إنّ طريق العلم ليس بالطريق الهيّن، بل طريقه طويل، وقد قال بعض السلف:
"اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد"، وقيل للإمام أحمد وقد ظهر الشيب فيه:
إلى متى وأنت مع المحبرة؟ فقال كلمة مشهورة: "مع المحبرة إلى المقبرة"، أي:
أنّه مواصل في هذا لا ينقطع، وسبب الانقطاع فيمن انقطع عن العلم يرجع
إلى أسباب من تلك الأسباب:
1- أنّه لم يعي حقيقة معنى العلم ولماذا يطلب العلم. 2- أنّه ربما كانت النية في أصلها ضعيفة؛ لأنه بقوة النية في طلب العلم يكون
الاستمرار والحرص عليه. 3- أن يكون المرء متعجلًا يريد أن يكون طالب علم، أو أن يكون عالمًا محصِّلًا عارفًا
بأكثر المسائل في سنوات قليلة، وهذا لا يحصل أبدًا، بل العلم طريقه طويل. 4- وقد يكون السبب راجعًا إلى ضعف بصيرته في شأن العلم، ويظن أن العلم نفعه قليل
، وأن غيره من الطرق التي ربما يغشاها بعض المستقيمين أو الذين ظاهرهم الالتزام أنها أسرع
في تحصيل المقصود، وأن بها يحصل المرء على ما يتمنى من رجوع الخلق إلى ربهم-جلَّ وعلا-. 5- أن الطلاب لا تكون صلته بالعلم وأهل العلم مستمرة، بل عهده بالعلم وأهل العلم في
الدروس فقط، وما عدا ذلك فهم يصاحبون الناس من أصناف شتى، فلا تكون النفس دائمًا
متحركة بالعلم، بل تكون تتحرك بالعلم في وقت قليل-في وقت الدرس-، وما بعد ذلك؛
فأكثر الحديث الذي يتحدثون به ليس في العلم، فهذا يجعله غير متعلق بالعلم، والعلم يحتاج
إلى أن يتعلق به طالبه دائمًا، وقد كان بعض أهل العلم ينصرف عن ملذات الدنيا لأجل العلم،
أي: أنّه مشغول بشيء أعظم غلب على نفسه، فإذا تحدث؛ حدّث بالعلم، وإذا أرشد؛ أرشد
بالعلم، فيكون في ذلك الأنس له، ولا شك أنّ هذا يحتاج إلى جهاد، وقد قال-جلَّ وعلا-:
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]. 6- أن يطلب طالب العلم معلِّمًا فيه الكمال، وهذا لا يوجد إلاّ في المشايخ الراسخين
في العلم الكبار، وهؤلاء قد لا يمكنهم أن يعلِّموا كل الأمة، أو أن يعلِّموا كل من أراد طلب
العلم، ولكن خذ من المعلِّم ما أصاب فيه، وهو الأكثر، ما دام أنه مؤلف ووثق فيه الطلاب
له حسن أداء للعلم وتصور له صوابه أكثر من خطئه أو خطأه يعد قليلا فخذ منه صوابه
والخطأ راجعه فيه بصره حتى يبصر. 7- أن يُحمِّل الطالب نفسه في فترة الهمة والقوة ما لا تحتمله في تلك الفترة. 8- أن يطلب طالب العلم أشياء إلى الآن العلماء ما حصلوها، إلا نوادر في الأمة حصلت
ذلك، فإذا وجدت هذا من نفسك؛ فلتكن قوتك فيما تطيق وما ينفعك، وإذا تحركت رياحك فاغتنمها. 9- أنّ المرء لا يطالع ولا يبحث، فمن بعض طلبة العلم يأخذ بالوصية المعروفة بالتدرج في العلم،
وأن يمشي شيئًا فشيئًا، ولكن لا يبحث ولا يطالع.
العرض العادي
