الجمع بين قوله عليه الصلاة والسلام"من قرأ آية الكرسي لم يقربه شيطان" وبين قوله "إذا نام أحدكم عقد الشيطان على ناصيته "
"إذَا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ مِن أوَّلِهَا حتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ"اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ"البقرة: 255، وقَالَ لِي: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ ، ولَا يَقْرَبَكَ شيطَانٌ حتَّى تُصْبِحَ ، وكَانُوا أحْرَصَ شَيءٍ علَى الخَيْرِ- فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَمَا إنَّه قدْ صَدَقَكَ، وهو كَذُوبٌ"صحيح البخاري معلق.
- أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ علَى قَافِيَةِ رَأْسِ أحَدِكُمْ إذَا هو نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وإلَّا أصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ."الراوي : أبو هريرة -صحيح البخاري
شرح الحديث:
قَافِيَة رَأْس أَحَدِكُمْ : أَيْ مُؤَخَّر عُنُقه.
قوله " أحَدِكُمْ "يقصد بها التعميم في المخاطبين ومن في معناهم ، ويمكن أن يخص منه من تقدم ذكره ، ومن ورد في حقه أنه يحفظ من الشيطان كالأنبياء ، ومن تناوله قوله "إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ " الحجر 42. وكمن قرأ آية الكرسي عند نومه فقد ثبت أنه يحفظ من الشيطان حتى يصبح.
يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا:قِيلَ مَعْنَى يَضْرِب يَحْجُب الْحِسّ عَنْ النَّائِم حَتَّى لَا يَسْتَيْقِظ , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى " فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانهمْ " الكهف : 11. أَيْ حَجَبْنَا الْحِسّ أَنْ يَلِج فِي آذَانهمْ فَيَنْتَبِهُوا .وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْعُقَد فَقِيلَ هُوَ عَلَى الْحَقِيقَة وَأَنَّهُ كَمَا يَعْقِد السَّاحِر مَنْ يَسْحَرهُ. وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْمَجَاز كَأَنَّهُ شَبَّهَ فِعْل الشَّيْطَان بِالنَّائِمِ بِفِعْلِ السَّاحِر بِالْمَسْحُورِ , فَلَمَّا كَانَ السَّاحِر يَمْنَع بِعَقْدِهِ ذَلِكَ تَصَرُّف مَنْ يُحَاوِل عَقْده كَانَ هَذَا مِثْله مِنْ الشَّيْطَان لِلنَّائِمِ.
وَقِيلَ الْمُرَاد بِهِ عَقْد الْقَلْب وَتَصْمِيمه عَلَى الشَّيْء كَأَنَّهُ يُوَسْوِس لَهُ بِأَنَّهُ بَقِيَ مِنْ اللَّيْلَة قِطْعَة طَوِيلَة فَيَتَأَخَّر عَنْ الْقِيَام.
وَانْحِلَال الْعُقَد كِنَايَة عَنْ عِلْمه بِكَذِبِهِ فِيمَا وَسْوَسَ بِهِ.
قَوْله : طَيِّب النَّفْس : أَيْ لِسُرُورِهِ بِمَا وَفَّقَهُ اللَّه لَهُ مِنْ الطَّاعَة ، وَبِمَا وَعَدَهُ مِنْ الثَّوَاب ، وَبِمَا زَالَ عَنْهُ مِنْ عُقَد الشَّيْطَان.
وَقَدْ يُظَنّ أَنَّ بَيْن هَذَا الْحَدِيث وَالْحَدِيث الْآتِي
"إذَا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ مِن أوَّلِهَا حتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ"اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ"البقرة: 255، وقَالَ لِي: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ ، ولَا يَقْرَبَكَ شيطَانٌ حتَّى تُصْبِحَ ، وكَانُوا أحْرَصَ شَيءٍ علَى الخَيْرِ- فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَمَا إنَّه قدْ صَدَقَكَ، وهو كَذُوبٌ"صحيح البخاري معلق.
فِي الْوَكَالَة مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة الَّذِي فِيهِ " أَنَّ قَارِئ آيَة الْكُرْسِيّ عِنْد نَوْمه لَا يَقْرَبهُ الشَّيْطَان " مُعَارَضَة، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، لِأَنَّ الْعَقْد إِنَّمَا حُمِلَ عَلَى الْأَمْر الْمَعْنَوِيّ وَالْقُرْب عَلَى الْأَمْر الْحِسِّيّ وَكَذَا الْعَكْس فَلَا إِشْكَال ، إِذْ لَا يَلْزَم مِنْ سِحْره إِيَّاهُ مَثَلًا أَنْ يَمَاسَّهُ ، كَمَا لَا يَلْزَم مِنْ مُمَاسَّته أَنْ يَقْرَبهُ بِسَرِقَةٍ أَوْ أَذًى فِي جَسَده وَنَحْو ذَلِكَ.
وَإِنْ حُمِلَا عَلَى الْمَعْنَيَّيْنِ أَوْ الْعَكْس فَيُجَاب بِادِّعَاءِ الْخُصُوص فِي عُمُوم أَحَدهمَا.
وَالْأَقْرَب أَنَّ الْمَخْصُوص حَدِيث الْبَاب كَمَا تَقَدَّمَ تَخْصِيصه عَنْ اِبْن عَبْد الْبَرّ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ الْقِيَام ، فَكَذَا يُمْكِن أَنْ يُقَال يَخْتَصّ بِمَنْ لَمْ يَقْرَأ آيَة الْكُرْسِيّ لِطَرْدِ الشَّيْطَان وَاَللَّه أَعْلَم.
يتفاوت الناس في قوة التأثير على حسب قوة اليقين أثناء القراءة والاعتقاد،فرجل يقرؤها على مجنون فيشفى، ورجل يقرؤها على لديغ فيشفى، وقد يقرؤها قارئ مرات وكرات ولكنها لا تؤثر قراءته، أما المقروء فإنه مؤثر.
ولذلك يختلف الناس في قوة العقيدة وقوة الإيمان، وقد يأتي الرجل إلى الكرب العظيم والخطب الجسيم فيقول: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، ويدخل بيقين بالله ولا يمس بسوء لقوة يقينه.مجمع من عدة مصادر.
وكذا مبيت الشيطان على خيشوم العبد:
"إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِن مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ فإنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ علَى خَيَاشِيمِهِ." الراوي أبو هريرة / صحيح مسلم.
شرح الحديث: في هذا الحديثِ يَأمُرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَن استيقَظ مِن مَنامِه وأرادَ الوضوءَ، فلْيَسْتنثِرْ ثلاثَ مرَّاتٍ، والاستنثارُ هو استنشاقُ الماءِ بالأنفِ، ثُمَّ نَثْرُه ونفْخُه وإخراجُه، "فإنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ علَى خَيَاشِيمِهِ"، والخيشومُ: هو الأنفُ، وقيل: أقْصَى الأنفِ، واللهُ تعالى ورسولُه أعلَمُ بحَقيقةِ هذه المَبيتِ، ونحن نُؤمِنُ بما قاله رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إيمانًا جازمًا، ونَمتثِلُ ما أمَرَنا به، مع تَسليمِنا أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد خَصَّه اللهُ تعالَى بأمورٍ تَقْصُرُ عن فَهمِها وإدراكِها عُقولُ عامَّةِ البَشرِ. وقيل: ظاهرُ الحديثِ يَقْتضي أنْ يَحصُلَ هذا لكلِّ نائمٍ، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ مَخصوصًا بمَن لم يَحترِزْ مِن الشَّيطانِ بشَيءٍ مِن الذِّكرِ.الدرر السنية.
وقال الحافظ في إزالة هذا التعارض ما لفظه: ثُمَّ إِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا يَقَعُ لِكُلِّ نَائِمٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِمَنْ لَمْ يَحْتَرِسْ مِنَ الشَّيْطَانِ بِشَيْءٍ مِنَ الذِّكْرِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ قَبْلَ حَدِيثِ سَعْدٍ، فَإِنَّ فِيهِ: فَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ ـ وَكَذَلِكَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ: وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ ـ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْقُرْبِ هُنَا أَنَّهُ لَا يَقْرَبُ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِيهِ وَهُوَ الْقَلْبُ فَيَكُونُ مَبِيتُهُ عَلَى الْأَنْفِ لِيَتَوَصَّلَ مِنْهُ إِلَى الْقَلْبِ إِذَا اسْتَيْقَظَ، فَمَنِ اسْتَنْثَرَ مَنَعَهُ مِنَ التَّوَصُّلِ إِلَى مَا يَقْصِدُ مِنَ الْوَسْوَسَةِ. انتهى.
وأما عن الوسوسة الشيطانية لمن قرأ أذكار الصباح: فإن قوة الانتفاع بالذكر والتعوذ تختلف بحسب قوة إيمان العباد وحضور قلوبهم أثناء الدعاء والتعوذ، فقد مثل ابن القيم ـ رحمه الله ـ الدعاء بالسيف، وذكر أن قوة تأثير الدعاء بحسب قوة إيمان الداعي، كما أن تأثير ضربة السيف بحسب قوة ساعد الضارب.