يجِبُ العَدلُ بينَ الأبناءِ في الهِبةِ والعَطيَّةِ
سَأَلَتْ أُمِّي أبِي بَعْضَ المَوْهِبَةِ لي مِن مَالِهِ، ثُمَّ بَدَا له فَوَهَبَهَا لِي، فَقالَتْ: لا أرْضَى حتَّى تُشْهِدَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخَذَ بيَدِي وأَنَا غُلَامٌ، فأتَى بيَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: إنَّ أُمَّهُ بنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْنِي بَعْضَ المَوْهِبَةِ لِهذا، قالَ: ألَكَ ولَدٌ سِوَاهُ؟، قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَأُرَاهُ، قالَ: لا تُشْهِدْنِي علَى جَوْرٍ "وقالَ أبو حَرِيزٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، لا أشْهَدُ علَى جَوْرٍ."الراوي : النعمان بن بشير - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري .
- قالتِ امْرَأَةُ بَشِيرٍ: انْحَلِ ابْنِي غُلَامَكَ وَأَشْهِدْ لي رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأتَى رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: إنَّ ابْنَةَ فُلَانٍ سَأَلَتْنِي أَنْ أَنْحَلَ ابْنَهَا غُلَامِي، وَقالَتْ: أَشْهِدْ لي رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: أَلَهُ إخْوَةٌ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: أَفَكُلَّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ ما أَعْطَيْتَهُ؟ قالَ: لَا، قالَ: فليسَ يَصْلُحُ هذا، وإنِّي لا أَشْهَدُ إلَّا علَى حَقٍّ."الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم : 1624 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
الشرح:
اهتَمَّ الإسلامُ بتَصرُّفِ الآباءِ في مالهِم مع الأبناءِ في حَياتِهم؛ فأمَرَ الوالدينِ بالمُساواةِ بيْنَ الأولادِ ذُكورًا وإناثًا في العطاءِ في حَياتِهم، كما وَضَع القواعدَ والقيودَ والفرائضَ في الميراثِ لِما بعْدَ الموتِ؛ حتَّى لا يكونَ المالُ أداةً للنِّزاعِ، أو سَببًا للفُرقةِ والبَغضاءِ بيْنَ الإخوةِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ امرأةَ بَشيرٍ -وهي عَمْرَةُ بنتُ رَواحَةَ- قالت لِزوجِها بَشيرِ بنِ سَعدٍ رَضيَ اللهُ عنه: «انْحَلِ ابني» النُّعمانَ رَضيَ اللهُ عنه خَادمَك هَديَّةً، والنِّحْلةُ: العطيَّةُ بغَيرِ عِوَضٍ، والمرادُ بالخادمِ هنا العبدُ، ثمَّ قالتْ له: «وأَشْهِدْ لي رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ»، أي: اجْعلْه شَاهدًا أنَّكَ أعْطَيتَه ذلك على سَبيلِ الهِبةِ، وغَرَضُها بذلك تَثبيتُ العَطيَّةِ، فَجاءَ بَشيرُ بنُ سَعدٍ رَضيَ اللهُ عنه إلى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأخبَرَه بما قالتْ زَوجتُه، وأنَّه يُريدُه شاهدًا، فَسَألَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَلَه إخوةٌ؟ فَأجابَ: «نَعَمْ» له إخوةٌ، فقالَ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَفَكلَّهم أَعطيْتَهم مِثلَ ما أعطيْتَه؟ فَأجابَ: لا، فقدْ خَصَّ النُّعمانُ رَضيَ اللهُ عنه وحْدَه بتلك الهديَّةِ، فأخبَرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه لا يَصحُّ هذا الأمرُ أوِ العِطاءُ أوِ الإشهادُ، وقال له: وإِنِّي لا أشهدُ إلَّا على حقٍّ، أي: خالصٍ لا كراهةَ فيه، أو على حقٍّ دُونَ باطِلٍ.
وقدْ جاء عندَ مُسلمٍ مِن حَديثِ النُّعمانِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لبَشيرٍ رَضيَ اللهُ عنه: "أيَسُرُّكَ أنْ يَكونوا إليكَ في البِرِّ سَواءً؟ قال: بَلى، قال: "فلا إذنْ"، أي: فلا تَفعَلْ ذلك؛ ففيهِ تَنبيهٌ على أنَّ تلكَ العطيَّةَ مَدخَلٌ للمَفسدةِ المترتِّبةِ عليها، وهو العقوقُ له والخُصومةُ والمنازَعةُ بيْنَ الإخوةِ؛ لأنَّه فرَّقَ بيْنَ أولادِه في العطيَّةِ، فكما أنَّ الأبَ يُريدُ مِن جَميعِ أولادِه البِرَّ به؛ فيَجِبُ عليه العدلُ بيْنهم في كلِّ شَيءٍ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على ما يَجلُبُ التَّآلُفَ بَينِ الإخوةِ، وعلى تَرْكِ ما يُورِثُ العُقوقَ لِلآباءِ.
وفيه: النَّهْيُ عَن تحمُّلِ الشَّهادةِ فِيما ليس بِمباحٍ.
وفيه: أنَّ لِلإمامِ أنْ يَحْتَمِلَ الشَّهادةَ.
وفيه: الإشهادُ في الهبةِ. الدرر السنية.
اختلف الفقهاء في صفة العدل بين الذكور والإناث في الهبة، فمنهم من قال: إن العدل هنا هو التسوية بين الذكر والأنثى، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن حزم. ومنهم من قال: العدل أن يعطى الذكر مثل الأنثيين، كما في الميراث، وهو مذهب أحمد.
وينظر جواب السؤال رقم (22169) ، (67652) .الإسلام سؤال وجواب.