ملتقى قطرات العلم النسائي
 
 

الـــمـــصـــحـــــف الـــجـــامـــع
مـــصـــحـــــف آيـــــات
موقع الدرر السنية للبحث عن تحقيق حديث

العودة   ملتقى قطرات العلم النسائي > ::الملتقى العام:: > ملتقى القرآن وعلومه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #41  
قديم 12-25-2020, 02:27 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

📩 قواعد قرآنية

القاعدة التاسعة والثلاثون

🔅 ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ [الشرح:7،8].

📌هذه قاعدة قرآنية، وكلمةٌ جامعة، هي قاعدة من قواعد تربية النفس، وتوجيه علاقتها مع الله ﷻ؛ يأمر الله فيها نبيه صلى الله عليه وسلم إذا انتهى من طاعة أو عملٍ ما أن ينصب ويبدأ في عمل أو طاعة أخرى، وأن يرغب إلى ربه في الدعاء والعبادة، والتضرع والتبتُّل.

💡لأن حياة المسلم الحق كلها لله، فليس فيها مجال لسفاسف الأمور،

📍بل إن اللهو الذي تبيحه الشريعة لأصناف من الناس كالنساء والصبيان، أو في بعض الأوقات كالأعياد والأفراح؛ فإن من أعظم مقاصد ذلك أن يستجمَّ الإنسان -والاستجمام للجدّ مرة ثانيةً من الشغل النافع- وأن يعيش العبودية لله في جميع أحواله، فهو يعيشها في السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء، وفي الحضر والسفر، وفي الضحك والبكاء،

🔅ليتمثل حقًا قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام:162].


💡ومن هدايات هذه القاعدة القرآنية المحكمة أنها تربي في المؤمن سرعة إنجاز الأمور -ما استطاع إلى ذلك سبيلًا- وعدمِ إحالة إنجازها إلى وقت الفراغ، فإن ذلك من الأساليب التي يخدع بها بعض الناس نفسه، ويبرر بها عجزه،

❗️وإن من عجز عن امتلاك يومه فهو عن امتلاك غده أعجز.

💬 قال بعض الصالحين: «كان الصدِّيقون يستحيون من الله أن يكونوا اليوم على مثل حالهم بالأمس».

💬 وعلَّق ابن رجب -رحمه الله- على هذا فقال: «يشير إلى أنهم كانوا لا يرضون كل يوم إلا بالزيادة من عمل الخير، ويستحيون من فقد ذلك ويعدونه خسرانًا».

📌ومن الحِكَم السائرة: لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد؛ وهي حكمة صحيحة يشهد القرآن بصحتها، وقد روي عن الإمام أحمد أنه قال: "إن التأخير له آفات" وصدق -رحمه الله-، والشواهد على هذا كثيرة:

-فمن الناس من يكون عليه التزامات شرعية بينه وبين الله، كقضاء الصيام، أو أداء فرض الحج -مثلًا- فتراه يسوّف ويماطل، حتى يتضايق عليه الوقت في الصيام، أو يفجأه الموت قبل أن يحجّ!

❗️ولئن كان هذا قبيحًا ومذمومًا في حقوق الله؛ فهو في حقوق الخلق -المبنية على المشاحة- أشد وأعظم، وكم ندم من كانت عليهم ديون حين تساهلوا في تسديدها وهي قليلة، فتراكمت عليهم؛ فعجزوا عنها، وصاروا بين ملاحقة الغرماء، والركض وراء الناس وإراقة ماء الوجه للاستدانة من جديد، أو للأخذ من الزكاة!! فهل من معتبر؟!

⚠️ ومن آثار مخالفة هذه القاعدة أن بعض الناس لا يستغل الفرص التي تسنح في طلب العلم وتحصيله، فإذا انفرط عليه العمر، وتقضى الزمن؛ ندم على أنه لم يكن قد حصل شيئًا من العلم ينفعه في حياته وبعد مماته!

⚠️ وقُل مثل ذلك: في تفريط كثير من الناس -وخصوصًا الشباب والفتيات- في التوبة، والإنابة، والرغبة إلى الله، بحجّة أنهم إذا كبروا تابوا، وهذا من تلبيس إبليس!

إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التُّقى
ولاقيتَ بعد الموت مَن قد تزوَّدا

ندمتَ على أن لا تكون كمثلهِ
وأنك لم ترصد بما كان أرصدا

🔅وقوله تعالى -في هذه القاعدة التي هي مدار حديثنا-: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ أبلغ وأعظم حادٍ إلى العمل، والجدّ في استثمار الزمن قبل الندم.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

التعديل الأخير تم بواسطة أم حذيفة ; 12-25-2020 الساعة 02:32 AM
رد مع اقتباس
  #42  
قديم 12-30-2020, 01:25 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

📩 قواعد قرآنية

القاعدة الأربعون


🔅 {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل:90]

📌هذه قاعدة قرآنية، وكلمةٌ جامعة، وهي من أعظم قواعد الشرائع السماوية كلها، والتي لا يشذّ عنها شيء، يدخل تحتها من الفروع ما لا يحصيه إلا الله.

🔅ومَرَدُّ معرفة العدل من الجور إلى أدلة الشريعة المطهرة، ونصوصها المفصلة.

💡إن هذا المعنى الشرعي العظيم -وهو العدل- الذي نتفيَّأ ظلال الحديث عنه من وحي هذه القاعدة القرآنية المحكمة لهو معنى تعشقه النفوس الكريمة، والفطر السوية، ولله! كم كان تحقيقه سببًا في خيرات عظيمة، ومنح كثيرة! والعكس صحيح.

❗️وكم كان تحقيق هذا العدل سببًا في إسلام أناس ما حثهم على الإسلام إلا تحقيق هذا الأصل الكبير: العدل، وإليكم هذا الموقف الذي يبين شيئًا من آثار العدل في نفوس الخصوم قبل الأصدقاء:

💬 روى ابن عساكر في «تاريخ دمشق» من طريق الشعبي قال:

وجد علي بن أبي طالب درعه عند رجل نصراني، فأقبل به إلى شريح يخاصمه..

ثم قال علي: هذا الدرع درعي، لم أبِع ولم أهَب! فقال شريح للنصراني: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟ فقال النصراني: ما الدرع إلا درعي، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب، فالتفت شريح إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين! هل من بيّنة؟ قال: فضحك علي وقال: أصاب شريح! ما لي بينة، فقضى بها للنصراني!

قال: فمشى خُطًى ثم رجع، فقال النصراني: أمّا أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء! أميرُ المؤمنين قدمني إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه؟ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الدرع والله درعك، يا أمير المؤمنين، اتبعتُ الجيش -وأنت منطلق إلى صفين- فخرجتْ من بعيرك الأوْرَق، فقال: أما إذا أسلمت فهي لك، وحمله على فرس، فقال الشعبي: فأخبرني من رآه: يقاتل الخوارج مع علي يوم النهروان .

📍وتمتد ظلال هذه القاعدة العظيمة (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) لتشمل جميع شؤون الحياة، فمن ذلك:

🔻العدل مع الزوجات: وهذا من الأمور المحكمات في باب العلاقة الزوجية، وهو أظهر من أن يفصل فيه، إلا أن الذي يؤكد عليه: هو تذكير الإخوة المعددين، بأن يتقوا الله في العدل بين زوجاتهم، وأن يحذروا من آثار عدمه السيئة في الحياة قبل الممات.

ومن صور تطبيقات هذه القاعدة:

🔻العدل مع الأولاد: فعلى الوالدين أن يعدلوا بينهم، وأن يتجنبوا تفضيل بعضهم على بعض، سواء في الأمور المعنوية كالحب والحنان والعطف ونحو ذلك، أو في الأمور المادية كالهدايا والهبات، ونحوها.

🔻العدل والإنصاف في إصدار الأقوال، وتقييم الآخرين: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء:١٣٥]، وقال ﷻ: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾ [الأنعام:١٥٢].

💡وهذا باب واسع جدًا، يدخل فيه الكلام على الأفراد، والجماعات، والفرق، والكتب والمقالات، وغير ذلك.

🔻العدل في العبادة: بحيث لا يتجاوز بها صاحبها العدل، ويتعدى الحد، ولا يقصّر في أدائها على الوجه الشرعي.

🔻العدل في النفقات: قال تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ [الإسراء:٢٩]، وقال مثنيًا على عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان:٦٧].

💡وبالجملة: فمن تأمل أوامر الله تعالى وجدها وسطًا بين خلقين ذميمين: تفريط وإفراط، وهذا هو معنى هذه القاعدة القرآنية المحكمة.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ
رد مع اقتباس
  #43  
قديم 01-03-2021, 12:23 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي


القاعدة الحادية والأربعون

🔅 {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى:30]

📌هذه قاعدة محكمة لها أثرها الإيماني والتربوي لمن عقلها وتدبرها.

💬 يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «والقرآن يبين في غير موضع: أن الله لم يهلك أحدًا ولم يعذبه إلا بذنب».

💡وإذا تقرَّرت هذه الحقيقة الشرعية -وهي أن الذنوب سببٌ للعقوبات العامة والخاصة-؛

◁◁ فحريٌّ بالعاقل أن يبدأ بنفسه، فيفتش عن مناطق الزلل فيه، وأن يسأل ربه أن يهديه لمعرفة ذلك، فإن من الناس من يستمرئ الذنب تلو الذنب، والمعصية تلو المعصية، ولا ينتبه لذلك! بل قد لا يبالي! ولربما استحسن ذلك -عياذًا بالله- فتتابع العقوبات عليه وهو لا يشعر، فتكون مصيبته حينئذٍ مضاعفة!

💬 ويقول ابن القيم -رحمة الله عليه- وهو يوضح شيئًا من دلالات هذه القاعدة القرآنية المحكمة:

«وهل فى الدنيا والآخرة شرور وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي؟! فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم، والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟
وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء؟ وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه؟..

وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم؟ حتى علا الماء فوق رأس الجبال، وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض، كأنهم أعجاز نخل خاوية؟ ودمرت ما مرَّ عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم؟ حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟
وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة، حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟…».

💡وليُعْلَم أنه ينبغي أن ندرك أن العقوبات حينما تذكر، فلا يصح حصرها في العقوبات الحسية أو العقوبات الجماعية..

⛔️ ولكن ثمة أنواع من العقوبات قد تكون أشد وأعظم، وهي تلك العقوبات التي تتسلط على القلب، فيضرب بالغفلة وقسوته، حتى إن جبال الدنيا لو تناطحت أمامه ما اعتبر ولا اتَّعظ -عياذًا بالله-؛

⚠️ بل يظن المسكين، أو تظن أمة من الأمم -وهي ترى النعم تتابع وتزداد مع استمرارها في البعد عن شرع الله- تظن أن ذلك علامةً على رضى الله ﷻ عنها وهذه من أعظم العقوبات!

نسأل الله أن يتوب علينا وأن يبصرنا بمواطن الزلل منا، وأن لا يضربنا بقسوة القلب، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا إن ربي سميع مجيب الدعاء.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ
رد مع اقتباس
  #44  
قديم 01-05-2021, 06:46 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

📩 قواعد قرآنية

القاعدة الثانية والأربعون

🔅 {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة:89]

📌هذه قاعدة قرآنية محكمة، وثيقة الصلة بواقع الناس؛ إذ لا ينفكّ أحدٌ عنها لكثرة تلبّسهم بها، فكان التذكير بها أمرًا مهمًّا، ومعنى هذه القاعدة التي نحن بصدد الحديث عنها ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾: هو حفظها عن ثلاثة أمور:

🌟الأمر الأول: حفظها عن الحلف بالله كاذبًا:

❗️فإن الحلف الكاذب من أكبر الكبائر، وتلك هي اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم.

🌟والأمر الثاني: حفظها عن كثرة الحلف والأيمان.

🔅وقد ذم الله تعالى من أكثرَ الحلف بقوله: ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ﴾ [القلم:10]، والعرب كانوا يمدحون الإنسان بالإقلال من الحلف.

💡والحكمة في الأمر بتقليل الأيمان:

١- أنّ من حلف في كلِّ قليل وكثير بالله، انطلق لسانه بذلك ولا يبقى لليمين في قلبه وَقع، فلا يؤمَن إقدامه على اليمين الكاذبة، فيختلّ ما هو الغرض الأصلي في اليمين.

٢- كلما كان الإنسان أكثر تعظيمًا لله تعالى كان أكمل في العبودية، ومن كمال التعظيم أن يكون ذكر الله تعالى أجل وأعلى عنده من أن يستشهد به في غرض من الأغراض الدنيوية.

٣- أنه يقلّل ثقة الإنسان بنفسه، وثقة الناس به، فهو يشعر بأنه لا يصدق فيحلف، ولهذا وصفه الله -تعالى- بالمهين.

🌟والأمر الثالث: حفظها عن الحنث فيها إذا حلف الإنسان، اللهم إلا إذا كان الحنث خيرًا، فتمام الحفظ: أن يفعل الخير، ولا يكون يمينه سببًا في ترك ذلك الخير الذي حلف على تركه.

💡 فإن الواجب على المؤمن إذا حلف على شيء من أمور الخير أو من المباحات أن يتقي الله ويبر بيمينه؛ لأن هذا من تعظيم المحلوف به وتوقيره -وهو الله ﷻ-.

⛔️ ويستثنى من ذلك: إذا كان الحنث ومخالفة اليمين خيرًا من الاستمرار فيه، فتمام الحفظ: أن يفعل الخير، وأن لا تكون يمينه سببًا في ترك ذلك الخير الذي حلف على تركه.

🔻ومعنى الحنث هنا: مخالفة المحلوف عليه.

🔅قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأتها وليكفر عن يمينه" [رواه مسلم]

وكلُّ ما مضى يجعلنا ندرك أن الشرع الحكيم أولى موضوع الأيمان أهمية بالغة، وبيّن أحكامها تمام البيان، من أجل أن يعرف المسلم حدود هذه العبادة، وأحكامها، وما يجب وما يحرم وما يستحب، وأن ذلك كلّه إنما شرع ووضح تعظيمًا لله جل وعلا، وليحفظ العبد يمينه من العبث بها، أو التقليل من شأنها.

رزقنا الله وإياكم معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله، وتعظيمها على الوجه الذي يحبه ويرضاه، وأن يمنحنا الفقه في دينه، والبصيرة فيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.


"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

التعديل الأخير تم بواسطة أم حذيفة ; 01-05-2021 الساعة 07:00 AM
رد مع اقتباس
  #45  
قديم 01-08-2021, 06:51 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

📩 قواعد قرآنية

القاعدة الثالثة والأربعون

🔅 {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9]

❣هذه القاعدة لها صلة قوية بتربية القلب وتزكيته، ومعنى هذه القاعدة باختصار لا يتضح إلا ببيان معنى الشح:

▪️فالشح -في اللغة- الأصل فيه: المنع، ثم يكون منعًا مَعَ حِرص، ومن ذلك الشُّحُّ: وهو البُخل مع حِرص، ويقال: تَشَاحَّ الرّجلانِ على الأمر: إذا أراد كلُّ واحدٍ منهما الفوزَ به ومنْعَه من صاحبه.

💡ولعلك لاحظتَ ارتباط هذه القاعدة -في سورة الحشر والتغابن- بموضوع المال! لأنه -والله أعلم- هو أظهر ما يتضح فيه خلق الشح، وإن كان الشح لا ينحصر

🎯 ومن الأمثلة التطبيقية التي توضح معنى هذه القاعدة التي نحن بصدد الحديث عنها: ما أثنى الله به على أهل الإيثار، من الأنصار ومَن وافقهم في هذا الخُلُق العظيم، الذي اعتبره ابن القيم: أحد مدارج السالكين إلى عبودية رب العالمين.

💡فما الإيثار؟! الإيثار: ضدّ الشح، فإن المُؤثِر على نفسِه تاركٌ لما هو محتاج إليه، والشحيح: حريص على ما ليس بيده فإذا حصل بيده شيء شحَّ عليه، وبَخِلَ بإخراجه، فالبخل ثمرة الشح، والشحّ يأمر بالبخل.

🔅 ولنختم حديثنا بهذا الموقف الذي يدل على عظمة نفوس الصحابة:
فهو لقيس بن سعد بن عبادة -رضي الله عنه-، وقد كان من الأجواد المعروفين، حتى إنه مرض مرةً فاستبطأ إخوانه في العيادة، فسأل عنهم؟ فقالوا: إنهم كانوا يستحيون مما لك عليهم من الدين!

فقال: أخزى الله مالًا يمنع الإخوان من الزيارة،

ثم أمر مناديًا ينادي: من كان لقيس عليه مال فهو منه في حِلٍّ،

فما أمسى حتى كسرت عتبة بابه لكثرة من عادَه (أي زاره)!

فلله تلك النفوس الكبيرة، والأخلاق العظيمة! وأكثر في الناس من أمثالهم.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ
رد مع اقتباس
  #46  
قديم 01-12-2021, 08:12 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

📩 قواعد قرآنية

القاعدة الرابعة والأربعون

🔅 {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}
[الحشر:7]

📌 هذه من أعظم القواعد التي تعين على تعبيد القلب لرب العالمين، وتربيته على التسليم والانقياد.

🔅وهي تدل دلالة واضحة -كما يقول أبو نعيم، في بيان شيء من خصائصه صلى الله عليه وسلم -: «أن الله تعالى فرض طاعته على العالم فرضًا مطلقًا لا شرط فيه، ولا استثناء، فقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾، وقال: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه﴾ وإن الله تعالى أوجب على الناس التأسي به قولًا وفعلًا مطلقًا بلا استثناء، فقال: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾».

📍ولقد دأب العلماء على الاستدلال بهذه القاعدة في جميع أبواب العلم والدين..

🔅 وإليك هذه القصة التي رواها البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-، فإنه حينما قال: "لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله“ قال: فبلغ ذلك امرأةً من بني أسد يقال لها: أم يعقوب -وكانت تقرأ القرآن- فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك؟ أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله؟ فقال عبد الله: "وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في كتاب الله؟!“ فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته! فقال: "لئن كنتِ قرأتيه لقد وجدتيه! قال الله ﷻ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾“

💡إن هذه القاعدة لتدل بمفهومها على ضرورة حفظ السنة، إذ لا يتأتى العمل بالسنة إلا بعد حفظها حسًّا ومعنى.

▫️ومن تأمل واقع الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- وجدهم أصحاب القِدْح المُعَلَّى في تلقي الأوامر والنواهي بنفوسٍ مُسلِّمة، وقلوب مخبتة، ومستعدة للتنفيذ، ولا تجد في قاموسهم تفتيشًا ولا تنقيبًا: هل هذا النهي للتحريم أم للكراهة؟ ولا: هل هذا الأمر للوجوب أم للاستحباب؟ بل ينفذون ويفعلون ما يقتضيه النص، فأخذوا هذا الدين بقوة، فصار أثرهم في الناس عظيمًا وكبيرًا.

⚠️ ولما طغى على الناس -في القرون المتأخرة- كثرة السؤال والتنقيب: هل هذا الأمر واجب أم مستحب؟ وهل هذا مكروه أم محرم؟ صار أخذ كثير منهم لأوامر الله ونواهيه ضعيفًا، فصار أثر التعبد لله هزيلًا، والانقياد عسيرًا.

▪️إنني لا أنكر انقسام الأوامر إلى واجب ومستحب، ولا أنكر انقسام النواهي إلى محرم ومكروه.. لكن الذي يؤسَف عليه: أن أكثر الذين يسألون عن هذا التقسيم، ليس مرادهم طلب العلم وتحرير المسائل، بل التملص، والتنصل من الامتثال، وإلى هؤلاء يتوجه الحديث في هذه القاعدة القرآنية المحكمة: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾.

💡إنني موقن أن من ربى نفسه على ترك كل ما يُنهى عنه، وفعل كل ما يستطيعه من الأوامر، من غير تنقيب عن حال هذا النهي أو ذاك الأمر، بل يبادر تعبدًا لله تعالى بتعظيم الأمر والنهي؛ فإنه سيجد لذة عظيمة في قلبه؛ إنها لذة العيش في كنف العبودية، وظِلِّ الاستكانة والاستجابة والخضوع لله رب العالمين.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

التعديل الأخير تم بواسطة أم حذيفة ; 01-12-2021 الساعة 08:18 PM
رد مع اقتباس
  #47  
قديم 01-18-2021, 06:22 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

📩 قواعد قرآنية

القاعدة الخامسة والأربعون

🔅 {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114]

📌هذه قاعدة يحتاجها كل مؤمن، وعلى وجه الخصوص مَن عزم على الإقبال على ربه، وقرع باب التوبة.

🔅وكما أن هذه القاعدة صرَّحت بهذا المعنى، وهو إذهاب الحسنات للسيئات، فقد جاء في السنة ما يوافق هذا اللفظ تقريبًا، كما في الحديث الذي رواه الترمذي وحسَّنه من حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالِق الناس بخُلقٍ حسن"

💡إذا تبين معنى هذه القاعدة بإجمال، فليُعلَم أنّ إذهاب السيّئات يشمل أمرين:

١- إذهاب وقوعها، وحبّها في النفس، وكرهها، بحيث يصير انسياق النّفس إلى ترك السيّئات سَهْلًا وهيّنًا.

٢- ويشمل أيضًا محو إثمها إذا وقعت فضلًا من الله على عباده الصالحين.


📍ولقد بحث العلماء ههنا معنى السيئات التي تذهبها الحسنات، والذي يتحرر في الجمع بين أقوالهم أن يقال:

▫️إن كانت الحسنة هي التوبة الصادقة، سواء من الشرك، أو من المعاصي؛ ⇦فإن حسنة التوحيد، والتوبة النصوح لا تبقي سيئة إلا محتها وأذهبتها.

▫️وإن كان المراد بالحسنات عموم الأعمال الصالحة كالصلاة والصيام؛ ⇦فإن القرآن والسنة دلّا صراحةً على أن تكفير الحسنات للسيئات مشروط باجتناب الكبائر

إن الأمثلة التطبيقية التي توضح وتؤكد معنى هذه القاعدة لكثيرة جدًّا، لكن لعلنا نذكر بعضها تنبيهًا على باقيها، وأول ما نبدأ به من الأمثلة هو ما ذكره ربُّنا في الآية الكريمة التي تضمنتها هذه القاعدة، وهو:

١- إقامة الصلاة طرفي النهار -وهو مبتدأه ومنتهاه-، وساعاتٍ من الليل، ولا ريب أن أول ما يدخل في هذه الصلوات الخمس، كما يدخل فيها: بقية النوافل، كالسنن الرواتب، وقيام الليل.

٢- ومن تطبيقات هذه القاعدة، ما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: أن رجلا أصاب من امرأة قُبلةً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره؛ فأنزل الله ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ فقال الرجل: يا رسول الله ألي هذا؟! قال: «بل لجميع أمتي كلِّهم».

٣- قصة توبة القاتل الذي قتل تسعةً وتسعين نفسًا -وهي في الصحيحين- وهي قصة مشهورة جدًّا، والشاهد منها، أنه لما انطلق من أرض السوء إلى أرض الخير: «أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلًا بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط، فأتاه ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرْضَين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة».

📣 فإلى كلِّ من أسرف على نفسه، وقنَّطه الشيطان من رحمة ربه، لا تيأسنَّ ولا تقنطنَّ، فهذا رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فلما صحّت توبته، رحمه ربه ومولاه، مع أنه لم يعمل خيرًا قط من أعمال الجوارح سوى هجرته من بلد السوء إلى بلد الخير، أفلا تحرّك فيك هذه القصة الرغبة في هجرة المعاصي، والإقبال على من لا سعادة ولا أنس إلا بالإقبال عليه؟!

اللهم ارزقنا حسناتٍ تذهب سيئاتنا، وتوبة تجلو أنوارُها ظلمةَ الإساءة والعصيان.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

التعديل الأخير تم بواسطة أم حذيفة ; 01-18-2021 الساعة 06:40 AM
رد مع اقتباس
  #48  
قديم 01-31-2021, 03:30 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

📩 قواعد قرآنية

القاعدة السادسة والأربعون

🔅 {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [البقرة:197]

هذه قاعدة وثيقة الصلة بقضية مهمة في باب الصلة مع الله، ومع عباده.

إن هذه القاعدة الجليلة، لتربي في المؤمن معانٍ إيمانيةٍ وتربوية كثيرة -وهو في سيره إلى الله والدار الآخرة-، ولعلنا نلخص هذه المعاني فيما يلي:

🌟 أولًا: في هذه الآية ترغيب وحض على إخلاص العمل لله جلّ وعلا، وإن لم يطلع عليه أحد، بل إن الموفق من عباد الله من يحرص كل الحرص على إخفاء العمل عن الخلق ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وفي ذلك من الفوائد والعوائد على القلب والنفس الشيء الكثير.

🌟ثانيًا: من المعاني التي تربيها هذه القاعدة في نفوس أهلها:
راحة النفس، واطمئنان القلب؛

ذلك أن المُحسن إلى الخلق، المخلص في ذلك لا ينتظر التقدير والثناء من الخلق، بل يجد سهولةً في الصبر على نكران بعض الناس للجميل الذي أسداه، أو المعروف الذي صنعه! فإنه إذا كان يفعل الخير ويوقن بأن ربّه يعلمه علمًا يثيب عليه؛ هان عليه ما يجده من جحود ونكران، فضلًا عن التقصير في حقه،

🔅ولسان حاله -كما أخبر الله عن أهل الجنة-: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ [الإنسان:9]

ومع ما تقدّم ذكره، فإني أهدي لإخواني -الذين منّ الله عليهم بالإحسان إلى الخلق وابتُلوا بجفائهم- هذا النص النفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، حيث يقول في كلام طويل له حول هذا المعنى، قال:

«ولا يحملنّك هذا على جفوة الناس، وترك الإحسانِ إليهم واحتمالِ الأذى منهم، بل أحسِنْ إليهم لله، لا لرجائهم، وكما لا تخافهم؛ فلا ترجهم، وخَف اللهَ في الناس ولا تخف الناس في الله وارج الله في الناس ولا ترج الناس في الله،

🔅وكن ممن قال الله فيه: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى﴾ [الليل:١٧-٢٠]».

💬 وقال في موضع آخر -موصيًا من يتصدى لنفع الخلق-:

«وإذا أحسنَ إلى الناس فإنما يحسن إليهم: ابتغاء وجه ربه الأعلى، ويعلم أن الله قد منَّ عليه بأن جعله محسنًا، ولم يجعله مسيئًا، فيرى أن عمله لله وأنه بالله،

وهذا مذكور في فاتحة الكتاب ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ…﴾ ، فالمؤمن يرى: أن عمله لله لأنه إياه يعبد وأنه بالله؛ لأنه إياه يستعين، فلا يطلب ممن أحسن إليه جزاء ولا شكورًا؛ لأنه إنما عمل له ما عمل لله،

🔅كما قال الأبرار: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ [الإنسان:9]، ولا يمنّ عليه بذلك ولا يؤذيه، فإنه قد علم أن الله هو المانّ عليه إذ استعمله في الإحسان، وأن المنة لله عليه وعلى ذلك الشخص، فعليه هو: أن يشكر الله إذ يسره لليسرى، وعلى ذلك: أن يشكر الله إذ يسَّر له من يقدم له ما ينفعه من رزقٍ أو علمٍ أو نصر أو غير ذلك.

ومن الناس: من يحسن إلى غيره ليَمُنَّ عليه، أو يرد الإحسان له بطاعته إليه، وتعظيمه أو نفع آخر، وقد يمن عليه فيقول: أنا فعلت بك كذا، فهذا لم يعبد الله ولم يستعنه، ولا عمل لله ولا عمل بالله، فهو المرائي، وقد أبطل الله صدقة المنان، وصدقة المُرائي…».

والمقصود: أن من فهم ما ترشد إليه هذه القاعدة القرآنية المحكمة: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّه﴾ أقدَمَ على فعل الخير، وسهلَ عليه الصبر على تقصير الخَلق وجفائهم؛ لأنه لا يرجو سوى الله، نسأل الله تعالى بمنّه وكرمه أن يرزقنا فعل الخيرات، والإخلاص لله تعالى في كل ما نأتي ونذر.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ
رد مع اقتباس
  #49  
قديم 02-08-2021, 04:11 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

📩 قواعد قرآنية :

القاعدة السابعة والأربعون

🔅 {وَمَن يؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:11]

📌هذه قاعدة نحن بأمَسِّ الحاجة إليها كل حين، وخاصة حين يبتلى الإنسان بمصيبة من المصائب المزعجة، وما أكثرها في هذا العصر!

🔅وهذه القاعدة القرآنية جاء ذكرها ضمن آية في سورة التغابن يقول الله فيها: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}* [التغابن:11].

💡وتأمل كيف علق الله تعالى هداية القلب على الإيمان؛ ذلك أنّ الأصل في المؤمن أن يروّضه الإيمان على تلقي المصائب، واتباع ما يأمره الشرع به من البعد عن الجزع والهلع، متفكرًا في أن هذه الحياة لا تخلوا من منغصات ومكدرات؛

📍ومجيء هذه القاعدة في هذا السياق له دلالات مهمة، من أبرزها:

١- تربية القلب على التسليم على أقدار الله المؤلمة كما سبق.

٢- أن من أعظم ما يعين على تلقي هذه المصائب بهدوء وطمأنينة: الإيمان القوي برب العالمين، والرضا عن الله تعالى، بحيث لا يتردد المؤمن -وهو يعيش المصيبة- بأن اختيار الله خير من اختياره لنفسه، وأن العاقبة الطيبة ستكون له -ما دام مؤمنًا حقًا- فإن الله تعالى ليس له حاجة لا في طاعة العباد، ولا في ابتلائهم! بل من وراء الابتلاء حكمة بل حِكَمٌ وأسرار بالغة لا يحيط بها الإنسان، وإلا فما الذي يفهمه المؤمن حين يسمع قول النبي ﷺ: "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل"؟! ، وما الذي يوحيه للإنسان ما يقرأه في كتب السير والتواريخ من أنواع الابتلاء التي تعرض لها أئمة الدين؟!

💡إن الجواب باختصار شديد: «أن أثقال الحياة لا يطيقها المهازيل، والمرء إذا كان لديه متاع ثقيل يريد نقله، لم يستأجر له أطفالًا أو مرضى أو خوارين؛ إنما ينتقي له ذوي الكواهل الصلبة، والمناكب الشداد!! كذلك الحياة، لا ينهض برسالتها الكبرى، ولا ينقلها من طور إلى طور إلا رجال عمالقة وأبطال صابرون!».

🛑 ليس بوسع الإنسان أن يسرد قائمة بأنواع المصائب التي تصيب الناس وتكدّر حياتهم؛ لكن بوسعه أن ينظر في هدي القرآن في هذا الباب،

🔆 ذلك أن منهج القرآن الكريم في الحديث عن أنواع المصائب حديث مجمل، وتمثيل بأشهر أنواع المصائب، لكننا نجد تركيزًا ظاهرًا على طرق علاج هذه المصائب، ومن ذلك:

١- هذه القاعدة تنبه إلى أهمية الصبر والتسليم، وتعزيز الإيمان الذي يصمد لهذه المصائب.

٢- ومن طرق معالجة القرآن لشأن المصائب: الإرشاد إلى ذلك الدّعاء العظيم الذي جاء ذكره في سورة البقرة، يقول تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة:١٥٥-١٥٦].

٣- كثرة القصص عن الأنبياء وأتباعهم، الذين لقوا أنواعًا من المصائب والابتلاءات التي تجعل المؤمن يأخذ العبرة، ويتأسّى بهم، ويهون عليه ما يصيبه إذا تذكر ما أصابهم، وعلى رأسهم نبينا وإمامنا وسيدنا محمد ﷺ.

📍ويتبع هذا العلاجَ القرآني: النظر في سير الصالحين من هذه الأمة وغيرهم، ممن ابتلوا فصبروا، ثم ظفروا، ووجدوا -حقًّا- أثر الرضا والتسليم بهداية يقذفها الله في قلوبهم، وهم يتلقون أقدار الله المؤلمة، والمُوفَّق من تعامل مع البلاء بما أرشد الله إليه ورسولُه ﷺ، وبما أرشد إليه العقلاء والحكماء.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ
رد مع اقتباس
  #50  
قديم 02-09-2021, 02:56 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي


القاعدة الثامنة والأربعون:

*🔅 {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ} [البقرة:60]

📌هذه قاعدة قرآنية محكمة، سارت مسار الأمثال، وهي أثر من آثار حكمة الله تعالى في خلقه، تعين من تدبرها على رؤية الأمور بتوازن واعتدال...

💡وهذا المعنى جاءت الشريعة بتقريره بعبارات متنوعة، وجُمَلٍ مختصرة وألفاظ مختلفة، ولعلنا في هذه القاعدة نشير إلى أهم هذه التطبيقات التي حصل بسبب الإخلال بها بعضُ الآثار السيئة، وفات بسبب ذلك بعضُ المكاسب الطيبة، ذلكم هو:

⇚ أهمية معرفة الإنسان للمواهب والقدرات التي وهبه الله إياها، ليفيد في المجال الذي يناسبه ويتفق مع قدراته ومواهبه؛ إذ من المتقرر أن الناس ليسوا على درجة واحدة في المواهب والقدرات والطاقات، ولم يجتمع الكمال البشري إلا في الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.

📍فمعرفة الإنسان لما يحسنه ويتميز به مهم جدًا في تحديد المجال الذي ينطلق فيه؛ ليبدع ولينفع أمته؛ إذ ليس القصد هو العمل فحسب، بل الإبداع والإتقان.

🔅ومن نظر في سير الصحابة رضوان الله عليهم أدرك شيئًا من دقة تطبيقهم لمعاني هذه القاعدة التي نحن بصدد الحديث عنها (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ)؛ ◁فمنهم العالم المتخصص، ومنهم المعروف بالسِّنان ومقارعة الفرسان، وثالث يبدع في ميادين الشعر و البيان .

⚠️ وفي عصرنا هذا برز سِجالٌ نبَّه الإمام مالك على خطأ قصورِ النظر فيه؛

🔻فإنك واجدٌ في مقالات بعض الناس الذين نفروا للجهاد في سبيل الله عتابًا ولومًا لبعض العلماء المتفرغين للتعليم ونشر العلم، طالبين منهم النفير والخروج إلى الجهاد؛ لأن الجهاد أفضل الأعمال، وأنه فرض الوقت و..و… (في سلسلة من التعليلات التي يُصَدّرون بها هذا اللون من العتاب)،

🔺ويقابل ذلك -أحيانًا- عتابٌ آخر من قِبَل بعض المشتغلين بالعلم والدعوة، بلوم هؤلاء المتفرغين للجهاد، ورميهم لهم بأن كثيرًا منهم ليس بعالم، ولا يفقه كثيرًا من مسائل الشرع و..و.. (في سلسلة من المآخذ التي كان يمكن تهذيبها وتخفيف حدتها لو تأمل الجميع هذه القاعدة وما جاء في معناها).

❗️وفي الساحة نماذج كثيرة خسرت الأمة طاقاتهم؛ بسبب الإخلال بما دلّت عليه هذه القاعدة:

■ فهذا شاب مبدع في العلم، وآتاه الله فهمًا وقدرةً على الحفظ، وسلك طريقه في العلم، فيأتيه من يأتيه ليقنعه بالانخراط في العمل الخيري، وكأنه -وهو في طريق الطلب- في طريق مفضول، أو عمل مرجوح!

■ والعكس صحيح، فمن الشباب من يجتهد في طلب العلم، لكنه لا ينجح ولا يتقدم، ويعلم مَنْ حوله أنه ليس من أهل هذا الشأن، فليس من الحكمة في شيء أن يُطالَب هذا الرجل وأمثاله بأكثر مما بذل، فقد دلّت التجربة على أنه ليس من أحلاس العلم، فينبغي توجيهه إلى ما يحسنه من الأعمال؛ فالأمة بحاجة إلى طاقات في العمل الخيري، والإغاثي، والاجتماعي والدعوي.

💡وفيما أشرنا إليه في تنوع اهتمامات الصحابة رضوان الله عليهم ما يؤكد أهمية فهم هذه القاعدة على الوجه الصحيح؛ حتى لا نخسر طاقات نحن بأمسِّ الحاجة إليها، خصوصًا في هذا الزمن الذي تنوعت فيه الاهتمامات، وتعددت فيه طرائق خدمة الإسلام، ونفع الناس، والموفَّق من عرف ما يُحسِنه، فوظَّفه لخدمة دينه وأمته،

🔅وفي الأثر: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه" [أخرجه أبو يعلى وفي سنده ضعف لكن معناه صحيح]،

وكيف يتأتى الإتقان من شخص لا يحسن ما يعانيه ويعالجه؟!

🍃 هذه بعض هدايات الوحي فهل نتدبرها ونستفيد منها؛ من أجل فاعلية أكثر لطاقاتنا!

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



أوقات الصلاة لأكثر من 6 ملايين مدينة في أنحاء العالم
الدولة:

الساعة الآن 03:23 PM بتوقيت مسقط


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
Powered & Developed By Advanced Technology