فَصْلٌ الْمُفْسِدُ الثَّانِي : مِنْ مُفْسِدَاتِ الْقَلْبِ رُكُوبُهُ بَحْرَ التَّمَنِّي وَهُوَ بَحْرٌ لَا سَاحِلَ لَهُ ، وَهُوَ الْبَحْرُ الَّذِي يَرْكَبُهُ مَفَالِيسُ الْعَالَمِ ، كَمَا قِيلَ : إِنَّ الْمُنَى رَأَسُ أَمْوَالِ الْمَفَالِيسِ . وَبِضَاعَةُ رُكَّابِهِ مَوَاعِيدُ الشَّيَاطِينِ ، وَخَيَالَاتُ الْمُحَالِ وَالْبُهْتَانِ ، فَلَا تَزَالُ أَمْوَاجُ الْأَمَانِي الْكَاذِبَةِ ، وَالْخَيَالَاتُ الْبَاطِلَةُ ، تَتَلَاعَبُ بِرَاكِبِهِ كَمَا تَتَلَاعَبُ الْكِلَابُ بِالْجِيفَةِ ، وَهِيَ بِضَاعَةُ كُلِّ نَفْسٍ مَهِينَةٍ خَسِيسَةٍ سُفْلِيَّةٍ ، لَيْسَتْ لَهَا هِمَّةٌ تَنَالُ بِهَا الْحَقَائِقَ الْخَارِجِيَّةَ ، بَلِ اعْتَاضَتْ عَنْهَا بِالْأَمَانِي الذَّهَبِيَّةِ ، وَكُلٌّ بِحَسَبِ حَالِهِ مِنْ مُتَمَنٍّ لِلْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ ، وَلِلضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَالتَّطْوَافِ فِي الْبُلْدَانِ ، أَوْ لِلْأَمْوَالِ وَالْأَثْمَانِ ، أَوْ لِلنِّسْوَانِ وَالْمُرْدَانِ ، فَيُمَثِّلُ الْمُتَمَنِّي صُورَةَ مَطْلُوبِهِ فِي نَفْسِهِ وَقَدْ فَازَ بِوُصُولِهَا ، وَالْتَذَّ بِالظَّفَرِ بِهَا ، فَبَيْنَا هُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ إِذِ اسْتَيْقَظَ فَإِذَا يَدُهُ وَالْحَصِيرُ .
وَصَاحِبُ الْهِمَّةِ الْعَلِيَّةِ أَمَانِيهِ حَائِمَةٌ حَوْلَ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ ، وَالْعَمَلِ الَّذِي يُقَرِّبُهُ إِلَى اللَّهِ ، وَيُدْنِيهِ مِنْ جِوَارِهِ .
فَأَمَانِيُّ هَذَا إِيمَانٌ وَنُورٌ وَحِكْمَةٌ ، وَأَمَانِيُّ أُولَئِكَ خُدَعٌ وَغُرُورٌ .
وَقَدْ مَدَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَمَنِّي الْخَيْرِ ، وَرُبَّمَا جَعَلَ أَجْرَهُ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ كَأَجْرِ فَاعِلِهِ ، كَالْقَائِلِ : لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ الَّذِي يَتَّقِي فِي مَالِهِ رَبَّهُ ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، [ ص: 455 ] وَيُخْرِجُ مِنْهُ حَقَّهُ ، وَقَالَ " هُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ "وَتَمَنَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَمَتَّعَ وَحَلَّ وَلَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ ، وَكَانَ قَدْ قَرَنَ ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ ثَوَابَ الْقِرَانِ بِفِعْلِهِ ، وَثَوَابَ التَّمَتُّعِ الَّذِي تَمَنَّاهُ بِأُمْنِيَتِهِ ، فَجَمَعَ لَهُ بَيْنَ الْأَجْرَيْنِ . الكتب » مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين » فصل في منازل إياك نعبد » فصل منزلة التذكر » فصل آثار مفسدات القلب الخمسة » فصل المفسد الثاني من مفسدات القلب ركوبه بحر التمني هنا
التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 02-17-2015 الساعة 05:33 AM
|