ملتقى قطرات العلم النسائي
 
 

الـــمـــصـــحـــــف الـــجـــامـــع
مـــصـــحـــــف آيـــــات
موقع الدرر السنية للبحث عن تحقيق حديث

العودة   ملتقى قطرات العلم النسائي > ::الملتقى العام:: > ملتقى عام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-17-2015, 05:16 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,031
مُفْسِدَاتُ الْقَلْبِ

وَأَمَّا مُفْسِدَاتُ الْقَلْبِ الْخَمْسَةُ فَهِيَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا : مِنْ كَثْرَةِ الْخُلْطَةِ وَالتَّمَنِّي ، [ ص: 452 ] وَالتَّعَلُّقِ بِغَيْرِ اللَّهِ ، وَالشِّبَعِ ، وَالْمَنَامِ ، فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ مِنْ أَكْبَرِ مُفْسِدَاتِ الْقَلْبِ .
فَنَذْكُرُ آثَارَهَا الَّتِي اشْتَرَكَتْ فِيهَا ، وَمَا تَمَيَّزَ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا .

اعْلَمْ أَنَّ الْقَلْبَ يَسِيرُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ ، وَيَكْشِفُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَنَهْجِهِ ، وَآفَاتِ النَّفْسِ وَالْعَمَلِ ، وَقِطَاعِ الطَّرِيقِ بِنُورِهِ وَحَيَاتِهِ وَقُوَّتِهِ ، وَصِحَّتِهِ وَعَزْمِهِ ، وَسَلَامَةِ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ ، وَغَيْبَةِ الشَّوَاغِلِ وَالْقَوَاطِعِ عَنْهُ ، وَهَذِهِ الْخَمْسَةُ تُطْفِئُ نُورَهُ ، وَتُعْوِرُ عَيْنَ بَصِيرَتِهِ ، وَتُثْقِلُ سَمْعَهُ ، إِنْ لَمْ تَصُمَّهُ وَتُبْكِمْهُ وَتُضْعِفُ قُوَاهُ كُلَّهَا ، وَتُوهِنُ صِحَّتَهُ وَتُفَتِّرُ عَزِيمَتَهُ ، وَتُوقِفُ هِمَّتَهُ ، وَتُنْكِسُهُ إِلَى وَرَائِهِ ، وَمَنْ لَا شُعُورَ لَهُ بِهَذَا فَمَيِّتُ الْقَلْبِ ، وَمَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلَامٌ ، فَهِيَ عَائِقَةٌ لَهُ عَنْ نُبْلِ كَمَالِهِ . قَاطِعَةٌ لَهُ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى مَا خُلِقَ لَهُ . وَجُعِلَ نَعِيمُهُ وَسَعَادَ
تُهُ وَابْتِهَاجُهُ وَلَذَّتُهُ فِي الْوُصُولِ إِلَيْهِ .
فَإِنَّهُ لَا نَعِيمَ لَهُ وَلَا لَذَّةَ ، وَلَا ابْتِهَاجَ ، وَلَا كَمَالَ ، إِلَّا بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ ، وَالطُّمَأْنِينَةِ بِذِكْرِهِ ، وَالْفَرَحِ وَالِابْتِهَاجِ بِقُرْبِهِ ، وَالشَّوْقِ إِلَى لِقَائِهِ ، فَهَذِهِ جَنَّتُهُ الْعَاجِلَةُ ، كَمَا أَنَّهُ لَا نَعِيمَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَلَا فَوْزَ إِلَّا بِجِوَارِهِ فِي دَارِ النَّعِيمِ فِي الْجَنَّةِ الْآجِلَةِ ، فَلَهُ جَنَّتَانِ لَا يَدْخُلُ الثَّانِيَةَ مِنْهُمَا إِنْ لَمْ يَدْخُلِ الْأُولَى .

وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ : إِنَّ فِي الدُّنْيَا جَنَّةً مَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا لَمْ يَدْخُلْ جَنَّةَ الْآخِرَةِ .

وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ : إِنَّهُ لَيَمُرُّ بِالْقَلْبِ أَوْقَاتٌ ، أَقُولُ : إِنْ كَانَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي مِثْلِ هَذَا ، إِنَّهُمْ لَفِي عَيْشٍ طَيِّبٍ .

وَقَالَ بَعْضُ الْمُحِبِّينَ : مَسَاكِينُ أَهْلِ الدُّنْيَا خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا ذَاقُوا أَطْيَبَ مَا فِيهَا ، قَالُوا : وَمَا أَطْيَبُ مَا فِيهَا ؟ قَالَ : مَحَبَّةُ اللَّهِ ، وَالْأُنْسُ بِهِ ، وَالشَّوْقُ إِلَى لِقَائِهِ ، وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ ، وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَاهُ أَوْ نَحْوُ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ .
وَكُلُّ مَنْ لَهُ قَلْبٌ حَيٌّ يَشْهَدُ هَذَا وَيَعْرِفُهُ ذَوْقًا .

وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ الْخَمْسَةُ : قَاطِعَةٌ عَنْ هَذَا ، حَائِلَةٌ بَيْنَ الْقَلْبِ وَبَيْنَهُ ، عَائِقَةٌ لَهُ عَنْ سَيْرِهِ ، وَمُحْدِثَةٌ لَهُ أَمْرَاضًا وَعِلَلًا إِنْ لَمْ يَتَدَارَكْهَا الْمَرِيضُ خِيفَ عَلَيْهِ مِنْهَا .
فَأَمَّا مَا تُؤْثِرُهُ كَثْرَةُ الْخُلْطَةِ :فَامْتِلَاءُ الْقَلْبِ مِنْ دُخَانِ أَنْفَاسِ بَنِي آدَمَ حَتَّى يَسْوَدَّ ، يُوجِبُ لَهُ تَشَتُّتًا وَتَفَرُّقًا ، وَهَمًّا وَغَمًّا ، وَضَعْفًا ، وَحَمْلًا لِمَا يَعْجِزُ عَنْ حَمْلِهِ مِنْ مُؤْنَةِ قُرَنَاءِ السُّوءِ ، وَإِضَاعَةِ مَصَالِحِهِ ، وَالِاشْتِغَالِ عَنْهَا بِهِمْ وَبِأُمُورِهِمْ ، وَتَقَسُّمِ فِكْرِهِ فِي أَوْدِيَةِ مَطَالِبِهِمْ وَإِرَادَاتِهِمْ ، فَمَاذَا يَبْقَى مِنْهُ لِلَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ ؟ .

[ ص: 453 ] هَذَا ، وَكَمْ جَلَبَتْ خُلْطَةُ النَّاسِ مِنْ نِقْمَةٍ ، وَدَفَعَتْ مِنْ نِعْمَةٍ ؟ وَأَنْزَلَتْ مِنْ مِحْنَةٍ ، وَعَطَّلَتْ مِنْ مِنْحَةٍ ، وَأَحَلَّتْ مِنْ رَزِيَّةٍ ، وَأَوْقَعَتْ فِي بَلِيَّةٍ ؟ وَهَلْ آفَةُ النَّاسِ إِلَّا النَّاسُ ؟ وَهَلْ كَانَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ عِنْدَ الْوَفَاةِ أَضَرَّ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ ؟ لَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى حَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تُوجِبُ لَهُ سَعَادَةَ الْأَبَدِ .

وَهَذِهِ الْخُلْطَةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى نَوْعِ مَوَدَّةٍ فِي الدُّنْيَا ، وَقَضَاءِ وَطَرِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ تَنْقَلِبُ إِذَا حَقَّتِ الْحَقَائِقُ عَدَ
اوَةً ، وَيَعَضُّ الْمُخْلِطُ عَلَيْهَا يَدَيْهِ نَدَمًا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَقَالَ تَعَالَى الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ وَقَالَ خَلِيلُهُ إِبْرَاهِيمُ لِقَوْمِهِ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ مُشْتَرِكِينَ فِي غَرَضٍ ، يَتَوَادُّونَ مَا دَامُوا مُتَسَاعِدِينَ عَلَى حُصُولِهِ ، فَإِذَا انْقَطَعَ ذَلِكَ الْغَرَضُ ، أَعْقَبَ نَدَامَةً وَحُزْنًا وَأَلَمًا ، وَانْقَلَبَتْ تِلْكَ الْمَوَدَّةُ بُغْضًا وَلَعْنَةً ، وَذَمًّا مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ ، لَمَّا انْقَلَبَ ذَلِكَ الْغَرَضُ حُزْنًا وَعَذَابًا ، كَمَا يُشَاهَدُ فِي هَذِهِ الدَّارِ مِنْ أَحْوَالِ الْمُشْتَرِكِينَ فِي خِزْيِهِ ، إِذَا أُخِذُوا وَعُوقِبُوا ، فَكُلُّ مُتَسَاعِدِينَ عَلَى بَاطِلٍ ، مُتَوَادِّينَ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ تَنْقَلِبَ مَوَدَّتُهُمَا بُغْضًا وَعَدَاوَةً .

وَالضَّابِطُ النَّافِعُ فِي أَمْرِ الْخُلْطَةِ أَنْ يُخَالِطَ النَّاسَ فِي الْخَيْرِ كَالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ ، وَالْأَعْيَادِ وَالْحَجِّ ، وَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ ، وَالْجِهَادِ ، وَالنَّصِيحَةِ وَيَعْتَزِلَهُمْ فِي الشَّرِّ ، وَفُضُولِ الْمُبَاحَاتِ ، فَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى خُلْطَتِهِمْ فِي الشَّرِّ ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ اعْتِزَالُهُمْ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَنْ يُوَافِقَهُمْ ، وَلْيَصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ ، فَإِنَّهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يُؤْذُوهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُوَّةٌ وَلَا نَاصِرٌ . وَلَكِنْ أَذًى يَعْقُبُهُ عِزٌّ وَمَحَبَّةٌ لَهُ وَتَعْظِيمٌ ، وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وَمُوَافَقَتُهُمْ يَعْقُبُهَا ذُلٌّ وَبُغْضٌ لَهُ ، وَمَقْتٌ ، وَذَمٌّ مِنْهُمْ وَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

فَالصَّبْرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ عَاقِبَةً ، وَأَحْمَدُ مَآلًا ، وَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى خُلْطَتِهِمْ فِي فُضُولِ الْمُبَاحَاتِ ، فَلْيَجْتَهِدْ أَنْ يَقْلِبَ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ طَاعَةً لِلَّهِ إِنْ أَمْكَنَهُ ، وَيُشَجِّعَ نَفْسَهُ وَيُقَوِّيَ قَلْبَهُ ، وَلَا يَلْتَفِتْ إِلَى الْوَارِدِ الشَّيْطَانِيِّ الْقَاطِعِ لَهُ عَنْ ذَلِكَ ، بِأَنَّ هَذَا رِيَاءٌ [ ص: 454 ] وَمَحَبَّةٌ لِإِظْهَارِ عِلْمِكَ وَحَالِكَ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَلْيُحَارِبْهُ ، وَلْيَسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَيُؤَثِّرْ فِيهِمْ مِنَ الْخَيْرِ مَا أَمْكَنَهُ .

فَإِنْ أَعْجَزَتْهُ الْمَقَادِيرُ عَنْ ذَلِكَ ، فَلْيَسُلَّ قَلْبَهُ مِنْ بَيْنِهِمْ كَسَلِّ الشَّعْرَةِ مِنَ الْعَجِينِ ، وَلْيَكُنْ فِيهِمْ حَاضِرًا غَائِبًا ، قَرِيبًا بَعِيدًا ، نَائِمًا يَقْظَانًا ، يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُبْصِرُهُمْ ، وَيَسْمَعُ كَلَامَهُمْ وَلَا يَعِيهِ ، لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ قَلْبَهُ مِنْ بَيْنِهِمْ ، وَرَقَى بِهِ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى ، يَسْبَحُ حَوْلَ الْعَرْشِ مَعَ الْأَرْوَاحِ الْعُلْوِيَّةِ الزَّكِيَّةِ ، وَمَا أَصْعَبَ هَذَا وَأَشَقَّهُ عَلَى النُّفُوسِ ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَبَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَهُ أَنْ يَصْدُقَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَيُدِيمَ اللُّجْأَ إِلَيْهِ ، وَيُلْقِيَ نَفْسَهُ عَلَى بَابِهِ طَرِيحًا ذَلِيلًا ، وَلَا يُعِينُ عَلَى هَذَا إِلَّا مَحَبَّةٌ صَادِقَةٌ ، وَالذِّكْرُ الدَّائِمُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ ، وَتَجَنُّبُ الْمُفْسِدَاتِ الْأَرْبَعِ الْبَاقِيَةِ الْآتِي ذِكْرُهَا ، وَلَا يَنَالُ هَذَا إِلَّا بِعُدَّةٍ صَالِحَةٍ وَمَادَّةِ قُوَّة
ٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَعَزِيمَةٍ صَادِقَةٍ ، وَفَرَاغٍ مِنَ التَّعَلُّقِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
الكتب » مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين » فصل في منازل إياك نعبد » فصل منزلة التذكر » فصل آثار مفسدات القلب الخمسة
هنا

رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



أوقات الصلاة لأكثر من 6 ملايين مدينة في أنحاء العالم
الدولة:

الساعة الآن 10:32 AM بتوقيت مسقط


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
Powered & Developed By Advanced Technology