ملتقى قطرات العلم النسائي
 
 

الـــمـــصـــحـــــف الـــجـــامـــع
مـــصـــحـــــف آيـــــات
موقع الدرر السنية للبحث عن تحقيق حديث

العودة   ملتقى قطرات العلم النسائي > ملتقى الدورات العلمية الخاصة بأم أبي التراب > ملتقى الدورات العلمية الخاصة بأم أبي التراب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #71  
قديم 07-21-2015, 03:34 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016

مجلس 81
65-لا طائفية ولا حزبية يعقد الولاء والبراء عليها

أهلُ الإسلامِ ليس لهم سِمَةٌ سَِوى الإسلامِ والسلامِ : فيا طالبَ العلْمِ ! بارَكَ اللهُ فيك وفي عِلْمِك ؛ اطْلُب العِلْمَ واطْلُب العملَ وادْعُ إلى اللهِ تعالى على طَريقةِ السلَفِ .
ولا تَكُنْ خَرَّاجًا وَلَّاجًا في الجماعاتِ ، فتَخْرُجَ من السَّعةِ إلى القوالِبِ الضيِّقَةِ فالإسلامُ كلُّه لك جَادَّةً ومَنْهَجًا والمسلمونَ جَميعُهم هم الجماعةُ وإنَّ يدَ اللهِ مع الجماعةِ1 ، فلا طائفِيَّةَ ولا حِزبيَّةَ في الإسلامِ .
وأُعِيذُكَ باللهِ أن تَتَصَدَّعَ ، فتكونَ نَهَّابًا بينَ الفِرَقِ والطوائفِ والْمَذاهِبِ الباطلةِ والأحزابِ الغاليةِ ، تَعْقِدُ سُلطانَ الوَلاءِ والبَرَاءِ عليها فكُنْ طالِبَ عِلْمٍ على الْجَادَّةِ ؛ تَقْفُو الأَثَرَ ، وتَتْبَعُ السُّنَنَ ، تَدْعُو إلى اللهِ على بَصيرةٍ ، عارفًا لأهلِ الفَضْلِ فَضْلَهم وسابِقَتَهم .
وإنَّ الحزبيَّةَ ذاتَ المساراتِ والقوالِبِ الْمُستحدَثَةِ التي لم يَعْهَدْها السلَفُ من أَعْظَمِ العوائقِ عن العِلْمِ ، والتفريقِ عن الجماعةِ ، فكم أَوْهَنَت حَبْلَ الاتِّحادِ الإسلاميِّ وغَشِيَت المسلمينَ بسَبَبِها الغَوَاشِي .
فاحْذَرْ رَحِمَكَ اللهُ أَحزابًا وطَوائفَ طافَ طائفُها ونَجَمَ بالشرِّ ناجِمُها فما هي إلا كالْمَيَازِيبِ؛ تَجْمَعُ الماءَ كَدَرًا ، وتُفَرِّقُه هَدَرًا ؛ إلا مَن رَحِمَه ربُّك ، فصارَ على مِثْلِ ما كان عليه النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابُه رَضِي اللهُ عَنْهُم .
قالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى عندَ عَلَامَةِ أهلِ العُبودِيَّةِ : ( العَلامةُ الثانيةُ : قولُه : ( ولم يُنْسَبُوا إلى اسمٍ ) ؛ أي : لم يَشْتَهِروا باسمٍ يُعرَفون به عندَ الناسِ من الأسماءِ التي صارَتْ أعلامًا لأهلِ الطريقِ ) .
وأيضًا ؛ فإنهم لم يَتَقَيَّدُوا بعَمَلٍ واحدٍ يُجْرَى عليهم اسْمُه ، فيُعْرَفون به دونَ غيرِه من الأعمالِ ؛ فإنَّ هذا آفةٌ في العُبوديَّةِ ، وهي عُبودِيَّةٌ مُقَيَّدَةٌ .
وأمَّا العُبوديَّةُ المطلَقَةُ ؛ فلا يُعْرَفُ صاحبُها باسمٍ مُعَيَّنٍ من معاني أسمائِها ؛ فإنه مُجيبٌ لداعيها على اختلافِ أنواعِها ، فله مع كلِّ أهلِ عُبودِيَّةٍ نصيبٌ يَضْرِبُ معهم بسَهْمٍ ؛ فلا يَتَقَيَّدُ برَسْمٍ ولا إشارةٍ ولا اسمٍ ولا بِزِيٍّ ولا طريقٍ وَضْعِيٍّ اصطلاحيٍّ ، بل إن سُئِلَ عن شَيخِه ؟ قالَ : الرسولُ . وعن طريقِه ؟ قال : الاتِّباعُ . وعن خِرْقَتِه قال : لِباسُ التَّقْوَى ، وعن مَذْهَبِه ؟ قالَ : تَحكيمُ السُّنَّةِ . وعن مَقْصِدِه ومَطْلَبِه ؟ قالَ : { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } . وعن رِباطِه وعن خَانْكَاهُ ؟ قالَ : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ } وعن نَسَبِه ؟ قالَ :
أبي الإسلامُ لا أبَ لي سِوَاهُ = إذا افْتَخُروا بقيْسٍ أو تَمِيمِ
ثم قالَ : قولُه : ( أولئك ذخائرُ اللهِ حيث كانوا ) ؛ ذخائرُ الْمُلْكِ : ما يُخَبَّأُ عندَه ويَذْخَرُه لِمُهِمَّاتِه ، ولا يَبْذُلُه لكلِّ أحدٍ ؛ وكذلك ذَخيرةُ الرجُلِ : ما يَذْخَرُه لحوائجِه ومُهِمَّاتِه ، وهؤلاءِ ؛ لَمَّا كانوا مَسْتُورِينَ عن الناسِ بأَسبابِهم ، غيرَ مُشارٍ إليهم ، ولا مُتَمَيِّزِينَ بِرَسْمٍ دونَ الناسِ ، ولا مُنتسبينَ إلى اسمِ طريقٍ أو مَذهَبٍ أو شيخٍ أو زِيٍّ ؛ كانوا بِمَنْزِلَةِ الذخائرِ المخبوءةِ، وهؤلاءِ أَبْعَدُ الْخَلْقِ عن الآفاتِ ؛ فإنَّ الآفاتِ كلَّها تَحتَ الرسومِ والتقَيُّدِ بها ، ولزومِ الطرُقِ الاصطلاحيَّةِ والأوضاعِ المتداوَلَةِ الحادِثَةِ .
هذه هي التي قَطَعَتْ أكثرَ الخلْقِ عن اللهِ وهم لا يَشعرون .
والعَجَبُ أنَّ أَهْلَها هم الْمَعروفون بالطلَبِ والإرادةِ ، والسيْرِ إلى اللهِ وهم – إلا الواحدَ بعدَ الواحدِ – الْمَقطوعون عن اللهِ بتلك الرسومِ والقُيودِ .
وقد سُئِلَ بعضُ الأئِمَّةِ عن السُّنَّةِ ؟ فقالَ : ما لا اسمَ له سِوَى ( السُّنَّةِ ) .
يعني : أنَّ أهلَ السُّنَّةِ ليس لهم اسمٌ يُنْسَبُون إليه سِواهَا .
فمِن الناسِ مَن يَتَقَيَّدُ بلِباسِ غيرِه ، أو بالجلوسِ في مَكانٍ لا يَجْلِسُ في غيرِه أو مِشْيَةٍ لا يَمْشِي غيرَها أو بِزِيٍّ وهيئةٍ لا يَخْرُجُ عنهما ، أو عبادةٍ مُعَيَّنَةٍ لا يَتَعَبَّدُ بغيرِها وإن كانت أَعْلَى منها أو شيخٍ مُعَيَّنٍ لا يُلْتَفَتُ إلى غيرِه، وإن كان أَقْرَبَ إلى اللهِ ورسولِه منه .
فهؤلاءِ كلُّهم مَحجوبون عن الظَّفَرِ بالمطلوبِ الأعلى مَصْدُودُون عنه، قد قَيَّدَتْهُم العوائِدُ والرُّسومُ والأوضاعُ والاصطلاحاتُ عن تَجريدِ المتابَعَةِ فأَضْحَوْا عنها بِمَعْزِلٍ، ومَنزِلتُهم منها أبْعَدُ مَنْزِلٍ ، فتَرَى أحدَهم يَتَعَبَّدُ بالرياضةِ والْخَلْوَةِ وتَفريغِ القَلْبِ ويَعُدُّ العِلْمَ قاطعًا له عن الطريقِ فإذا ذُكِرَ له الْمُوالاةُ في اللهِ والْمُعاداةُ فيه والأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكَرِ ؛ عَدَّ ذلك فُضولًا وشَرًّا ، وإذا رَأَوْا بينَهم مَن يَقومُ بذلك أَخْرَجُوه من بينِهم وَعَدُّوه غَيْرًا عليهم ، فهؤلاءِ أَبْعَدُ الناسِ عن اللهِ ، وإن كانوا أكثرَ إشارةً . واللهُ أَعْلَمُ ) اهـ .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )
هذا فصل مهم، وهو تخلي طالب العلم عن الطائفية والحزبية، بحيث يعقد الولاء والبراء على طائفة معينة أو على حزب معين، فإن هذا لا شك خلاف منهج السلف، السلف الصالح ليس عندهم حزبية كلهم حزب واحد، كلهم ينضمون تحت قول الله تعالى : "...هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ...."سورة الحج: 78.
فلا حزبية ولا تعدد ولا موالاة ولا معاداة إلا على حسب ما جاء في الكتاب والسنة.
فمن الناس مثلا من يتحزب إلى طائفة معينة، يقرر منهجها ويستدل عليه بالأدلة التي قد تكون دليل عليه، وقد تكون دليلا له ويحامي دونه، ويضلل من سواه حتى ولو كانوا أقرب إلى الحق منها ويأخذ بمبدأ: من ليس معي فهو علي.
وهذا مبدأ خبيث، يعني بعض الناس يقول: إذا لم تكن معي فأنت علي، هناك وسط بين أن يكون لك أو عليك، وإذا كان عليك في الحق فليكن عليك فإنه في الحقيقة معك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»2. ونصر الظالم أن تمنعه من الظلم، فلا حزبية في الإسلام. ولذلك لما ظهرت الأحزاب في المسلمين تنوعت الطرق وتفرقت الأمة، وصار بعضهم يضلل بعضا ويأكل لحم أخيه ميتا، فالواجب عدم ذلك.
الآن مثلا يكون بعض الناس طالب علم عند شيخ من المشايخ، ينتصر لهذا الشيخ بالحق وبالباطل. وما في سواه يضلله ويبدعه ويرى أنه- شيخه- العالم المصلح، ومن سواه إما جاهل وإما مُفسد، وهذا غلط كبير، خذ الحق من أي إنسان، وإذا استروَحَتْ نفسُكَ لشخصٍ من الناس فالزم مجلسَه، لكن لا يعني ذلك أن تكون معه على الحق والباطل، وأن تضلل من سواه وتزدريهم أو ما أشبه ذلك فإن هذا غلط.
يقول الشيخ : «أهل الإسلام ليس لهم سمة سوى الإسلام والسلام» صحيح.
"...هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ...."سورة الحج: 78. كلنا مسلمون، فهذه سمة المسلم وعلامته: مسلما لله، مستسلما له، قائما بأمره تابعا لرسوله. هذا هو سمة المسلم.
فيا طالب العلم بارك الله فيك وفي علمك اطلب العلم واطلب العمل، لا تكن مثل بعض الناس، ليس إلا كتب مجموعة، يحفظ كثيرا ويفهم كثيرا، لكنه يعمل قليلا. فهذا لا ينتج.
كن طالبا للعلم عاملا به، داعيا إلى الحق. ثلاثة أشياء: صدق الطلب، العمل به، الدعوة. لا بد من هذا، أما مجرد أن تحشر العلوم ولا ينتفع الناس بعلمك، فهذا نقص كبير.
وادع إلى الله على طريقة السلف. وما هي طريقة السلف في الدعوة إلى الله؟ هي التي أرشدهم الله إليها بقوله : "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ "سورة النحل: 125). لين في موضع اللين، وشدة في موضع الشدة.
قال: «ولا تكن خراجا ولاجا في الجماعات، فتخرج من السعة إلى القوالب الضيقة، فالإسلام كله لك جادة ومنهج».
يقول: إن بعض الناس يكون ولاجا خراجا، بينما تجده منضما إلى قوم أو فئة، اليوم تجده خارجا منها ووالجا في جهة أخرى، وهذا مضيعة للوقت، ودليل على أن الإنسان ليس له قاعدة يبني عليها حياته.
يقول: «المسلمون جميعهم هم الجماعة، وأن يد الله مع الجماعة، فلا طائفية ولا حزبية في الإسلام». بل يجب أن نكون أمة واحدة، وإن اختلفنا في الرأي، أما أن نكون أحزابا: هذا إخواني- يعني من الإخوان المسلمين- وهذا سلفي، وهذا تبليغي.
وهذا لا يجوز، الواجب أن كل هذه الأسماء ينبغي أن تزول. وتكون أمة واحدة، وحزب واحد على أعدائنا.
قال: «وأعيذك بالله أن تتصدع، فتكون نهابا بين الفرق، والطوائف، والمذاهب الباطلة، والأحزاب الغالية، تعقد سلطان الولاء والبراء عليها». هذه أيضا طريق سيئة، أن يكون الإنسان نهابا بين الفرق والطوائف، يأخذ من هذا، ومن ثم لا يستقر على رأي.
فإن هذه آفة عظيمة، والواجب على الإنسان أن يكون مختارا ما هو أنسب في العلم والدين ويستمر عليه وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:«من بورك له في شيء فليلزمه». وهذه في الحقيقة قاعدة لمنهاج المسلم يجب أن يسير عليها، من بورك له في شيء فليلزمه وليستمر عليه حتى لا تتقطع أوقاته يوما هنا ويوما هنا.
يقول: «فكن طالب علم على الجادة ـ تقفوا الأثر، وتتبع السنن، تدعوا إلى الله على بصيرة عارفا لأهل الفضل فضلهم وسابقتهم».
هذه أيضا وصية نافعة، أن الإنسان ينبغي له أن يتبع الأثر وأن يدع الأهواء والأفكار الواردة على الإسلام والتي هي في الحقيقة دخيلة على الإسلام وبعيدة الوضوح.
ثم نقل كلام ابن القيم: (العلامة الثانية) قوله: «ولم ينسبوا إلى اسم» أي: لم يشتهروا باسم يعرفون به عند الناس من الأسماء التي صارت أعلاما لأهل الطريق.
وأيضا، فإنهم لم يتقيدوا بعمل واحد يجري عليهم اسمه، فيعرفون به دون غيره من الأعمال، فإن هذا آفة في العبودية، وهي عبودية مقيدة.
وأما العبودية المطلقة، فلا يعرف صاحبها باسم معين من معاني أسمائها.
هذا هو الصحيح، العبودية المطلقة أن يعبد الإنسان ربه على حسب ما تقتضيه الشريعة. مرة من المصلين، ومرة من الصائمين، ومرة من المجاهدين ومرة من المتصدقين حسب ما تقتضيه المصلحة، ولذلك تجد النبي صلى الله عليه وسلم هكذا حاله، لا تكاد تراه صائما إلا وجدته صائما ولا مفطرا إلا وجدته مفطرا، ولا قائما إلا وجدته قائما.
يتبع المصلحة، أحيانا يترك الأشياء التي يحبها من أجل مصلحة الناس، فإياك أن تكون قاصرا على عبادة معينة، بحيث لا تتزحزح عنها.
قال: «فإنه مجيب لداعيها على اختلاف أنواعها»، فله مع كل أهل عبودية نصيب يضرب معهم بسهم، فلا يتقيد برسم ولا إشارة، ولا اسم ولا بزي، ولا طريق وضعي اصطلاحي، بل إن سئل عن شيخه؟ قال: الرسول. وعن طريقه؟ قال: الاتباع. وعن خرقته؟ قال: لباس التقوى. وعن مذهبه؟ قال: تحكيم السنة.
وعن مقصده ومطلبه؟ قال : (يريدون وجهه). وعن رباطة وعن خانكاه؟ قال: "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ *رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ "سورة النور: 36-37). وعن نسبه؟ قال:
أبي الإسلام لا أب لي سواه = إذا افتخروا بقيس أو تميم
وعن مأكله ومشربه؟ قال: «مالَكَ ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها، ترِدُ الماءَ، وترعى الشجرَ، حتى تلقى ربها».
هذه قالها النبي صلى الله عليه وسلم في ضالة الإبل، لما سئل عن التقاطها غضب عليه الصلاة والسلام. وقال: «ما لك ولها؟ دعها فإن معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وترعى الشجر حتى تلقى ربها».
ابن القيم- رحمه الله- نقلها إلى هذا المعنى الجليل، يعني: هؤلاء العباد الذين تفنوا في العبادة وأخذوا لكل نوع منها نصيب. لو سئل من أين يجري عليك الرزق.
يجيب: مالك ولها دعني!! يرزقني الله عز وجل.

واحسرتاه تقضى العمر وانصرمت = ساعاته بين ذل العجز والكسل
والقوم قد أخذوا درب النجاة وقد = ساروا إلى المطلب الأعلى على مهل

ثم قال: قوله:«أولئك ذخائر الله حيث كانوا، ذخائر الملك: ما يخبأ عنده، ويذخره لمهماته، ولا يبذله لكل أحد، وكذلك ذخيرة الرجل: ما يذخره لحوائجه ومهماته. وهؤلاء لما كانوا مستورين عن الناس بأسبابهم، غير مشار إليهم، ولا متميزين برسم دون الناس، ولا منتسبين إلى اسم طريق أو مذهب أو شيخ أو زي، كانوا بمنزلة الذخائر المخبوءة. هؤلاء أبعد الخلق عن الآفت، فإن الآفات كلها تحت الرسوم والتقيد بها، ولزوم الطرق الاصطلاحية، والأوضاع المتداولة الحادثة. هذه هي التي قطعت أكثر الخلق عن الله، وهم لا يشعرون».
صحيح هذا.. لا شك أن الأمر كما قال الإمام ابن القيم- رحمه الله- هؤلاء الذين لهم مراسم معينة، ولهم طقوس معينة، وأشكال معينة، هؤلاء لا شك أنهم ينقطعون عن الله عز وجل بحسب ما معهم من هذه الرسومات الإصطلاحية وما أشبهها، تجد الواحد منهم إذا رأيته قلت: من هذا الرجل؟ من هذا العالم. لكنه عالم بالزي والشكل فقط، وليس عنده علم راسخ، بل وربما نقول إيمانه ضعيف أيضا، وإلا لكان يعتمد على ما عنده من العلم والإيمان والدعوة والصلاح. قال:
«والعجب أن أهلها هم المعروفون بالطلب والإرادة، والسير إلى الله، وهم- إلا الواحد بعد الواحد- المقطوعون عن الله بتلك الرسوم والقيود».
العجب من أن الإنسان يستغرب أن يكون هؤلاء الذين أخذوا العلم بالرسوم والاصطلاحات الحادثة، هم المعروفون بالطلب والإرادة لأنهم يغرون الناس بلباسهم ونبرات كلامهم، وغير ذلك.
ثم قال: «وقد سئل بعض الأئمة عن السنة؟ فقال: ما لا اسم له سوى «السنة». يعني: أن أهل السنة ليس لهم اسم ينسبون إليه سواها. فمن الناس من يتقيد بلباس غيره، أو بالجلوس في مكان لا يجلس في غيره، أو مشية لا يمشي غيرها، أو بزي وهيئة لا يخرج عنهما، أو عبادة معينة لا يتعبد بغيرها وإن كانت أعلى منها، أو شيخ معين لا يلتفت إلى غيره وإن كان أقرب إلى الله ورسوله منه. فهؤلاء كلهم محجوبون عن الظفر بالمطلوب الأعلى، مصدودون عنه، قد قيدتهم العوائد والرسوم، والأوضاع، والاصطلاحات عن تجريد المتابعة، فأضحوا عنه بمعزل، ومنزلتهم منها أبعد منزل، فترى أحدهم يتعبد بالرياضة، والخلوة، وتفريغ القلب، ويعد العلم قاطعا له عن الطريق، فإذا ذكر له الموالاة في الله، والمعاداة فيه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، عد ذلك فضولا وشرا، وإذا رأوا بينهم من يقوم بذلك، أخرجوه من بينهم، وعدوه غيرا عليهم، فهؤلاء أبعد الناس عن الله، وإن كانوا أكثر إشارة. والله أعلم» اهـ.
قوله:«يتعبد بالرياضة» المراد: الرياضة القلبية على زعمهم، فتجدهم منعزلين عن الناس، بعيدين عن الناس، لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ولا يتعلمون ظنا منهم أن هذا هو الخير، ولكنهم في الواقع ضلوا، الخير أن تتبع الخير حيث ما كان.
فتارة في مجالس العلم، وتارة في مصارف الجهاد، وتارة في الحسبة، وتارة في الصلاة وتارة في القرآن، حسب ما ترى أنه أنفع لعباد الله وأخشى لقلبك، لكن من الناس من لا يتحمل، فتجده يركن إلى شيء معين من العبادة يدعي أن فيه صلاح قلبه ويستمر عليه.

آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ

الشيخ:
كذلك نحذر كل الحذر من تفريق أهل الإسلام ، نحن أمة واحدة من جاء يريد أن يفرّق كلمتنا فلا يجوز أن نلتفت إليه ، لا يجوز أن نستجيب له ، بل الواجب إسكاته ، من دعا إلى طائفة أو إلى حزب أو إلى جماعة ليكون الولاء والبراء عليها ينبغي إسكاته وعدم الإلتفات إليه ، مهما كانت هذه الطائفة ، ينبغي بل يجب أن يكون ولاؤنا لله ، وعداؤنا لله ، ليس من أجل فلان ولا من أجل فلان ، وإنما لله و لرسوله صلى الله عليه وسلم.
وبالتالي هذه الجماعات وهذه الحزبيات لا يجوز للإنسان أن ينضم فيها ، أو يكون واحدا منها ، أو أن يعاهد ويبايع فيها ، أو أن يكون مناصرًا لها وإنما النصرة تكون لله و لرسوله صلى الله عليه وسلم و لأهل الإيمان ، وأما من جاءنا يريد أن يكون الولاء والبراء على أمور مغايرة لذلك ، فحينئذ لا يصح منا أن ننضوي تحت لوائه ، وكم من صاحب بدعة أو صاحب تحزّبات يحاول أن يضمّ الناس إليه من أجل أن يفاخر بهم ، وأن يذكر أنّ جماعته وحزبه وطريقته هي الأقوى ، وأنّ أتباعها الأكثر ، وبالتالي فكل من أرادنا أن نجتمع على غير منهاج شرعي فلن نقبل منه.
وكذلك بعض الناس يظهر جزءا من أجزاء الشريعة من أجل أن يضم الناس إليه ، يقول : تعالوا نحن أهل الصلاة ، هل معنى هذا ، أن نترك بقية الأحكام ، إن كان يريد منا أن نترك بقية أركان الشريعة فلا يجوز أن نقبل منه.
وكذلك إذا جاءنا يريد منا أن يكون العمل والاجتماع على شيء لم ترد به الشريعة فلا يجوز لنا أن نلتفت إليه.
قال المؤلف : (وعن خَانْكَاهُ) و الرباط ، هذه المواطن تجعلها بعض الطوائف للعبادة أو للتقرب لله ، وحينئذ نحن لا نلتفت إلى هذا ، نلتفت إلى بيوت الله إلى المساجد ، كذلك لا ينبغي أن يكون ولاؤنا وتحزّبنا لزيد من الناس مهما كانت منزلته ، وإنما نتحزّب لكتاب الله ولسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
آفاق التيسير
1-"يدُ اللَّهِ معَ الجماعةِ"

الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم: 2166 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية


2- "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا . فقال رجلٌ : يا رسولَ اللهِ ، أنصرُه إذا كان مظلومًا ، أفرأيتَ إذا كان ظالمًا كيف أنصرُه ؟ قال : تحجِزُه ، أو تمنعُه ، من الظلمِ فإنَّ ذلك نصرُه"

الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 6952 - خلاصة حكم المحدث : [صحيح] - شرح الحديث - الدرر السنية

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 11-15-2015 الساعة 04:22 PM
رد مع اقتباس
  #72  
قديم 07-21-2015, 03:40 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016

مجلس 82
66-
نَوَاقِضُ هذه الْحِلْيَةِ

يا أخي – وَقَانا اللهُ وإيَّاكَ العثراتِ – إن كنتَ قَرَأْتَ مَثَلًا من ( حِليةِ طالبِ العِلْمِ ) وآدابِه وعَلِمْتَ بعضًا من نواقِضِها ؛ فاعْلَمْ أنَّ مِن أَعْظَمِ خَوارِمِها الْمُفْسِدَةِ لنظامِ عِقْدِها :
إفشاءَ السرِّ .
ونَقْلَ الكلامِ من قومٍ إلى آخرينَ .
والصلَفَ واللسانَةَ .
وكثرةَ الْمِزاحِ .
والدخولَ في حديثٍ بينَ اثنينِ .
والحقْدَ .
والحسَدَ .
وسوءَ الظنِّ .
ومُجالَسَةَ المبتَدِعةِ .
ونَقْلَ الْخُطَى إلى الْمَحَارِمِ .
فاحْذَرْ هذه الآثامَ وأخواتِها واقْصُرْ خُطاكَ عن جميعِ الْمُحَرَّمَاتِ والْمَحارِمِ فإن فعلتَ وإلا فاعْلَمْ أنك رَقيقُ الدِّيانةِ خَفيفٌ لَعَّابٌ مُغْتَابٌ نَمَّامٌ فأَنَّى لك أن تكونَ طالبَ عِلْمٍ ، يُشارُ إليك بالبَنانِ ، مُنَعَّمًا بالعِلْمِ والعمَلِ .
سَدَّدَ اللهُ الْخُطَى ، ومَنَحَ الجميعَ التقْوَى وحُسْنَ العاقِبَةِ في الآخرةِ والأُولَى .
وصَلَّى اللهُ على نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وعلى آلِه وصَحْبِه وسَلَّمَ .
بكرُ بنُ عبدِ اللهِ أبو زَيْدٍ
25/10/1408 هـ .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )

هذه النواقض والخوارم التي ذكرها هي في الحقيقة خدش عظيم لطالب العلم وللعامة أيضا .
1- إفشاء السر محرم : لأنه خيانة للأمانة . فإذا استكتمَك الإنسانُ حديثا فلا يحل لك أن تفشيه لأي أحد كان ، واحذر أن يخدعك أحدٌ لأن بعض الناسِ يظن أنه أفشى إليك؛ ثم يأتي إليك وكأن الأمر مسلَّم أنه عَلِمَ بذلك فيقول مثلا: ما شاء الله، من أدراك عن كذا وكذا، فيبهت الآخر، فيظن أنه قد علن ثم يفضي له السر وهذه طريقة تجسس من بعض الناس.
فاحذر هذا، فما دمت استكتمك صاحبُكَ فإذا جاء أحدٌ يبهتُك بمثل هذا الأسلوب، فلا تخف. قل: أبدا، ما صار هذا، وأنا بريء إلى الله منه- وتقصد منه – هذا الكلام الذي قلت، لأنه تجسس.
قال العلماء: وإذا حدثك الإنسان بحديث والتفت، فقد استأمنك، فهو أمانة وسر، فلا يجوز أن تفشيه. حتى وإن لم يقل لا تخبر أحدا. لأن التفاته يعني أنه لا يريد أحدا يسمعه. فإذا أفشيته فهذا من إفشاء السر.
2- ونقل الكلام من قوم إلى آخرين: وهذه هي النميمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة قتات".1 أي: نمام، ومر بقبرين يعذبان، وذكر أن أحدهما كان يمشي بالنميمة 2. فهي من كبائر الذنوب.
يأتي الشخص لآخر ويقول: فلان يقول فيك كذا وكذا. لكن إذا كان المقصود بذلك النصيحة. كيف النصيحة؟! يعني: أن هذا الرجل مغتر بالشخص ويفضي إليه أسراره ويستشيره في أموره، فجاء إنسان وقال: يا فلان، أنا رأيتك تفضي سرك إلى فلان وتثق به، والرجل ليس بأمين، الرجل يفشي كل ما تقول. فهل يعتبر هذا نميمة؟ هذه نصيحة!
3- والصلف واللسانة: الصلف: يعني التشدد في الشيء، يكون الإنسان غير لين لا بمقاله ولا بحاله. بل هو صلت ولسن، يعني رفيع الصوت، أو يعني عنده بيانا يبدي به الباطل ويخفي به الحق.
وأما قوة الصوت وارتفاعه, فإنه ليس إلى اللسانة، هذه من خلقة الله عز وجل، ولما أنزل الله تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ "سورة الحجرات: 2).3 كان ثابت بن قيس رضي الله عنه- وهو من أحد الشعراء والخطباء- كان جهوري الصوت، فلزم بيته يبكي، ولم يكن له وجه يخرج إلى الناس، ويقابل الناس به، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه وأرسل إليه رسولا، فقال:"إن الله أنزل هذه الآية وإني خفت أن يحبط عملي وأنا لا أشعر". فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له:"إنه يحيى سعيدا، ويقتل شهيدا، ويدخل الجنة"
4- كثرة المزاح : ولم يقل المزاح لأن المزاح في الكلام، كالملح في الطعام إن أكثرت منه فسد الطعام، وإن لم تجعل فيه الملح لم يشته إليه الطعام. فكثرة المزاح تذهب الهيبة، وتنزل مرتبة طالب العلم. أما المزاح القليل الذي يقصد به إدخال السرور على صاحبك فهو من السنة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا.
جاء رجل يريد أن يحمله على بعير يجاهد عليها في سبيل الله،فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إنا حاملوك على ولد الناقة» قال الرجل كيف؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «وهل تلد الإبل إلا النوق» 4. فهذا مزاح ولكنه حق.
وقال لأبي عُمير- غلام صغير- معه طير يلعب به، فمات الطير. فدخل النبي صلى الله عليه وسلم عليه ذات يوم فقال: «يا أبا عمير ما فعل النغير» 5.
أما ما يفعله بعض الناس، كل كلامه مزح، فهذا كما أنه لا يليق بالرجل العاقل فضلا عن طالب العلم، فإنه يجعل كلامَه مزحا حتى أن المخاطبين يقولون له أنت صادق أم تمزح؟ لأنه يجعل كل كلامِه مزحا.
5- الدخول في حديث بين اثنين : فإن بعض الناس إذا رأى اثنين يتحدثان، دخل بينهما وهذا كالمتسلق للجدار، لم يأت البيوت من أبوابها.
ولهذا كان من آداب حاضر صلاة الجمعة ألا يفرق بين اثنين6 كما جاءت به السنة، فالتفريق بين اثنين في الكلام وفي الحديث من خوارم المروءة، وكذلك أيضا لا ينبغي إذا رأيت اثنين يتحدثان أن تقترب منهما، بل من الأدب والمروءة أن تبتعد، لأنه ربما يكون بينهما حديث السر ويخجلان أن يقولا لك أبعد، فالحديث سر، أو إذا كانا لا يستطيعان ذلك عدلا عن حديث السر فقطعت حديثهما.
6-الحقد: والحقد يعني الكراهية والبغضاء، فإن بعض الناس إذا رأى أن الله أنعم على غيره نعمة حقد عليه، مع أن هذا الذي أنعم عليه لم يتعرض له بسوء، لكن حاقد عليه. وما قصة ابني آدم بغريب علينا.
قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر. فقال الذي لم يتقبل منه إلى الذي تقبل منه لأقتلنك. كرهه وحقد عليه إلى حد أنه أودى بحياته، فقال له ذلك: "... إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ..."سورة المائدة: 27] وليس بيدي تزكية نفسي أو لثناء عليها.
وإنما يريد أن يحث ذلك على التقوى حتى يقبل منه. كأنه قال له: اتق الله يقبل منك. ولكن :"{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ "سورة المائدة: 30.
فلا يجوز للإنسان أن يحقد على أخيه المسلم، ولا سيما أن يكون سبب الحقد ما من الله عليه من النعمة سواء دينيا أو دنيويا.
7- الحسد: من أخلاق اليهود، وبئس الخلق خلق الحسد، فما هو الحسد 7.
الحسد قيل هو: أن يتمنى زوال نعمة الله على غيره.
يتمنى فقره إذا كان أنعم الله عليه بالمال، ونسيانه وجهله إذا كان أنعم الله عليه بالعلم، وفقد أولاده وعقم زوجته إذا كان الله من عليه بالأولاد وما أشبه ذلك.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله:«الحسد كراهة نعمة الله على غيره». يعني ما يتمنى زوالها، لكن يكره أن الله أنعم على هذا الإنسان بهذه النعمة، فأما لو تمنى أن يرزقه الله مثلها، فليس هذا من الحسد بل هذا من الغبطة، التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا حسد إلا في اثنتين».
ومضار الحسد إحدى عشرة وهي:
1- أنه من كبائر الذنوب.
2- أنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. والحديث ضعيف.
3- أنه من أخلاق اليهود.
4- أنه ينافي الإخوة الإيمانية.
5- أنه فيه عدم الرضا بقضاء الله وقدره.
6- أنه سبيل للتعاسة.
7- الحاسد متبع لخطوات الشيطان.
8- يورث العداوة والبغضاء بين الناس.
9- قد يؤدي إلى العدوان على الغير.
10- فيه إزدراء* لنعمة الله على الحاسد.
*
ازْدِرَائِهِ : اِحْتِقَارِهِ ، الاِسْتِخْفَاف بِهِ .هنا
11- يشغل القلب عن الله.

8- سوء الظن: أن يظن بغيره ظنا سيئا، مثل أن يقول: لم يتصدق هذا إلا رياء، لم يلق هذا الطالب هذا السؤال إلا رياء ليعرف أنه طالب. وكان المنافقون إذا أتى المتصدق من المسلمين بالصدقة- إن كانت كثيرة- قالوا: مرائي، وإن كانت قليلة.
قالوا: إن الله غني عن صدقة هذا، فهم يلمزون 8المطوعين من المؤمنين في الصدقات، ويلمزون الذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم. فإياك وسوء الظن.
فالواجب إحسان الظن بمن ظاهره العدالة، أما من ظاهره غير العدالة فلا حرج أن يكون في نفسك سوء الظن به، لكن مع ذلك عليك أن تتحقق حتى يزول ما في نفسك من هذا الوهم. لأن بعض الناس قد يسيء الظن بشخص ما بناء على وهم كاذب لا حقيقة له.
قال الله تعالى : "....يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ ..."سورة الحجرات: 12. ولم يقل كل الظن، لأن بعض الظنون لها أصل ولها مبرر "...
إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ... "سورة الحجرات: 12. وليس كل الظن، فالظن الذي يحصل فيه العدوان على الغير هذا لا شك أنه إثم، والظن الذي لا مستند له، هو أيضا إثم.
9- ومجالسة المبتدعة: وليته عمم: مجالسة كل من تخرم مجالستهم المروءة، سواء كان ذلك لابتداع أو سوء أخلاق أو انحطاط رتبة عن المجتمع أو ما أشبه ذلك.
فينبغي لطالب العلم أن يكون مرتفعا عن مجالسة من تخدش مجالستهم المروءة أو تخدش الدين. لكن كأنه خص ذلك بالمبتدعة لأن المقام مقام تعليم، فإذا وجدنا مبتدعا عنده طلاقة في اللسان، وسحر في البيان، فإنه لا يجوز أن يجلس إليه، لأنه مبتدع. لماذا لا يجوز؟
أولا- لأننا نخشى من شره، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إن من البيان لسحرا» 9. قد يسحر عقولنا حتى نوافقه على بدعته.
ثانيا- أن فيه تشجيع لهذا المبتدع أن يكثر الناس حوله أو أن يجلس إليه فلان وفلان من الوجهاء والأعيان، فهذا يزيده رفعة واغترارا بما عنده من البدعة وغرورا في نفسه.
ثالثا- إساءة الظن بهذا الذي اجتمع إلى صاحب البدعة، وقد لا يتبين هذا إلا بعد حين.
10- نقل الخطى إلى المحارم : يعني أن يمشي الإنسان على الأمور المحرمة، فإن هذا من خوارم هذه الحلية: إذ أن الذي ينبغي لطالب العلم أن يتجنب هذا، بل إن بعض العلماء يقول يتجنب حتى الخطى إلى أمر ينتقده الناس فيه، كما لو ذهب طالب العلم إلى مبيع النساء. النساء لها أسواق للبيع، فذهب طالب العلم لأسواق النساء، هل هذا مما يحمد عليه أو مما يذم عليه؟ مما يذم عليه، يقال فلان طالب العلم يروح لأسواق النساء، حتى لو قال أنا أريد أن أذهب لأسواق النساء حتى أشتري لأهلي من هذه الأثواب التي تباع بالأسواق. قلنا وكل من يشتري عنك، أما أنت طالب علم ينتقد عليك هذا الفعل، ويقتدي بك من نيته سيئة.
ثم قال: «فاحذر هذه الآثام وأخواتها، واقصر خطاك عن جميع المحرمات والمحارم، فإن فعلت، وإلا فأعلم أنك رقيق الديانة، خفيف، لعاب، مغتاب، نمام، فإنى لك أن تكون طالب علم، يشار إليك بالبنان، منعما بالعلم والعمل؟
يعني: ينبغي للإنسان أن ينزل منزلتها وألا يدنسها بالأخلاق، لأن طالب العلم شرفه الله تعالى بالعلم وجعله قدوة، حتى إن الله تعالى رد أمور الناس عند الإشكال إلى العلماء. فقال :"...فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ.." سورة النحل: 43.
فالحاصل إنك يا طالب العلم محترم فلا تنزل نفسك إلى ساحة الذل والضعة، بل كن كما ينبغي أن تكون.
فهذه الحلية لا شك أنها مفيدة ونافعة لطالب العلم وينبغي للإنسان أن يحرص عليها ويتبعها، لكن لا يعني ذلك أن يقتصر عليها بل هناك كذلك كتب أخرى صنفت في آداب العلم ما بين قليل وكثير ومتوسط، وأهم شيء أن الإنسان يترسم خطى النبي صلى الله عليه وسلم ويمشي عليها، فهي الحلية الحقيقية التي ينبغي للإنسان أن يتحلى بها، كما قال سبحانه وتعالى "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً "سورة الأحزاب: 21.
نسأل الله تعالى أن يختم لنا ولكم بصالح الأعمال، وأن يوفقنا للعمل بما يرضيه.

آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ

الشيخ:
ثم ذكر المؤلف بعض العثرات ومنها :
إفشاء الأسرار ، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "المجالس بالأمانة" وإفشاء السر نوع من أنواع الخيانة ، والخيانة بئست البطانة.
كذلك لا يكون المؤمن طالب العلم من أهل النميمة ، ينقل كلام هؤلاء إلى هؤلاء ، وكلام هؤلاء إلى هؤلاء ، ليفسد بينهم فهذا من أكبر المحرّمات ، وقد جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يدخل الجنة قتات" يعني : نمام.
من العوارض والعثرات : الصَّلف بأن يتكلم الإنسان بالكلام الغليظ غير الرقيق اللين ، وكذلك اللسانة والرطانة ، اللسانة : بأن يتكلم بلسان قوي يتخلل في لسانه ليظهر قدرته على الناس وليس ذلك الكلام مبنيا على أصول علمية.
كذلك كثرة المزاح يجتنبه الإنسان ، يجتنبه طالب العلم ، لأنه يُخِف من منزلته ويجعل الناس لا يقبلون ما لديه من العلم.
هكذا أيضا الدخول في حديث بين اثنين ، لأنهما لم ينعزلا إلا لحديث خاص بينهما ، فدخول طالب العلم بينهما يقلّ من منزلته.
كذلك حقد الآخرين ، والحقد والحسد فإنّ هذه ليست من صفات طالب العلم ، سواء كان حسدا لطلب العلم ، الحسد المذموم بتمنّي زوال النعمة عن الآخرين ، أو كان بالحسد على ما أوتيه البعض في أمور الدنيا.
وكذلك يجتنب سوء الظن في الآخرين ، يشتغل بما ينفع ويترك سوء الظن ، وكذلك يجتنب طالب العلم مجالسة المبتدعة ، لأنه سيُظن أنه منهم ، وقد يعلق بقلبه بعض بدعهم من حيث لا يشعر ، ثم إنهم يتقوّوْن بذلك ، فلانا يزورنا وفلانا يجالسنا.
كذلك يجتنب طالب العلم المعاصي والذنوب لأنها تطمس العلم طمسًا ، وتطمس على القلب كما قال تعالى : " كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ" المطففين14
هذا شيء مما ذكره المؤلف واختصرنا فيما يتعلّق بالمحاذير لقلّة الوقت ، فلعلّكم تعذروننا في هذا ، نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم علما نافعا وعملا صالحا ، كما نسأله سبحانه أن يصلح أحوال الأمة ، وأن يردهم إلى دينهم ردّا جميلا ، هذا والله أعلم وصلّى الله على نبينا محمد.
آفاق التيسير
1-

"لا يدخلُ الجنَّةَ قتَّاتٌ"
الراوي : حذيفة بن اليمان - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم: 6056 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. الدرر السنية
الشرح:
الاستماعُ للغَيرِ بنيَّةِ نقْلِ الكلامِ مِن الصِّفاتِ المذمومةِ؛ لذلك أخبَرنا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأنَّه لا يدخُلُ الجنَّةَ قتَّاتٌ، والقَتَّاتُ: مِن قَتَّ الحديثَ يقُتُّه قَتًّا: إذا تَسمَّع إلى حديثِ شخصٍ فنقَله إلى غيرِه بقَصْدِ الإفسادِ بينهما، ولعلَّ عدمَ دخولِه الجنَّة أنَّه لن يكونَ في أوَّلِ الأمرِ مع السَّابقين.
في الحديثِ: النَّهيُ عن نقْل الكلامِ بنيَّة الإفسادِ.
2-
-" مرَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بحائطٍ مِن حيطانِ المدينةِ ، أو مكةَ ، فسمِع صوتَ إنسانَينِ يُعَذَّبانِ في قُبورِهما، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : يُعَذَّبانِ وما يُعَذَّبانِ في كبيرٍ . ثم قال : بلَى ، كان أحدُهما لا يَستَتِرُ من بوْلِه، وكان الآخَرُ يمشي بالنَّميمَةِ . ثم دَعا بجَريدَةٍ، فكسَرَها كِسرَتَينِ، فوضَع على كُلِّ قَبرٍ منهما كِسرَةً، فقيل له : يا رسولَ اللهِ ، لِمَ فعَلتَ هذا ؟ قال : لَعلَّه أنْ يُخَفَّفَ عنهما ما لم تَيبَسا أو: إلى أن يَيبَسا" .
الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 216 | خلاصة حكم المحدث :صحيح- شرح الحديث- الدرر السنية

الشرح:
القَبْرُ هو أولُ مَنازِل الآخِرَةِ، والعذابُ والنعيمُ فيه حقٌّ.
وفي هذا الحديثِ: يُخبِرُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأحدِ الأعمالِ المُوجِبة لعَذابِ القَبْرِ، حيث مَرَّ على حائطٍ من حِيطَانِ المَدِينَةِ أو مَكَّةَ، والحائِطُ: هو البُسْتان إذا كان له سُورٌ، فسَمِع صوتَ إنسانَيْن يعذَّبان في قُبورِهما، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «يُعَذَّبانِ، وما يعذَّبان في كَبِيرٍ» يعني: لا يعذَّبان في أمرٍ كبيرٍ في نَظرِكم، وإنْ كان هو في الحقيقةِ كَبِيرًا عند اللهِ تعالى؛ ولذلك قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «بَلَى»، أي: إنَّه كَبِيرٌ في الحقيقةِ.
وسببُ عذابِهما كما أَخْبَر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أنَّ أحدَهما كان لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِه، يَعنِي: لا يَسْتَبْرِئُ منه ولا يَتَحفَّظُ مِن أن يُصِيبَه منه. والآخَرُ كان يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ بين الناسِ، أي: يَنقُل كلامَ غيرِه بقَصْدِ الإضرارِ وإيقاعِ الخِلافِ والوَقِيعَةِ بين الناسِ.
ثُمَّ دَعَا صلَّى الله عليه وسلَّم بِجَرِيدَةٍ، فكَسَرها نِصفَيْن، ووَضَع على قَبْرِ كلِّ واحدٍ منهما جزءًا منها، فقيل له: لِمَ فعلتَ هذا؟ فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَعَلَّهُ أن يُخَفَّفَ عنهما ما لم يَيْبَسَا، أو إلى أنْ يَيْبَسَا»، أي: لعلَّ الله تعالى أن يُخَفِّفَ عنهما العذابَ إلى أن يَجِفَّ الجَرِيدُ الذي وَضَعه صلَّى الله عليه وسلَّم على قبرَيْهما.
وفي الحديثِ: إثباتُ عذابِ القبرِ، وأنَّه حقٌّ يَجِبُ الإيمانُ والتَّسليمُ به.
وفيه: التَّحذِيرُ مِن مُلابَسةِ البَوْل، ويَلتحِق به غيرُه مِنَ النَّجاساتِ في البَدَن والثَّوْب.
وفيه: النَّهيُ عن النَّمِيمَةِ.
*
".....قال إنِّي مررتُ بقبرَينِ يُعذَّبانِ . فأحببتُ ، بشفاعتي ، أنْ يرفَّهَ عنهما ، ما دامَ الغصنانِ رَطبينِ " .
الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 3012 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -شرح الحديث.هنا

الشرح:
*....في الحديثِ: مُعجِزةٌ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وعلامةٌ مِن علاماتِ نُبوَّتِه .هنا
*بعض العلماء – عفا الله عنهم – قالوا : يسن أن يضع الإنسان جريدة رطبة ، أو شجرة ، أو نحوها على القبر ليخفف عنه ، لكن هذا الاستنباط بعيد جداً ولا يجوز أن نصنع ذلك لأمور:
أولاً : أننا لم يكشف لنا أن هذا الرجل يعذب بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فقد كشف الله تعالى له بالوحي حال هذين القبرين .
ثانياً : أننا إذا فعلنا ذلك فقد أسأنا إلى الميت ، لأننا ظننا به ظن سوء أنه يعذب وما يدرينا فلعله يُنعم ، لعل هذا الميت ممن مَنَّ الله عليه بالمغفرة قبل موته لوجود سبب من أسباب المغفرة الكثيرة فمات وقد عفا رب العباد عنه ، وحينئذ لا يستحق عذاباً .
ثالثاً : أن هذا الاستنباط مخالف لما كان عليه السلف الصالح فلم يكن هذا الفعل من هديهم وسنتهم وهم أعلم الناس بشريعة الله .
رابعاً : أن الله تعالى قد فتح لنا ما هو خير منه فكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال : " استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل " .
" انتهى من مجموع فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله (2/30) بتصرف . الإسلام سؤال وجواب
3-
"لما نزلت هذه الآية : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ..,." / الحجرات / آية 2 . إلى آخر الآية . جلس ثابت بن قيس في بيته وقال : أنا من أهل النار . واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم . فسأل النبي سعد بن معاذ فقال " يا أبا عمرو ! ما شأن ثابت ؟ أشتكى ؟ " قال سعد : إنه لجاري . وما علمت له بشكوى . قال فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال ثابت : أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأنا من أهل النار ؛ فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بل هو من أهل الجنة " . وفي رواية : عن أنس ، قال : لما نزلت ".. لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ .. " 49 / الحجرات / الآية - 2 ولم يذكر سعد بن معاذ في الحديث . وفي رواية : ( 119 ) وفي رواية : فكنا نراه يمشي بين أظهرنا رجل من أهل الجنة .
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 119 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | انظر شرح الحديث رقم 16581- الدرر السنية
الشرح: كان أصحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقِفون عندَ حُدودِ اللهِ تَعالى، ودائمًا ما يُراقِبون أنفُسَهم ويُحاسِبونها؛ ولهذا لَمَّا نَزَلَ قَولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2] ظنَّ ثابتُ بنُ قيسٍ أنَّه هو المقصودُ بالآيةِ، وأنَّ عملَه قد حَبِطَ، يَعني: بَطَلَ؛ وذلك لأنَّ صَوتَه كان مرتفعًا خِلْقةً، فظنَّ أنَّه المقصودُ بالوعيدِ في الآيةِ، فجلس في بيتِه حزينًا لهذا الأمرِ، فلمَّا افتَقَدَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سألَ عنه، فقال رجلٌ: أنا أَعلَمُ لك عِلمَه، يَعني: أُخبرُك خَبَرَه، فذهبَ إليه فوجدَه مُنكِّسًا رأسَه في بيتِه، يَعني: مُطرِقًا إلى الأرضِ في حُزنٍ، فقال له: ما شَأْنُك، فقال ثابتٌ: شَرٌّ، يَعني: ما بي هو الشَّرُّ؛ لأنَّني كُنتُ أَرفَعُ صَوتي فَوقَ صَوتِ النَّبيِّ، وقد تَوعَّدَ اللهُ عليه بإِحباطِ العَمَلِ وبدُخولِ النَّارِ، فرَجَعَ الرَّجلُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأخبَرَه بذلك، فأمَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَرجِعَ إليه ويُبلِّغَه بِشارَةً عظيمةً، وهي أنَّه ليس مِن أهلِ النَّارِ، وأنَّه من أهلِ الجَنَّةِ. الدرر السنية
4-" أنَّ رجلًا أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال : يا رسولَ اللهِ، احمِلْني، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : إنا حاملوكَ على ولدِ ناقةٍ . قال : وما أصنع بولدِ الناقةِ ؟ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : وهل تلدُ الإبلُ إلا النوقَ"الراوي : أنس بن مالك - المحدث : الألباني- المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 4998 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- هنا 5-كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسنُ الناسِ خُلُقًا ، وكان لي أخٌ يُقالُ له أبو عُمَيرٍ - قال : أحسِبُه - فَطيمٌ ، وكان إذا جاء قال : " يا أبا عُمَيرٍ ، ما فعَل النُّغَيرُ " . نُغَرٌ كان يَلعَبُ به ، فربما حضَر الصلاةَ وهو في بيتنِا ، فيَأمُرُ بالبِساطِ الذي تحتَه فيُكنَسُ ويُنضَحُ ، ثم يَقومُ ونَقومُ خلفَه فيُصلِّي بنا ". الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 6203 - خلاصة حكم المحدث :صحيح. هنا
الشرح:قال أَنَسُ بنُ مَالِكٍ رَضِيَ الله عنه-وهو خادِمُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم-: "كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أحسنَ الناسِ خُلُقًا" مِمَّا يراه مِن تعامُلِه، «وكان لي أخٌ» وهو أَخُوه من أُمِّه أُمِّ سُلَيْمٍ مِن أبي طَلْحَةَ رَضِيَ الله عنهم، «فَطِيم»، أي: مَفطوم، وهو المُنتهِي مِن الرَّضاعة، فكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُلاعِب هذا الصَّغير فيقولُ له: "يا أبا عُمَير، ما فعَل النُّغَيْر؟" والنُّغَير: تَصغيرُ النُّغَرِ، وهو طائِرٌ صغيرٌ، قِيل: هو الصَّعْوُ، وقد سألَه عنه لَمَّا بلَغه حُزنُ الصَّغيرِ على موتِ هذا الطائِرِ.
ثُمَّ أخبَر أَنَسٌ رَضِيَ الله عنه أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم كان يأمُر بالبِساطِ الَّذِي يَجلِسون عليه فيُكنَس ويُنضَح "أي يُرَشُّ عليه الماء" فيصلِّي بهم جماعةً.
وفي الحديثِ: تواضُعُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وما كان عليه مِن حُسنِ الخُلُقِ وكرَمِ الشَّمائلِ.
وفيه: مُداعبةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للصِّغارِ، والمُزاحُ معهم، وإدخالُ السُّرورِ عليهم.
وفيه: مَشروعيَّةُ الكُنْيَةِ للصبيِّ، وقبلَ أن يُولَد للرجل
هنا

6- لا يغتسِلُ رجلٌ يومَ الجمُعةِ، ويتطَهَّرُ ما استطاع من طُهرٍ، ويدَّهِنُ من دُهنِه، أو يَمَسُّ من طِيبِ بيتِه، ثم يَخرُجُ فلا يُفَرِّقُ بين اثنين، ثم يصلِّي ما كُتِبَ له، ثم يُنصِتُ إذا تكلَّمَ الإمامُ، إلا غُفِرَ له ما بينه وبين الجمُعة الأخرَى .
الراوي : سلمان الفارسي - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 883 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- شرح الحديث-هنا
الشرح: أمرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِالاغتسالِ يومَ الجُمُعةِ، وفي هذا الحديثِ يُخبرُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِفضيلةِ الاغتسالِ والتَّطيُّبِ والخُروجِ لِصلاةِ الجمعةِ، فيقول: "لا يَغتسلُ رجلٌ يومَ الجُمُعةِ، ويَتطهَّرُ ما استطاعَ مِن طُهرٍ" يعني: ما أمكنَه مِن تَنظيفٍ، كِقصِّ الظُّفرِ والشَّاربِ وحلْقِ العانةِ، وغيرِ ذلك، «ويَدَّهنُ مِن دُهنِه، أو يمَسُّ مِن طِيبِ بيتِه» يعني: يضعُ مِنَ الطِّيبِ الخاصِّ به أو يضعُ مِن طِيبِ زوجتِه، "ثُمَّ يخرجُ فلا يُفرِّقُ بين اثنينِ"، وهذا إشارة إلى التَّبكيرِ؛ لأنَّه لو بكَّرَ بِالخروجِ فإنَّه لا يُضطَّرُّ إلى تَخطِّي الرِّقابِ والتَّفريقِ بين الجالسِينَ قبْلَه، «ثُمَّ يُصلِّي ما كُتِبَ له» يعني: مِنَ النَّوافلِ، «ثُمَّ يُنصتُ إذا تكلَّمَ الإمامُ إلا غُفِرَ له ما بَينَه وبين الجُمُعةِ الأُخرى»، أي: غُفِرَ له ما ارْتَكَبَه مِن الذنوب في هذِه المدَّةِ بين الجُمُعتَينِ مِن صَلاةِ الجُمُعةِ وخُطبتِها إلى مِثلِ الوقتِ مِن الجُمُعةِ الثَّانيةِ.

7-لا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث أيام" الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 6065 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- شرح الحديث -الدرر السنية

*"دبَّ إليكم داءُ الأُممِ قبلكم ؛ البغضاءُ والحسدُ ، والبغضاءُ هي الحالقةُ ، ليس حالقةَ الشَّعرِ ، ولكن حالقةُ الدِّينِ . والذي نفسي بيدِه لا تدخلون الجنَّةَ حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا ، ألا أُنَبِّئُكم بما يُثَبِّتُ لكم ذلك ؟ أَفشوا السلامَ بينكم"

الراوي : عبدالله بن الزبير - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب
الصفحة أو الرقم: 2695 - خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره-الدرر السنية

- "لا حسد إلا في اثنتيْنِ : رجلٌ آتاه اللهُ مالًا ، فسلَّطَه على هَلَكَتِه في الحقِّ ، وآخرُ آتاه اللهُ حكمةً ، فهو يَقضي بها ويُعلِّمُها"

الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 7141 - خلاصة حكم المحدث :صحيح - انظر شرح الحديث رقم 2123- الدرر السنية
8-
"
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ "التوبة 79
التفسير الميسر :ومع بخل المنافغين لا يَسْلَم المتصدقون من أذاهم; فإذا تصدق الأغنياء بالمال الكثير عابوهم واتهموهم بالرياء, وإذا تصدق الفقراء بما في طاقتهم استهزؤوا بهم, وقالوا سخرية منهم: ماذا تجدي صدقتهم هذه؟ سخر الله من هؤلاء المنافقين, ولهم عذاب مؤلم موجع.



9- أنَّه قدِمَ رجلانِ مِنَ المشرقِ فخَطَبا ، فعَجِبَ النَّاسُ لبيانِهِما ، فقال رسولُ اللهِ _صلى الله عليه وسلم _: " إن مِنَ البيانِ لسِحرًا ، أو : إن بعضَ البيانِ لسِحْرٌ" .

الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 5767 - خلاصة حكم المحدث :صحيح- انظر شرح الحديث رقم 11935. هنا
الشرح:يقول عبدُ اللَّه بنُ عمرَ رضي اللَّه عنهما: إنَّهُ قَدِمَ رَجُلانِ مِنَ المَشْرقِ، أي: مِنْ جِهةِ المَشرِقِ، فخَطَبا فَعَجِبَ النَّاسُ مِنهُما لبيانِهما، فقال رسولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلَّم: "إنَّ مِنَ البَيانِ لَسِحرًا"، أي: إنَّ مِنهُ لَنَوعًا يَحُلُّ مِنَ العُقولِ والقُلوبِ في التَّمويهِ مَحَلَّ السِّحرِ؛ فَيُقرِّبُ البَعيدَ، ويُبعِدُ القَريبَ، ويُزَيِّنُ القَبيحَ، ويُعَظِّمُ الحَقيرَ، فَكأنَّهُ سِحْرٌ.
وشبَّه النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في هذا الخبرِ البَيانَ بِالسِّحرِ؛ إذ السَّاحِرُ يَستَميلُ قَلبَ النَّاظرِ إليه بسِحرِه وشَعوذَتِه، والفَصيحُ الذَّرِبُ اللِّسانِ يَستميلُ قُلوبَ النَّاسِ إليه بِحُسنِ فصاحتِه ونَظْمِ كلامِه؛ فالأَنْفُسُ تكونُ إليه تائقةً، والأعيُنُ إليه رامِقةً.
واختَلَفَ أهلُ العِلمِ في هذا الحديثِ؛ هل هو على وجهِ الذَّمِّ أو على وجه المدحِ؟ لَكِنَّ أحسَنَ ما يُقال في هذا: إنَّ هذا الحديثَ ليس ذمًّا لِلبَيانِ كُلِّه، ولا مدحًا; لقوله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: "مِن البَيانِ"، فأتى بِلَفظةِ "مِنْ" الَّتي لِلتَّبعيضِ.
وفي الحديث: إشارةٌ إلى ضَرورةِ الحَذَرِ مِنْ مَعسولِ الكلامِ؛ لأنَّه كالسِّحرِ، فقد يَقلِبُ الحَقَّ باطِلًا، والباطِلَ حَقًّا.هنا



التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 11-29-2015 الساعة 06:43 AM
رد مع اقتباس
  #73  
قديم 07-24-2015, 04:34 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016

الحَمْدُ للهِ الَّذِي بِنِعْمَتهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 11-06-2018 الساعة 06:57 AM
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



أوقات الصلاة لأكثر من 6 ملايين مدينة في أنحاء العالم
الدولة:

الساعة الآن 11:00 PM بتوقيت مسقط


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
Powered & Developed By Advanced Technology