ملتقى قطرات العلم النسائي
 
 

الـــمـــصـــحـــــف الـــجـــامـــع
مـــصـــحـــــف آيـــــات
موقع الدرر السنية للبحث عن تحقيق حديث

العودة   ملتقى قطرات العلم النسائي > ::الملتقى العام:: > ملتقى عام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 01-05-2021, 06:38 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

القاعدة السادسة والعشرون: الأحكام في الآيات المقيدة:
الأصل: أن الآيات التي فيها قيود لا تثبت أحكامها إلا بوجود تلك القيود، إلا في آيات يسيرة. وهذه قاعدة لطيفة. فإن الله متى رتب في كتابه حكماً على شيء، وقيده بقيد، أو شرط لذلك شرطاً، تعلق الحكم به على ذلك الوصف، الذي وصفه الله تعالى.
وهذا في القرآن لا حصر له. وإنما المقصود ذكر المستثنى من هذا الأصل الذي يقول كثير من المفسرين- إذا تكلموا عليها-: هذا قيد غير مراد. ففي هذه العبارة نظر؛ فإن كل لفظة في كتاب الله فإن الله أرادها لما فيها من فائدة، وقد تظهر للمخاطب وقد تخفى. وإنما مرادهم بقولهم: (غير مراد) ثبوت الحكم لها.
فاعلم أن الله تعالى يذكر الأحكام الشرعية من أصول وفروع، ويذكر أعلى حالة لها ليبرزها لعباده، وليظهر لهم حسنها، إن كانت مأموراً بها، أو قبحها إن كانت منهياً عنها.
وعند تأمل هذه الآيات التي بهذا الصدد يظهر لك هذا منها عياناً.
فمنها قوله تعالى:*{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ}*[المؤمنون: 117] ومن المعلوم أن من دعا مع الله إلهاً آخر فإنه كافر، وأنه ليس له برهان مطلقاً. وإنما قيدها الله بهذا القيد بياناً لشناعة الشرك والمشرك وأن الشرك ليس له دليل شرعي، ولا عقلي قطعاً، والمشرك ليس بيده ما يُسوِّغ له شيئاً من ذلك.
ففائدة هذا القيد: التشنيع البليغ على المشركين من المعاندة ومخالفة البراهين الشرعية والعقلية، وأنه ليس بأيديهم إلا أغراض نفسية ومقاصد سيئة، وأنهم لو التفتوا أدنى التفات لعرفوا أن ما هم عليه لا يستجيزه من له أدنى إيمان ولا معقول.
ومنها قوله تعالى:*{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}*[النساء: 23] مع أن كونها في حجره أو في غير حجره ليس شرطاً لتحريمها، فإنها تحرم مطلقاً. ولكن ذكر الله هذا القيد تشنيعاً لهذه الحالة، وأنه من القبيح إباحة الربيبة التي هي في حجر الإنسان بمنزلة بنته. فذكر الله المسألة متجليةً بثياب قبحها، لينفر عنها ذوي الألباب، مع أن التحريم لم يُعلَّق بمثل هذه الحالة. فالأنثى إما أن تكون مباحة مطلقاً، أو محرمة مطلقاً، سواء كانت عند الإنسان أم لا. كحالة بقية النساء المحللات والمحرمات.
رد مع اقتباس
  #32  
قديم 01-05-2021, 06:41 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

ومنها قوله تعالى:*{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ}*[الإسراء: 31] و{مِنْ إِمْلاقٍ}*[الأنعام: 151] مع أن المعلوم النهي على قتل الأولاد على أي حال. فالفائدة في ذكر هذه الحالة: أنها حالة جامعة للشر كله: كونه قتل بغير حق، وقتل مَنْ جُبلت النفوس على شدة الشفقة عليه شفقةٍ لا نظير لها، وكون ذلك صادراً عن التسخط لقدر الله، وإساءة الظن بالله. فأولئك الذين يقتلون أولادهم خشية الفقر والإملاق إنما يقتلونهم تبرماً وتسخطاً بقدر الله، فهم قد تبرموا بالفقر هذا التبرم، وأساءوا ظنونهم بربهم حيث ظنوا أنهم إن أبقوهم زاد فقرهم، واشتدت فاقتهم، فصار الأمر بالعكس.
وأيضاً فإنه إذا كان منهياً عن قتلهم في هذه الحال التي دفعهم إليها خشية الفقر وحدوثه، ففي حال سعة الرزق من باب أولى وأحرى.
وأيضاً ففي هذا: بيان للحالة الموجودة غالباً عندهم، فالتعرض لذكر الأسباب الموجودة في الحادثة يكون أجلى وأوضح للمسائل.
وأما قوله تعالى في الرجعة:*{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً}*[البقرة: 228] فمن العلماء من قال: إنه من هذا النوع، وإنه يستحق ردها سواء أراد الإصلاح أم لم يرده، فيكون ذكر هذا القيد حثاً على لزوم ما أمر الله به من قصد الإصلاح، وتحريماً لردها على وجه المضارة، وإن كان يملك ردها، كقوله تعالى:*{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}*[البقرة: 231].
ومن العلماء من جعل هذا القيد على الأصل العام، وأن الزوج لا يستحق رجعة زوجته في عدتها إلا إذا قصد الإصلاح. فأما إذا قصد ضد ذلك فلا حق له في رجعتها، وهذا هو الصواب.
ومنها قوله تعالى:*{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}*[البقرة: 283] مع أن الرهن يصح حضراً وسفراً. ففائدة هذا القيد: أن الله ذكر أعلى الحالات، وأشد الحاجات للرهن، وهي هذه الحالة في السفر، والكاتب مفقود، والرهن مقبوض، فأحوج ما يحتاج الإنسان للرهن في هذه الحالة التي تعذرت فيها التوثيقات إلا بالرهن المقبوض، وكما قاله الناس في قيد السفر فكذلك على الصحيح في قيده بالقبض، وأن قبضه ليس شرطاً لصحته، وإنما ذلك للاحتياط وزيادة الاستيثاق، وكذلك فقد الكاتب.
ومنها قوله:*{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ …

التعديل الأخير تم بواسطة أم حذيفة ; 01-05-2021 الساعة 06:44 AM
رد مع اقتباس
  #33  
قديم 01-05-2021, 06:43 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}*[البقرة: 282] مع أن الحق يثبت بالرجل والمرأتين ومع وجود الرجلين، ولكن ذكر الله أكمل حالة يحصل بها الحفظ للحقوق، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد الواحد مع اليمين، والآية ليس فيها ذلك لهذه الحكمة، وهو أن الآية أرشد الله فيها عباده إلى أعلى حالة يحفظون بها حقوقهم، لتمام راحتهم وحسم اختلافهم ونزاعهم.
وأما قوله تعالى:*{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}*[الأعلى: 9] فإنها من أصل هذه القاعدة، ويظن بعض الناس أنها من هذا النوع، وأنه يجب التذكير، نفعت الذكرى أو لم تنفع. ولكن قصر الآية على هذا غلط، فنفع الذكرى إذا كان يحصل بها الخير كله أو بعضه أو يزول بها الشر كله أو بعضه. فأما إذا كان ضرر التذكير أعظم من نفعه فإنه منهي عنه في هذه الحالة، كما نهى الله عن سب آلهة المشركين إذا كان وسيلة لسب الله. وكما ينهى عن الأمر بالمعروف إذا كان يترتب عليه شر أكبر أو فوات خير أكثر من الخير الذي يؤمر به، وكذلك النهي عن المنكر إذا ترتب عليه ما هو أعظم منه من شر أو ضرر. فالتذكير في هذه الحال غير مأمور به بل منهي عنه، وكل هذا من تفصيل قوله تعالى:*{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ}*[النحل: 125] فعُلم أن هذا قيد مراد ويرتبط الحكم به ثبوتاً وانتفاء والله أعلم.
ومنها قوله تعالى:*{وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ}*[البقرة: 61] مع أنه لا يقع قتلهم إلا بغير الحق. فهذا نظير ما ذكره في الشرك، وأن هذا إنما هو لتشنيع هذه الحالة التي لا شبهة لصاحبها، بل صاحبها أعظم الناس جرماً، وأشدهم إساءة.
وأما قوله تعالى:*{وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}*[الأنعام: 151] فليست من هذا النوع وإنما هي من النوع الأول الذي هو الأصل، والحق الذي قيّدها الله به جاء مفسَّراً في قوله صلى الله عليه وسلم:*«النفس بالنفس، والزاني المحصن، والتارك لدينه المفارق لجماعة». رواه البخاري (6878) ومسلم (1676).
ومنها قوله تعالى:*{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}*[النساء: 43] مع أن فقد الماء ليس من شرطه وجود السفر، فإنه إذا فُقد جاز التيمم حضراً وسفراً، ولكن ذكر السفر لبيان الحالة التي يغلب أن يفقد فيها الماء، أما الحضر فإنه يندر فيه عدم وجود الماء جداً.
ومن هذا السبب ظن بعض العلماء أن السفر وحده مبيح للتيمم وإن كان الماء موجوداً، وهذا في غاية الضعف، وهدي الرسول وأصحابه مخالف لهذا القول.
ومن ذلك قوله تعالى:*{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}*[النساء: 101] مع أن الخوف ليس شرطاً لصحة القصر ومشروعيته بالاتفاق. ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا أجاب:*«صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته»*ويعني وصدقة الله وإحسانه في كل زمان ومكان لا يتقيد بخوف ولا غيره.
ومن العلماء من قال: إن هذا القيد من القسم الأول وأن القصر التام- وهو قصر العدد وقصر الأركان والهيئات- شرطه اجتماع السفر والخوف كما في الآية، فإن وجد الخوف وحده لم يقصر عدد الصلاة وإنما تقصر هيئاتها وصفاتها. وإن وجد السفر وحده لم تقصر هيئاتها وشروطها وإنما يقصر عددها. ولا ينافي هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم إنما سألوه عن قصر العدد فقط فأجابهم بأن الرخصة فيه عامة في كل الأحوال.
وهذا تقرير مليح موافق لظاهر الآية غير مخالف لحديث الرسول فيتعين الأخذ به.


يتبع.
🔁🔁🔁🔁🔁🔁🔁
رد مع اقتباس
  #34  
قديم 01-07-2021, 04:14 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

القاعدة السابعة والعشرون
المحترزات في القرآن تقع في كل المواضع في أشد الحاجة إليها:
وهذه القاعدة جليلة النفع، وعظيمة الوقع.
وذلك أن كل موضع يسوق الله فيه حكماً من الأحكام أو خبراً من الأخبار فيتشوف الذهن فيه إلى شيء آخر، إلا وجدت الله قرَن به ذلك الأمر الذي يعلق في الأذهان، فيبينه أحسن بيان. وهذا أعلى أنواع التعليم، الذي لا يبقي إشكالاً إلا أزاله، ولا احتمالاً إلا أوضحه. وهذا يدل على سعة علم الله وحكمته. وذلك في القرآن كثير جداً.
ولنذكر بعض أمثلة توضح هذه القاعدة، وتحسن للداخل الدخول إليها.
فمن ذلك قوله تعالى:*{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا}*[النمل: 91] لمَّا خصها بالذكر ربما وقع في بعض الأذهان تخصيص ربوبيته بها أزال هذا الوهم بقوله:*{وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ}*[النمل: 91].
ومنها قوله تعالى:*{فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ}*[هود: 109] لمَّا كان قد يقع في الذهن أنهم على حجة وبرهان فأبان بقوله:*{مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ}*[هود: 109] أنهم ضُلَّال اقتدوا بمثلهم، ثم لما كان قد يتوهم المتوهم أنهم في طمأنينة من قولهم، وعلى يقين من مذهبهم، وربما يتوهم أيضاً أن الأليق ألا يبسط لهم الدنيا احترز من ذلك بقوله:*{وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَأنهم لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110)}*[هود: 109- 110].
ولما قال تعالى:*{لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}*[النساء: 95] ربما يظن الظان أنهم لا يستوون مع المجاهدين ولو كان القاعدون معذورين. أزال هذا الوهم بقوله:*{غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}*[النساء: 95].
وكذلك لما قال:*{لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا}*[الحديد: 10] ربما توهم أحد أن المفضولين ليس لهم عند الله مقام ولا مرتبة، فأزال هذا الوهم بقوله:*{وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}*[الحديد: 10] ثم لما كان ربما يتوهم أن هذا الأجر يُستحق بمجرد هذا العمل المذكور، ولو خلا من الإخلاص، أزال هذا الوهم بقوله:*{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}*[الحديد: 10].
ومنها: قوله تعالى:*{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ}*[النمل: 48] ربما وقع في الذهن أنهم يفسدون وقد يصلحون، فأزال هذا الوهم بقوله:*{وَلا يُصْلِحُونَ}*[النمل: 48] أي: لا خير فيهم أصلاً مع شرهم العظيم.
ومنها: أنه قال في عدة مواضع:*{وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ}*فربما توهم أحد أنهم وإن لم يسمعوا فإنهم يفهمون الإشارة. فأزال هذا الاحتمال بقوله:*{إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}*[النمل: 80] فهذه الحالة لا تقبل سماعاً ولا رؤية لتحصل الإشارة، وهذا نهاية الإعراض.
ومنها قوله:*{وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}*ربما توهم أحد أن هدايته تأتي جزافاً من غير سبب. فأزال هذا بقوله:*{وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}*[القصص: 56] أي: بمن يصلح للهداية لزكاته وخيره ممن ليس كذلك، فأبان أن هدايته تابعة لحكمته التي هي وضع الأشياء مواضعها. ومن كان حسن الفهم رأى من هذا النوع شيئاً كثيراً.

يتبع.
🔁🔁🔁🔁🔁🔁🔁
رد مع اقتباس
  #35  
قديم 01-08-2021, 06:55 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

القاعدة الثامنة والعشرون: في ذكر الأوصاف الجامعة التي وصف الله بها المؤمن:
لما كان الإيمان أصل كل الخير كله والفلاح، وبفقده يفقد كل خير ديني ودنيوي وأخروي، أكثر الله من ذكره في القرآن جداً: أمراً به، ونهياً عن ضده، وترغيباً فيه، وبياناً لأوصاف أهله، وما لهم من الجزاء الدنيوي والأخروي.
فأما إذا كان المقام مقامَ خطاب للمؤمنين بالأمر والنهي، أو مقامَ إثبات الأحكام الدنيوية بوصف الإيمان، فإنها تتناول كل مؤمن، سواء كان متمما لواجبات الإيمان وأحكامه، أو ناقصاً في شيءٍ منها.
وأما إذا كان المقام مقام مدح وثناء وبيان الجزاء الكامل للمؤمن: فإنما المراد بذلك المؤمن حقاً الجامع لمعاني الإيمان.
وهذا هو المراد بيانه هنا. فنقول:
وصف الله المؤمن في كتابه باعترافه وتصديقه بجميع عقائد الدين وبإرادة ما يحبه الله ويرضاه، وبالعمل بما يحبه الله ويرضاه، وبترك جميع المعاصي، وبالمبادرة بالتوبة مما صدر منه منها، وبأن إيمانهم أثر في أخلاقهم وأقوالهم وأفعالهم الآثار الطيبة.
فوصف المؤمنين بالإيمان بالأصول الجامعة: وهي الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وأنهم يؤمنون بكل ما أتت به الرسل كلهم ويؤمنون بالغيب، ووصفهم بالسمع والطاعة، والانقياد ظاهراً وباطناً، ووصفهم بأنهم:*{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا}*[الأنفال: 2- 4].
ووصفهم بأن جلودهم تقشعر، وعيونهم تفيض من الدمع، وقلوبهم تلين وتطمئن لآيات الله وذكره، وبأنهم يخشون ربهم بالغيب والشهادة، وأنهم يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون.
ووصفهم بالخشوع في أحوالهم عموماً، وفي الصلاة خصوصاً وأنهم عن اللغو معرضون، وللزكاة فاعلون، ولفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم. وأنهم بشهاداتهم قائمون، ولأماناتهم وعهدهم مُراعون.
ووصفهم باليقين الكامل الذي لا ريب فيه، وبالجهاد بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله.
ووصفهم بالإخلاص لربهم في كل ما يأتون ويذرون.
ووصفهم بمحبة المؤمنين والدعاء لإخوانهم من المؤمنين السابقين واللاحقين، وأنهم مجتهدون في إزالة الغل من قلوبهم على المؤمنين، وبأنهم يتولون الله ورسوله وعباده المؤمنين، ويتبرءون من موالاة جميع أعداء الدين، وبأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويطيعون الله ورسوله في كل أحوالهم.
فجمع الله لهم بين العقائد الحقة واليقين الكامل، والإنابة التامة التي آثارها الانقياد لفعل المأمورات وترك المنهيات، والوقوف الحدود الشرعية.
فهذه الأوصاف الجليلة هي وصف المؤمن المطلق الذي سلم من العقاب، واستحق الثواب، ونال كل خير رُتِّب على الإيمان.
فإن الله رتب على الإيمان في كتابه من الفوائد والثمرات ما لا يقل عن مائة فائدة، كل واحدة منها خير من الدنيا وما فيها.
رتب على الإيمان نيل رضاه الذي هو أكبر من كل شيء، ورتب عليه دخول الجنة والنجاة من النار، والسلامة من عذاب القبر ومن صعوبات القيامة وتعثر أحوالهم، والبشرى الكاملة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، والثبات في الدنيا على الإيمان والطاعات وعند الموت وفي القبر على الإيمان والتوحيد والجواب النافع السديد، ورتب عليه الحياة الطيبة في الدنيا والرزق والحسنة وتيسيره العبدَ لليسرى وتجنيبه للعسرى، وطمأنينة القلوب وراحة النفوس والقناعة التامة، وصلاح الأحوال، وصلاح الذرية، وجعلهم قرة عين للمؤمن، والصبر عند المحن والمصائب.
وحمْل الله عنهم الأثقالَ، ومدافعة الله عنهم جميع الشرور، والنصر على الأعداء، ورفع المؤاخذة عن الناسي والجاهل والمخطئ منهم، وأن الله قد وضع عنهم الآصار والأغلال ولم يحملهم ما لا طاقة لهم فيه، ومغفرة الذنوب بإيمانهم والتوفيق للتوبة.
فالإيمان أكبر وسيلة للقرب من الله والقرب من رحمته، ونيل ثوابه، وأكبر وسيلة لمغفرة الذنوب، وإزالة الشدائد أو تخفيفها.
وثمرات الإيمان على وجه التفصيل كثيرة، وبالجملة خيرات الدنيا والآخرة مرتبة على الإيمان، كما أن الشرور مرتبة على فقده، والله أعلم.

يتبع.
🔁🔁🔁🔁🔁🔁🔁
رد مع اقتباس
  #36  
قديم 01-09-2021, 01:12 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

القاعدة التاسعة والعشرون: في الفوائد التي يجتنيها العبد في معرفته وفهمه لأجناس علوم القرآن:
وهذه القاعدة تكاد تكون هي المقصود الأعظم في علم التفسير وذلك أن القرآن مشتمل على علوم متنوعة، وأصناف جليلة من العلوم. فعلى العبد أن يعرف المقصود من كل نوع منها، ويعمل على هذا، ويتتبع الآيات الواردة فيه، فيحصِّل المراد منها: علماً وتصديقاً وحالاً وعملاً.
فأجلُّ علوم القرآن على الإطلاق: علم التوحيد، وما لله من صفات الكمال، فإذا مرت عليه الآيات في توحيد الله وأسمائه وصفاته أقبل عليها، فإذا فهمها وفهم المراد بها أثبتها لله على وجه لا يماثله فيه أحد، وعَرَفَ أنه كما ليس لله مثيل في ذاته فليس له مثيل في صفاته، وامتلأ قلبه من معرفة ربه وحبه بحسب علمه بكمال الله وعظمته. فإن القلوبَ مجبولةٌ على محبة الكمال، فكيف بمن له كل الكمال؟ ومنه جميع النعم الجِزَال. ويعرف أن أصل الأصول هو الإيمان بالله، وأن هذا الأصل يقوى ويكمل بحسب معرفة العبد لربه، وفهمه لمعاني صفاته ونعوته وامتلاء القلب بمعرفتها ومحبتها.
وأيضاً يعرف أنه بتكميله هذا العلم تكمل علومه وأعماله. فإن هذا هو أصل العلم وأصل التعبد.
ومن علوم القرآن: صفات الرسل وأحوالهم، وما جرى لهم وعليهم، مع من وافقهم ومن خالفهم. وما هم عليه من الأوصاف الوافية. فإذا مرت عليه هذه الآيات عرف بها أوصافهم وازدادت معرفته ومحبته لهم، وعرف ما هم عليه من الأخلاق والأعمال خصوصاً إمامهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم. فيقتدي بأخلاقهم وأعمالهم بحسب ما يقدر عليه، ويفهم أن الإيمان بهم تمامه وكماله: بمعرفته التامة بأحوالهم ومحبتهم واتباعهم. وفي القرآن من نعوتهم الشيء الكثير الذي يحصل به تمام الكفاية.
ويستفيد أيضاً الاقتداء بتعليماتهم العالية وإرشاداتهم للخلق وحسن خطابهم ولطفَ جوابهم وتمام صبرهم. فليس القصد من قصصهم أن تكون سمراً!! وإنما القصد أن تكون عبراً.
ومن علوم القرآن: علم أهل السعادة والخير وأهل الشقاوة والشر. وفي معرفته لهم ولأوصافهم ونعوتهم فوائد الترغيب والاقتداء بالأخيار، والترهيب من أحوال الأشرار، والفرقان بين هؤلاء وهؤلاء، وبيان الصفات والطرق التي وصل بها هؤلاء إلى دار النعيم، ووصل بها أولئك إلى دار الجحيم، ومحبة هؤلاء الأتقياء من الإيمان، كما أن بغض أولئك من الإيمان. وكلما كان العبد أعرف بأحوالهم تمكن من هذه المقاصد.
ومن علوم القرآن: علم الجزاء في الدنيا والبرزخ والآخرة على أعمال الخير وأعمال الشر.
وفي ذلك مقاصد جليلة: الإيمان بكمال عدل الله وسعة فضله والإيمان باليوم الآخر، فإن تمامَ الإيمان بذلك يتوقف على معرفة ما يكون فيه، والترغيب والترهيب والرغبة في الأعمال التي رتب الله عليها الجزاء الجزيل، والرهبةُ من ضدها.
ومن علوم القرآن: الأمر والنهي.
وفي ذلك مقاصد جليلة: معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله؛ فإن العباد محتاجون إلى معرفة ما أمروا به وما نهوا عنه، وبالعمل بذلك والعلم سابق للعمل، وطريق ذلك: إذا مر على القارئ نص فيه أمر بشيء عرفه وفَهِم ما يدخل فيه وما لا يدخل فيه، وحاسب نفسه: هل هو قائم بذلك كله أو بعضه أو تاركه؟ فإن كان قائماً به فليحمد الله، ويسأله الثبات والزيادة من الخير. وإن كان مقصراً فيه فليعلم أنه مطالب به وملزم به. فليستعن بالله على فعله، وليجاهد نفسه على ذلك.
وكذلك في النهي ليعرف ما يراد منه، وما يدخل في ذلك الذي نهى الله عنه، ثم لينظر إلى نفسه فإن كان قد ترك ذلك فليحمد الله على توفيقه، ويسأله أن يثبته على ترك المناهي كما يسأله الثبات على فعل الطاعات؛ وليجعل الداعي له على الترك امتثال طاعة الله، ليكونَ تركه عبادةً، كما كان فعله للطاعة عبادة، وإن كان غير تارك له فليتبْ إلى الله منه توبة نصوحا جازمة وليبادر، ولا تمنعه الشهوات الدنية ما تدعوه إليه النفس الأمارة بالسوء.
فمن كان عند هذه المطالب وغيرها عاملاً على هذه الطريقة فإنه ماش على الصراط المستقيم والطريقة المثلى فيما عليه من الاسترشاد بكتاب الله وحصل له بذلك علم غزير وخير كثير.

يتبع.
🔁🔁🔁🔁🔁🔁🔁
رد مع اقتباس
  #37  
قديم 01-10-2021, 10:42 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

القاعدة الثلاثون: أركان الإيمان بالأسماء الحسنى ثلاثة: إيماننا بالاسم، وبما دل عليه من المعنى، وبما تعلق به من الآثار:
وهذه القاعدة العظيمة: خاصة بأسماء الرب سبحانه وتعالى.
وفي القرآن من الأسماء الحسنى ما ينيِّف عن ثمانين اسما- كُررت في آيات متعددة، بحسب ما يناسب المقام، كما تقدم بعض الإشارة إليها.
وهذه القاعدة تنفعك في كل اسم من أسمائه الحسنى المتعلقة بالخلق والأمر، والثواب والعقاب.
فعليك أن تؤمن بأنه عليم، وذو علم عظيم، ومحيط بكل شيء، قدير، وذو قدرة وقوة عظيمة ويقدر على كل شيء، ورحيم، وذو رحمة عظيمة ورحمته وسعت كل شيء والثلاثة متلازمة.
فالاسم دل على الوصف، وذلك دل على المتعلق. فمن نفى واحداً من هذه الأمور الثلاثة فإنه لم يتم إيمانه بأسماء الرب وصفاته، الذي هو أصل التوحيد.
ولنكتف بهذا الأنموذج ليعرف أن الأسماء كلها على هذا النمط.

يتبع.
رد مع اقتباس
  #38  
قديم 01-12-2021, 08:48 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

القاعدة الحادية والثلاثون: ربوبية الله في القرآن على نوعين: عامة وخاصة:
كثر في القرآن ذكر ربوبية الرب لعباده ومتعلقاتها ولوازمها. وهي على نوعين:
ربوبية عامة: يدخل فيها جميع المخلوقات: برها وفاجرها بل مكلفوها وغير المكلفين، حتى الجمادات. وهي أنه تعالى المنفرد بخلقها ورزقها وتدبيرها، وإعطائها ما تحتاجه أو تضطر إليه في بقائها، وحصول منافعها ومقاصدها فهذه التربية لا يخرج عنها أحد.
والنوع الثاني: في تربيته لأصفيائه وأوليائه، فيربيهم بالإيمان الكامل، ويوفقهم لتكميله ويُكملهم بالأخلاق الجميلة، ويدفع عنهم الأخلاقَ الرذيلة، وييسرهم لليسرى ويجنبهم العسرى. وحقيقتها: التوفيق لكل خير، والحفظ من كل شر، وإنالة المحبوبات العاجلة والآجلة، وصرف المكروهات العاجلة والآجلة.
فحيث أُطلقت ربوبيته تعالى فإن المراد بها المعنى الأول، مثل قوله تعالى:*{رَبِّ الْعَالَمِينَ}*[الفاتحة: 2]،*{وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ}*[الأنعام: 164] ونحو ذلك.
وحيث قُيدت بما يحبه ويرضاه، أو وقع السؤال بها من الأنبياء وأتباعهم، فإن المراد بها النوع الثاني. وهو متضمن للمعنى الأول وزيادة؛ ولهذا تجد أسئلة الأنبياء وأتباعهم في القرآن بلفظ الربوبية غالباً فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة. فملاحظة هذا المعنى نافعة أعظم النفع للعبد.
ونظير هذا المعنى الجليل: أن الله أخبر في عدة آيات أن الخلق كلهم عباده وعبيده:*{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً}*[مريم: 93] فكلهم مماليكه، وليس لهم من الملك والأمر شيء. ويخبر في بعض الآيات أن عباده بعض خلقه كقوله:*{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً}*[الفرقان: 63] ثم ذكر صفاتهم الجليلة. وكقوله:*{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}*[الزمر: 36] وفي قراءة*{عبدِهِ}*وقوله:*{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}*[الإسراء: 1] وقوله:*{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا}*[البقرة: 23] فالمراد بهذا النوع من قاموا بعبودية الله، وأخلصوا له الدين على اختلاف طبقاتهم.
فالعبودية الأولى: يدخل فيها البر والفاجر.
والعبودية الثانية: صفة الأبرار. ولكنَّ الفرق بين الربوبية والعبودية: أن الربوبية وصف الرب وفعله، والعبودية وصف العبيد وفعلهم.

يتبع.
🔁🔁🔁🔁🔁🔁🔁
رد مع اقتباس
  #39  
قديم 01-14-2021, 04:06 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

القاعدة الثانية والثلاثون: الأمر بالشيء نهي عن ضده:
إذا أمر الله بشيء كان ناهياً عن ضده، وإذا نهى عن شيء كان آمراً بضده، وإذا أثنى على نفسه أو على أوليائه وأصفيائه بنفي شيء من النقائص كان ذلك إثباتاً للكمال.
وذلك: بأنه لا يمكن امتثال الأمر على وجه الكمال إلا بترك ضده، فحيث أمر بالتوحيد والصلاة والزكاة والصوم والحج وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والعدل والإحسان، كان ناهياً عن الشرك وعن ترك الصلاة وترك الزكاة وترك الصوم وترك الحج وعن العقوق والقطيعة والظلم والإساءة، وحيث نهى عن الشرك وترك الصلاة... إلى آخر المذكورات. كان آمراً بالتوحيد وفعل الصلاة إلى آخرها.
وحيث أمر بالصبر والشكر، وإقبال القلب على الله إنابة ومحبة وخوفاً ورجاء، كان ناهياً عن الجزع والسخط وكفران النعم وإعراض القلب عن الله في تعلق هذه الأمور بغيره. وحيث نهى عن الجزع وكفران النعم وغفلة القلب، كان آمراً بالصبر إلى آخر المذكورات.
وهذا ضربُ مثلٍ، وإلا فكل الأوامر والنواهي على هذا النمط، وكذلك المدح لا يكون إلا بإثبات الكمالات، فحيث أثنى على نفسه، وذكر تنزهه عن النقائص والعيوب: كالنوم والسِّنة واللُّغوب والموت، وخفاء شيء في العالم من الأعيان والصفات والأعمال وغيرها، والظلم والعبث واللعب وخلق شيء باطلاً وأن يكون عطاؤه أو جزاؤه جزافاً بلا حكمة، فَلتَضمن ذلك الثناء عليه بكمال حياته، وكمال قيوميته، وقدرته، وسعة علمه، وكمال عدله وحكمته؛ لأن العدم المحض لا كمال فيه، حتى ينفي تكميلاً للكمال.
وكذلك إذا نفى الله عن كتابه الريب والاختلافَ والشك والإخبارَ بخلاف الواقع كان ذلك لكمال دلالته على اليقين في جميع المطالب، واشتماله على الأحكام، والانتظام التام والصدق الكامل، إلى غير ذلك من صفات كتابه.
وكذلك إذا نفى عن رسوله صلى الله عليه وسلم الكذب، والتقول على الله، واتباع الهوى والجنون والسحر والشعر ونحوها، كان ذلك لأجل إثبات كمال صدقه، وأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، ولكمال عقله ولزوال كل ما يقدح في كمال نبوته ورسالته.
فتفطن لهذه القاعدة في كل ما يمر عليك من الآيات القرآنية في هذه الأمور وغيرها، تنل خيراً كثيراً. والله أعلم.
يتبع.
رد مع اقتباس
  #40  
قديم 01-16-2021, 12:20 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

القاعدة الثالثة والثلاثون: المرض في القرآن- مرض القلوب- نوعان: مرض شبهات وشكوك، ومرض شهوات ومحرمات:
والطريق إلى تميز هذا من هذا- مع كثرة ورودهما في القرآن- يُدرك من السياق.
فإن كان هذا السياق في ذم المنافقين والمخالفين في شيء من أمور الدين، كان مرضَ الشكوك والشبهات، وإن كان السياق في ذكر المعاصي والميل كان مرضَ الشهوات. ووجه انحصار المرض في هذين النوعين: أن مرض القلب خلاف صحته، وصحة القلب الكاملة بشيئين: كمال علمه ومعرفته ويقينه، وكمال إرادته وحبه لما يحبه الله ويرضاه.
فالقلب الصحيح: هو الذي عرف الحق واتبعه، وعرف الباطل واجتنبه، فإن كان علمه شكاً وعنده شبهات تُعارض ما أخبر الله به من أصول الدين وفروعه، كان علمه منحرفاً وكان مرض قلبه قوة وضعفاً بحسب هذه الشكوك والشبهات. وإن كانت إرادته ومحبته مائلة لشيء من معاصي الله، كان ذلك انحرافا في إرادته ومرضاً.
وقد يجتمع الأمران فيكون القلب منحرفاً في علمه وفي إرادته.
فمن النوع الأول: قوله تعالى:*{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}*[البقرة: 10] وهي التقاليد والشكوك والشبهات المعارضة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم*{فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً}*[البقرة: 10] عقوبة على ذلك المرض الناتج عن أسباب متعددة، كلها منهم، وهم فيها غير معذورين.
ونظير هذا قوله تعالى في سورة براءة:*{وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ}*[التوبة: 125].
وكذلك قوله تعالى:*{لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ}*[الحج: 53] فإن مريض القلب بالشكوك وضعف العلم أقل شيء يريبه ويؤثر فيه ويفتتن به.
ومن الثاني: قوله تعالى في سورة الأحزاب:*{فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً}*[الأحزاب: 32] أي: مرض شهوة وإرادة للفجور، أقل شيء من أسباب الافتنان يوقعه في الفتنة طمعاً أو فعلاً. فكل من أراد شيئاً من معاصي الله فقلبه مريض مرض شهوة، ولو كان صحيحاً لاتصف بصفات الأذكياء الأبرياء الأتقياء الموصوفين بقوله في سورة الحجرات:*{وَلكنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً}*[الحجرات: 7- 8].
فمن كان قلبه على هذا الوصف الذي ذكره الله، فليحمده على هذه النعمة التي لا يقاومها شيء من النعم. وليسأل الله الثبات على ذلك، والزيادة من فضل الله ورحمته.

يتبع.
🔁🔁🔁🔁🔁🔁🔁
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



أوقات الصلاة لأكثر من 6 ملايين مدينة في أنحاء العالم
الدولة:

الساعة الآن 09:55 AM بتوقيت مسقط


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
Powered & Developed By Advanced Technology