ملتقى قطرات العلم النسائي
 
 

الـــمـــصـــحـــــف الـــجـــامـــع
مـــصـــحـــــف آيـــــات
موقع الدرر السنية للبحث عن تحقيق حديث

العودة   ملتقى قطرات العلم النسائي > ملتقى الدورات العلمية الخاصة بأم أبي التراب > ملتقى الدورات العلمية الخاصة بأم أبي التراب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-14-2014, 05:58 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,034
«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًاً» 57

قوله تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ } أي ذكره الواعظ بآيات ربه الكونية، كأخذه الأمم المكذبين، أو الشرعية كالقرآن. { {فَأَعْرَضَ عَنْهَا} }، ولم يقبلها، أي لا
أ حد أظلم منه، فإن قيل: ما الجمع بين هذه الآية، وبين الآية التي في أول السورة وهي قوله تعالى: {{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}} ونحوها؟

فالجواب: بأحد وجهين:
الأول: أن الأفضلية باعتبار ما شاركه في أصل المعنى، فقوله تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ } يعني من أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها من الذين يُذَكَّرون فيُعرِضون، قد يذكر الإنسان فيعرض، لكن أشد ما يكون أن يذكر بآيات الله ثم يعرض عنها، وفي افتراء الكذب قد يفتري الإنسان الكذب على فلان وفلان، وأعظم ما يكون الافتراء عليه هو الله عزّ وجل، وأنت إذا أخذت بهذه القاعدة سلمت من إشكال كبير.
الثاني: وقيل: إن «أظلم» و«أظلم» يشتركان في الأظلمية ويتساويان فيها بالنسبة لغيرهما، وفيه نظر لأنه لا يمكن أن نقول: إنّ من ذكر بآيات ربه فأعرض عنها أنه يساوي من افترى على الله كذباً، أو من منع مساجد الله أن يُذْكر فيها اسمه يساوي من كذب على الله، ونحو ذلك.
قوله: { بِآيَاتِ رَبِّهِ } الكونية والشرعية؛ الكونية أن يقال له: إن كسوف الشمس والقمر يخوف الله بهما عباده فيعرض عنها ويقول: أبداً خسوف القمر طبيعي، وكسوف الشمس طبيعي، ولا إنذار ولا نذير، وهذا إعراض، أما الآيات الشرعية فكثير من يذكر بآيات الله ويعرض عنها.
{ {وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} } يعني نسي ما قدمت يداه من الكفر والمعاصي والاستكبار وغير ذلك مما يمنعه عن قبول الحق، لأن الإنسان والعياذ بالله كلما أوغل في المعاصي، ازداد بعداً عن الإقبال على الحق كما قال الله عزّ وجل: {{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}} [الصف: 5] ، ولذلك يجب أن يُعلم أن من أشد عقوبات الذنوب أن يعاقب الإنسان بمرض القلب والعياذ بالله، فالإنسان إذا عوقب بهلاك حبيب أو فقد محبوب من المال، فهذه عقوبة لا شك، لكن إذا عوقب بانسلاخ القلب فهذه العقوبة أشد ما يكون. يقول ابن القيم رحمه الله:
والله ما خوفي الذنوب فإنها***لعلى طريق العفو والغفران
وإنما أخشى انسلاخ القلب من***تحكيم هذا الوحي والقرآن
هذا هو الذي يخشاه الإنسان العاقل، أما المصائب الأخرى فهي كفارات وربما تزيد العبد إيماناً.
{ {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} } أي صيرنا.
{ {عَلَى قُلُوبِهِمْ} } أي قلوب من { ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا }، وأعيد ضمير الجمع على مفرد باعتبار المعنى؛ لأن «مَن» سواء كان اسماً موصولاً أو شرطية يجوز في عود الضمير إليها أن يعود على لفظها فيكون مفرداً أو يعود على معناها فيكون مجموعاً أو مثنى حسب السياق، فإذا قلت: «يعجبني من قام» فهنا عاد على اللفظ، وإذا قلت: «يعجبني من قاما» فهنا يعود على المعنى، وكذلك لو قلت: «يعجبني من قاموا» وقد يراعى اللفظ مرة والمعنى مرة أخرى وتعود الضمائر لمراعاة الأمرين في سياق واحد، قال تعالى: {{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا}} فهنا روعي اللفظ، وفي قوله: {{يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}} روعي اللفظ أيضاً، وقوله: {{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}} روعي فيها المعنى، وفي قوله: {{قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا}} روعي اللفظ، كل هذا جاء في سياق واحد: {{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا}} [الطلاق: 11] ، فروعي اللفظ أولاً ثم المعنى ثانياً ثم اللفظ ثالثاً.
{ {أَكِنَّةً} } أي: أغطية تمنعهم من { {أَنْ يَفْقَهُوهُ} } أن يفقهوا القرآن فلا يفهمونه، وفي هذا الحث على فقه القرآن، وأنه ينبغي للإنسان أن يقرأ القرآن ويتعلم معناه، كما كان الصحابة رضوان الله عليهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل.
{ {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} } أي صمماً. تأمل، والعياذ بالله، القلوب عليها غِطاء فلا تفقه، والآذان عليها صمم فلا تسمع، فلا يسمعون الحق ولا يفهمونه.
{ {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} } يعني لو أرشدتهم يا محمد إلى الهدى.
{ {فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا} } أي ما دامت قلوبهم في أكنة، وفي آذانهم وقرٌ لن يهتدوا، فمن أين يأتي الهدى، والآذان لا تسمع الحق والقلوب لا تنقاد للحق والعياذ بالله؟! فإن قال قائل: هل في هذا تيئيس للرسول صلّى الله عليه وسلّم من أنه وإن دعا لا يقبل منه أو فيه تسلية له؟
فالجواب: في هذا تسلية له، وأنهم إذا لم يقبلوا الحق فلا عليك منهم { {فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} }.
تفسير العثيمين

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 12-14-2014 الساعة 06:05 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-18-2015, 04:26 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,034
{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا *}}.66قوله تعالى: { {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ} } أي قال موسى للخضر: هل أتبعك، وهذا عرض لطيف وتواضع، وتأمّل هذا الأدب من موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ مع أن موسى أفضل منه وكان عند الله وجيهاً، ومع ذلك يتلطف معه لأنه سوف يأخذ منه علماً لا يعلمه موسى، وفي هذا دليل أنَّ على طالب العلم أن يتلطف مع شيخه ومع أُستاذه وأن يُعامله بالإكرام، ثم بين موسى أنه لا يريد أن يَتَّبِعَه ليأكل من أكله أو يشرب من شربه، ولكن { {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} } ولا شك أن الخضر سيفرح بمن يأخذ عنه العلم، وكل إنسان أعطاه الله علماً ينبغي أن يفرح أن يؤخذ منه هذا العلم، لأن العلم الذي يُؤخذ من الإنسان في حياته ينتفع به بعد وفاته كما جاء في الحديث الصحيح: «إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثٍ صَدَقَةٍ جَارِية أوَ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» [(40)].
فقال له الخضر:
{{قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا *}}.67
{ {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} } وبيّن له عذره في قوله هذا، فقال: { {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا *} }، وأين الدليل للخضر أن موسى لم يحط بذلك خُبرا؟
الجواب: لأنه قال: { {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ} } وهذا يدل على أنه لا علم له فيما عند الخضر.
فماذا قال موسى عليه السلام؟
{{قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا *} }.
{ {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا}} هذا الذي قاله موسى عليه السلام قاله فيما يعتقده في نفسه في تلك الساعة من أنه سيصبر، لكنه علَّقه بمشيئة الله لئلاَّ يكون ذلك اعتزازاً بنفسه وإعجاباً بها.
وقوله: { {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ} } هو كقول إسماعيل بن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما قال له أبوه: {{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}} [الصافات: 102] ، وموسى قال للخضر: { {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} }، وأيضاً أصبر على ما تفعل وأمتثل ما به تأمر { {وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} }، وعده بشيئين:
1 ـ الصبر على ما يفعل.
2 ـ الائتمار بما يأمر، والانتهاء عما ينهى.
قال الخضر:
{{قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا *}}.
قوله تعالى: { {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي} } ومعلوم أنه سيتبعه.
{ {فَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ} } أي عن شيء مما أفعله.
{ {حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} } { {حَتَّى} } هنا للغاية، يعني إلى أن { {أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} } أي: إلى أن أذكر لك السبب، وهذا توجيه من معلم لمن يتعلم منه، ألاَّ يتعجل في الرد على معلمه، بل ينتظر حتى يحدث له بذلك ذكراً، وهذا من آداب المتعلم ألاَّ يتعجل في الرد حتى يتبين الأمر.
* * *

تفسير العثيمين
فلا تحزن لأني قُلت: لن تستطيع معي صبراً؛ لأن التصرفات التي ستعترض عليها ليس لك خُبر بها، وكيف تصبر على شيء لا عِلْمَ لك به؟ ونلحظ في هذا الحوار بين موسى والخضر عليهما السلام أدبَ الحوار واختلافَ الرأي بين طريقتين: طريقة الأحكام الظاهرية، وطريقة ما خلف الأحكام الظاهرية، وأن كلاً منهما يقبَل رأْيَ الآخر ويحترمه ولا يعترض عليه أو يُنكره، كما نرى أصحاب المذاهب المختلفة ينكر بعضهم على بعض، بل ويُكفِّر بعضهم بعضاً، فإذا رأَوْا مثلاً عبداً مَنْ عباد الله اختاره الله بشيء من الفيوضات، فكانت له طريقة وأتباع نرى من ينكر عليه، وربما وصل الأمر إلى الشتائم والتجريح، بل والتكفير. لقد تجلى في قول الخضر: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً} [الكهف: 68] مظهر من مظاهر أدب المعلّم مع المتعلِّم، حيث احترم رأيه، والتمس له العُذْر إن اعترض عليه، فلكُلٍّ منهما مذهبه الخاص، ولا يحتج بمذهب على مذهب آخَر. فماذا قال المتعلم بعد أن استمع إلى هذه الشروط؟ {قَالَ ستجدني إِن شَآءَ الله. .} .
هنا

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 01-24-2015 الساعة 03:19 AM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-24-2015, 02:52 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,034
{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا *}الكهف 68. قوله تعالى: { {فَانْطَلَقَا} } الفاعل موسى والْخَضِرُ، وسكت عن الفتى، فهل الفتى تأخر عن الركوب في السفينة، أم أنه ركب ولكن لما كان تابعاً لم يكن له ذكر؟
الجواب: الذي يظهر ـ والله أعلم ـ أنه كان تابعاً، لكن لم يكن له تعلق بالمسألة، والأصل هو موسى طوي ذكره، وهو أيضاً تابع.
{حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ} مرَّت سفينة، وهما يمشيان على شاطئ البحر، فركبا فيها.
{خَرَقَهَا} أي: الْخَضِر بقلع إحدى خشبها الذي يدخل منه الماء، فقال له موسى:{أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} وهذا إنكار من موسى علىالْخَضِر مع أنه قال له: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} لكنه لم يصبر؛ لأن هذه مشكلتها عظيمة، سفينة في البحر يخرقها فتغرق! واللام في قوله: {لِتُغْرِقَ} ليست للتعليل ولكنها للعاقبة، يعني أنك إذا خرقتها غرق أهلها، وإلاَّ لا شك أن موسى عليه السلام لا يدري ما غرض الخضر، ولا شك أيضاً أنه يدري أنه لا يريد أن يغرق أهلها، لأنه لو أراد أن يغرق أهلها لكان أول من يغرق هو وموسى، لكن اللام هنا للعاقبة ولام العاقبة ترِد في غيرِ موضعٍ في القرآن، مثل قول الله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً} [القصص: 8] .
لو سألنا أي إنسان: هل آل فرعون التقطوه ليكون لهم عدواً وحزناً؟
الجواب: أبداً، ولكن هذه للعاقبة.
{لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} يعني شيئاً عظيماً، يعني كان موسى شديداً قوياً في ذات الله، فهو أنكر عليه، وبين أن فعله ستكون عاقبته الإغراق، وزاده توبيخاً في قوله: { {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} }، والجملة هنا مؤكدة بثلاثة مؤكدات:
1 ـ اللام.
2 ـ قد.
3 ـ القسم المقدر الذي تدل عليه اللام، والإمر بكسر الهمزة الشيء العظيم، ومنه قول أبي سفيان لهرقل لما سأله عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم وبين له حاله وصفاته وما كان من أخلاقه، فلما انصرف مع قومه، قال أبو سفيان: «لقد أمِرَ أمرُ ابن أبي كَبْشَة إنه ليخافه مَلِكُ بني الأصفر» [(41)]، يعني بابن أبي كبشة الرسول صلّى الله عليه وسلّم. و: «أمِرَ أمرُه» يعني عَظُم أمره.
تفسير العثيمين
* * *
{فانطلقا} سارا معاً، حتى ركبا سفينة، وكانت مُعَدَّة لنقل الركاب، فما كان من الْخَضِر إلا أنْ بادر إلى خَرْقها وإتلافها، عندها لم يُطِق موسى هذا الأمر، وكبُرت هذه المسألة في نفسه فلم يصبر عليها فقال: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} [الكهف: 71] أي: أمراً عجيباً أو فظيعاً. ونسى موسى ما أخذه على نفسه من طاعة العبد الصالح وعدم عصيانه والصبر على ما يرى من تصرفاته.كأن الحقَّ تبارك وتعالى يريد أن يُعلِّمنا أن الكلام النظري شيء، والعمل الواقعي شيء آخر، فقد تسمع من أحدهم القول الجميل الذي يعجبك، فإذا ما جاء وقت العمل والتنفيذ لا تجد شيئاً؛ لأن الكلام قد يُقَال في أول الأمر بعبارة الأريحية، كمن يقول لك: أنا رَهْن أمرك ورقبتي لك، فإذا ما أحوجك الواقع إليه كنت كالقابض على الماء لا تجد منه شيئاً. ونلحظ هنا أن موسى عليه السلام لم يكتف بالاستفهام: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا. .} [الكهف: 71] بل تعدَّى إلى اتهامه بأنه أتى أمراً منكراً فظيعاً؛ لأن كلام موسى النظري شيء ورؤيته لخرق السفينة وإتلافها دون مبرر شيء آخر؛ لأن موسى استحضر بالحكم الشرعي إتلاف مال الغير، فضلاً عن إغراق ركاب السفينة، فرأى الأمر ضخماً والضرر كبيراً، هذا لأن موسى يأخذ من كيس والخضر يأخذ من كيس آخر.
هنا
{{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *}}.الكهف 69
فاعتذر موسى:
{{قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا *}}.
وسبب نسيان موسى؛ أن الأمر عظيم اندهش له: أن تغرق السفينة وهم على ظهرها، وهذه توجب أن الإنسان ينسى ما سبق من شدة وقع ذلك في النفس.
وقوله: { {بِمَا نَسِيتُ} } أي بنسياني، ولهذا نقول في إعراب «ما» إنها مصدرية، أي: بنسياني ذلك وهو قولي: { {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} }.
{ {وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} } يعني لا تثقل علي وتعسر علي الأمور؛ وكأن هذا والله أعلم توطئة لما يأتي بعده.
* * *
{{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا *}}.الكهف 70
قوله تعالى: { {فَانْطَلَقَا} } بعد أن أرست السفينة على الميناء. { {حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ} } ولم يقل «قتله»، وفي السفينة قال: { {خَرَقَهَا} } ولم يقل: «فخرقها»، يعني كأن شيئاً حصل قبل القتل فقتله .
{ {غُلاَمًا} } الغلام هو الصغير، ولم يصبر موسى عليه السلام. { {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} } وفي قراءة «زاكية» لأنه غلام صغير، والغلام الصغير تكتب له الحسنات، ولا تكتب عليه السيئات، إذاً فهو زكي لأنه صغير ولا تكتب عليه السيئات.
{ {بِغَيْرِ نَفْسٍ} } يعني أنه لم يقتل أحداً حتى تقتله، ولكن لو أنه قتل هل يُقتل أو لا؟
الجواب: في شريعتنا لا يقتل لأنه غير مُكلَّف ولا عَمْد له، على أنه يحتمل أن يكون هذا الغلام بالغاً وسمي بالغلام لقرب بلوغه وحينئذٍ يزول الإشكال.
{ {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} } هذه العبارة أشد من العبارة الأولى. في الأولى قال: { {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} }، ولكن هنا قال: { {نُكْرًا} } أي منكراً عظيماً، والفرق بين هذا وهذا، أن خرق السفينة قد يكون به الغرق وقد لا يكون وهذا هو الذي حصل، لم تغرق السفينة، أما قتل النفس فهو منكر حادث ما فيه احتمال.
فقال الخضر:
{{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *}}.
قوله تعالى: { {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} } هنا فيها لوم أشد على موسى، في الأولى قال: {{أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ} } وفي الثانية قال: { {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} } يعني كأنك لم تفهم ولن تفهم، ولذلك كان الناس يفرقون بين الجملتين، فلو أنك كلمت شخصاً بشيء وخالفك فتقول في الأول: «ألم أقل إنك»، وفي الثاني تقول: «ألم أقل لك» يعني أن الخطاب ورد عليك وروداً لا خفاء فيه، ومع ذلك خالفت، فكان قول الخضر لموسى في الثانية أشد: { {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} }، فقال له موسى لما رأى أنه لا عذر له:
{{إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}}.
قوله تعالى: { {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي} } أي امنعني من صحبتك، وفي قول موسى: { {فَلاَ تُصَاحِبْنِي} } إشارة إلى أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ يرى أنه أعلى منه منْزِلة وإلاَّ لقال: «إن سألتك عن شيء بعدها فلا أصاحبك».
{ {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}} يعني أنك وصلت إلى حال تعذر فيها، لأنه أنكر عليه مرتين مع أن موسى عليه السلام التزم ألاَّ يسأله عن شيء حتى يحدث له منه ذكراً.
* * *

تفسير العثيمين

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 02-01-2015 الساعة 03:47 AM
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 02-01-2015, 03:26 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,034
مجلس رقم 59

{{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا *}}.الكهف 77
قوله تعالى: { {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ} } ولم يعين الله عزّ وجل القرية فلا حاجة إلى أن نبحث عن هذه القرية، بل نقول: قرية أبهمها الله فنبهمها.
{ {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} } أي: طلبا من أهلها طعاماً.
{ {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} } ولا شك أن هذا خلاف الكرم، وهو نقص في الإيمان؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ»
تفسير العثيمين

- من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقُلْ خيرًا أو ليصمُتْ ، ومن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يُؤذِ جارَه ، ومن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليُكرِمْ ضيفَه
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6475- خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الدرر السنية


استطعم: أي طلب الطعام، وطلَبُ الطعام هو أصدق أنواع السؤال، فلا يسأل الطعام إلا جائع محتاج، فلو سأل مالاً لقلنا: إنه يدخره، إنما الطعام لا يعترض عليه أحد، ومنْعُ الطعام عن سائله دليل بُخْل ولُؤْم متأصل في الطباع، وهذا ما حدث من أهل هذه القرية التي مَرّا بها وطلبَا الطعام فمنعوهما.
والمتأمل في الآية يجد أن أسلوب القرآن يُصوّر مدى بُخْل هؤلاء القوم ولُؤْمهم وسُوء طباعهم، فلم يقُلْ مثلاً: فأبوا أن يطعموهما،بل قال: { فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا..} [ الكهف: 77] وفرْق بين الإطعام والضيافة، أَبَوْا الإطعام يعني منعوهما الطعام، لكن أَبَوْا أن يُضيّفوهما، يعني كل ما يمكن أنْ يُقدَّم للضيف حتى مجرد الإيواء والاستقبال، وهذا مُنْتَهى ما يمكن تصوُّره من لُؤمْ هؤلاء الناس
هنا

{ {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} } أي: أنه مائل يريد أن يسقط،
تفسير العثيمين

لا مانع أنْ يكون للجدار إرادة على أساس أن لكل شيء في الكون حياةً تناسبه، ولله تعالى أن يخاطبه ويكون بينهما كلام.
ألم يقل الحق سبحانه: { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض..} [ الدخان: 29]
فإذا كانت السماء تبكي فقد تعدَّتْ مجرد الكلام، وأصبح لها أحاسيس ومشاعر، ولديها عواطف قد تسمو على عواطف البشر، فقوله:
{ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض..} [ الدخان: 29]
دليل على أنها تبكي على فَقْد الصالحين.

وهذا دليل انسجام العبد المؤمن مع الكَوْن من حوله، فالكون ساجد لله مُسبِّح لله طائع لله يحب الطائعين وينُبو بالعاصين ويكرههم ويلعنهم؛ لذلك العرب تقول: (نَبَا به المكان) أي: كرهه لأنه غير منسجم معه، فالمكان طائع وهو عاصٍ، والمكان مُسبِّح وهو غافل.
وعلى هذا الفهم فقوله تعالى
: { يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ..} [ الكهف: 77] قول على حقيقته.
إذن: فهذه المخلوقات لها إحساس ولها بكاء، وتحزن لفقد الأحبة، وفي الحديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: «إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم عليَّ قبل أن أُبعث» .
ورُوِي في السيرة حنين الجذع إلى رسول الله، وتسبيح الحصى في يده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ.

- إنِّي لأعرفُ حجرًا بمكَّةَ كان يسلِّمُ عليَّ قبل أنْ أُبعثَ . إنِّي لأعرفهُ الآن الراوي: جابر بن سمرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2277
خلاصة حكم المحدث:
صحيح
الدرر السنية

- أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ خطبَ إلى لزقِ جذعٍ واتَّخذوا لَهُ منبرًا ، فخطبَ علَيهِ فحنَّ الجذعُ حَنينَ النَّاقةِ ، فنزلَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فمَسَّهُ فسَكَتَ الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3627-خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية

- إني انطلقتُ التمسُ رسولَ اللهِ في بَعضِ حوائطِ المدينةِ فإذا رسولُ اللهِ قاعدٌ فأقبل إليه أبو ذَرٍّ حتى سلم على النبيِّ قال أبو ذَرٍّ : وحَصَياتٌ موضوعةٌ بين يديه فأخذهن في يدِهِ فسَبَّحْنَ في يدِهِ ثم أخذهن فوضعهن على الأرضِ فَخَرَسْنَ ثم أخذهن فوضعهن في يدِ عُمَرَ فسَبَّحْنَ في يدِهِ ثم أخذهن فوضعهن في يَدِ عثمانَ فسَبَّحْنَ ثم أخذهن فوضعهن في الأرضِ فَخَرَسْنَ الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: الألباني - المصدر: تخريج كتاب السنة - الصفحة أو الرقم: 1146-خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية




هنا
" إسناد الإرادة ههنا إلى الجدار على سبيل الاستعارة فإن الإرادة في المحدثات بمعنى الميل والانقضاض هو السقوط"
ابن كثير
- فإن قيل: هل للجدار إرادة؟

فالجواب: نعم له إرادة، فإن ميله يدل على إرادة السقوط، ولا تتعجب إن كان للجماد إرادة فها هو «أُحُد» قال عنه النبي صلّى الله عليه وسلّم إنه: «يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»
- خرَجتُ معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى خَيبَرَ أخدِمُه ، فلما قدِم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم راجعًا وبَدا له أُحُدٌ ، قال : ( هذا جبلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّه ) . ثم أشار بيدِه إلى المدينةِ ، قال : ( اللهمَّ إني أُحَرِّمُ ما بين لابتَيها ، كتحريمِ إبراهيمَ مكةَ ، اللهمَّ بارِكْ لنا في صاعِنا ومُدِّنا ) . الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2889- خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الدرر السنية


والمحبة وصف زائد على الإرادة، أما قول بعض الناس الذين يجيزون المجاز في القرآن: إنَّ هذا كناية وأنه ليس للجماد إرادة فلا وجه له.
{ {فَأَقَامَهُ} } أي أقامه الْخَضِرُ، لكن كيف أقامه؟ الله أعلم، قد يكون أقامه بيده، وأن الله أعطاه قوة فاستقام الجدار، وقد يكون بناه البناء المعتاد، المهم أنه أقامه، ولم يبين الله تعالى طول الجدار ولا مسافته ولا نوعه فلا حاجة أن نتكلف معرفة ذلك.
{ {قَالَ} } أي: موسى: { {لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} } ولم ينكر عليه أن يبنيه ولا قال: كيف تبنيه وقد أبوا أن يضيفونا؟! بل قال: { {لَوْ شِئْتَ} } وهذا لا شك أنه أسلوب رقيق فيه عرض لطيف { {لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} } أي عِوَضاً عن بنائه.
* * *
{{قَالَ هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا *}}.
قوله تعالى: { {قَالَ} } أي قال الْخَضِرُ لموسى: { {هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} } أي انتهى ما بيني وبينك فلا صحبة. { {سَأُنَبِّئُكَ} } أي سأخبرك عن قُربٍ قبل المفارقة { {بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} }، وإنما قلنا: «سأخبرك عن قرب» لأن السين تدل على القرب بخلاف سوف، وهي أيضاً تفيد مع القرب التحقيق.
{ {بِتَأْوِيلِ} } أي بتفسيره وبيان وجهه.
* * *

تفسير العثيمين

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 02-07-2015 الساعة 03:13 AM
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 02-07-2015, 03:10 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,034
مجلس رقم 60

"أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا" *
الكهف 78.
قوله: " لِمَسَاكِينَ" اللام هنا للملكية، يعني مملوكة لهم، وقد حسمتْ هذه الآيةُ الخلافَ بين العلماء حول تعريف الفقير والمسكين، وأيهما أشدّ حاجة من الآخر، وعليها فالمسكين: هو مَنْ يملك شيئا لا يكفيه، كهؤلاء الذين كانوا يملكون سفينة تعمل في البحر، وسماهم القرآن مساكين، أما الفقير: فهو مَنْ لا يملك شيئاً.
وقوله: " فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا.." [ الكهف: 79] المتكلم هنا هو الخِضْر عليه السلام فنسب إرادة عَيْب السفينة إلى نفسه، ولم ينسبها إلى الله تعالى تنزيهاً له تعالى عَمَّا لا يليق، أما في الخير فنسب الأمر إلى الله فقال: " فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا.."الكهف: 82لذلك فإنه في نهاية القصة يُرجع كل ما فعله إلى الله فيقول: " وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي.." الكهف: 82

*وكلمة " وَرَآءَهُم" هنا بمعنى أمامهم؛ لأن هذا الظالم كان يترصَّد للسفن التي تمر عليه، فما وجدها صالحة غصبها، فهو في الحقيقة أمامهم، على حَدِّ قوله تعالى: " مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ ويسقى مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ" إبراهيم: 16 وهل جهنم وراءه أم أمامه؟
وتستعمل وراء بمعنى: بَعْد، كما في قوله
تعالى: " فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ" هود: 71
وتأتي وراء بمعنى: غير.
كما في قوله تعالى في صفات المؤمنين
: " والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابتغى وَرَآءَ ذلك فأولئك هُمُ العادون" المؤمنون: 5 - 7
وفي قوله تعالى: " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ.." النساء: 23إلى.." وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذلكم.." النساء: 24
وقد تستعمل وراء بمعنى خلف، كما في قوله تعالى: " وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الذين أُوتُواْ الكتاب لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ.." آل عمران: 187
إذن: كلمة "وَرَاءَ" جاءتْ في القرآن على أربعة معَانٍ: أمام، خلف، بعد، غير.
وهذا مما يُميِّز العربية عن غيرها من اللغات، والملَكة العربية قادرة على أن تُميّز المعنى المناسب للسياق، فكلمة العَيْن مثلاً تأتي بمعنى العين الباصرة.
أو: عين الماء، أو: بمعنى الذهب والفضة، وبمعنى الجاسوس.
والسياق هو الذي يُحدد المعنى المراد.
هنا


**قوله تعالى: «أَمَّا السَّفِينَةُ» «ال» في السفينة هي للعهد الذكري أي: السفينة التي خرقتها.
«فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ» أي: أنهم يطلبون الرزق فيها إما بتأجيرها، أو صيد السمك عليها، ونحوه وهم مساكين جمع، والجمع أقله ثلاثة، وليس ضرورياً أن نعرف عددهم.
«فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا» يعني أن أجعل فيها عيباً، لماذا؟ قال:
«وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا» فأردت أن أعيبها حتى إذا مرت بهذا الملك، قال: هذه سفينة معيبة لا حاجة لي فيها؛ لأنه لا يأخذ إلا السفن الصالحة الجيدة، أما هذه فلا حاجة له فيها، فصار فعل الخضر من باب دفع أشد الضررين بأخفهما، ومنه يؤخذ فائدة عظيمة وهي إتلاف بعض الشيء لإصلاح باقيه، والأطباء يعملون به، تجده يأخذ من الفخذ قطعة فيصلح بها عيباً في الوجه، أو في الرأس، أو ما شابه ذلك، وأخذ منه العلماء ـ رحمهم الله ـ أن الوقف إذا دَمَر وخرب فلا بأس أن يباع بعضه ويصرف ثمنه في إصلاح باقيه، ثم بين الخضر حال الغلام فقال:
«وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤُمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْرًا *».
قوله تعالى: «أَبَوَاهُ» أي: أبوه وأمه «مُؤُمِنَيْنِ» أي: وهو كافر.
«فَخَشِينَا» أي خفنا، والخشية في الأصل خوف مع علم، وأتي بضمير الجمع للتعظيم.
«أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْرًا» يعني يحملهما على الطغيان والكفر، إما من محبتهما إياه، أو لغير ذلك من الأسباب، وإلا فإن الغالب أن الوالد يؤثِّر على ولده ولكن قد يؤثر الولد على الوالد كما أن الغالب أن الزوج يؤثر على زوجته، ولكن قد تؤثر الزوجة على زوجها.
* * *
«فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا *».
قوله تعالى: يعني أنَّا إذا قتلناه؛ فإن الله خير وأبقى؛ نؤمل منه تعالى «أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً» أي في الدين، «وَأَقْرَبَ رُحْمًا» أي في الصلة، يعني أنه أراد أن الله يتفضل عليهما بمن هو أزكى منه في الدين، وأوصل في صلة الرحم، ويؤخذ من ذلك أنه يقتل الكافر خوفاً من أن ينشر كفره في الناس.
* * *

تفسير العثيمين
"الغلامُ الذي قَتَلَهُ الخَضِرُ طُبِعَ يَومَ طُبِعَ كافِرًا ، و لو عاشَ لَأَرْهَقَ أبَويْهِ طُغيانًا و كَفَرَا"
الراوي: أبي بن كعب المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 4183
خلاصة حكم المحدث:
صحيح
الدرر السنية

لا يقضي الله لمؤمن قضاء إلا كان خيرًا له "وقال تعالى " كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ "البقرة216".
- عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ إِنَّ اللهَ تَعالَى لمْ يَقْضِ لهُ قَضَاءً إلَّا كان خيرًا لهُ
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 3985- خلاصة حكم المحدث:
صحيح
الدرر السنية

الغلام: الولد الذي لم يبلغ الحُلُم وسِنّ التكليف، وما دام لم يُكلَّف فما يزال في سِنِّ الطهارة والبراءة من المعاصي؛ لذلك لما اعترض موسى على قتله قال: { أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً..» الكهف: 74 أي: طاهرة، ولا شكَّ أن أخْذ الغلام في هذه السِّنِّ خَيْر له ومصلحة قبل أنْ تلوّثه المعاصي، ويدخل دائرة الحساب.
إذن: فطهارته هي التي دعتْنَا إلى التعجيل بأخذه.
هذا عن الغلام، فماذا عن أبيه وأمه؟ يقول تعالى
: " فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ.." الكهف: 80وكثيراً ما يكون الأولاد فتنة للآباء، كما قال تعالى: " ياأيها الذين آمنوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فاحذروهم" التغابن: 14] والفتنة بالأولاد تأتي من حِرْص الآباء عليهم، والسعي إلى جعلهم في أحسن حال، وربما كانت الإمكانات غير كافية، فيُضطر الأب إلى الحرام من أجل أولاده.
وقد عَلِم الحق سبحانه وتعالى أن هذا الغلام سيكون فتنة لأبويه، وهما مؤمنان ولم يُرِد الله تعالى لهما الفتنة، وقضى أن يقبضهما إليه على حال الإيمان.
وكأن قضاء الله جاء خيراً للغلام وخيراً للوالدين، وجميلاً أُسْدِي إلى كليْهما، وحكمة بالغة تستتر وراء الحدَث الظاهر الذي اعترض عليه موسى عليه السلام.
هنا


التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 02-15-2015 الساعة 07:10 AM
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 02-15-2015, 07:01 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,034

مجلس 61
"وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا *".الكهف 82
قوله تعالى: "لِغُلاَمَيْنِ" يعني صغيرين.
"يَتِيمَيْنِ" قد مات أبوهما.
"فِي الْمَدِينَةِ" أي: القرية التي أتياها.
"وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا" أي: كان تحت الجدار مال مدفون لهما.
"وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا" فكان من شكر الله ـ عزّ وجل ـ لهذا الأب الصالح أن يكون رؤوفاً بأبنائه، وهذا من بركة الصلاح في الآباء أن يحفظ الله الأبناء.1
"فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا" أي: أراد الله عزّ وجل "أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا" أي: أن يبلغا ويكبرا حتى يصلا إلى سن الرشد، وهو أربعون سنة عند كثير من العلماء، وهنا ما قال «فأردنا» ولا قال «فأردت»، بل قال: «فَأَرَادَ رَبُّكَ»؛ لأن بقاء الغلامين حتى يبلغا أشدهما ليس للخضر فيه أي قدرة، لكن الخشية ـ خشية أن يرهق الغلام أبويه بالكفر ـ تقع من الخضر وكذلك إرادة عيب السفينة.
«وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا» حتى لا يبقى تحت الجدار، ولو أن الجدار انهدم لظهر الكنْز وأخذه الناس.
«رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ» هذه مفعول لأجله، والعامل فيه أراد، يعني أراد الله ذلك رحمة منه جلَّ وعلا.
«وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي» يعني ما فعلت هذا الشيء عن عقل مني أو ذكاء مني ولكنه بإلهام من الله ـ عزّ وجل ـ وتوفيق؛ لأن هذا الشيء فوق ما يدركه العقل البشري.
«ذَلِكَ تَأْوِيلُ» أي ذلك تفسيره الذي وعدتك به «سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ» الكهف: 78 . أي: تفسيره، ويحتمل أن يكون التأويل هنا في الثاني العاقبة، يعني ذلك عاقبة ما لم تستطع عليه صبراً؛ لأن التأويل يراد به العاقبة ويراد به التفسير.
«مَا لَمْ تَسْطِعْ» وفي الأول قال: «مَا لَمْ تَسْتَطِعْ» لأن «استطاع واسطاع ويستطيع ويسطيع» كل منها لغة عربية صحيحة.
وقد ذكر شيخنا عبد الرحمن بن سعدي ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسيره "تيسير الكريم الرحمن" فوائد جمة عظيمة في هذه القصة لا تجدها في كتاب آخر فينبغي لطالب العلم أن يراجعها لأنها مفيدة جداً.
وبهذا انتهت قصة موسى مع الخضر.
تفسير العثيمين

لا يقضي الله لمؤمن قضاء إلا كان خيرًا له "وقال تعالى " كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ "البقرة216".
- عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ إِنَّ اللهَ تَعالَى لمْ يَقْضِ لهُ قَضَاءً إلَّا كان خيرًا لهُ
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 3985- خلاصة حكم المحدث:
صحيح
الدرر السنية

*تعلق بعض الجهال بما جرى لموسى مع الخضر عليهما السلام على أن الخضر أفضل من موسى وطرَّدوا الحكم ، وقالوا : قد يكون بعض الأولياء أفضل من آحاد الأنبياء .
*
هنا

1"وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً "النساء 9
ولْيَخَفِ الذين لو ماتوا وتركوا من خلفهم أبناء صغارًا ضعافًا خافوا عليهم الظلم والضياع, فليراقبوا الله فيمن تحت أيديهم من اليتامى وغيرهم, وذلك بحفظ أموالهم, وحسن تربيتهم, ودَفْع الأذى عنهم, وليقولوا لهم قولا موافقا للعدل والمعروف.
التفسير الميسر

"لِغُلاَمَيْنِ" أي: لم يبلغا سِنَّ الرشْد، وفوق ذلك هما يتيمان.
وكان تحت هذا الجدار المائل كَنْز لهذين الغلامين الغير قادرين على تدبير شأنهما، ولك أنْ تتصوّر ما يحدث لو تهدَّم الجدار، وانكشف هذا الكنز، ولمع ذهبه أمام عيون هؤلاء القوم الذين عرفت صفاتهم، وقد منعوهما الطعام بل ومجرد المأْوى، إنَّ أقل ما يُوصفون به أنهم لِئَام لا يُؤتمنون على شيء.
ولقد تعوَّدنا أن نعبر عن شدة الضياع بقولنا: ضياع الأيتام على موائد اللئام.
إذن: فلا شَكَّ أن ما قام به العبد الصالح من بناء الجدار وإقامته أو ترميمه يُعَدُ بمثابة صَفْعة لهؤلاء اللئام تناسب ما قابلوهم به من تنكُّر وسوء استقبال، وترد لهم الصَّاع صاعين حين حرمهم الخضر من هذا الكنز.
فعلَّة إصلاح الجدار ما كان تحته من مال يجب أنْ يحفظ لحين أنْ يكبُرَ هذان الغلامان ويتمكنا من حفظه وحمايته في قرية من اللئام.
وكأن الحق سبحانه وتعالى أرسله لهذين الغلامين في هذا الوقت بالذات، حيث أخذ الجدار في التصدُّع، وظهرت عليه علامات الانهيار ليقوم بإصلاحه قبل أنْ يقع وينكشف أمر الكنز وصاحبيه في حال الضعف وعدم القدرة على حمايته.
ثم إن العبد الصالح أصلح الجدار ورَدَّه إلى ما كان عليه رَدَّ مَنْ علَّمه الله من لَدُنْه، فيقال: إنه بنَاهُ بناءً موقوتاً يتناسب وعُمْرَ الغلامين، وكأنه بناه على عمر افتراضي ينتهي ببلوغ الغلامين سِنَّ الرشْد والقدرة على حماية الكنز فينهار.
وهذه في الواقع عملية دقيقة لا يقدر على حسابها إلا مَنْ أُوتِي علماً خاصاً من الله تعالى.
ويبدو من سياق الآية أنهما كانا في سِنٍّ واحدة توأمين
لقوله تعالى:
" فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا.." الكهف: 82أي: سوياً، ومعنى الأشُدّ: أي القوة، حيث تكتمل أجهزة الجسم وتستوي، وأجهزة الجسم تكتمل حينما يصبح المرء قادراً على إنجاب مثله.
وتلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى قال هنا
: " يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا.." الكهف: 82 ولم يقُلْ رُشْدهما، لأنْ هناك فرْقاً بين الرُّشْد والأَشُدّ فالرُّشْد: حُسْن التصرُّف في الأمور، أما الأشُدَّ: فهو القوة، والغلامان هنا في حاجة إلى القوة التي تحمي كَنْزهما من هؤلاء اللئام فناسب هنا " أَشُدَّهُمَا.." الكهف: 82ثم يقول تعالى: " وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ.." الكهف: 82 أي: يستخرجاه بما لديهما من القوة والفُتوَّة.
والرحمة: صفة تُعطَى للمرحوم لتمنعه من الداء، كما في قوله تعالى: " وَنُنَزِّلُمِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ."الإسراء: 82 فقوله: شفاء: أي: يشفي داءً موجوداً ويُبرِئه.
ورحمة: أي رحمة تمنع عودة الداء مرة أخرى.
وكذلك ما حدث لهذين الغلامين، كان رحمة من الله لحماية مالهما وحِفْظ حقِّهما، ثم لم يَفُتْ العبد الصالح أنْ يُرجِع الفضل لأهله، وينفي عن نفسه الغرور بالعلم والاستعلاء على صاحبه، فيقول:
" وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي"الكهف:
82 أي: أن ما حدث كان بأمر الله، وما علَّمتك إياه كان من عند الله، فليس لي مَيْزة عليك، وهذا درس في أَدب التواضع ومعرفة الفضْل لأهله.
ثم يقول: " ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً" الكهف: 82 تأويل: أي إرجاع الأمر إلى حقيقته، وتفسير ما أشكل منه.
من تفسير السعدي:
وفي هذه القصة العجيبة الجليلة، من الفوائد والأحكام والقواعد شيء كثير، ننبه على بعضه بعون الله.
فمنها فضيلة العلم، والرحلة في طلبه، وأنه أهم الأمور، فإن موسى عليه السلام رحل مسافة طويلة، ولقي النصب في طلبه، وترك القعود عند بني إسرائيل، لتعليمهم وإرشادهم، واختار السفر لزيادة العلم على ذلك.
ومنها: البداءة بالأهم فالأهم، فإن زيادة العلم وعلم الإنسان أهم من ترك ذلك، والاشتغال بالتعليم من دون تزود من العلم، والجمع بين الأمرين أكمل.

ومنها: جواز أخذ الخادم في الحضر والسفر لكفاية المؤن، وطلب الراحة، كما فعل موسى.

ومنها: أن المسافر لطلب علم أو جهاد أو نحوه، إذا اقتضت المصلحة الإخبار بمطلبه، وأين يريده، فإنه أكمل من كتمه، فإن في إظهاره فوائد من الاستعداد له عدته، وإتيان الأمر على بصيرة، وإظهارًا لشرف هذه العبادة الجليلة، كما قال موسى: " لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ْ"
وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حين غزا تبوك بوجهه، مع أن عادته التورية، وذلك تبع للمصلحة.

ومنها: إضافة الشر وأسبابه إلى الشيطان، على وجه التسويل والتزيين، وإن كان الكل بقضاء الله وقدره، لقول فتى موسى: " وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ْ"
ومنها: جواز إخبار الإنسان عما هو من مقتضى طبيعة النفس، من نصب أو جوع، أو عطش، إذا لم يكن على وجه التسخط وكان صدقا، لقول موسى: " لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ْ"
ومنها: استحباب كون خادم الإنسان، ذكيا فطنا كيسا، ليتم له أمره الذي يريده.

ومنها: استحباب إطعام الإنسان خادمه من مأكله، وأكلهما جميعا، لأن ظاهر قوله: " آتِنَا غَدَاءَنَا ْ" إضافة إلى الجميع، أنه أكل هو وهو جميعا.

ومنها: أن المعونة تنزل على العبد على حسب قيامه بالمأمور به، وأن الموافق لأمر الله، يعان ما لا يعان غيره لقوله: " لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ْ" والإشارة إلى السفر المجاوز، لمجمع البحرين، وأما الأول، فلم يشتك منه التعب، مع طوله، لأنه هو السفرعلى الحقيقة.
وأما الأخير، فالظاهر أنه بعض يوم، لأنهم فقدوا الحوت حين أووا إلى الصخرة، فالظاهر أنهم باتوا عندها، ثم ساروا من الغد، حتى إذا جاء وقت الغداء قال موسى لفتاه
" آتِنَا غَدَاءَنَا ْ" فحينئذ تذكر أنه نسيه في الموضع الذي إليه منتهى قصده.

ومنها: أن ذلك العبد الذي لقياه، ليس نبيا، بل عبدا صالحا، لأنه وصفه بالعبودية، وذكر منة الله عليه بالرحمة والعلم، ولم يذكر رسالته ولا نبوته، ولو كان نبيا، لذكر ذلك كما ذكره غيره.

وأما قوله في آخر القصة: " وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ْ" فإنه لا يدل على أنه نبي وإنما يدل على الإلهام والتحديث، كما يكون لغير الأنبياء، كما قال تعالى " وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ْ" " وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ْ"
ومنها: أن العلم الذي يعلمه الله لعباده نوعان:
علم مكتسب يدركه العبد بجده واجتهاده.
ونوع علم لَدُنِّي، يهبه الله لمن يمن عليه من عباده لقوله
" وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ْ"

ومنها: التأدب مع المعلم، وخطاب المتعلم إياه ألطف خطاب، لقول موسى عليه السلام:
" هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ْ" فأخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة، وأنك هل تأذن لي في ذلك أم لا، وإقراره بأنه يتعلم منه، بخلاف ما عليه أهل الجفاء أو الكبر، الذي لا يظهر للمعلم افتقارهم إلى علمه، بل يدعي أنه يتعاون هم وإياه، بل ربما ظن أنه يعلم معلمه، وهو جاهل جدا، فالذل للمعلم، وإظهار الحاجة إلى تعليمه، من أنفع شيء للمتعلم.

ومنها تواضع الفاضل للتعلم ممن دونه، فإن موسى -بلا شك- أفضل من الخضر.

ومنها: تعلم العالم الفاضل للعلم الذي لم يتمهر فيه، ممن مهر فيه، وإن كان دونه في العلم بدرجات كثيرة.

فإن موسى عليه السلام من أولي العزم من المرسلين، الذين منحهم الله وأعطاهم من العلم ما لم يعط سواهم، ولكن في هذا العلم الخاص كان عند الخضر، ما ليس عنده، فلهذا حرص على التعلم منه.

فعلى هذا، لا ينبغي للفقيه المحدث، إذا كان قاصرا في علم النحو، أو الصرف، أو نحوه من العلوم، أن لا يتعلمه ممن مهر فيه، وإن لم يكن محدثا ولا فقيها.

ومنها: إضافة العلم وغيره من الفضائل لله تعالى، والإقرار بذلك، وشكر الله عليها لقوله: " تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ ْ" أي: مما علمك الله تعالى.

ومنها: أن العلم النافع، هو العلم المرشد إلى الخير، فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطرق الخير، وتحذير عن طريق الشر، أو وسيلة لذلك، فإنه من العلم النافع، وما سوى ذلك، فإما أن يكون ضارا، أو ليس فيه فائدة لقوله: " أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ْ"
ومنها: أن من ليس له قوة الصبر على صحبة العالم والعلم، وحسن الثبات على ذلك، أنه يفوته بحسب عدم صبره كثير من العلم فمن لا صبر له لا يدرك العلم، ومن استعمل الصبر ولازمه، أدرك به كل أمر سعى فيه، لقول الخضر -يعتذر من موسى بذكر المانع لموسى في الأخذ عنه- إنه لا يصبر معه.

ومنها: أن السبب الكبير لحصول الصبر، إحاطة الإنسان علما وخبرة، بذلك الأمر، الذي أمر بالصبر عليه، وإلا فالذي لا يدريه، أو لا يدري غايته ولا نتيجته، ولا فائدته وثمرته ليس عنده سبب الصبر لقوله: " وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ْ" فجعل الموجب لعدم صبره، وعدم إحاطته خبرا بالأمر.

ومنها: الأمر بالتأني والتثبت، وعدم المبادرة إلى الحكم على الشيء، حتى يعرف ما يراد منه وما هو المقصود.

ومنها: تعليق الأمور المستقبلية التي من أفعال العباد بالمشيئة، وأن لا يقول الإنسان للشيء: إني فاعل ذلك في المستقبل، إلا أن يقول " إِنْ شَاءَ اللَّهُ ْ"
ومنها: أن العزم على فعل الشيء، ليس بمنزلة فعله، فإن موسى قال:
" سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ْ" فوطن نفسه على الصبر ولم يفعل.

ومنها: أن المعلم إذا رأى المصلحة في إيزاعه للمتعلم أن يترك الابتداء في السؤال عن بعض الأشياء، حتى يكون المعلم هو الذي يوقفه عليها، فإن المصلحة تتبع، كما إذا كان فهمه قاصرا، أو نهاه عن الدقيق في سؤال الأشياء التي غيرها أهم منها، أو لا يدركها ذهنه، أو يسأل سؤالا، لا يتعلق في موضع البحث.

ومنها: جواز ركوب البحر، في غير الحالة التي يخاف منها.

ومنها: أن الناسي غير مؤاخذ بنسيانه لا في حق الله، ولا في حقوق العباد لقوله: " لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ ْ"
ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يأخذ من أخلاق الناس ومعاملاتهم، العفو منها، وما سمحت به أنفسهم، ولا ينبغي له أن يكلفهم ما لا يطيقون، أو يشق عليهم ويرهقهم، فإن هذا مدعاة إلى النفور منه والسآمة، بل يأخذ المتيسر ليتيسر له الأمر.

ومنها: أن الأمور تجري أحكامها على ظاهرها، وتعلق بها الأحكام الدنيوية، في الأموال، والدماء وغيرها، فإن موسى عليه السلام، أنكر على الخضر خرقه السفينة، وقتل الغلام، وأن هذه الأمور ظاهرها، أنها من المنكر، وموسى عليه السلام لا يسعه السكوت عنها، في غير هذه الحال، التي صحب عليها الخضر، فاستعجل عليه السلام، وبادر إلى الحكم في حالتها العامة، ولم يلتفت إلى هذا العارض، الذي يوجب عليه الصبر، وعدم المبادرة إلى الإنكار.

ومنها: القاعدة الكبيرة الجليلة وهو أنه " يدفع الشر الكبير بارتكاب الشر الصغير " ويراعي أكبر المصلحتين، بتفويت أدناهما، فإن قتل الغلام شر، ولكن بقاءه حتى يفتن أبويه عن دينهما، أعظم شرا منه، وبقاء الغلام من دون قتل وعصمته، وإن كان يظن أنه خير، فالخير ببقاء دين أبويه، وإيمانهما خير من ذلك، فلذلك قتله الخضر، وتحت هذه القاعدة من الفروع والفوائد، ما لا يدخل تحت الحصر، فتزاحم المصالح والمفاسد كلها، داخل في هذا.

ومنها: القاعدة الكبيرة أيضا وهي أن " عمل الإنسان في مال غيره، إذا كان على وجه المصلحة وإزالة المفسدة، أنه يجوز، ولو بلا إذن حتى ولو ترتب على عمله إتلاف بعض مال الغير " كما خرق الخضر السفينة لتعيب، فتسلم من غصب الملك الظالم.
فعلى هذا لو وقع حرق، أو غرق، أو نحوهما، في دار إنسان أو ماله، وكان إتلاف بعض المال، أو هدم بعض الدار، فيه سلامة للباقي، جاز للإنسان بل شرع له ذلك، حفظا لمال الغير، وكذلك لو أراد ظالم أخذ مال الغير، ودفع إليه إنسان بعض المال افتداء للباقي جاز، ولو من غير إذن.

ومنها: أن العمل يجوز في البحر، كما يجوز في البر لقوله: " يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ْ" ولم ينكر عليهم عملهم.

ومنها: أن المسكين قد يكون له مال لا يبلغ كفايته، ولا يخرج بذلك عن اسم المسكنة، لأن الله أخبر أن هؤلاء المساكين، لهم سفينة.

ومنها: أن القتل من أكبر الذنوب لقوله في قتل الغلام " لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ْ"
ومنها: أن القتل قصاصا غير منكر لقوله " بِغَيْرِ نَفْسٍ ْ"
ومنها: أن العبد الصالح يحفظه الله في نفسه، وفي ذريته.

ومنها: أن خدمة الصالحين، أو من يتعلق بهم، أفضل من غيرها، لأنه علل استخراج كنزهما، وإقامة جدارهما، أن أباهما صالح.

ومنها: استعمال الأدب مع الله تعالى في الألفاظ، فإن الخضر أضاف عيب السفينة إلى نفسه بقوله " فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ْ" وأما الخير، فأضافه إلى الله تعالى لقوله: " فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ْ" كما قال إبراهيم عليه السلام " وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ْ" وقالت الجن: " وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ْ" مع أن الكل بقضاء الله وقدره.

ومنها: أنه ينبغي للصاحب أن لا يفارق صاحبه في حالة من الأحوال، ويترك صحبته، حتى يعتبه، ويعذر منه، كما فعل الخضر مع موسى.

ومنها: أن موافقة الصاحب لصاحبه، في غير الأمور المحذورة، مدعاة وسبب لبقاء الصحبة وتأكدها، كما أن عدم الموافقة سبب لقطع المرافقة.

ومنها: أن هذه القضايا التي أجراها الخضر هي قدر محض أجراها الله وجعلها على يد هذا العبد الصالح، ليستدل العباد بذلك على ألطافه في أقضيته، وأنه يقدر على العبد أمورا يكرهها جدا، وهي صلاح دينه، كما في قضية الغلام، أو وهي صلاح دنياه كما في قضية السفينة، فأراهم نموذجا من لطفه وكرمه، ليعرفوا ويرضوا غاية الرضا بأقداره المكروهة.
تفسير السعدي

- " اجتنبوا السبعَ الموبقاتِ . قالوا : يا رسولَ اللهِ ، وما هن ؟ قال : الشركُ باللهِ ، والسحرُ ، وقتلُ النفسِ التي حرّم اللهُ إلا بالحقِّ ، وأكلُ الربا ، وأكلُ مالِ اليتيمِ ، والتولي يومَ الزحفِ ، وقذفُ المحصناتِ المؤمناتِ الغافلاتِ"
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6857-خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 02-15-2015 الساعة 04:38 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



أوقات الصلاة لأكثر من 6 ملايين مدينة في أنحاء العالم
الدولة:

الساعة الآن 12:41 PM بتوقيت مسقط


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
Powered & Developed By Advanced Technology