك لصدوره من المؤمن، فـ"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن".

لذلك يا عباد الله! المؤمن دائما وأبدا أوابٌ إلى الله، رجَّاعٌ إلى الله، تواب لله، هذا ما علمنا إياه نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً»، صحيح البخاري (6307)، وروى مسلم :2702: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ"إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ». وفي رواية عند مسلم (2702" يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ، فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ، مَرَّةٍ". المؤمن كثير الذكر لله.
كثير الذكر لله؟ كلمةُ (كثير) ليس قليلا معناها، هو مؤمن يذكر ويتذكر ربه، وينتظر لقاءه بين الحين والحين، وبين الفينة والأخرى.
فإذا أصبح ذكر الله، وإذا أمسى ذكر الله، المؤمن لا تفوته لحظة دون أن يذكر فيها الله سبحانه وتعالى.
المؤمن؛ أقلّ ما فيها أن يسبِّح الله في اليوم والليلة ألف تسبيحة، أن يذكر الله ألف ذكر، على لسانه: (الله)، قبلها سبحان (الله)، أو الحمد (لله)، أو لا إله إلا (الله)، أو بعدها كلمة :أكبر، أو لا حول ولا قوة إلى (بالله)، في اليوم والليلة، فكن من هؤلاء المؤمنين"الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"آل عمران: 191.

لذلك؛ هذا المؤمن جعل بعد الصلوات الخمس في اليوم والليلة خمسَمائة تسبيحة، خمسَمائة ذكر لله سبحانه وتعالى: فبعد كل صلاة؛"سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثا وثلاثين" يختمها بـ"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"، أحرز المائة، هذه خمسمائة تسبيحة مع المؤمن المداوم على الصلوات الخمس.
وأيضًا! المؤمن تعلَّم من رسول الله، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ، لذلك تجده يكرِّر قبل طلوع الشمس وقبل الغروب: "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم"، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: سبحان الله وبحمده، مئة مرة، وإذا أمسى مئة مَرَّةٍ؛ غُفِرَت ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زبد البحر". التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان :2/ 228، ح 856، مائة صباحًا ومائة مساءً، فيصبح المجموع سبعَمائة تسبيحة.
ثم يتبعها بالاستغفار، "أستغفر الله العظيم وأتوب إليه"، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ"وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً" صحيح البخاري 6307:، وفي رواية"إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ"سنن أبي داود :1515، مائة صباحاً ومائة مساءً، فيكون المجموع تسعَمائة.
فإذا جاء وقت النوم يريد أن يستريح، فالنوم سكَنٌ للإنسان المؤمن وغير المؤمن، فالمؤمن يستغلّه ويعتنمه –ويغتنمه-، -فـ- قبل أن ينام يذكر الله؛ بأن "يسبِّحَه ثلاثا وثلاثين تسبيحة، ويحمده ثلاثا وثلاثين تحميده، ويكبره أربع وثلاثون تكبيرة، عن عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه، أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله تعالى عنها، اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى فِي يَدِهَا، وَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ، فَلَمْ تَجِدْهُ وَلَقِيَتْ عَائِشَةَ، فَأَخْبَرَتْهَا فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ إِلَيْهَا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا، وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"عَلَى مَكَانِكُمَا"، فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلَى صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَا، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، أَنْ تُكَبِّرَا اللهَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَتُسَبِّحَاهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدَاهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ"، صحيح مسلم :2727، فالمجموع مائة فأكملت الألف.
صعبةٌ يا عباد الله؟! ألفٌ في اليوم والليلة، كفيلة بمحوِ السيئاتِ، ورفع الدرجاتِ، وكتابة الحسناتِ الكثيرات، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ"أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ، كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟" فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: «يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ» صحيح مسلم :2698.


وفوق هذا؛ المؤمن يذكر الله على جميع أحيانه:
أذا أتى فراشه، وإذا تقلَّب في منامه، وإذا مشى في سيره، وإذا تحرك أو سكن على كل حال يذكر الله، وينوِّع الذكرَ؛ بين تسبيح وتحميد، وتكبير وتهليل، وحوقلة وبسملة ودعاء: (يا ألله) عندما يقوم، (يا كريم يا رزاق) يتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، المؤمن والمؤمنة دائما وأبدا من"وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ"الأحزاب: 35.

المؤمن يؤدّي الفرائض كلَّها لا ينقص منها شيئا، لا يمنعه من ذلك إلا غياب عقله، أو يمنع المرأةَ حيضُها أو نفاسُها، أما النوافل؛ فيفعلُ منها ما تيسر له، على قدر وقته وانشغاله أو فراغه أو ما شابه ذلك.
المؤمن عجيبٌ أمره بين الناس، تعرفه بأنه ينفع غيره، وينشر خيره، ويكفُّ شره، ينفع غيره من مسكين وأرملة ومحتاج، ينفع غيره وينشر خيره، ويحمل الكَلَّ والضعيف، ويكف شره: شرَّ عينه، وشر لسانه، وشر قلبه من الضغائن، وشر يديه، وشر رجليه، وشر أذنيه، يحفظ ذلك كلَّه.
فيحفظ عينه عن الحرام، فأعراض المسلمين، ووجوه المؤمنات مصونةٌ عند هذا المؤمن.
يحفظ أذنه عن التنصت على الجيران، وعن الجوسسة والعمالة ونقل الأخبار.
يحفظ يده عن السرقة والغش، والظلم والبطش، وملامسة النساء.


يحفظ رجله أن تسوقه إلى أماكن اللهو الحرام، وبيوت الدعارة، والفسق والفجور.
يحفظ لسانه عن الطعن، والسب واللعن، والشتم واللغو، والفحش من القول، والبذائة وقلة الأدب من الكلام.. يحفظ لسانه عن الكذب والغيبة والنميمة...
يحفظ قلبه عن الوساوس الشيطانية، والشبهات والشهوات، ويحفظ قلبه عن الاعتقادات الشركية والكفرية، ويحفظ قلبه عن أن يتمنى ما يغضب الله سبحانه وتعالى.
المؤمن ينصحُ ولا يفضح، يأمر بالمعروف بمعروف، وينهى عن المنكر بلا منكر، بعيدا عن الأهواء والبدع وأهلها، قريبا من السنة والجماعة وأهلها.
المؤمن أينما وقع نفع، المؤمن كالنحلة إذا وقعت لم تفسد ولم تكسر، إذا وقعت على زهرة؛ لا تكسر العود ولا تفسده، وتأخذ الطيِّب ثم تضع لك الطيب، "إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْقِطْعَةِ مِنَ الذَّهَبِ، نَفَخَ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا فَلَمْ تَغَيَّرْ، وَلَمْ تَنْقُصْ، وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ، إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ النَّحْلَةِ، أَكَلَتْ طَيِّبًا، وَوَضَعَتْ طَيِّبًا، وَوَقَعَتْ فَلَمْ تُكْسَرْ وَلَمْ تَفْسُدْ "مسند أحمد ط الرسالة :11/ 457، ح 6872: الصحيحة 2288.
المؤمن كالنخلة؛ يرمى بالحجارة وترميهم بالثمر، هذا هو المؤمن، فأين نحن من هذا؟!!
المؤمن لا يروِّج للشائعاتِ، ولا يستمع إليها ويكف شرَّها.
المؤمن يذلًّ ويتواضع ويخضع لإخوانه المؤمنين، ويعزُّ ويتكبَّر بإيمانه وإسلامه على الكافرين. "... فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ، حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ"سنن ابن ماجه :43، حقًّا "الْمُؤْمِنُونَ هَيِّنُونَ لَيِّنُونَ، كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ، الَّذِي إِنْ قِيدَ انْقَادَ، وَإِذَا أُنِيخَ عَلَى صَخْرَةٍ اسْتَنَاخَ. "حسن صحيح الجامع (6669) ورمز له: ابن المبارك: عن مكحول مرسلا "هب" عن ابن عمر. الصحيحة:936".


المؤمن لا يمتنع أن يسلم على الصبيان والأطفال مع أنه يسلم على الكبار والمسؤولين ويساعد الشيوخ والعجزة والضعفاء، ولا يتكبَّر أن يكنس بيته، ويحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، تشبهاً بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، لا يأبى ولا يكابر ولا يعاند، بل إذا لاحت الفرصةُ؛ طبخ طعامَه، وصنع شايه وشرابه بنفسه، إن احتاج إلى ذلك.
المؤمن ليس بصخَّاب في الأسواق، ولا عُتُلٍّ شديدٍ جافي غليظٍ على الناس، وليس بجواظ جموعٍ؛ يجمع المال الكثير ويمنع غيره، ويمنع الصدقة ويمنع الزكاة.

المؤمن في سوقه"سمحٌ إذا باع، سمح إذا اشترى، سمح إذا قضى، سمح إذا اقتضى"إذا داين أحدا أو استرد دينه، فمعاملته كلها سماحة ورفق ولين، إذا أراد أن يشتري بضاعة لا يطيل المساومة؛ إذا أعجبه اشترى، وإن لم يعجبه ترك.
المؤمن لا يبخس السلع والبضائع؛"بكم هذه يا فلان؟""هذه بعشرة""لا لا ما تساوي إلا خمسة" هذه ليست عند المؤمن، صفة البخس! أنت قل"لا تمشي معي إلا بخمسة" فإن اشتريت كان بها، إن باعك كان بها وإلا تركت، فلا تبخس يا عبد الله بضائع الآخرين.
المؤمن ليس بالذوَّاق في الأسواق، يأتي عند هذا"بكم هذا؟" -هو لا يريد الشراء-، هذه بكذا ويأكل ليتذوَّق، ثم يذهب إلى هذا وإلى ذاك، فيخرج من السوق وقد شبع، فهو لا يريد شراءً، ولا يجوز ذلك التذوق إلا برضا صاحب الشأن وصاحب البضاعة.

المؤمن في سوقه ليس من المطففين"الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ *وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ *أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ *يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ" المطففين: 2- 6.


وتوبوا إلى الله واستغفروه إنه هو التواب الرحيم...

الخطبة الثانية
الحمد لله حمد الشاكرين الصابرين، ولا عدوان إلا على الظالمين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعد؛
هذه بعض صفات المؤمن الخارجية التي بينه وبين الناس، وقبلها بينه وبين الله، فكيف بالمؤمن بينه وبين أهله زوجته وأولاده:
المؤمن ليس بمطلاق، ولا كثير الطلاق، على أتفه الأسباب طلاق بالثلاث، طلاق بالتسع والتسعين، طلاق بالمئة، بعضهم يطلق بالألف، وكلُّه محسوب عليه، ونسأل الله السلامة، وليس على لسانه مخاطبا زوجته"كلّ ما تحلي تحرمي"، "لا يردك شافعي ولا حنفي ولا مالكي ولا حنبلي)، (تحرمي علي كظهر أمي وأبي وأختي"، تسمعون مثل هذا الكلام أو ما تسمعون؟ ينتشر في الناس هذا الكلام وغيره كثير.
المؤمن ليس على لسانه لزوجته أو ولده أو جاره أو ابنته: (يا بقرة، يا حمارة، يا تيسة، يا حيوانة، يا كلبة، يا خنزيرة"، وأدهى من ذلك: يا زانية، يا عاهرة، يا بغيّ..."، وكلمات أخرى كثيرة أعرضت عنها فيها كلام صريح -والعياذ بالله- لما لا يرضيه سبحانه.
هو لو كان في عقله السليم، ولو تذكر أن الله يسمعه، ولو تذكر أن عليه ملكين؛ رقيب وعتيد، ولو تصوَّر أن عنده صديق أو صاحب لا ينطق بهذه الكلمات، كلماتٌ كثيرة جدا سجَّلتُ بعضها، ولا أريد أن أقولها..
المؤمن لا يوجه هذه الكلماتِ البذيئةَ ولا أمثالَها؛ لا لزوجة ولا ولد، ولا بنت ولا جار ولا مسلم، هذه لا تصدر إلا من فاسق، هذه تخفض درجات الإيمان عند هذا المؤمن وتنقصها، هو مؤمن لكن بدل أن كان إيمانه سبعين في المائة أصبح ستين أو أقل.
وكلُّ كلمة من الكلمات السابقة أو غيرها، ربما بعض الناس عنده -ما شاء الله!- قاموس من البذاءة، والكلامِ الذي يغضب الله عز وجل ولا يرضيه، كلّ كلمة من هذه الكلمات لها حكمُها وكفارتها، كلمة"أنت طالق"، تختلف عن"أنت عليَّ كظهر أمي"، تختلف عن الكلمة الأخرى إن وصفها"بزانية"، تختلف في حكمها وكفارتها عن كلمة؛"بقرة وكلبة وتيسة" وما شابه ذلك، وكل واحدة لها كفارتها، وليست هذه الخطبة مجالا لبيان هذا الفقه، وإنما للتحذير من مثل هذه الكلمات..
فالمؤمن لا يوقع نفسه في تيه السؤال والاستفتاء، واستخدام السماعة والتلفون، أو يذهب إلى المفتي والمشايخ وما شابه ذلك، هو غني عن هذا كله؛ بأن يحفظ لسانه.
المؤمن لا يرفع عصاه على زوجةٍ ولا ولد، ولا إنسان ولا حيوان إلاّ تأديبا إن أراد أن يؤدب، إلا تأديبا وعتابا وتأنيبا، لا انتقاما وحشيا ولا تعذيبا، لا يريد أن ينتقم، ولا يريد أن يعذب، وإنما يريد أن يؤدب، هذا هو المؤمن وهذه هي بعض صفاته.
المؤمن من كانت هذه صفاته الحسنة، بعيدا عن الصفات السلبية السيئة؛ يرضَى عنه الله جل جلاله، ويحبُّه وينادي جبريل في السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في الأرض، ويحبه أهل الأرض؛ لأنه مؤمن، مِن أحباب الله، يمشي على أرض الله، فتحبه الكائنات، وتدعوا له الحيوانات، حتى الحيتان في بحارها، وحتى النمل في أجحارها، وحتى الطيور في أعشاشها، وحتى الوحوش في أوكارها، كلُّها تدعوا للمؤمن؛ لأنَّ نفعه وخيرَه عمَّ وطمّ، ووصل إلى كلِّ مكان بذكره لله، بتسبيحه لله، بتوحيده لله، بعبادته لله، جعل الله محبةَ هؤلاءِ ودعاءَهم واستغفارَهم له، وهو لا يدري، ربما يتمرغ في الليل على فراشه مع زوجة، يتمرغ في منامه، مستمتعاً بدفئه، وما شابه ذلك، والكائنات تدعوا له، والكائنات تستغفر له، حقيق بمؤمن هذه صفاته، أن تكون هذه عاقبته.
المؤمن تُخفَّفُ عنه سكراتُ الموت؛ لأن للموت سكرات، تألَّمَ منها النبيُّ حبيب الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقول -وعنده دلو من ماء ويضع يده فيه ويضع الماء على جبهته، وهو في النزع الأخير وفي الاحتضار، - ويقول: سبحان الله إن للموت لسكرات، ثبت في صحيح البخاري "6510" عن عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ -أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ، .. - فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ»... قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ البخاري"العُلْبَةُ مِنَ الخَشَبِ، وَالرَّكْوَةُ مِنَ الأَدَمِ" أي الجلد، ويتعجب الصحابة منه، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي فَقُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا؟" فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ» فَقُلْتُ"ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟" فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"أَجَلْ!" ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ، إِلَّا حَطَّ اللَّهُ لَهُ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا"صحيح البخاري "5660". يعني أجرٌ مضاعف له، وهذا من آخر آلام الدنيا يحسُّ بها صلى الله عليه وسلم، ليس عذاباً بل هو آلام وفتنة القبر، وما يتقدم القبر.
فهذا آخر شيء يحسُّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألم الدنيا، بعد ذلك لا ألمَ ولا عذاب على أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام.
فالمؤمن تخفف عنه سكرات الموت، ويخفف عنه من عذاب قبره؛ لأن في القبور عذابا على كل الناس، وعلى قدر إيمانهم وقوته، يكون تخفيف العذاب، وعلى قدر السيئات تكون شده العذاب، فاللهم قنا عذاب القبور.
المؤمن يخرج من قبره، ويحس بقصر يوم حشره، المؤمن يسرَعُ به على الصراط لا يبقى على النار طويلًا، المؤمن يكون من السابقين الذين يسبقون غيرهم إلى دخول الجنات، والخروج من النيران، على قدر إيمان المؤمن تكون سرعته على الصراط، وعلى سبقه، وأوائل السابقين إلى الجنات، لذلك؛ المؤمن يكون في الدرجات العلى، يكون من أهلها العالين في الدرجات، القريبين من عرش الرحمن، المرافقين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الله عز وجل"إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً"الأحزاب: 56.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم وحد صفوفنا، اللهم ألف بين قلوبنا، اللهم أزل الغل والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أنزلت علينا نعمًا كثيرة، اللهم أنزلت علينا في هذا الأسبوع ماءً ومطرًا ما شاء الله، نشكرك ونحمدك يا ألله، وآن الأوان أن نقول"اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، والأودية ورؤوس الجبال، ومنابت الشجر"يا رب العالمين، "اللهم حوالينا لا علينا"، لقد تضرر الناس يا رب العالمين! وأنت أعلم بهم، مُنِع بعض الناس من الصلوات في المساجد، ومن الجمعة اليوم، وتهدمت البيوت وانقطعت السبل، فنسألك اللهم أن يكون غيث بركةٍ ورحمة، وسقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق، ولا بلاء ولا فتنة، آمين يا رب العالمين.
"
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت: 45
هنا


" وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَظ°لِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير "، فنسأل الله أن نكون من السابقين بالخيرات، هؤلاء هم الذين سارعوا في طاعة الله سبحانه وتعالى، سارعوا في التوجه إلى الله، فمن أسرع إلى الله، أسرع الله إليه، ومن تقرب إلى الله شبرا تقرب الله إليه ذراعا، وما تقربت بعمل إلى الله، وهذا العمل يقربك إلى الله ذراعا إلا أقبل الله عليك بالباع، وإذا تقربت إلى الله فمشيت إليه مشياً -من الشبر إلى الذراع، إلى المشي- جاءك هرولة، كما ورد ذلك في الحديث الصحيح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً". صحيح البخاري (7405)، ومسلم (2675).



أقبلْ على الله يقبل الله عليك، إذا أدبرت عن الله أدبر الله عنك، ï´؟ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ï´¾ [طه: 124]..


لذلك؛ هذا المسابق والمسارع في الخيرات هو المؤمن المؤدي للفرائض، لكنه مكثر من النوافل ومن الطاعات، ومن أفعال البِر الخيرات، ï´؟ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ï´¾[فاطر: 32] هذا الفضل: وراثة الكتاب، فضل من الله أكبر من أي فضل، فأيُّ فضل غيره (غير الكتاب، غير الإسلام) كالعدم؛ لأن هذا الفضل إذا سُلِب من أمّة كان خسارا عليها ووبالا، وأوردها المهالك، ابتعادُها عن ربها، وكفرُها بدين ربها، وكفرُها بكتاب ربها، وأي فضل أكبر من أن تكون مسلماً موحِّدا لله عز وجل، تنطق بلا إله إلا الله، وتشهد أن محمدا عبده ورسوله، في الليل وفي النهار، أطراف الليل وأطراف النهار تذكر الله عز وجل، فأنت المؤمن إن وقعت منك بعض التقصيرات يغفرها الله إن شاء، يعفوا عمن يشاء، أما من تاب؛ فيتوب الله عليه.


لذلك؛ المؤمن الذي ظلم نفسه: ظُلمُه لنفسه لم يخرجه من إيمانه، وظلمه لنفسه لم يسلب عنه إسلامه، فهو مؤمن ظالم لنفسه، فـالذي وقع في السيئات والخطايا مؤمن ظالم لنفسه، قد يعاقبه الله في الدنيا، وقد يعفو عنه، وقد يعاقبه في الآخرة، يوم القيامة إن شاء، وإن شاء عفا، والعفو من شيم الكرماء؛ فكيف بأكرم الأكرمين جل في علاه؟!


لكنَّ هذا الظلمَ وتلك المعصية، وذلك الذنبَ من هذا المؤمن يُنقص إيمانَه، يقللُ من إسلامه، يؤخره عن القرب عن ربه سبحانه وتعالى.


لذلك هذه الصفاتُ؛ صفاتُ المخالفات، صفاتُ الظلم للنفس؛ ارتكابُ ما حرم الله عز وجل وإن كانت لا تسلب الإيمان، فالإيمان لا يأمر بها، لا نقول: هذا مؤمن يفعل كذا من الزنا، ومن شرب الخمر، وما شابه ذلك، فهل هذه الأفعال من الإيمان! لا والله!. قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ» صحيح البخاري (6772)، ومسلم (57).


«لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، .. »، إيمانه لا يأمره بذلك، «... وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، ... »، ليس ذلك سلْبٌ للإيمان عنه، ولكن سلبٌ لأمر الإيمان به، الإيمان لم يأمر بالمخالفات والمعاصي والذنوب، لذلك لا يُتخذ المؤمن الظالم لنفسه، المؤمن الزاني، دليلا على جواز المعصية!!


والمؤمن الذي ارتكب هذه الخطيئة لا يدل على أن هذا الزنى وتلك الخطيئة فِعْلها جائز؟! لماذا؟ لأن المؤمن فَعَلها، لا! ليس هذا دليلا، هذا لا يدل على جواز ذلك لصدوره من المؤمن، فـ(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن).


لذلك يا عباد الله! المؤمن دائما وأبدا أوابٌ إلى الله، رجَّاعٌ إلى الله، تواب لله، هذا ما علمنا إياه نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً»، صحيح البخاري (6307)، وروى مسلم (2702) أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ». وفي رواية عند مسلم (2702): «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ، فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ، مَرَّةٍ».


المؤمن كثير الذكر لله.


كثير الذكر لله؟ كلمةُ (كثير) ليس قليلا معناها، هو مؤمن يذكر ويتذكر ربه، وينتظر لقاءه بين الحين والحين، وبين الفينة والأخرى.


فإذا أصبح ذكر الله، وإذا أمسى ذكر الله، المؤمن لا تفوته لحظة دون أن يذكر فيها الله سبحانه وتعالى.


المؤمن؛ أقلّ ما فيها أن يسبِّح الله في اليوم والليلة ألف تسبيحة، أن يذكر الله ألف ذكر، على لسانه: (الله)، قبلها سبحان (الله)، أو الحمد (لله)، أو لا إله إلا (الله)، أو بعدها كلمة (أكبر)، أو لا حول ولا قوة إلى (بالله)، في اليوم والليلة، فكن من هؤلاء المؤمنين ï´؟ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ï´¾ [آل عمران: 191].


لذلك؛ هذا المؤمن جعل بعد الصلوات الخمس في اليوم والليلة خمسَمائة تسبيحة، خمسَمائة ذكر لله سبحانه وتعالى: فبعد كل صلاة؛ (سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثا وثلاثين) يختمها بـ(لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)، أحرز المائة، هذه خمسمائة تسبيحة مع المؤمن المداوم على الصلوات الخمس.


وأيضاً! المؤمن تعلَّم من رسول الله، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ، لذلك تجده يكرِّر قبل طلوع الشمس وقبل الغروب: (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: سبحان الله وبحمده، مئة مرة، وإذا أمسى مئة مَرَّةٍ؛ غُفِرَت ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زبد البحر". التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (2/ 228، ح 856)، مائة صباحاً ومائة مساءاً، فيصبح المجموع سبعَمائة تسبيحة.


ثم يتبعها بالاستغفار، (أستغفر الله العظيم وأتوب إليه)، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً» صحيح البخاري (6307)، وفي رواية: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ» سنن أبي داود (1515)، مائة صباحاً ومائة مساءاً، فيكون المجموع تسعَمائة.


فإذا جاء وقت النوم يريد أن يستريح، فالنوم سكَنٌ للإنسان المؤمن وغير المؤمن، فالمؤمن يستغلّه ويعتنمه –ويغتنمه-، -فـ- قبل أن ينام يذكر الله؛ بأن (يسبِّحَه ثلاثا وثلاثين تسبيحة، ويحمده ثلاثا وثلاثين تحميده، ويكبره أربع وثلاثون تكبيرة)، عن عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه، أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله تعالى عنها، اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى فِي يَدِهَا، وَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ، فَلَمْ تَجِدْهُ وَلَقِيَتْ عَائِشَةَ، فَأَخْبَرَتْهَا فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ إِلَيْهَا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا، وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى مَكَانِكُمَا»، فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلَى صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَا، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، أَنْ تُكَبِّرَا اللهَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَتُسَبِّحَاهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدَاهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ»، صحيح مسلم (2727)، فالمجموع مائة فأكملت الألف.


صعبةٌ يا عباد الله؟! ألفٌ في اليوم والليلة، كفيلة بمحوِ السيئاتِ، ورفع الدرجاتِ، وكتابة الحسناتِ الكثيرات، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ، كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟» فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: «يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ» صحيح مسلم (2698).


وفوق هذا؛ المؤمن يذكر الله على جميع أحيانه:
أذا أتى فراشه، وإذا تقلَّب في منامه، وإذا مشى في سيره، وإذا تحرك أو سكن على كل حال يذكر الله، وينوِّع الذكرَ؛ بين تسبيح وتحميد، وتكبير وتهليل، وحوقلة وبسملة ودعاء: (يا ألله) عندما يقوم، (يا كريم يا رزاق) يتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، المؤمن والمؤمنة دائما وأبدا من ï´؟ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ ï´¾ [الأحزاب: 35].


المؤمن يؤدّي الفرائض كلَّها لا ينقص منها شيئا، لا يمنعه من ذلك إلا غياب عقله، أو يمنع المرأةَ حيضُها أو نفاسُها، أما النوافل؛ فيفعلُ منها ما تيسر له، على قدر وقته وانشغاله أو فراغه أو ما شابه ذلك.


المؤمن عجيبٌ أمره بين الناس، تعرفه بأنه ينفع غيره، وينشر خيره، ويكفُّ شره، ينفع غيره من مسكين وأرملة ومحتاج، ينفع غيره وينشر خيره، ويحمل الكَلَّ والضعيف، ويكف شره: شرَّ عينه، وشر لسانه، وشر قلبه من الضغائن، وشر يديه، وشر رجليه، وشر أذنيه، يحفظ ذلك كلَّه.


فيحفظ عينه عن الحرام، فأعراض المسلمين، ووجوه المؤمنات مصونةٌ عند هذا المؤمن.


يحفظ أذنه عن التنصت على الجيران، وعن الجوسسة والعمالة ونقل الأخبار.


يحفظ يده عن السرقة والغش، والظلم والبطش، وملامسة النساء.


يحفظ رجله أن تسوقه إلى أماكن اللهو الحرام، وبيوت الدعارة، والفسق والفجور.


يحفظ لسانه عن الطعن، والسب واللعن، والشتم واللغو، والفحش من القول، والبذائة وقلة الأدب من الكلام.. يحفظ لسانه عن الكذب والغيبة والنميمة...


يحفظ قلبه عن الوساوس الشيطانية، والشبهات والشهوات، ويحفظ قلبه عن الاعتقادات الشركية والكفرية، ويحفظ قلبه عن أن يتمنى ما يغضب الله سبحانه وتعالى.


المؤمن ينصحُ ولا يفضح، يأمر بالمعروف بمعروف، وينهى عن المنكر بلا منكر، بعيدا عن الأهواء والبدع وأهلها، قريبا من السنة والجماعة وأهلها.


المؤمن أينما وقع نفع، المؤمن كالنحلة إذا وقعت لم تفسد ولم تكسر، إذا وقعت على زهرة؛ لا تكسر العود ولا تفسده، وتأخذ الطيِّب ثم تضع لك الطيب، "إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْقِطْعَةِ مِنَ الذَّهَبِ، نَفَخَ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا فَلَمْ تَغَيَّرْ، وَلَمْ تَنْقُصْ، وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ، إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ النَّحْلَةِ، أَكَلَتْ طَيِّبًا، وَوَضَعَتْ طَيِّبًا، وَوَقَعَتْ فَلَمْ تُكْسَرْ وَلَمْ تَفْسُدْ "مسند أحمد ط الرسالة (11/ 457، ح 6872) الصحيحة (2288).


المؤمن كالنخلة؛ يرمى بالحجارة وترميهم بالثمر، هذا هو المؤمن، فأين نحن من هذا؟!!


المؤمن لا يروِّج للشائعاتِ، ولا يستمع إليها ويكف شرَّها.


المؤمن يذلًّ ويتواضع ويخضع لإخوانه المؤمنين، ويعزُّ ويتكبَّر بإيمانه وإسلامه على الكافرين. «... فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ، حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ». سنن ابن ماجه (43)، حقًّا «الْمُؤْمِنُونَ هَيِّنُونَ لَيِّنُونَ، كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ، الَّذِي إِنْ قِيدَ انْقَادَ، وَإِذَا أُنِيخَ عَلَى صَخْرَةٍ اسْتَنَاخَ». (حسن) صحيح الجامع (6669) ورمز له: (ابن المبارك) عن مكحول مرسلا (هب) عن ابن عمر. الصحيحة (936).


المؤمن لا يمتنع أن يسلم على الصبيان والأطفال مع أنه يسلم على الكبار والمسؤولين ويساعد الشيوخ والعجزة والضعفاء، ولا يتكبَّر أن يكنس بيته، ويحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، تشبهاً بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، لا يأبى ولا يكابر ولا يعاند، بل إذا لاحت الفرصةُ؛ طبخ طعامَه، وصنع شايه وشرابه بنفسه، إن احتاج إلى ذلك.


المؤمن ليس بصخَّاب في الأسواق، ولا عُتُلٍّ شديدٍ جافي غليظٍ على الناس، وليس بجواظ جموعٍ؛ يجمع المال الكثير ويمنع غيره، ويمنع الصدقة ويمنع الزكاة.


المؤمن في سوقه (سمحٌ إذا باع، سمح إذا اشترى، سمح إذا قضى، سمح إذا اقتضى) إذا داين أحدا أو استرد دينه، فمعاملته كلها سماحة ورفق ولين، إذا أراد أن يشتري بضاعة لا يطيل المساومة؛ إذا أعجبه اشترى، وإن لم يعجبه ترك.


المؤمن لا يبخس السلع والبضائع؛ (بكم هذه يا فلان؟) (هذه بعشرة) (لا لا ما تساوي إلا خمسة).. هذه ليست عند المؤمن، صفة البخس! أنت قل: (لا تمشي معي إلا بخمسة) فإن اشتريت كان بها، إن باعك كان بها وإلا تركت، فلا تبخس يا عبد الله بضائع الآخرين.


المؤمن ليس بالذوَّاق في الأسواق، يأتي عند هذا: (بكم هذا؟) -هو لا يريد الشراء-، (هذه بكذا) ويأكل ليتذوَّق، ثم يذهب إلى هذا وإلى ذاك، فيخرج من السوق وقد شبع، فهو لا يريد شراءً، ولا يجوز ذلك التذوق إلا برضا صاحب الشأن وصاحب البضاعة.


المؤمن في سوقه ليس من المطففين ï´؟ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [المطففين: 2- 6].


وتوبوا إلى الله واستغفروه إنه هو التواب الرحيم...

الخطبة الثانية
الحمد لله حمد الشاكرين الصابرين، ولا عدوان إلا على الظالمين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعد؛


هذه بعض صفات المؤمن الخارجية التي بينه وبين الناس، وقبلها بينه وبين الله، فكيف بالمؤمن بينه وبين أهله زوجته وأولاده:
المؤمن ليس بمطلاق، ولا كثير الطلاق، على أتفه الأسباب طلاق بالثلاث، طلاق بالتسع والتسعين، طلاق بالمئة، بعضهم يطلق بالألف، وكلُّه محسوب عليه، ونسأل الله السلامة، وليس على لسانه مخاطبا زوجته: (كلّ ما تحلي تحرمي)، (لا يردك شافعي ولا حنفي ولا مالكي ولا حنبلي)، (تحرمي علي كظهر أمي وأبي وأختي)، تسمعون مثل هذا الكلام أو ما تسمعون؟ ينتشر في الناس هذا الكلام وغيره كثير.


المؤمن ليس على لسانه لزوجته أو ولده أو جاره أو ابنته: (يا بقرة، يا حمارة، يا تيسة، يا حيوانة، يا كلبة، يا خنزيرة)، وأدهى من ذلك: (يا زانية، يا عاهرة، يا بغيّ...)، وكلمات أخرى كثيرة أعرضت عنها فيها كلام صريح -والعياذ بالله- لما لا يرضيه سبحانه.


هو لو كان في عقله السليم، ولو تذكر أن الله يسمعه، ولو تذكر أن عليه ملكين؛ رقيب وعتيد، ولو تصوَّر أن عنده صديق أو صاحب لا ينطق بهذه الكلمات، كلماتٌ كثيرة جدا سجَّلتُ بعضها، ولا أريد أن أقولها..


المؤمن لا يوجه هذه الكلماتِ البذيئةَ ولا أمثالَها؛ لا لزوجة ولا ولد، ولا بنت ولا جار ولا مسلم، هذه لا تصدر إلا من فاسق، هذه تخفض درجات الإيمان عند هذا المؤمن وتنقصها، هو مؤمن لكن بدل أن كان إيمانه سبعين في المائة أصبح ستين أو أقل.


وكلُّ كلمة من الكلمات السابقة أو غيرها، ربما بعض الناس عنده -ما شاء الله!- قاموس من البذاءة، والكلامِ الذي يغضب الله عز وجل ولا يرضيه، كلّ كلمة من هذه الكلمات لها حكمُها وكفارتها، كلمة (أنت طالق)، تختلف عن (أنت عليَّ كظهر أمي)، تختلف عن الكلمة الأخرى إن وصفها (بزانية)، تختلف في حكمها وكفارتها عن كلمة؛ (بقرة وكلبة وتيسة) وما شابه ذلك، وكل واحدة لها كفارتها، وليست هذه الخطبة مجالا لبيان هذا الفقه، وإنما للتحذير من مثل هذه الكلمات..


فالمؤمن لا يوقع نفسه في تيه السؤال والاستفتاء، واستخدام السماعة والتلفون، أو يذهب إلى المفتي والمشايخ وما شابه ذلك، هو غني عن هذا كله؛ بأن يحفظ لسانه.


المؤمن لا يرفع عصاه على زوجةٍ ولا ولد، ولا إنسان ولا حيوان إلاّ تأديبا إن أراد أن يؤدب، إلا تأديبا وعتابا وتأنيبا، لا انتقاما وحشيا ولا تعذيبا، لا يريد أن ينتقم، ولا يريد أن يعذب، وإنما يريد أن يؤدب، هذا هو المؤمن وهذه هي بعض صفاته.


المؤمن من كانت هذه صفاته الحسنة، بعيدا عن الصفات السلبية السيئة؛ يرضَى عنه الله جل جلاله، ويحبُّه وينادي جبريل في السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في الأرض، ويحبه أهل الأرض؛ لأنه مؤمن، مِن أحباب الله، يمشي على أرض الله، فتحبه الكائنات، وتدعوا له الحيوانات، حتى الحيتان في بحارها، وحتى النمل في أجحارها، وحتى الطيور في أعشاشها، وحتى الوحوش في أوكارها، كلُّها تدعوا للمؤمن؛ لأنَّ نفعه وخيرَه عمَّ وطمّ، ووصل إلى كلِّ مكان بذكره لله، بتسبيحه لله، بتوحيده لله، بعبادته لله، جعل الله محبةَ هؤلاءِ ودعاءَهم واستغفارَهم له، وهو لا يدري، ربما يتمرغ في الليل على فراشه مع زوجة، يتمرغ في منامه، مستمتعاً بدفئه، وما شابه ذلك، والكائنات تدعوا له، والكائنات تستغفر له، حقيق بمؤمن هذه صفاته، أن تكون هذه عاقبته.


المؤمن تُخفَّفُ عنه سكراتُ الموت؛ لأن للموت سكرات، تألَّمَ منها النبيُّ حبيب الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقول -وعنده دلو من ماء ويضع يده فيه ويضع الماء على جبهته، وهو في النزع الأخير وفي الاحتضار، - ويقول: سبحان الله إن للموت لسكرات، ثبت في صحيح البخاري (6510) عن عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ -أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ، .. - فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ»... قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ البخاري: «العُلْبَةُ مِنَ الخَشَبِ، وَالرَّكْوَةُ مِنَ الأَدَمِ» أي الجلد، ويتعجب الصحابة منه، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي فَقُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا؟) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ» فَقُلْتُ: (ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَجَلْ!» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ، إِلَّا حَطَّ اللَّهُ لَهُ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا» صحيح البخاري (5660). يعني أجرٌ مضاعف له، وهذا من آخر آلام الدنيا يحسُّ بها صلى الله عليه وسلم، ليس عذاباً بل هو آلام وفتنة القبر، وما يتقدم القبر.


فهذا آخر شيء يحسُّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألم الدنيا، بعد ذلك لا ألمَ ولا عذاب على أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام.


فالمؤمن تخفف عنه سكرات الموت، ويخفف عنه من عذاب قبره؛ لأن في القبور عذابا على كل الناس، وعلى قدر إيمانهم وقوته، يكون تخفيف العذاب، وعلى قدر السيئات تكون شده العذاب، فاللهم قنا عذاب القبور.


المؤمن يخرج من قبره، ويحس بقصر يوم حشره، المؤمن يسرَعُ به على الصراط لا يبقى على النار طويلاً، المؤمن يكون من السابقين الذين يسبقون غيرهم إلى دخول الجنات، والخروج من النيران، على قدر إيمان المؤمن تكون سرعته على الصراط، وعلى سبقه، وأوائل السابقين إلى الجنات، لذلك؛ المؤمن يكون في الدرجات العلى، يكون من أهلها العالين في الدرجات، القريبين من عرش الرحمن، المرافقين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.


قال الله عز وجل: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ï´¾ [الأحزاب: 56].


اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم وحد صفوفنا، اللهم ألف بين قلوبنا، اللهم أزل الغل والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أنزلت علينا نعمًا كثيرة، اللهم أنزلت علينا في هذا الأسبوع ماءً ومطرًا ما شاء الله، نشكرك ونحمدك يا ألله، وآن الأوان أن نقول: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، والأودية ورؤوس الجبال، ومنابت الشجر) يا رب العالمين، (اللهم حوالينا لا علينا)، لقد تضرر الناس يا رب العالمين! وأنت أعلم بهم، مُنِع بعض الناس من الصلوات في المساجد، ومن الجمعة اليوم، وتهدمت البيوت وانقطعت السبل، فنسألك اللهم أن يكون غيث بركةٍ ورحمة، وسقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق، ولا بلاء ولا فتنة، آمين يا رب العالمين.


" وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ " [العنكبوت: 45].
هنا

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 10-10-2020 الساعة 07:59 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



أوقات الصلاة لأكثر من 6 ملايين مدينة في أنحاء العالم
الدولة:

الساعة الآن 02:09 AM بتوقيت مسقط


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
Powered & Developed By Advanced Technology