ملتقى قطرات العلم النسائي
 
 

الـــمـــصـــحـــــف الـــجـــامـــع
مـــصـــحـــــف آيـــــات
موقع الدرر السنية للبحث عن تحقيق حديث

العودة   ملتقى قطرات العلم النسائي > ملتقى الدورات العلمية الخاصة بأم أبي التراب > ملتقى الدورات العلمية الخاصة بأم أبي التراب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-07-2014, 03:07 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,035
افتراضي



الأخوة في الله .. حقوق وواجبات

• أولاً: مفهوم الأخوة الإيمانية

1- الأخوة الإيمانية امتداد لمحبة الله وتوحيده:
ثبتت رابطة الاخوة بين المؤمنين بقوله تعالى ذكره {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: 10)، فمفهوم الأخوة الإسلامية هي امتداد لمحبة الله تعالى وتوحيده، فالمحبة والموالاة للمؤمنين هي لازم لمحبة الله وموالاته، فمن أحب الله وولاه لابدّ أن يحب من يحبه الله سبحانه وتعالى ومن يقرب من الرسل والصديقين والمؤمنين. يقول الله سبحانه وتعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} (التوبة: 71).

2- الأخوة الإيمانية أخوة في طريق تعمير الأرض وتحرير الإنسان:
مما يميز الأخوة الإيمانية كذلك أنها لقاء بين الموحدين على مهام عظيمة، وأعمال كبيرة، تسمو بالمسلم إلى المهمة الأصيلة في تعمير الأرض بالخير، ونشر العدل في الأرض
.
وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصحابة الكرام من مهاجرين وأنصار في رباط أخوة إيمانية، أبدعت نواة لدولة حضارية عمّرت الأرض بمنهج الله تعالى.


3- الأخوة الإيمانية أخوة فوق كل العصبيات الأرضية كمثل الجسد الواحد:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«مَثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم ، مَثلُ الجسدِ . إذا اشتكَى منه عضوٌ ، تداعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى»
الراوي: النعمان بن بشير المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2586
خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية

فهي فوق أخوة النسب، وهي فوق أخوة القبيلة، وهي فوق أخوة الوطن…فوق كل الأخوات الأرضية… تسمو عليها وترتقي لتلتقي على نفحة الوحي السماوية.


• ثانياً: فضل التآخي بالله والتحابب فيه:

1- الأخوة في الله نعمة الله وفضله:
يقول الله سبحانه وتعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} (آل عمران: 103).
فجعل المولى عز وجل الأخوة منحة إلهية، ونفحة ربانية يهبها الله للمخلصين الصادقين، يمحى بها الأحقاد الجاهلية ويزيل بها العداوة والبغضاء فتتوحد القلوب، وتتآلف النفوس على المنهج الواحد، والعقيدة والواحدة.


2- الأخوة في الله طريق لمحبة الله تعالى:
تحصيل محبة الله تعالى غاية قلوب الموحدين، وقد بينت النصوص أن محبة الله تعالى تتحصل بمحبة الإخوان وحسن عشرتهم ومواساتهم وموالاتهم والتزاور بينهم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم

1 -« أنَّ رجلًا زارَ أخًا لَهُ في قريةٍ أخرى ، فأرصدَ اللَّهُ لَهُ ، على مَدرجَتِهِ ، ملَكًا فلمَّا أتى عليهِ ، قالَ : أينَ تريدُ ؟ قالَ : أريدُ أخًا لي في هذِهِ القريةِ ، قالَ : هل لَكَ عليهِ من نعمةٍ تربُّها ؟ قالَ : لا ، غيرَ أنِّي أحببتُهُ في اللَّهِ عزَّ وجلَّ ، قالَ : فإنِّي رسولُ اللَّهِ إليكَ ، بأنَّ اللَّهَ قد أحبَّكَ كما أحببتَهُ فيهِ»
الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2567-خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية


3- المتآخون في الله في ظل الله تعالى:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- « إنَّ اللَّهَ يقولُ يومَ القيامةِ : أينَ المُتحابُّونَ بجلالي ، اليومَ أظلُّهم في ظلِّي . يومَ لا ظلَّ إلَّا ظلِّي» الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2566-خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية


4- منازل المتآخين في الله غبطة الأنبياء والشهداء:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ قَالَ هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (رواه أبو داود).

الراوي: عمر بن الخطاب المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 3527
خلاصة حكم المحدث:
صحيح
الدرر السنية


5- الأخوة في الله طريق لحلاوة الإيمان واستكمال عراه:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ وَأَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَنْكَحَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ» (رواه الترمذي).
ويقول صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» (متفق عليه).
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (متفق عليه).


• ثالثاً: حقوق وواجبات الأخوة الإيمانية

الأخوة الإيمانية واجب ديني فعلى كل موحد صادق أن يراجع نفسه ويرى علاقته بأخوته ومدى تطابقها مع تعليمات الشريعة السمحة.
1- محبته في الله وموالاته، والمداومة على ذلك ما دام الأخ على عقد الإيمان:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا» (رواه مسلم).
وقد أرشد المصطفى صلى الله عليه وسلم المؤمنين أن يخبروا بعضهم بهذه المحبة، روى أنس بن مالك رضي الله عنه وغيره قال: «مَرَّ رَجُلٌ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ جَالِسٌ فَقَالَ الرَّجُلُ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا فِي اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرْتَهُ بِذَلِكَ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فَأَخْبِرْهُ تَثْبُتْ الْمَوَدَّةُ بَيْنَكُمَا فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ أَنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ أَوْ قَالَ أُحِبُّكَ لِلَّهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي فِيهِ» (رواه أبو داود).


2- المواساة وحسن الصحبة والعشرة:
أ – وجوب العَود بالفضل
فينزل المسلم أخاه المسلم منزلة الصاحب لديه، فيقوم بحاجته من فضل ماله إذا احتاج، ولا ينتظر سؤاله فإن ألجأه إلى السؤال فهو دليل على تقصيره في حق أخيه، وإذا انحط المسلم عن هذه المرتبة فهو مقصر مذنب يحتاج إلى فحص نفسه، وتهذيبها والتوبة إلى الله تعالى.
ب – طيب الكلام والمبسم والبشاشة في وجه الأخوة ورد السلام والفرح باللقاء:
طيب الكلام وحسنه بين الأخوة، مدعاة لجلب المحبة ودوامها أن يدعو أخاه بأحسن أسمائه، وأحبها على قلبه يـقـــول المـصـطــفى صلى الله عليه وسلم: «ثلاث يصفــين لك ود أخــيك تسلم عليه إذا لقيته وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب أسمائه إليه» (رواه الحاكم).
فال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» (رواه مسلم).
قال صلى الله عليه وسلم: «أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» (رواه مسلم).
ج – خفض الجناح ولين الجانب والتواضع وحسن الخلق و إقالة العثرات والتزاور في الله والتهنئة وتفقد الحال:
قال صلى الله عليه وسلم: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ» (رواه مسلم).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» (رواه الترمذي).
د- السعي بالشفاعة الحسنة:
قال الله تعالى {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا} (النساء: 85).


4- التعاون والتآزر فيما بين الأخوان على البر والعمل الصالح:
فالمؤمنون بنيان واحد، يشد بعضه بعضاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» (رواه البخاري).


5- نصرة الأخوان المظلومين وصيانة الدماء والأعراض والأموال وإغاثة الملهوف وفكّ العاني:
قال الله تعالى: { وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ } (الأنفال: 72).


6- واجبات اجتماعية:
أوجب الإسلام واجبات عديدة لإدامة صلة الأخوة الإيمانية، بين الموحدين، ولزيادة المحبة فيما بينهم وهذه جملة من الواجبات المستحبات أشير إليها بشكل موجز:
أ- قبول الهدية واستحباب الإثابة عليها
ب- إجابة الدعوى
ج- ستر المسلم لأخيه المسلم
د- تشميت العطاس
هـ- إحسان الظن وسلامة الصدر


7- الدعاء للإخوان بكل خير في حياتهم و شهود الجنازة والدعاء بالمغفرة والرضوان بعد مماتهم:
فقد ورد في الحديث الصحيح «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ وَلَكَ بِمِثْلٍ» (رواه مسلم).
قال صلى الله عليه وسلم «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ».


• رابعاً: محاذير في طريق الأخوة

1- الغيبة:
وهي أن يذكر الإنسان أخاه في غيبته بما يكره، روى مسلم عن أبي هريرة ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ. قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ».


2- النميمة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ» (رواه مسلم).


3- التجسس:
قال تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا} (الحجرات: 12).
قال الطبري: وَقَوْله: {وَلا تَجَسَّسُوا} يَقُول: وَلَا يَتَتَبَّع بَعْضكُمْ عَوْرَة بَعْض, وَلَا يَبْحَث عَنْ سَرَائِره, لَا عَلَى مَا لَا تَعْلَمُونَهُ مِنْ سَرَائِره.
قال ابن كثير في تفسير الآية: {وَلا تَجَسَّسُوا} أَيْ عَلَى بَعْضكُمْ بَعْضًا وَالتَّجَسُّس غَالِبًا يُطْلَق فِي الشَّرّ، وَمِنْهُ الْجَاسُوس.


4- السخرية:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْتَقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ» (رواه الترمذي).


5- اللمز الغمز:
قال ابن كثير في قوله تعالى { وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ }: أي لا تلمزوا الناس، والهماز واللماز من الرجال مذموم ملعون كما قال الله { وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } (الهمزة:1)، فالهمز بالفعل، واللمز بالقول.


6- الغضب والحسد يحرقان الأخوة:
الغضب شعلة محرقة من النار، تحرق الأخوة الإيمانية، وتنزع بالإنسان لسلوك الشيطان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم موصياً الرجل الذي طلب الوصية: «لا تغضب، فرددها مرارا، قال: لا تغضب» (رواه البخاري).
والحسد من شر معاصي القلوب، ومعاصي القلوب أشد إثماً من كثير من معاصي الجوارح، نظراً إلى آثارها الخطيرة على السلوك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ» (رواه مسلم).


7- العداوة والحقد:
لقد نهى الشرع الحنيف عن البغضاء، والحقد، في نصوص كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» (رواه البخاري).


8- الكبر الغرور:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ» (رواه مسلم).


9- آفات أخرى مع التقصير في تأدية واجبات الأخوة:
وهناك آفات كثيرة تؤثر في الأخوة الإسلامية وتضعفها، مثل: الهجر، والجفاء والغلظة، والفضول، والغيرة، والغدر، والطمع، وسوء الظن، والشك والريبة، والشماتة، والبيع على البيع، والخطبة على الخطبة،…وغيرها كثير من الأمور التي نبه عليها الشرع في نصوص عديدة وليس هنا مكان بسطها، وأردت التنويه لبعض الأمور التي تسيء للأخوة في الله، وكذلك فإن التقصير في تأدية واجبات الأخوة الإيمانية التي سبق ذكر طرف منها، له أثر كبير في تمزيق الأخوة الإيمانية وأضعافها.


نسأل الله أن يجنب الأخوة هذه الآفات، ويحققهم بتحقيق أوامر الله تعالى وواجبات الشرع الحنيف تجاه الأخوة في الله.. وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.


سلسلة العلامتين ابن باز والألباني


التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 05-07-2014 الساعة 03:52 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-14-2014, 02:34 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,035
" وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا " الكهف 47
يخبر تعالى عن حال يوم القيامة, وما فيه من الأهوال المقلقة, والشدائد المزعجة فقال: " وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ " أي: يزيلها عن أماكنها, يجعلها كثيبا-
رمل1-, ثم يجعلها كالعهن المنفوش ثم تضمحل وتتلاشى, وتكون هباء منبثا, وتبرز الأرض, فتصير قاعا صفصفا, لا عوج فيه ولا أمتا2.
ويحشر الله جميع الخلق, على تلك الأرض, فلا يغادر منهم أحدا.
بل يجمع الأولين والآخرين, من بطون الفلوات-الصحاري-, وفغور البحار, ويجمعهم بعدما تفرقوا, ويعيدهم, بعد ما تمزقوا, خلقا جديدا.
فيعرضون عليه صفا, ليستعرضهم, وينظر في أعمالهم, ويحكم فيهم, بحكمه العدل, الذي لا جور فيه ولا ظلم, ويقول لهم: " لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة "

{وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِداً }الكهف48
أي, بلا مال, ولا أهل, ولا عشيرة, ما معهم إلا الأعمال, التي عملوها, والمكاسب في الخير والشر, التي كسبوها كما قال تعالى: " وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ " .

الأنعام 94
تفسير السعدي
1
( وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا ) يَقُولُ : وَكَانَتِ الْجِبَالُ رَمْلًا سَائِلًا مُتَنَاثِرًا .
تفسير الطبري


2-( فَيَذَرُهَا ) أَيْ : فَيَدَعُ أَمَاكِنَ الْجِبَالِ مِنَ الْأَرْضِ ، ( قَاعًا صَفْصَفًا ) أَيْ : أَرْضًا مَلْسَاءَ مُسْتَوِيَةً لَا نَبَاتَ فِيهَا ، وَ " الْقَاعُ " : مَا انْبَسَطَ مِنَ الْأَرْضِ ، وَ " الصَّفْصَفُ " : الْأَمْلَسُ . [ ص: 295 ] ( لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ) قَالَ مُجَاهِدٌ : انْخِفَاضًا وَارْتِفَاعًا .
تفسير البغوي


{{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا *}}.الكهف 47
قوله تعالى: { {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} } أي اذكر لهم { {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} } وعلى هذا فإن { {يَوْمَ} } ظرف عامِلُهُ محذوف والتقدير اذكر { {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا *} } أي: اذكر للناس هذه الحال، وهذا المشهد العظيم { {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} } وقد بين الله عزّ وجل في آية أخرى أنه يسيرها فتكون سراباً {{وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا *}} [النبأ: 20] ، وتكون كالعهن المنفوش: {{وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ *}} [القارعة: 5] ، وذلك بأن الله تعالى يدُك الأرض وتصبح الجبال كثيباً مهيلاً {{يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلاً *}} [المزمل: 14] ثم تتطاير في الجو، هذا معنى تُسَيَّرُ. ومن الآيات الدالة على هذا المعنى قول الله تبارك وتعالى في سورة النمل: {{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}} [النمل: 88] . بعض الناس قال إنَّ هذه الآية تعني دوران الأرض، فإنك ترى الجبال فتظنها ثابتة ولكنها تسير، وهذا غلط وقول على الله تعالى بلا علم لأن سياق الآية يأبى ذلك كما قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ{87} وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ{88} مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ{89} } [النمل: 87 ـ 89] . فالآية واضحة أنها يوم القيامة، وأما زعم هذا الرجل القائل بذلك بأن يوم القيامة تكون الأمور حقائق وهنا يقول: {{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا}} [النمل: 88] فلا حسبان في الآخرة، فهذا غلط أيضاً لأنه إذا كان الله أثبت هذا فيجب أن نؤمن به ولا نحرفه بعقولنا، ثم إن الله عزّ وجل يقول: {{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ }} [الحج: 1، 2] . فإذا قلنا إن زلزلة الساعة هي قيامها، فقد بيَّن الله أن الناس يراهم الرائي فيظنهم سكارى وما هم بسكارى، وعلى كل حال فإن الواجب علينا جميعاً أن نجري الآيات على ظاهرها وأن نعرف السياق لأنه يعين المعنى ، فكم من جملة في سياق يكون لها معنى ولو كانت في غير هذا السياق، لكان لها معنى آخر، ولكنها في هذا السياق يكون لها المعنى المناسب لهذا السياق.
وقوله تعالى: { {وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} } أي: ظاهرة لأنها تكون قاعاً وصفصفاً، وهي الآن ليست بارزة لأنها مكورة، وأكثرها غير بارز، ثم إن البارز لنا أيضاً كثير منه مختفٍ بالجبال، فيوم القيامة لا جبال ولا أرض كروية بل تمد الأرض مدَّ الأديم، قال الله عزّ وجل: {{ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ }} [الانشقاق: 1 ـ 3] ، فقوله: {{وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ *}} [الانشقاق: 3] يدل على أن الأرض الآن غير ممدودة.
وقوله: { {وَحَشَرْنَاهُمْ} } أي الناس، بل إن الوحوش تحشر كما قال الله عزّ وجل: {{وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ *}} [التكوير: 5] . بل جميع الدواب أيضاً كما قال تعالى في سورة الأنعام: {{وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ *}} [الأنعام: 38] . فكلٌّ شيء يحشر، ولهذا يقول الله عزّ وجل هنا: { {وَحَشَرْنَاهُمْ} } أي: الناس، وفي الآية الأخرى {{وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ *} } وفي الأخيرة جميع الدواب.
وقوله: { {فَلَمْ نُغَادِرْ} } أي نترك، { {مِنْهُمْ أَحَدًا} } كل الناس يحشرون، إن مات في البر حشر، في البحر حشر، في أي مكان، لا بد أن يحشر يوم القيامة ويجمع.
* * *
{{وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا *}}.الكهف 48
قوله تعالى: { {وَعُرِضُوا} } أي: عرض الناس { {عَلَى رَبِّكَ} } أي: على الله سبحانه وتعالى.
{ {صَفًّا} } أي: حال كونهم صفاً بمعنى صفوفاً، فيحاسبهم الله عزّ وجل، أما المؤمن فإنه يخلو به وحده ويقرره بذنوبه ويقول له عملت كذا وعملت كذا، فيقر فيقول له أكرم الأكرمين: «إني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم»
- قال رجلٌ لابنِ عمرَ : كيف سمعتَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول في النَّجوى ؟ قال : سمعتُه يقول " يُدني المؤمنُ يومَ القيامةِ من ربِّه عزَّ وجلَّ . حتى يضع عليه كنَفَه . فيُقرِّره بذنوبه . فيقول : هل تعرف ؟ فيقول : أي ربِّ ! أعرف . قال : فإني قد سترتُها عليك في الدنيا ، وإني أغفرها لك اليومَ . فيُعطى صحيفةَ حسناتِه . وأما الكفارُ والمنافقون فيُنادى بهم على رؤوسِ الخلائقِ : هؤلاء الذي كذَبوا على الله ِ" .
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2768-خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

يغفر الله عزّ وجل له يوم القيامة، ولا يعاقبه عليها وفي الدنيا يسترها، فكم من ذنوب لنا اقترفناها في الخفاء؟ كثيرة، سواء كانت عملية في الجوارح الظاهرة أو عملية من عمل القلوب، فسوء الظن موجود، الحسد موجود، إرادة السوء للمسلم موجودة، وهو مستور عليه. وأعمال أخرى من أعمال الجوارح ولكن الله يسترها على العبد. إننا نؤمِّل إن شاء الله أن الذي سترها علينا في الدنيا، أن يغفرها لنا في الآخرة.
ثم قال تعالى: { {لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} } أي يقال لهم ذلك. وهذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: اللام وقد والقسم المقدر، يعني والله لقد جئتمونا { {كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} } ليس معكم مال ولا ثياب ولا غير ذلك، بل ما فقد منهم يرد إليهم، كما جاء في الحديث الصحيح أنهم يحشرون يوم القيامة «حفاة، عراة، غرْلا»[(25)] و «غُرْلا» جمع أغرل وهو الذي لم يختن، إذاً سوف يعرضون على الله صفا ويقال: { {لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} }، ويقال أيضاً:
{ {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} }، هذا إضراب انتقال، فهم يوبخون { {لَقَدْ جِئْتُمُونَا} } فلا مفر لكم { {كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} } فلا مال لكم ولا أهل، ويوبخون أيضاً على إنكارهم البعث فيقال: { {بَلْ زَعَمْتُمْ} } في الدنيا { {أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} }، وهذا الزعم تبين بطلانه، فهو باطل.
تفسير العثيمين

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 09-21-2014 الساعة 03:08 PM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-27-2014, 05:14 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,035
افتراضي

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) (الكهف)

قوله تعالى: { {وَوُضِعَ الْكِتَابُ} } أي وزِّع بين الناس، فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله.
{ {فَتَرَى} } أيها الإنسان { {الْمُجْرِمِينَ} } أي: الكافرين { {مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ} } أي: خائفين مما كتب فيه لأنهم يعلمون ما قدموه لأنفسهم، وهذا يشبه قول الله تعالى عن اليهود الذين قالوا: {{لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً}} [البقرة: 80] ، فتُحُدوا وقيل لهم: {{قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الْدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *}} [البقرة: 94] ، قال الله: {{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}} يعني يعرفون أنهم إذا ماتوا عُذِّبوا، ومن كان يعلم أنه إذا مات عُذب فلن يتمنى الموت أبداً، فهؤلاء مشفقون مما في كتاب الله، يعني يعلمون أنه مُحتوٍ على الفضائح والسيئات العظيمة.
ويقولون إذا علموا: { {ياوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} }.
{ يا } حرف نداء { ويلتنا } وهي الهلاك ولكن كيف تنادى؟
الجواب: إما أن «يا» للتنبيه فقط لأن النداء يتضمن الدعاء والتنبيه، وإما أن نقول إنهم جعلوا ويلتهم بمنْزلة العاقل الذي يوجه إليه النداء، ويكون التقدير «يا ويلتنا احضري»! لكن المعنى الأول أقرب لأنه لا يحتاج إلى تقدير، ولأنه أبلغ.
{ {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ} } أي شيء لهذا الكتاب؟
{ {لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} } يعني أثبتها عدداً، كأنهم يتضجرون من هذا، ولكن هذا لا ينفعهم.
{ {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا} } أي وجدوا ثواب ما عملوا.
{ {حَاضِرًا} } لم يغب منه شيء وعبَّر الله تعالى بالعمل عن الثواب لأنه مثلُه بلا زيادة.
ثم قال الله تعالى: { {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} } وذلك لكمال عدله سبحانه وتعالى فلا يزيد على مسيء سيئة واحدة، ولا يَنقص من محسن حسنة واحدة، قال تعالى: {{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْمًا وَلاَ هَضْمًا *}} [طه: 112] . وهذه الآية { {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} } من الصفات المنفية عن الله، وأكثر الوارد في الصفات الصفات المثبتة كالحياة والعلم والقدرة. وأما ذكر الصفات المنفية فقليل بالنسبة للصفات المثبتة، ولا يتم الإيمان بالصفات المنفية إلاَّ بأمرين:
الأول نفي الصفة المنفية.
والثاني إثبات كمال ضدها.
فالنفي الذي لم يتضمن كمالاً لا يمكن أن يكون في صفات الله . بل لا بد في كل نفي نفاه الله عن نفسه أن يكون متضمناً لإثبات كمال الضد، والنفي إن لم يتضمن كمالاً فقد يكون لعدم قابليته، أي قابلية الموصوف له، وإذا لم يتضمن كمالاً فقد يكون لعجز الموصوف، وإذا كان نفياً محضاً فهو عدمٌ لا كمال فيه، والله تعالى له الصفات الكاملة كما قال تعالى: {{وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى}} [النحل: 60] أي الوصف الأكمل.
قلنا إذا لم يتضمن النفي كمالاً فقد يكون لعدم قابليته، كيف ذلك؟ ألسنا نقول إن الجدار لا يظلِم؟ بلى، هل هذا كمال للجدار؟ لا، لماذا؟ لأن الجدار لا يقبل أن يوصف بالظلم، ولا يوصف بالعدل، فليس نفي الظلم عن الجدار كمالاً، وقد يكون النفي إذا لم يتضمن كمالاً نقصاً لعجز الموصوف به عنه، لو أنك وصفت شخصاً بأنه لا يظلم بكونه لا يجازي السيئة بمثلها لأنه رجل ضعيف لا يقدر على الانتصار لنفسه لم يكن هذا مدحاً له.
فالخلاصة أن كل وصفٍ وصف الله به نفسه وهو نفي، فإنه يجب أن نعتقد مع انتفائه ثبوتَ كمال ضده، قال تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [الأحقاف: 33] ، فعلى هذه القاعدة نفى الله «العي» وهو العجز؛ لثبوت كمال ضد العجز وهو القدرة، إذاً نؤمن أن الله عزّ وجل له قدرة لا يلحقها عجز، وقال تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ } [ق: 38] ، أي من تعب وإعياء وذلك لكمال قدرته جلَّ وعلا.
قلنا: إن الله لا يظلم أحداً وذلك لكمال عدله، لكن الجهمية قالوا: «لا يظلم» لعدم إمكان الظلم في حقه، وليس لأنه قادر على أن يظلم ولكنه لا يظلم، قالوا لأن الخلق كلَّهم خلق الله، ملك لله، فإذا كانوا ملكاً لله فإنه إذا عذَّب محسناً فقد عذب ملكه، وليس ذلك ظلماً لأنه يفعل في ملكه ما يشاء، ولكن قولهم هذا باطل، لأنه إذا كان الله عزّ وجل قد وعد المحسنين بالثواب والمسيئين بالعذاب، ثم أحسن المحسن فعذبه وأساء المسيء فأثابه فأقل ما يقال فيه: إنه وحاشاه سبحانه وتعالى أخلف وعده. هذا أقل ما يقال، وهذا ولا شك مناف للعدل وللصدق، فنقول لهم: إنَّ الله عزّ وجل قال في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرَّمت الظلم على نفسي»[(26)]، وهذا يدل على أنه قادر عليه، لكن حرَّمه على نفسه لكمال عدله جلَّ وعلا، إذاً نحن نقول لا يظلم الله أحداً لكمال عدله لا لأن الظلم غير ممكن في حقه، كما قالت الجهمية.
تفسير العثيمين


التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 09-28-2014 الساعة 02:47 AM
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-28-2014, 03:02 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,035
{{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً *}}.50
يخبر تعالى, عن عداوة إبليس لآدم وذريته, وأن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم, إكراما وتعظيما, وامتثالا لأمر الله.
فامتثلوا ذلك " إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ " وقال: " أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا " وقال: " أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ " .
فتبين بهذا, عداوته لله ولأبيكم, فكيف تتخذونه وذريته أي: الشياطين " أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا " .
أي: بئس ما اختاروا لأنفسهم من ولاية الشيطان, الذي لا يأمرهم إلا بالفحشاء والمنكر عن ولاية الرحمن, الذي كل السعادة والفلاح والسرور في ولايته.
وفي هذه الآية, الحث على اتخاذ الشيطان عدوا, والإغراء بذلك, وذكر السبب الموجب لذلك, وأنه لا يفعل ذلك إلا ظالم وأي ظلم أعظم من ظلم من اتخذ عدوه الحقيقي.
وليا, وترك الولي الحميد؟!!.
قال تعالى: " اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ " .
وقال تعالى: " إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ " .
تفسير السعدي

قوله تعالى: { {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ} } «إذ» هذه تأتي كثيراً في القرآن، والمُعرِبون يقولون: إنها مفعول لفعل محذوف، والتقدير: اذكرْ إذْ يعني اذكر هذا للأمة حتى تعتبر به ويتبين به فضيلة بني آدم عند الله.
وقوله: { {لِلْمَلاَئِكَةِ} } هم عالم غيبي خلقهم الله من نور. كما أعلمنا النبي صلّى الله عليه وسلّم أن الله خلقهم من نور.

- خُلِقَت الملائكةُ من نورٍ . وخُلِقَ الجانُّ من مارجٍ من نارٍ . وخُلِقَ آدمُ مما وُصِف لكم
الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2996-خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية

وأعلمنا الله تعالى في القرآن أنه خلق الجنَّ من نار، وأنه خلق البشر من طين، إذاً المخلوقات التي نعلمها هي، الملائكة من نور، والجن من نار، والإنسان من طين، فالملائكة إذاً عالم غيبي والإيمان بهم أحد أركان الإيمان، والملائكة على خلاف الشياطين كما يتبين من الآية، وهم أقدر من الشياطين وأطهر من الشياطين، ولهم من النفوذ ما ليس للشياطين، فالشياطين لا يمكن أن يَلِجُوا إلى السماء، بل من حاول أُتبع بالشهاب المحرق، والملائكة يصعدون فيها، فهم يصعدون بأرواح بني آدم إلى أن تصل إلى الله، وهم أيضاً قد ملؤوا السموات، فيجب علينا أن نؤمن بالملائكة إيماناً لا شك فيه، وأنهم عالم غيبي، لكن قد يكونون من العالم المحسوس بقدرة الله، كما كان جبريل عليه السلام، فقد رآه النبي صلّى الله عليه وسلّم مرتين له ستمائة جناح قد سدَّ الأفق وهو واحد وهذا يدل على عظمة خِلقته، وعظمة خِلقة جبريل تدل على عظمة الخالق جلَّ وعلا، أحياناً يأتي جبريل الذي هذا وصفه وهذا خلقه على صورة إنسان، ولكن ليس تقلبه هكذا بقدرته هو، ولكن بقدرة خالقه جلَّ وعلا، والله أعطاه القدرة على التقلب والتكيف بقدرة الله جلَّ وعلا.
وقوله تعالى: { {اسْجُدُوا لآِدَمَ} } قال بعضهم: سجود تحية، وليس سجوداً على الجبهة، قالوا ذلك فراراً من كونه سجوداً على الجبهة، لأن السجود على الجبهة لا يصح إلا لله، ولكن الذي يجب علينا أن نأخذ الكلام على ظاهره ونقول: الأصل أنه سجود على الجبهة. وإذا كان امتثالاً لأمر الله لم يكن شركاً كما أن قتل النفس بغير حق من كبائر الذنوب، وإذا وقع امتثالاً لأمر الله كان طاعة من الطاعات، فإن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أُمر بذبح ابنه فامتثل أمر الله وشرع في تنفيذ الذبح، ولا يخفى ما في ذبح الابن من قطيعة الرحم، لكن لما كان هذا امتثالاً لأمر الله عزّ وجل صار طاعة، ولما تحقق مراد الله تعالى من الابتلاء نسخ الأمر ورفع الحرج، إذاً فالسجود لآدم لولا أمر الله لكان شركاً، لكن لما كان بأمر الله كان طاعة لله.
وآدم: هو أبو البشر خلقه الله عزّ وجل من طين وخلقه بيده، قالَ الله تعالى مخاطباً إبليس حين استكبَر عن طاعةِ أمرِ الله بالسجودِ لآدمَ بعد أن خلقَهُ تعالى بيده: {{قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}}. وَقَدْ جاء في الصحيحين وغيرهما كما في حديث محاجة آدم لموسى عليهما السلام قول موسى: «أَنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ...» رواه مسلم: كتاب القدر، باب: حجاج آدم وموسى عليهم السلام، (2652)، (15) وغيره. وفي حديث الشفاعة: «يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده...»
رواه البخاري: كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله عزّ وجل: {{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}}، (3340). ومسلم: كتاب: الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها، (194)، (327) وغيرهما.
قال أهل العلم لم يخلق الله شيئاً بيده إلا آدم وجنة عدن، فإنه خلقها بيده وكتب التوراة بيده جل وعلا، جاء في حديث محاجة آدم لموسى عليه السلام أن آدم قال لموسى: «أَنْتَ مُوسَى اصْطَفَاكَ الله بِكَلاَمِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ...». وفي رواية «كَتَبَ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ...» أخرجه مسلم: كتاب: القدر، باب: حجاج آدم وموسى عليهما السلام، (2652)، (13).
فهذه
ثلاثة أشياء كلها كانت بيد الله، أما غيرُ آدم فيخلق بالكلمة (كن) فيكون، وهو نبي، وليس برسول؛ لأن أول رسول أرسل إلى البشرية هو نوح عليه الصلاة والسلام، أرسله الله لما اختلف الناس: {{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}} [البقرة: 213] ، أي كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين. فكان أول رسول نوحٌ عليه الصلاة والسلام
كما في حديث الشفاعة الطويل، وفيه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح أنت أولُ الرُّسل إلى أهل الأرض».
متفق عليه واللفظ للبخاري: كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله عزّ وجل: {{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}}، (3340). مسلم: كتاب: الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة منها. (194)، (327).
وآدم نبي مُكلَّم
أخرجهُ الإمام أحمد في «المسند» (5/178)، وأبو داود الطيالسي (1/65)،وابن حبان في «صحيحه» (رقم 361) من حديث أبي ذَر قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الأَنْبِيَاءِ كَانَ أَوَّل؟ قَالَ: آدَمُ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله وَنَبِيٌّ كَان؟ قَال: نَعَمْ نَبِيٌّ مُكَلّمٌ. وصححه الألباني في «المشكاة».
. فإذا قال قائل كيف يكون نبياً ولا يكون رسولاً؟

الجواب: يكون نبياً ولا يكون رسولاً؛ لأنه لم يكن هناك داع إلى الرسالة، فالناس كانوا على ملة واحدة والبشر لم ينتشروا بعد كثيراً ولم يفتتنوا في الدنيا كثيراً، نفر قليل، فكانوا يستنون بأبيهم ويعملون عمله، ولما انتشرت الأمة وكثرت واختلفوا أرسل الله الرسل.
{ {فَسَجَدُوا} } امتثالاً لأمر الله { {إِلاَّ إِبْلِيسَ} } لم يسجد. وإبليس هو الشيطان ولم يسجد، بَيَّنَ الله سبب ذلك في قوله: { {كَانَ مِنَ الْجِنِّ} } فالجملة استئنافية لبيان حال إبليس أنه كان من الجن أي: من هذا الصنف وإلا فهو أبوهم.
{ {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} } أي: خرج عن طاعة الله تعالى في أمره، وأصل الفسوق الخروج، ومنه قولهم فسقت التمرة إذا انفرجت وانفتحت.
فإذا قال قائل: إن ظاهر القرآن أن إبليس كان من الملائكة؟
فالجواب: لا، ليس ظاهر القرآن؛ لأنه قال: { {إِلاَّ إِبْلِيسَ} } ثم ذكر أنه { {كَانَ مِنَ الْجِنِّ} }، نعم القرآن يدل على أن الأمر توجه إلى إبليس كما قد توجه إلى الملائكة، ولكن لماذا؟ قال العلماء إنه كان ـ أي: إبليس ـ يأتي إلى الملائكة ويجتمع إليهم فوجه الخطاب إلى هذا المجتمع من الملائكة الذين خُلقوا من النور ومن الشيطان الذي خُلق من النار، فرجع الملائكة إلى أصلهم والشيطان إلى أصله، وهو الاستكبار والإباء والمجادلة بالباطل لأنه أبى واستكبر وجادل، ماذا قال لله؟ {{قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ}} [الأعراف: 12] ، فكيف تأمرني أن أسجد لواحد أنا خير منه؟ ثم علل بعلة هي عليه قال: {{خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}} [الأعراف: 12] . وهذا عليه فإن المخلوق من الطين أحسن من المخلوق من النار، المخلوق من النار، خلق من نار محرقة ملتهبة فيها علامة الطيش تجد اللهب فيها يروح يميناً وشمالاً، ما لها قاعدة مستقرة، ولقد ذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه «إغاثة اللهفان» فروقاً كثيرة بين الطين وبين النار، ثم على فرض أنه خلق من النار وكان خيراً من آدم أليس الأجدر به أن يمتثل أمر الخالق؟ بلى، لكنه أبى واستكبر.
قال الله عزّ وجل لما بين حال الشيطان:
{ }.
{ {أَفَتَتَّخِذُونَهُ} } الخطاب يعود لمن اتخذ إبليس وذريته أولياء من دون الله فعبدوا الشيطان وتركوا عبادة الرحمن، قال الله تعالى: {{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ }} [يس: 60، 61] .
قوله: { وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ } } أي: من ولدوا منه، سُئل بعض السلف ـ سأله ناس من المتعمقين ـ فقالوا هل للشيطان زوجة؟ قال إني لم أحضر العقد، وهذا السؤال لا داعي له، نحن نؤمن بأن له ذرية أما من زوجة أو من غير زوجة ما ندري، أليس الله قد خلق حواء من آدم؟ بلى، فيجوز أن الله خلق ذرية إبليس منه كما خلق حواء من آدم.
وهذه المسائل ـ مسائل الغيب ـ لا ينبغي للإنسان أن يورد عليها شيئاً يزيد على ما جاء في النص؛ لأن هذه الأمور فوق مستوانا، نحن نؤمن بأن لإبليس ذرية ولكن هل يلزمنا أن نؤمن بأن له زوجة؟
الجواب: لا يلزمنا.
{ {أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي} } أي تتولونهم وتأخذون بأمرهم من دون الله { {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} } هذا محط الإنكار، يعني كيف تتخذون هؤلاء أولياء وهم لكم أعداء؟ هذا من السفه ونقص العقل ونقص التصرف أن يتخذ الإنسان عدوه وليا.
{ {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} } أي بئس هذا البدل بدلاً لهم، وما هو البدل الخير؟
الجواب: أن يتخذوا الله ولياً لا الشيطان.
وقوله: { {لِلظَّالِمِينَ} } يمكن أن نقول إنها بمعنى الكافرين لأنهم هم الذين اتخذوا الشيطان وذريته أولياء على وجه الإطلاق، ويمكن أن نقول إنها تعم الكافرين ومن كان ظُلمهم دون ظلم الكفر، فإن لهم من ولاية الشيطان بقدر ما أعرضوا به عن ولاية الرحمن.

تفسير العثيمين

وهو الوليُّ الذي يتولى عباده بإحسانه وفضله، الحميد في ولايته وتدبيره.
الحميد لغويا هو المستحق للحمد والثناء ، والله تعالى هو الحميد ،بحمده نفسه أزلا ، وبحمده عباده له أبدا
فله الحمد لذاته، وله الحمد لصفاته، وله الحمد لأفعاله، لأنها دائرة بين أفعال الفضل والإحسان، وبين أفعال العدل والحكمة التي يستحق عليها كمال الحمد، وله الحمد على خلقه
هنا



التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 10-12-2014 الساعة 06:15 PM
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10-12-2014, 04:16 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,035
Haedphone

{{مَا أَشْهَدْتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا *}}.الكهف 51
يقول تعالى: ما أشهدت الشياطين وهؤلاء المضلين, خلق السماوات والأرض, ولا خلق أنفسهم.
أي: ما أحضرتهم ذلك, ولا شاورتهم عليه, فكيف يكونون خالقين لشيء من ذلك؟! بل المنفرد بالخلق والتدبير, والحكمة والتقدير, هو الله, خالق الأشياء كلها, المتصرف فيها بحكمته.
فكيف يجعل له شركاء من الشياطين, يوالون ويطاعون, كما يطاع الله, وهم لم يخلقوا ولم يشهدوا خلقا, ولم يعاونوا الله تعالى؟!.
ولهذا قال: " وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا " أي: معاونين, مظاهرين لله على شأن من الشئون.
أي: ما ينبغي, ولا يليق بالله, أن يجعل لهم قسطا من التدبير, لأنهم ساعون في إضلال الخلق والعداوة لربهم, فاللائق, أن يقصيهم ولا يدنيهم.
تفسير السعدي


{{مَا أَشْهَدْتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا *}}.الكهف 51
قوله تعالى: { مَا أَشْهَدْتُهُمْ } يعني أن هؤلاء الذين اتخذهم الناس أولياء من دون الله ليس لهم حق الكون وبالتدبير، فالله ـ عزّ وجل ـ ما أشهدهم خلق السموات والأرض؛ لأن السموات والأرض مخلوقتان قبل الشياطين.
{ {وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} } يعني ما أشهدت بعضَهم خلق بعض. فكيف تتخذونهم أولياء وهم لا شاركوا في الخلق ولا خلقوا شيئاً بل ولا شاهدوه، وفي هذه الجملة دليل على أن كل من تكلم في شيء من أمر السموات والأرض، بدون دليل شرعي أو حسي 1فإنه لا يُقبل قوله، فلو قال: إن السموات تكونت من كذا والأرضُ تكونت من كذا وبعضهم يقول: الأرض قطعة من الشمس وما أشبه ذلك من الكلام الذي لا دليل على صحته.
فإننا نقول له: إن الله ما أشهدك خلق السموات والأرض، ولن نقبل منك أيَّ شيء من هذا، إلاَّ إذا وجدنا دليلاً حسياً لا مناص لنا منه، حينئذٍ نأخذ به؛ لأن القرآن لا يعارض الأشياء المحسوسة.
{ {وَمَا كُنْتُ} } الضمير في { {كُنْتُ} } يعود إلى الله.
{ {مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} } أي: أنصاراً ينصرون ديني، لماذا؟ لأن المضل يصرف الناس عن الدين، فكيف يتخذ الله المضلين عضدا، وهو إشارة إلى أنه لا ينبغي لك أيها الإنسان أن تتخذ المضلين عضدا تنتصر بهم، لأنهم لن ينفعوك بل سيضرونك، إذاً لا تعتمد على السفهاء ولا تعتمد على أهل الأهواء المنحرفة؛ لأنه لا يمكن أن ينفعوك بل هم يضرونك، فإذا كان الله عزّ وجل لم يتخذ المضلين عضدا فنحن كذلك لا يليق بنا أن نتخذ المضلين عضدا؛ لأنهم لا خير فيهم، وفي هذا النهي عن بطانة السوء وعن مرافقة أهل السوء، وأن يحذر الإنسان من جلساء السوء.
تفسير العثيمين
**********************
حاشية
1-

أ- الدليل العقلي:
التخصيص بالدليل العقلي ينقسم إلى قسمين، لأنه إما أن يكون التخصيص به ضرورة وإما أن يكون نظرا.
1. ما يدرك تخصيصه بالعقل ضرورة،
2. ما يدرك تخصيصه بالعقل نظرا، وذلك كقوله تعالى :
" ولله على الناس حج البيت " .فان مقتضى هذه الآية انه يجب الحج على كل إنسان، إلا أن العقل أدرك نظراً إخراج الصغير والغافل، لما قام من الدليل العقلي النظري على استحالة تكليفهما.


‌ب- الدليل الحسي:
والمراد به المشاهدة، وذلك كقوله تعالى في وصف بلقيس : " وأوتيت من كل شيء " فإننا ندرك بالمشاهدة أنها لم تؤت شيئاً من الملائكة والشمس والقمر، ولا من مخترعات العصر ومكتشفاته، كالمذياع، والرائي، والهاتف وغير ذلك .
وكقوله تعالى في الريح المرسلة على عاد:
" تدمر كل شيء " فإننا ندرك بالمشاهدة أنها لم تدمر السماء .


‌ج- الدليل السمعي:
والمراد به ما كان متوقفاً على السمع، من الكتاب والسنة وغيرهما، فيخص به العموم من الكتاب والسنة.

هنا

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 10-26-2014 الساعة 03:44 PM
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10-26-2014, 03:21 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,035
"وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا" (52) (الكهف)
ولما ذكر حال من أشرك به في الدنيا, وأبطل هذا الشرك غاية الإبطال, وحكم بجهل صاحبه وسفهه, أخبر عن حالهم مع شركائهم يوم القيامة, وأن الله يقول لهم: " نَادُوا شُرَكَائِيَ " بزعمكم أي: على موجب زعمكم الفاسد.
وإلا, فالحقيقة, ليس لله شريك في الأرض ولا في السماء, أي: نادوهم, لينفعوكم, ويخلصوكم من الشدائد.
" فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ " لأن الحكم والملك يومئذ لله, لا أحد يملك مثقال ذرة من النفع لنفسه, ولا لغيره.
" وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ " أي: بين المشركين وشركائهم " مَوْبِقًا " أي, مهلكا, يفرق بينهم وبينهم, ويبعد بعضهم من بعض, ويتبين حينئذ, عداوة الشركاء لشركائهم, وكفرهم بهم, وتبريهم منهم, كما قال تعالى " وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ "
تفسير السعدي


{{وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا *}}.
قوله تعالى: { {وَيَوْمَ يَقُولُ} } أي اذكر يوم يقول: { {نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} } فينادونهم ولا يستجيبون لهم، وهذا يكون يوم القيامة، يقال لهم: أين شركائي الذين كنتم تزعمون؟ نادوا شركائي الذين زعمتم أنهم أولياء شفعاء.
{ {فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ} } فهذه الأصنام لا تنفع أهلها بل تُلقى هي وعابدوها في النار، قال الله عزّ وجل: {{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ *}} [الأنبياء: 98] .
{ {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} } الموبق هو مكان الهلاك، يعني أننا جعلنا بينهم حائلاً مهلكاً حيث لا يمكن أن يذهبوا إلى شركائهم، ولا أن يأتي شركاؤهم إليهم، أرأيت لو كان بينك وبين صاحبك خندق من نار هل يمكن أن تذهب إليه لتنصره، أو أن يأتي إليك لينصرك؟
الجواب: لا يمكن، هؤلاء يجعل الله بينهم يوم القيامة
{ {مَوْبِقًا} }.
تفسير العثيمين
حاشية

وهذا من سماجتهم وتبجُّحهم وسوء أدبهم مع الحق سبحانه، فكان عليهم أنْ يخجلوا من الله، ويعودوا إلى الحق، ويعترفوا بما كذَّبوه، لكنهم تمادَوْا { فَدَعَوْهُمْ.. } [الكهف: 52] ويجوز أن من الشركاء أناساً دون التكليف، وأناساً فوق التكليف، فمثلاً منهم مَنْ قالوا: عيسى. ومنهم مَنْ قالوا: العزير، وهذا باطل، وهل استجابوا لهم؟

ومنهم مَنِ اتخذوا آلهة أخرى، كالشمس والقمر والأصنام وغيرها، ومنهم مَنْ عبد ناساً مثلهم وأطاعوهم، وهؤلاء كانوا موجودين معهم، ويصح أنهم دَعَوْهم ونادوهم: تعالوا، جادلوا عنّا، وأخرجونا مما نحن فيه، لقد عبدناكم وكنا طَوْعَ أمركم، كما قال تعالى عنهم:
{ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ.. }
[الزمر: 3]


التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 10-26-2014 الساعة 04:00 PM
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11-02-2014, 05:07 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,035
"وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا" *الكهف 53

أي: لما كان يوم القيامة وحصل من الحساب ما حصل, وتميز كل فريق من الخلق بأعمالهم, وحقت كلمة العذاب على المجرمين, فرأوا جهنم قبل دخولها, فانزعجوا, واشتد قلقهم, لظنهم أنهم مواقعوها, وهذا الظن قال المفسرون: إنه بمعنى اليقين, فأيقنوا أنهم داخلوها " وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا " أي: معدلا يعدلون إليه, ولا شافع لهم من دون إذنه.
وفي هذا من التخويف والترهيب, ما ترعد له الأفئدة والقلوب.

تفسير السعدي
{{وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا *}}.
الكهف 53

قوله تعالى: { وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ} المجرمون يعني الكافرين، كما قال عزّ وجل: {{إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}} [السجدة: 22] .
{ {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} } { {فَظَنُّوا} } أي أيقنوا: { {أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} } والظن يأتي بمعنى اليقين كما في قوله تعالى: {{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو رَبِّهِمْ}} [البقرة: 46] ، أي: يوقنون أنهم ملاقو الله، وإلاَّ فالظن الذي هو ترجيح أحد الأمرين المشكوك فيهما لا يكفي في الإيمان.
{ {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} } يعني لم يجدوا مكانا ينصرفون عنها إليه، وهذه الجملة معطوفة على (رأى) وليست داخلة تحت قوله ظنوا، لأنه لو كان داخلاً في الظن لقال «ولن»، يعني أنهم لما رأوْها وظنوا أنهم مواقعوها لم يجدوا عنها مصرفاً أي مكاناً ينصرفون إليه لينجوا به منها.
تفسير العثيمين
* * *
* تعريف الظن واليقين لغةً واصطلاحًا وَحكمهما* :
وقبل أن نخوض في البحث يجدر بنا أن نعرف الظن واليقين لغةً واصطلاحًا .
فالظن لغةً: يستعمل في معنى الشك: وهو التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاك .

ويستعمل بمعنى اليقين . قال ابنُ منظور : الظن شك ويقين ، إلا أنه ليس بيقين عيان ، إنما هو يقين تدبر .
وقال الزبيدي : الظن هو التردد الراجح بين طرفي الاعتقاد الغير الجازم . ونقل عن المناوي أنه قال: الظن الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض ويستعمل في اليقين والشك .
وهذا المعنى الأخير الذي قاله الزبيدي والمناوي هو لذي استقر عليه اصطلاح الأصوليين .
قال الآمدي : الظن ترجيح أحد الاحتمالين الممكنين على الآخر في النفس من غير قطع .
وقال عبد العزيز البخاري : الظن ما كان جانب الثبوت فيه راجحًا ، ويسمى غالب الرأي . وقال القرطبي : الظن الشرعي هو تغليب أحد الجانبين ، أو هو بمعنى اليقين .
وقال أبو يعلى الفراء : الظن تجويز أمرين أحدهما أقوى من الآخر .

(الجزء رقم : 18، الصفحة رقم: 292)

أما اليقين فلغةً: العلم ، وإزاحة الشك ، وتحقيق الأمر . واصطلاحًا: اعتقاد الشيء بأنه كذا مع اعتقاده أنه لا يمكن إلا كذا ، مطابقًا للواقع غير ممكن الزوال .
فالثابت باليقين لا شك في حجيته ، ولا خلاف . وأما ما كان ثبوته مظنونًا فأيضًا مقبول وحجة بإجماع علماء أهل السنة في الأحكام والعقائد .
قال ابن عبد البر :
أجمع أهل العلم من أهل الفقه والأثر في جميع الأمصار فيما علمت على قبول خبر الواحد العدل وإيجاب العمل به إلا الخوارج وطوائف من أهل البدع .
وقال: وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات ، ويجعلها شرعًا ، ودينًا في معتقده . على ذلك جماعة أهل السنة . .
وقال أبو يعلى الفراء : الظن طريق للحكم إذا كان عن أمارة مقتضية للظن ، ولهذا يجب العمل بخبر الواحد إذا كان ثقة ، ويجب العمل بشهادة الشاهدين .
وقال الحافظ بدر الدين العيني : وإجراء الحكم بناءً على غالب الظن واجب ، وذلك نحو ما تعبدنا به من قبول لشهادة العدول ، وتحري القبلة ، وتقويم المستهلكات ، وأرش الجنايات التي لم ترد مقاديرها بتوقيف من قبل الشرع . فهذا ونظائره قد تعبدنا فيه بغالب الظن .

(الجزء رقم : 18، الصفحة رقم: 293)
وقال فخر الدين الرازي : العمل بخبر الواحد الذي لا يقطع بصحته مجمع عليه بين الصحابة .
وهو المختار عند مَن بعد الصحابة من التابعين وأتباعهم ، وكافة علماء أهل السنة رضوان اللّه عليهم أجمعين .

هنا


*أقسام سوء الظن وحكم كل قسم منها*

الحكم على سوء الظن يشمل قسمين: سوء ظن الذي يؤاخذ به صاحبه، وسوء الظن الذي لا يؤاخذ به صاحبه.
القسم الأول: سوء الظن الذي يؤاخذ به صاحبه:
وضابط هذا النوع: هو كل ظن ليس عليه دليل صحيح معتبر شرعًا، استقر في النفس، وصدقه صاحبه، واستمر عليه، وتكلم به، وسعى في التحقق منه .
وهو أنواع ولكل نوع حكم خاص وهو كالتالي:
1- سوء الظن المحرم: ويشمل سوء الظن بالله تعالى، وسوء الظن بالمؤمنين.
فسوء الظن بالله تعالى من أعظم الذنوب: قال ابن القيم: (أعظم الذنوب عند الله إساءة الظن به) . وقال الماوردي: (سوء الظن هو عدم الثقة بمن هو لها أهل، فإن كان بالخالق كان شكًّا يؤول إلى ضلال) .
أما سوء الظن بالمؤمنين: ويشمل سوء الظن بالأنبياء وهو كفر، قال النووي: (ظن السوء بالأنبياء كفر بالإجماع) ، وسوء الظن بمن ظاهره العدالة من المسلمين، وقد عدَّ الهيثمي سوء الظنِّ بالمسلم الذي ظاهره العدالة من الكبائر .
2- سوء الظن الجائز: ويشمل: سوء الظن بمن اشتهر بين الناس بمخالطة الريب، والمجاهرة بالمعاصي، وسوء الظن بالكافر، قال ابن عثيمين: (يحرم سوء الظن بمسلم، أما الكافر فلا يحرم سوء الظن فيه؛ لأنه أهل لذلك، وأما من عرف بالفسوق والفجور، فلا حرج أن نسيء الظن به؛ لأنه أهل لذلك، ومع هذا لا ينبغي للإنسان أن يتتبع عورات الناس، ويبحث عنها؛ لأنَّه قد يكون متجسسًا بهذا العمل) .
3- سوء الظنِّ المستحب: وهو ما كان بين الإنسان وعدوه، قال أبو حاتم البستي في سوء الظن المستحب (كمن بينه وبينه عداوة أو شحناء في دين أو دنيا، يخاف على نفسه، مكره، فحينئذ يلزمه سوء الظن بمكائده ومكره؛ لئلا يصادفه على غرة بمكره فيهلكه) .
4- سوء الظن الواجب: وهو ما احتيج لتحقيق مصلحة شرعية، كجرح الشهود ورواة الحديث

هنا




التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 11-02-2014 الساعة 04:19 PM
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 11-02-2014, 04:10 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,035
"وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً " ..الكهف 54

هذه الجملة عطف عَلَى الْجُمَلِ السَّابِقَةِ الَّتِي ضُرِبَتْ فِيهَا أَمْثَالٌ .
*أولها: فتنة الدين.
أن شخصاً يُفتن في دينه.سواء بالإيذاء فيبتعد عن دينه.
أو يخاف أن يعبد الله فيضطهد......

يمثلها قصة أهل الكهف.

"أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا ..."
وهذه تتحدث عن أصحاب الكهف ، وكيف أنهم آثروا رضوان الله عز وجل على الدنيا العريضة ، وكيف أن الله حفظهم ، وتولاهم ، وأكرمهم في الدنيا والآخرة ، وكيف أن مبدأ الهدى؛ أن يختاره الإنسان ، وعندئذٍ تأتيه الزيادات من الله عز وجل . " إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى "
*الثانية: فتنة المال.
قصةصاحب الجنتين "وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً" المال والجاه.

قَوْلِهِ "وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ .... "
وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً{32} كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَراً{33} وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً{34} وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً{35} وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً{36} قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً{37} لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً{38} وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً{39} فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً{40} أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً{41} وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً{42} وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِراً{43}
فهذه قصة الشرك ، شرك الأسباب ، وهو أنَّ الإنسان إذا نجح في حياته الدنيا ، نجح في تجارته ، أو صناعته ، أو زراعته ، أو مشاريعه ، أو درجاته العلمية ، أو أي نجاح كان ، فقد يعزو هذا النجاح إلى قدراته الذاتية ، وإمكاناته ، وذكائه ، فيستحق عندها التأديب من الله عز وجل ، وهو يستحقُ التأديب والتربية ، لأنه مؤمن يعترف بالله خالِقاً ومُربيّاً ، والدليل قوله تعالى :" وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي "
لكنه قال" : قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي "
(سورة القصص : 78)
" أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً "
فجزاء الاعتداد بالذات التأديب .

فأصبحت "خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا"
*ثالثها:قَوْلِهِ "
وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرا"المعنى شبه الدنيا بنبات حسن؛ فيبس فتكسر ففرقته الرياح ،
وَلَمَّا كَانَ فِي ذَلِكَ لَهُمْ مَقْنَعٌ ، وَمَا لَهُمْ مِنْهُ مَدْفَعٌ عَادَ إِلَى التَّنْوِيهِ بِهَدْيِ الْقُرْآنِ عَوْدًا نَاظِرًا إِلَى قَوْلِهِ"
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ" وَقَوْلِهِ "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" ، فَأَشَارَ لَهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَمْثَالَ الَّتِي قَرَعَتْ أَسْمَاعَهُمْ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ هَدْيِ الْقُرْآنِ الَّذِي تَبَرَّمُوا مِنْهُ ،


" وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً "
منقول بتصرف

{{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً *}}.
.الكهف 54
قوله تعالى: { {صَرَّفْنَا} } يعني نوعنا، تصريف الشيء يعني تنويعه كما قال تعالى: {{وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ}} [البقرة: 164] ، أي تنويعها من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب، إذاً { {صَرَّفْنَا} } أي نوعنا في هذا القرآن من كل مثل، وهكذا الواقع. فكلام الله صدق، أمثال القرآن تجدها متنوعة فتارة لإثبات البعث، وتارة لإثبات وحدانية الله، وتارة لبيان حال الدنيا، وتارة لبيان حال الآخرة، وتارة تكون مطولة، وتارة مختصرة، فهي أنواع. كل نوع في مكانه من البلاغة والفصاحة.
{ {مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} } أي من كل جنس وصنف، فهذا مثل لكذا وهذا مثل لكذا، لماذا؟
الجواب: من أجل أن يتذكر الناس ويتعظوا ويعقلوها. ولكن يوجد من الناس من لا يتعظ بهذه المثل، بل على العكس، ولهذا قال: { {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} }، قوله: { {وَكَانَ الإِنْسَانُ} }، بعض المفسرين يقول: { {الإِنْسَانُ} } يعني الكافر، ولكن في هذا نظر؛ لأنه لا دليل على تخصيصه بالكافر، بل نقول { {الإِنْسَانُ} } من حيث الإنسانية.
{ {أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} } يعني أكثر ما عنده، ولكن من حيث الإيمان فالمؤمن لا يكون مجادلاً، بل يكون مستسلماً للحق ولا يجادل فيه، ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «ما أوتي قوم الجدل إلاَّ ضلوا» وتدبر حال الصحابة رضي الله عنهم تجد أنهم مستسلمون غاية الاستسلام لما جاءت به الشريعة، ولا يجادلون ولا يقولون لم؟ ولما قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «توضؤوا من لحوم الإبل ولا توضؤوا من لحوم الغنم» هل قال الصحابة «لِمَ»؟ بل قالوا سمعنا وأطعنا، ما جادلوا، وكذلك في بقية الأوامر، لكن الإنسان من حيث هو إنسان أكثر شيء عنده الجدل. إذاً إذا مر بك مثل هذا في القرآن الكريم { {الإِنْسَانُ} } فلا تحمله على الكافر إلا إذا كان السياق يُعَيِّنُ ذلك، فإذا كان السياق يراد به ذلك، صار هذا عاماً يراد به الخاص، لكن إذا لم يكن في السياق ما يعين ذلك فاجعله للعموم، اجعله إنساناً بوصف الإنسانية، والإنسانية إذا غلب عليها الإيمان اضمحل مقتضاها المخالف للفطرة.
قوله: { {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} } هذا وقع في قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم لعلي بن أبي طالب وزوجته فاطمة رضي الله عنهما حين جاء إليهما ذات ليلة ووجدهما نائمين فقال: «ألا تصليان»، قال علي رضي الله عنه: «إنَّ أنفُسَنا بيد الله ولو شاء لأيقظنا»، فانصرف الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهو يضرب على فخذه ويقول: { {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} } ولا شك أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يعلم أن أنفسهما بيد الله، والرسول عليه الصلاة والسلام قال في الفريضة: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها»، فعذر الناسي والنائم وهو يعلم عليه الصلاة والسلام ذلك ولكنه يريد أن يَحُثَّهُما، وأراد علي رضي الله عنه أن يدفع اللوم عنه وعن زوجه فاطمة رضي الله عنها.

تفسير العثيمين

التصريف معناه تحويل الشيء إلى أشياء متعددة، كما يصرّف الله الرياح مثلاً، فلا تأتي من ناحية واحدة، بل تأتي مرة من هنا، ومرة من هناك، كذلك صَرّف الله الأمثال. أي: أتى بأحوال متعددة وصُور شتى منها.

وما دام أن الحق سبحانه صرّف في هذا القرآن من كل مثَل، فلا عُذْر لمن لم يفهم، فالقرآن قد جاء على وجوه شتّى ليُعلم الناس على اختلاف أفهامهم ومواهبهم؛ لذلك ترى الأمي يسمعه فيأخذ منه على قدر فَهْمه، والنصف مثقف يسمعه فيأخذ منه على قدر ثقافته، والعالم الكبير يأخذ منه على قدر علمه ويجد فيه بُغْيته، بل وأكثر من ذلك، فالمتخصص في أيِّ علم من العلوم يجد في كتاب الله أدقّ التفاصيل؛ لأن الحق سبحانه بيَّن فيه كل شيء.
منقول
( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ( 54 ) ) .

يَقُولُ تَعَالَى : وَلَقَدْ بَيَّنَّا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ ، وَوَضَّحْنَا لَهُمُ الْأُمُورَ ، وَفَصَّلْنَاهَا ، كَيْلَا يَضِلُّوا عَنِ الْحَقِّ ، وَيَخْرُجُوا عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى . وَمَعَ هَذَا الْبَيَانِ وَهَذَا الْفُرْقَانِ ، الْإِنْسَانُ كَثِيرُ الْمُجَادَلَةِ وَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُعَارَضَةِ لِلْحَقِّ بِالْبَاطِلِ ، إِلَّا مَنْ هَدَى اللَّهُ وَبَصَّرَهُ لِطَرِيقِ النَّجَاةِ .

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ، أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً ، فَقَالَ : " أَلَا تُصَلِّيَانِ ؟ " فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا . فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ [ وَيَقُولُ ] ( وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ) أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ .

يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْأَوْلَى بِعَلِيٍّ أَنْ يَحْمَدَ إِيقَاظَ رَسُولِ اللَّهِ إِيَّاهُ لِيَقُومَ مِنَ اللَّيْلِ ، وَأَنْ يَحْرِصَ عَلَى تَكَرُّرِ ذَلِكَ ، وَأَنْ يُسَرَّ بِمَا فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ مَلَامٍ ، وَلَا يَسْتَدِلُّ بِمَا يُحَبِّذُ اسْتِمْرَارَ نَوْمِهِ ، فَذَلِكَ مَحَلُّ تَعَجُّبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَوَابِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
-" ما ضَلَّ قومٌ بعدَ هُدًى كانوا عليهِ إلَّا أوتوا الجدَلَ ثمَّ تلا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ هذهِ الآيةَ :" مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ".
الراوي: أبو أمامة الباهلي- المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3253- خلاصة حكم المحدث:حسن

الدرر السنية
وَالْجَدَلُ : الْمُنَازَعَةُ بِمُعَاوَضَةِ الْقَوْلِ ، أَيْ هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي يُحَاوِلُ بِهِ إِبْطَالَ مَا فِي كَلَامِ الْمُخَاطَبِ مِنْ رَأْيٍ أَوْ عَزْمٍ عَلَيْهِ : بِالْحُجَّةِ أَوْ بِالْإِقْنَاعِ أَوْ بِالْبَاطِلِ ، قَالَ تَعَالَى وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، وَقَالَ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ، وَقَالَ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ، وَقَالَ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ ، وَقَالَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ .

[ ص: 349 ]وَالْمُرَادُ هَنَا مُطْلَقُ الْجَدَلِ ، وَبِخَاصَّةٍ مَا كَانَ مِنْهُ بِبَاطِلٍ ، أَيْ أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ فِي طَبْعِهِ الْحِرْصُ عَلَى إِقْنَاعِ الْمُخَالِفِ بِأَحَقِّيَّةِ مُعْتَقَدِهِ أَوْ عَمَلِهِ ، وَسِيَاقُ الْكَلَامِ يَقْتَضِي إِرَادَةَ الْجَدَلِ الْبَاطِلِ .

تفسير ابن كثير
  1. تصريف: ( اسم )
    الجمع : تصريفات و تصاريفُ
    مصدر صرَّفَ
    تصريف البضاعة : ( التجارة ) ترويج المبيعات بعرضها عرضًا جذّابًا ، والإعلان عنها في مكان البيع
    تصريف الأفعال : ( النحو والصرف ) اشتقاق صيغ الأفعال بعضها من بعض ، وإسناد الأفعال إلى الضمائر
    تصريف الكلمات : ( النحو والصرف ) أصل الكلمة وطرق الاشتقاق منها
    صرَّف الأشياءَ : نقلها ، بدَّلها ، وجَّهها { وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }
    صرَّف البضائعَ : تصرَّف فيها بالبيع ،
    صرَّف الأمرَ : بيَّنه وفصَّله { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْءَانِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ }
    صرَّف الأمرَ : قسَّمه { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا }
    صرَّف العُملةَ : صرَفها ، حوَّلها وبدَّلها بمثلها
    صرَّف المياهَ : جعلها تجري في قنوات أو أنابيب معيَّنة
    صرَّف الألفاظَ : ( النحو والصرف ) اشتقَّ بعضَها من بعض
    صَرَّفَ أَعْمَالَهُ : دَبَّرَهَا ، ادارها هنا
وَجُمْلَةُ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا تَذْيِيلٌ ، وَهُوَ مُؤْذِنٌ بِكَلَامٍ مَحْذُوفٍ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَازِ ، وَالتَّقْدِيرُ : فَجَادَلُوا فِيهِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ جَدَلًا ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ اسْمٌ لِنَوْعِ بَنِي آدَمَ ، وَحَرْفُ ( أَلْ ) فِيهِ لِتَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ فَهُوَ أَوْسَعُ عُمُومًا مِنْ لَفْظِ النَّاسِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ جَادَلُوا ، وَالْجِدَالُ : خُلُقٌ ; مِنْهُ ذَمِيمٌ يَصُدُّ عَنْهُ تَأْدِيبُ الْإِسْلَامِ ، وَيَبْقَى فِي خُلُقِ الْمُشْرِكِينَ ، وَمِنْهُ مَحْمُودٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ، فَأَشَارَ بِالثَّنَاءِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِلَى أَنَّ جِدَالَهُ مَحْمُودٌ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ الْإِنْسَانَ الْكَافِرَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا وَلَا الْمُرَادُ بِالْجَدَلِ الْجَدَلَ بِالْبَاطِلِ ; لِأَنَّ هَذَا سَيَجِيءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ الْآيَةَ ، فَقَوْلُهُ هُنَا وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ .
وَالْجَدَلُ : الْمُنَازَعَةُ بِمُعَاوَضَةِ الْقَوْلِ ، أَيْ هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي يُحَاوِلُ بِهِ إِبْطَالَ مَا فِي كَلَامِ الْمُخَاطَبِ مِنْ رَأْيٍ أَوْ عَزْمٍ عَلَيْهِ : بِالْحُجَّةِ أَوْ بِالْإِقْنَاعِ أَوْ بِالْبَاطِلِ ، قَالَ تَعَالَى وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، وَقَالَ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ، وَقَالَ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ، وَقَالَ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ ، وَقَالَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ .

[ ص: 349 ] وَالْمُرَادُ هَنَا مُطْلَقُ الْجَدَلِ ، وَبِخَاصَّةٍ مَا كَانَ مِنْهُ بِبَاطِلٍ ، أَيْ أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ فِي طَبْعِهِ الْحِرْصُ عَلَى إِقْنَاعِ الْمُخَالِفِ بِأَحَقِّيَّةِ مُعْتَقَدِهِ أَوْ عَمَلِهِ ، وَسِيَاقُ الْكَلَامِ يَقْتَضِي إِرَادَةَ الْجَدَلِ الْبَاطِلِ .

تفسير القرآن التحرير والتنوير

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 11-21-2014 الساعة 04:49 AM
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 11-30-2014, 02:41 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,035
«وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً» الكهف55
قوله تعالى: « وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا » يعني ما منع الناس عن الإيمان والاستغفار نقص البيان، فقد ذكر الله أنه ضرب للناس في هذا القرآن من كل مثل، وكان الواجب على الإنسان إذا ضربت له الأمثال أن يؤمن. لكنه ما منعهم من الإيمان نقصٌ في البيان، فالأمر والحمد لله بيِّنٌ واضحٌ أتى بها النبي صلّى الله عليه وسلّم بيضاء نقية لكنه العناد.
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلاّ هالك...»
رواه أحمد (رقم 17141) وابن ماجه في «المقدمة»، باب: اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، (42). وابن أبي عاصم في «السنة» (1/27) وصححه الألباني.


- وعظنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم موعظةً ذَرَفتْ منها العيونُ ووجلت منها القلوبُ, فقلنا يا رسولَ اللهِ إن هذه لموعظةُ مودَّعٍ فماذا تعهد إلينا؟ قال «قد تركتكم على البيضاءِ ليلُها كنهارِها لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالكٌ من يعشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بما عرفتُم من سنتي وسنةِ الخلفاء الراشدين المهديِّين, عَضُّوا عليها بالنواجذِ وعليكم بالطاعةِ وإن عبدًا حبشيًا ,فإنما المؤمنُ كالجملِ الأنِفِ حيثما قِيدَ انقادَ».
الراوي: العرباض بن سارية المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 41 - خلاصة حكم المحدث: صحيح
هنا
ولهذا قال جلَّ وعلا:«إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً » أي ما ينتظرون إلاَّ أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلاً.
وقوله: «وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ» يعني يطلبون مغفرته، فالمؤمن كثير الاستغفار لربه، والكافر إذا آمن لا بد أن يستغفر الله بما وقع فيه من الذنوب، فإذا آمن واستغفر زال عنه ما كان من الذنوب. قال تعالى: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ» [الأنفال: 38] .
وقوله: « أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً » يعني مقابلة ومعاينة ومباشرة، وما هي سنة الأولين؟
الجواب: هي أخذهم بالعذاب العام، لكن لم يأخذ الله هذه الأمة بعذاب شامل لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا ربه ألا يهلك أمَّته بسنة بعامة فأجاب الله دعاءه.
-
« إنَّ اللهَ زَوى لي الأرضَ . أو قالَ : إن ربِّي زوى لي الأرضَ ، فرأيْتُ مشارقَها ومغاربَها ، وإن مُلكَ أمتي سيبلغُ ما زُوِىَ لي منها ، وأعطيْتُ الكنزينِ الأحمرَ والأبيضَ ، وإنِّي سألْتُ ربِّي لأمتي : أن لا يهلكَها بسَنةٍ بعامةٍ ، ولا يسلطَ عليْهِم عدوًّا من سِوى أنفسِهم ، فيستبيحَ بيضَتَهم ، وإن ربِّي قال لي : يا محمدُ ! إنِّي إذا قضيْتُ قضاءً فإنَّهُ لا يردُّ ، ولا أهلكُهم بسنةٍ بعامةٍ ، ولا أسلطُ عليْهِم عدوًا من سوى أنفسِهم فيستبيحَ بيضتَهم ، لو اجتمعَ عليْهِم من بينِ أقطارِها – أو قال بأقطارِها – حتى يكونَ بعضُهم يهلكُ بعضًا ، وحتى يكونَ بعضُهم يسْبي بعضًا . وإنَّما أخافُ على أُمتي ! الأئمةَ المُضلينَ ، وإذا وُضِعَ السيفُ في أمتي لم يُرفعْ عنها إلى يومِ القيامةِ ، ولا تقومُ الساعةُ حتى تَلحقَ قبائلُ من أُمتي بالمشركينَ ، وحتى تعبدَ قبائلُ من أمتي الأوثانِ ، وإنَّهُ سيكونُ في أمتي كذابونَ ثلاثونَ ، كلُّهم يزعمُ أنَّهُ نبيٌّ ، وأنا خاتمُ النبيِّينَ لا نبيَّ بعدي ، ولا تزالُ طائفةٌ من أمتي على الحقِّ ظاهرينَ لا يضرُّهم من خالفَهم حتى يأتيَ أمرُ اللهِ»
الراوي: ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم -المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 4252- خلاصة حكم المحدث:صحيح

الدرر السنية
تفسير العثيمين

*ومن تفسير ابن كثير
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ تَمَرُّدِ الْكَفَرَةِ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ وَحَدِيثِهِ ، وَتَكْذِيبِهِمْ بِالْحَقِّ الْبَيِّنِ الظَّاهِرِ مَعَ مَا يُشَاهِدُونَ مِنَ الْآيَاتِ [ وَالْآثَارِ ] وَالدَّلَالَاتِ الْوَاضِحَاتِ ، وَأَنَّهُ مَا مَنَعَهُمْ مِنَ اتِّبَاعِ ذَلِكَ إِلَّا طَلَبُهُمْ أَنْ يُشَاهِدُوا الْعَذَابَ الَّذِي وُعِدُوا بِهِ عَيَانًا ، كَمَا قَالَ أُولَئِكَ لِنَبِيِّهِمْ :
« فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ » « الشُّعَرَاءِ : 187 » ، وَآخَرُونَ قَالُوا : « ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ» « الْعَنْكَبُوتِ : 29 » ، وَقَالَتْ قُرَيْشٌ : « اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ » « الْأَنْفَالِ : 32 » ،« وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ » « الْحِجْرِ : 6 ، 7 » إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ [ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ ] .

تفسير ابن كثير

ما الذي منعهم أن يؤمنوا بعد أن أنزل عليهم القرآن، وصرّفنا فيه من الآيات والأمثال، بعد أن جاءهم مطابقاً لكل الأحوال؟
وفي آية أخرى، أوضح الحق سبحانه سبب إعراضهم عن الإيمان، فقال تعالى:{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـاذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى ا أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً * وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىا تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى ا فِي السَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ }[الإسراء: 89-93]
فكُلُّ هذه التعنّتات وهذا العناد هو الذي حال بينهم وبين الإيمان بالله، والحق سبحانه وتعالى حينما يأتي بآية طلبها القوم، ثم لم يؤمنوا بها يُهلكهم؛ لذلك قال بعدها: { إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ.. } [الكهف: 55] فهذه هي الآية التي تنتظرهم: أن تأتيهم سُنَّة الله في إهلاك مَنْ كذَّب الرسل.




التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 11-30-2014 الساعة 03:49 AM
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12-07-2014, 03:39 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,035
«وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا » 56
قوله تعالى: «وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ» هذه وظيفة الرسل ما نرسل المرسلين من أولهم نوح عليه السلام إلى آخرهم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم، إلاَّ لهذين الأمرين: مبشرين ومنذرين، يعني ولم نرسلهم من أجل أن يجبروا الناس على الإيمان بل هم مبشرون ومنذرون، يبشرون المؤمنين وينذرون الكافرين.
«مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ» منصوبة على الحال من المرسلين، يعني إلاَّ حال كونهم مبشرين ومنذرين.
«وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ» المجادلة هي المخاصمة وسميت المخاصمة مجادلة؛ لأن كل واحد يَجْدُلُ حجته للآخر والجَدْل هو فتل الحبل حتى يشتد ويقوى، هذا أصل المجادلة، إذاً يجادل أي يخاصم، والمخاصمة بالباطل باطلة، مثال ذلك في الرسل يقولون: «أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا» [التغابن: 6] ، «وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنْزَلَ مَلاَئِكَةً» [المؤمنون: 24] ، ويجادلون في البعث فيقولون: «مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ» [يس: 78] ، ويجادلون في الآلهة يقولون: إذا كان المشركون وما يعبدون من دون الله حصب جهنم، فعيسى عليه السلام من حصب جهنم، وغير ذلك من المجادلة، وقد أبطل الله مجادلتهم بعيسى عليه السلام قال الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى» [الأنبياء: 101] ، ومنهم عيسى عليه السلام «أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ» [الأنبياء: 101] ويستفاد من الآية أن كل إنسان يجادل من أجل أن يدحض الحق فإن له نصيباً من هذه الآية، يعني أن فيه نصيباً من الكفر والعياذ بالله لأن الكافرين هم الذين يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق، فإذا قال قائل: «الشبهات التي يوردها من يوردها من الناس، كيف يقال إنها باطل وهي شبهة؟».
فالجواب: إذا كان غرضهم منها أن يُدحضوا الحق، مثل الذين ينكرون حقيقة استواء الله على العرش ويقولون: إنه لو استوى على العرش لكان «جسماً»، فهؤلاء جادلوا بالباطل من أجل أن يدحضوا الحق الذي أثبته الله لنفسه، وأما مسألة أن الله «جسم» أو غير «جسم» فهذه شيء آخر، المهم أنهم أتوا بهذه الكلمة من أجل إدحاض الحق، ونحن لا ننكر عليهم مسألة أنه «جسم أو غير جسم»، ننكر أنهم أنكروا حقيقة الاستواء، وأما مسألة أنه «جسم أو غير جسم» فهذا مبحث آخر، وهو أننا لا نثبت اللفظ «جسم» ولا ننكره، أما المعنى فنقول: إن الله تعالى حق قائم بذاته موصوف بصفاته يفعل ما يشاء، يستوي على عرشه، وينزل إلى السماء الدنيا، وينْزِل ليفصل بين العباد، ويعجب ويفرح ويضحك، المهم أنه كلما رأيت شخصاً يجادل يريد أن يدحض الحق، فله نصيب من هذه الآية.
«وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا» «وَاتَّخَذُوا» أي صيروا. «وَاتَّخَذُوا» يعني القرآن.
«وَمَا أُنْذِرُوا» أي ما أنذروا به من العذاب اتخذوها «هُزُوًا» مثال ذلك أن الكفار استهزؤوا لما أخبر الله عزّ وجل عن شجرة الزقوم «إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ *» [الصافات: 64] ، يعني في قعره، فصاروا يضحكون كيف تخرج في أصل الجحيم، وهي شجرة أبعد ما يكون عن النار، النار حارة جافة والشجرة رطبة، فجعلوا يستهزئون ويقولون: هذا من هذيان محمد صلّى الله عليه وسلّم، فاتخذوا ما أنذروا به هزواً والله عزّ وجل قال: «فَإِنَّهُمْ لآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ *» [الصافات: 66]« فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ » [الواقعة: 54، 55] ، يملؤون بطونهم من هذه الزَّقوم ملئاً تاماً ثم تحترق من العطش، فماذا يسقون؟ يسقون ماءً حاراً «فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ» أي على ما في بطونهم «مِنَ الْحَمِيمِ»، ومع ذلك يشربون شرباً ليس عادياً بالنسبة إلى البشر، ولكنه شرب الإبل الهيم، العطاش، هذه الشجرة التي يهزؤون بها هي التي يملؤون بها بطونهم في جهنم.
تفسير العثيمين
عباد الله كونوا مبشرين ومنذرين
فضل الدعوة، فكل من له أدنى إلمام بالعلم، يعرف أن الدعوة شأنها عظيم، وهي مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام، والرسل عليهم الصلاة والسلام هم الأئمة في هذا الشأن، وهم الأئمة في الدعوة، وهي وظيفتهم؛ لأن الله جل وعلا بعثهم دعاة للحق، وهداة للخلق عليهم الصلاة والسلام، فكفى الدعوة شرفاً، وكفاها منزلةً عظيمةً أن تكون وظيفة الرسل وأتباعهم إلى يوم القيامة. قال الله تعالى في كتابه المبين: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ واجتنبوا الطاغوت[1]،فبين سبحانه وتعالى أن الرسل جميعاً بعثوا بهذا الأمر العظيم الدعوة إلى عبادة الله وحده، واجتناب الطاغوت. والمعنى أنهم بعثوا لدعوة الناس إلى إفراد الله بالعبادة، وتخصيصه بها، دون كل ما سواه، وتحرير الناس من عبادة الطاغوت، إلى عبادة الله وحده.
وقال عز وجل: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ[2]،فبين سبحانه وتعالى أن الرسل بعثوا مبشرين ومنذرين، مبشرين من أطاعهم بالنصر والتأييد والجنة والكرامة، ومنذرين من عصاهم بالخيبة والندامة والنار.
وفي بعثتهم إقامة الحجة، وقطع المعذرة، حتى لا يقول قائل ما جاءنا من بشير ولا نذير فالله سبحانه وتعالى بعث الرسل إقامة للحجة، وقطعاً للمعذرة، وهداية للخلق، وبياناً للحق، وإرشاداً للعباد إلى أسباب النجاة، وتحذيراً لهم من أسباب الهلاك عليهم الصلاة والسلام، فهم خير الناس وأصلح الناس، وأنفع الناس للناس، وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا[3]،فأخبر سبحانه أنه بعث هذا الرسول الكريم محمداً عليه الصلاة والسلام شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله، فعلم بذلك أن وظيفة الدعوة إلى الله هي تبليغ الناس الحق، وإرشادهم إليه، وتحذيرهم مما يخالفه ويضاده. وهكذا أتباعهم إلى يوم القيامة. مهمتهم الدعوة إلى الله وإرشاد الناس إلى ما خلقوا له، وتحذيرهم من أسباب الهلاك، كما قال عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[4]،فأمر الله نبيه أن يبلغ الناس أن سبيله التي هو عليها الدعوة إلى الله عز وجل، وهكذا أتباعه هم على ذلك.
والمعنى: قل يا محمد، أو قل يا أيها الرسول للناس: هذه سبيلي أنا ومن اتبعني. فعلم بذلك أن الرسل وأتباعهم هم أهل الدعوة، وهم أهل البصائر، فمن دعا على غير بصيرة فليس من أتباعهم، ومن أهمل الدعوة فليس من أتباعهم، وإنما أتباعهم على الحقيقة هم الدعاة إلى الله على بصيرة، يعني أتباعهم الكُمّل الصادقين الذين دعوا إلى الله على بصيرة، ولم يقصروا في ذلك، وعملوا بما يدعون إليه، وكل ما حصل من تقصير في الدعوة، أو في البصيرة كان نقصاً في الإتباع، ونقصاً في الإيمان وضعفاً فيه، فالواجب على الداعية إلى الله عز وجل، أن يكون ذا بصيرة، أي ذا علم، فالدعوة على جهل لا تجوز أبداً، لأن الداعية إلى الله على جهلٍ يضر ولا ينفع، ويخرب ولا يعمر، ويضل ولا يهدي، فالواجب على الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى التأسي بالرسل بالصبر والعلم والنشاط في الدعوة: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ[5]،فالدعوة إلى الله عز وجل هي سبيل الرسل وطريقهم عليهم الصلاة والسلام، وفي ذلك غاية الشرف والفضل للدعاة أتباع الرسل، المقتدين بهم، السائرين على منهاجهم عليهم الصلاة والسلام، ومن شرط ذلك أن يكون الداعية على بصيرة وعلم وبينة، بما يدعو إليه، ومما يحذر منه حتى لا يضر الناس، وحتى لا يدعو إلى ضلالة وهو لا يدري، أو يدعو إلى باطل وترك حق وهو لا يدري، حتى يكون على بينة ليعرف ما يدعو إليه، وما يدعو إلى تركه.
________________
[1] سورة النحل الآية 36.

[2] سورة النساء الآية 165.

[3] سورة الأحزاب الآيتان 45 ، 46.

[4] سورة يوسف الآية 108.

[5] سورة يوسف الآية 108.

ابن باز


التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 12-07-2014 الساعة 04:32 AM
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



أوقات الصلاة لأكثر من 6 ملايين مدينة في أنحاء العالم
الدولة:

الساعة الآن 05:05 PM بتوقيت مسقط


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
Powered & Developed By Advanced Technology