ملتقى قطرات العلم النسائي
 
 

الـــمـــصـــحـــــف الـــجـــامـــع
مـــصـــحـــــف آيـــــات
موقع الدرر السنية للبحث عن تحقيق حديث

العودة   ملتقى قطرات العلم النسائي > ::الملتقى العام:: > ملتقى الحديث وعلومه

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-28-2014, 01:59 AM
الصورة الرمزية توبة
توبة توبة غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 817
باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها-كتاب الرقاق-صحيح البخاري



المجلس الثالث عشر
19 جماد الأول 1437هـ
و
المجلس التاسع بتاريخ

29 صفر 1436 هــ
بَابُ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَالتَّنَافُسِ فِيهَا

قال الإمام البخاري في صحيحه


6061 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ كَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنْ الْبَحْرَيْنِ فَسَمِعَتْ الْأَنْصَارُ بِقُدُومِهِ فَوَافَتْهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ وَقَالَ أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَأَنَّهُ جَاءَ بِشَيْءٍ قَالُوا أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ.

الشرح

قَوْلُهُ بَابُ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَالتَّنَافُسِ فِيهَا

الْمُرَادُ بِزَهْرَةِ الدُّنْيَا بَهْجَتُهَا وَنَضَارَتُهَا وَحُسْنُهَا وَالتَّنَافُسُ يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْبَابِ .
قَوْلُهُ ( فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ ) بِنَصْبِ الْفَقْرِ أَيْ مَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَقْرَ .
وَهَذِهِ الْخَشْيَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا عِلْمَهُ أَنَّ الدُّنْيَا سَتُفْتَحُ عَلَيْهِمْ وَيَحْصُلُ لَهُمُ الْغِنَى بِالْمَالِ وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ مِمَّا أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوُقُوعِهِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فَوَقَعَ وَقَالَ الطِّيبِيُّ : فَائِدَةُ تَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ هُنَا الِاهْتِمَامُ بِشَأْنِ الْفَقْرِ فَإِنَّ الْوَالِدَ الْمُشْفِقَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ كَانَ اهْتِمَامُهُ بِحَالِ وَلَدِهِ فِي الْمَالِ فَأَعْلَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِي الشَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ كَالْأَبِ لَكِنَّ حَالَهُ فِي أَمْرِ الْمَالِ يُخَالِفُ حَالَ الْوَالِدِ وَأَنَّهُ لَا يَخْشَى عَلَيْهِمُ الْفَقْرَ كَمَا يَخْشَاهُ الْوَالِدُ وَلَكِنْ يَخْشَى عَلَيْهِمْ مِنَ الْغِنَى الَّذِي هُوَ مَطْلُوبُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَالْمُرَادُ بِالْفَقْرِ الْعَهْدِيُّ وَهُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ مِنْ قِلَّةِ الشَّيْءِ وَيَحْتَمِلُ الْجِنْسَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ مَضَرَّةَ الْفَقْرِ دُونَ مَضَرَّةِ الْغِنَى ; لِأَنَّ مَضَرَّةَ الْفَقْرِ دُنْيَوِيَّةٌ غَالِبًا وَمَضَرَّةَ الْغِنَى دِينِيَّةٌ غَالِبًا.

قَوْلُهُ (فَتَنَافَسُوهَا ) وَالتَّنَافُسُ مِنَ الْمُنَافَسَةِ وَهِيَ الرَّغْبَةُ فِي الشَّيْءِ وَمَحَبَّةُ الِانْفِرَادِ بِهِ وَالْمُغَالَبَةُ عَلَيْهِ وَأَصْلُهَا مِنَ الشَّيْءِ النَّفِيسِ فِي نَوْعِهِ يُقَالُ نَافَسْتُ فِي الشَّيْءِ مُنَافَسَةً وَنَفَاسَةً وَنِفَاسًا .

قَوْلُهُ ( فَتُهْلِككُمْ ) أَيْ لِأَنَّ الْمَالَ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَتَرْتَاحُ النَّفْسُ لِطَلَبِهِ فَتُمْنَعُ مِنْهُ فَتَقَعُ الْعَدَاوَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْمُقَاتَلَةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْهَلَاكِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : فِيهِ أَنَّ زَهْرَةَ الدُّنْيَا يَنْبَغِي لِمَنْ فُتِحَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَحْذَرَ مِنْ سُوءِ عَاقِبَتِهَا وَشَرِّ فِتْنَتِهَا فَلَا يَطْمَئِنُّ إِلَى زُخْرُفِهَا وَلَا يُنَافِسُ غَيْرَهُ فِيهَا وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْفَقْرَ أَفْضَلُ مِنَ الْغِنَى لِأَنَّ فِتْنَةَ الدُّنْيَا [ ص: 250 ] مَقْرُونَةٌ بِالْغِنَى وَالْغِنَى مَظِنَّةُ الْوُقُوعِ فِي الْفِتْنَةِ الَّتِي قَدْ تَجُرُّ إِلَى هَلَاكِ النَّفْسِ غَالِبًا وَالْفَقِيرُ آمِنٌ مِنْ ذَلِكَ .

المصدر



المجلس الرابع عشر
26 جماد الأول 1437هـ
تابع بَاب مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهَرَةِ الدُّنْيَا وَالتَّنَافُسِ فِيهَا
والمجلس العاشر
6 ربيع الأول 1436ه
تابع بَابُ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَالتَّنَافُسِ فِيهَا


وفي رواية أخرى لحديث الباب

عن عمرو بن عوفِ الأنصاري رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى البحرين يأتي بجزيتها، فقدم بمال من البحرين، فسمعت الأنصارُ بقُدوم أبي عُبيدةَ ، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف، فتعرضوا لهُ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال:" أظنكم سمعتُم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟" فقالوا: أجل يا رسول الله ، فقال: "أبشرُوا وأملُوا ما يسركم، فو الله ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكنى أخشى أن تُبسط الدنيا عليكم كما بُسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم"

قال الشيخ البراك حفظه الله في شرح الحديث
عن عمرو بن عوف -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث أبا عبيدة بن الجراح أحد العشرة المبشرين بالجنة إلى البحرين ليأخذ منهم الجزية، أو ليقبض جزيتهم، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أمَّر على البحرين العلاء بن الحضرمي، فجاء أبو عبيدة بما جاء به من المال من جزية آل البحرين ، فسمع بذلك من سمع من الأنصار، فوافوا صلاة الفجر مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، حضروا صلاة الفجر، يصلون، يرجون أن ينالوا نصيبا من هذا المال الذي جاء به أبو عبيدة، فلما صلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وانصرف تعرضوا له، وقفوا في الطريق -صلى الله عليه وسلم-، وقفوا في طريقه، أو جاءوا قريبا منه، تعرضوا له، فقال: « لعلكم سمعتم أن أبا عبيدة جاء بشيء من البحرين؟ فقالوا: أجل » صراحة، ما قالوا جئنا نسلم ويكتفون، لا، قالوا أجل نعم بجد وصدق، أجل جئنا لأجل هذا -صلى الله عليه وسلم-، فقال -عليه الصلاة والسلام- « أبشروا وأملوا » هذه الكلمة هذه أثلجت صدورهم، قابلهم بالبشرى ولم يكفهر في وجهوهم، يقول أنتم طلاب دنيا، أنتم جئتم من أجل الدنيا، الإنسان مجبول على محبة الدنيا، حب الدنيا جبلة، جبلة في الإنسان أنه يحب المال، يحب مصالحه، وليس العيب في كون الإنسان يحب منافع الدنيا وشهوات الدنيا، العيب والذنب فيمن ينحرف في هذا الحب ويحمله حبه للدنيا على ما حرم الله، منعا لواجب أو أخذا لحرام.
أما طلب المال من حله فليس هذا بعيب، أبشروا وأملوا ما يسركم، ثم وجههم التوجيه الصالح الذي يجب أن يستقر في نفوسهم، وهو توجيه لهم وللأمة كلها، ثم قال: « فوالله ما الفقر أخشى عليكم » الفقر مفعول به منصوب مقدم « فوالله ما أخشى الفقر عليكم » « فوالله ما الفقر أخشى عليكم » لا أخاف عليكم من الفقر الذي هو قلة ذات اليد، فهذا أمره أسهل، إنما الخطر في الغنى، في المال،
في البسط، وإنما أخشى أن تبسط عليكم الدنيا، تُبْسَط، وتعطون من متعها، من الأموال، من الذهب والفضة وأنواع المال « وإنما أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها أو فتنافسوا فيها كما تنافس فيها من كان قبلكم » تنافسوا.
التنافس يعني التغالب على الشيء، والتسابق إلى الشيء، فتنافسوا فيها، تتسابقون إلى نيلها، وإلى الظفر بأكبر قدر، تنافسوا فيها كما تنافس فيها من كان قبلكم، والتنافس على الدنيا التسابق عليها مذموم، إنما التنافس المحمود هو ما قال الله فيه ( وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ) سورة المطففين آية رقم:26 ( لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ) سورة الصافات آية رقم:61 أما الدنيا فلا ينبغي أن تكون موضع تنافس وتسابق.
ومن التنافس على الدنيا التكاثر، أن كل واحد يريد أن يكون أكثر من الآخر في الدنيا، التطاول في البنيان، يتطاولون، كل واحد يريد أن يكون قصره أطول وحظوظه من هذه الدنيا أعظم وأكثر « وإنما أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم، أو فتلهيكم كما ألهتهم » والإلهاء يؤدي إلى الهلاك.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ )سورة المنافقون آية رقم:9 (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ) فحظوظ الدنيا إذا ألهت عن ذكر الله، وعن القيام بما أوجب الله، كانت وبالا، وكانت سببا للهلكة، كانت سببا للهلاك.
فتهلككم بسبب التنافس، التنافس يتضمن الإيثار، إيثار الدنيا على الآخرة يؤدي إلى إيثار الدنيا على الآخرة، وهذا يتضمن طلب المال أو غيره من حظوظ الدنيا من غير حله، ويؤدي إلى الشح وإلى البخل بما أوجب الله، ولهذا أثنى الله على
أولئك الرجال( رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ )سورة النور آية رقم:37 مدحهم بأنها لا تلهيهم، إذن هم يتجرون أم لا يتجرون؟ يتجرون؟ نعم، يتجرون ويكتسبون ويسعون ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ) سورة الجمعة (سورة رقم: 62)، آية رقم:10 فتجد -يعني- في نفس هذه الآيات من سورة الجمعة نهاهم عما يلهيهم ( وَذَرُوا الْبَيْعَ ) نهاهم أن يلهوا بالبيع عن الصلاة، وبعد الصلاة أذن لهم بطلب الفضل ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا) وهذا إذن بعد الحظر يقتضي الإباحة كقوله تعالى: ( وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ) .

ويشهد لهذا الحديث قوله تعالى: ( كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ ) أي: بنصيبهم ( فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) سورة التوبة آية رقم:69
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث بشرهم، وحذرهم من خطر الدنيا وبسط الدنيا، فلا ينبغي للإنسان أن يفرح بها، اللهم إلا الفرح الطبيعي، فهذا أمر جبلي في الإنسان، فإذا كان الإنسان مجبولا على حب المال فلا بد أن يفرح بما يحصل له، لكن فرحا طبيعيا محدودا لا يخرجه إلى الأشر والبطر والاغترار، كفرح قارون المغرور بما أوتي من الثراء ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ ) سورة القصص آية رقم:79 هذا من المنافسة، نفسوا عليه وغبطوه على هذا الحظ العظيم ( قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ): سورة القصص آية رقم:79 - 80.
المقصود أن بسط الدنيا هو من الفتن، هذا هو الشاهد، بسط الدنيا هو من الفتن التي يُبتلَى بها الناس، والفقر أيضا هو ابتلاء، لكن فتنة البسط أخطر من فتنة القَدْر والتضييق في المعيشة في الفقر، الابتلاء بالثراء والغنى والبسط في حظوظ الدنيا هو الخطر.
قال بعض السلف: ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر.
واقرءوا التاريخ تجدون الأمر عيانا، واقرءوا الواقع تجدونه كذلك، فبسط الدنيا هو ابتلاء وفتنة عظمى، ويفضي كذلك إلى الفتن التي أشار إليها الرسول -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث المتقدم « كيف بكم إذا فتحت عليكم فارس والروم » البخاري : الجزية (3158) , ومسلم : الزهد والرقائق (2961) , والترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2462) , وابن ماجه : الفتن (3997) , وأحمد (4/137). هذا ما ذكره الرسول -عليه الصلاة والسلام- أثرا بفتح فارس والروم، ففتح فارس والروم أدى إلى البسط، إلى بسط الدنيا، وبسط الدنيا أدى إلى التنافس، والتنافس أدى إلى التدابر والتقاطع والتباغض والتقاتل هكذا، يعني الحديث المتقدم يفسر لنا هذا الحديث، ويعطينا صورة مما أشار إليه الرسول -عليه الصلاة والسلام- بقوله: « وإنما أخشى أن تبسط عليكم الدنيا فنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم ».
شرح أحاديث في الفتن والحوادث (الجزء الأول) لفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك

قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله
هذه الأحاديث ذكرها المؤلف رحمه الله في باب الزهد في الدنيا والترغيب فيه، وقد ذكر قبل ذلك آيات متعددة كلها تدل على أن هذه الدنيا ليست بشيء بالنسبة للآخرة، وأنها ممر ومزرعة للآخرة، فإن قال قائل: يقال ورع، ويُقال زهد، فأيهما أعلى؟ وما الفرق بينهما؟

فالجواب أن الزهد أعلى من الورع، والفرق بينهما أن الورع ترك ما يضر، والزهد ترك ما لا ينفع، فالأشياء ثلاثة أقسام: منها ما يضر في الآخرة، ومنها ما ينفع، ومنها ما لا يضر ولا ينفع.

فالورع: أن يدع الإنسان ما يضره في الآخرة، يعني أن يترك الحرام.

والزهد: أن يدع ما لا ينفعه في الآخرة، فالذي لا ينفعه لا يأخذ به، والذي ينفعه يأخذ به، والذي يضره لا يأخذ به من باب أولى، فكان الزهد أعلى حالاً من الورع، فكل زاهد ورع، وليس كل ورع زاهداً.

ولكن حذر النبي عليه الصلاة والسلام من أن تفتح الدنيا
علينا كما فتحت على من كان قبلنا فنهلك كما هلكوا.



لما قدم أبو عبيدة بمال من البحرين، وسمع الأنصار بذلك، جاءووا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوافوه في صلاة الفجر ، فلما انصرف من الصلاة تعرضوا له فتبسم عليه الصلاة والسلام، يعني ضحك، لكن بدون صوت، تبسم لأنهم جاءوا متشوفين للمال.

فقال لهم :" لعلكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة من البحرين؟"

قالوا: أجل يا رسول الله . سمعنا بذلك يعني وجئنا لننال نصيبنا.

فقال عليه الصلاة والسلام: "ما الفقر أخشى عليكم" الفقر لا أخشاه .

والفقر قد يكون خيراً للإنسان، كما جاء في الحديث القدسي الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال:" إن من عبادي من لو أغنيته لأفسده الغنى"، يعني : أطغاه وأضله وصده عن الآخرة والعياذ بالله ففسد،" وإن من عبادي من لو أفقرته لأفسده الفقر".(1)


فقال النبي عليه الصلاة والسلام: "ما الفقر أخشى عليكم" يعني: لا أخشى عليكم من الفقر؛ لأن الفقير في الغالب أقرب إلى الحق من الغني.

وانظروا إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ من الذي يكذبهم؟ يكذبهم الملأ الأشرار الأغنياء، وأكثر من يتبعهم الفقراء، حتى النبي عليه الصلاة والسلام أكثر من يتبعه الفقراء.

فالفقر لا يخشى منه ، بل الذي يخشى منه أن تبسط الدنيا عليهم، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:" أخشى أن تبسط عليكم - يعني كما بسطت على من كانوا قبلنا، فتهلككم كما أهلكتهم".

وهذا هو الواقع، لما كان الناس إلى الفقر أقرب، كانوا لله أتقى وأخشع وأخشى، ولما كَثُر المال؛ كثُر الإعراض عن سبيل الله ، وحصل الطغيان، وصار الإنسان الآن يتشوف لزهرة الدنيا وزينتها... سيارة ، بيت، فرش، لباس، يباهي الناس بهذا كله، ويعرض عما ينفعه في الآخرة.

وصارت الجرائد والصحف وما أشبهها لا تتكلم إلا

بالرفاهية وما يتعلق بالدنيا، وأعرضوا عن الآخرة، وفسد الناس إلا من شاء الله.

فالحاصل أن الدنيا إذا فتحت- نسأل الله أن يقنا وإياكم شرها - أنها تجلب شرًّاً وتطغي الإنسان (كَلَّا إِنَّ الْإنْسَانَ لَيَطْغَى) (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) (العلق:7،6).

وقد قال فرعون لقومه : (يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) (الزخرف:51) ، افتخر بالدنيا ، فالدنيا خطيرة جداً.


وفي هذه الأحاديث أيضاً قال النبي عليه الصلاة والسلام:" إن الدنيا حلوة خضرة" حلوة المذاق، خضرة المنظر، تجذب وتفتن، فالشيء إذا كان حلواً ومنظره طيباً فإنه يفتن الإنسان، فالدنيا هكذا حلوة خضرة حلوة في المذاق، خضرة في المنظر.



ولكن: " وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون" يعني جعلكم خلائف فيها؛ يخلف بعضكم بعضاً، ويرث بعضكم بعضاً." فينظر كيف تعملون" هل تقدمون الدنيا أو الآخرة؟، ولهذا قال: " فاتقوا الدنيا واتقوا النساء".

ولكن إذا أغنى الله الإنسان ، وصار غناه عوناً له على
طاعة الله ، ينفق ماله في الحق؟، وفي سبيل الله؛ صارت الدنيا خيراً.(2)

ولهذا كان رجل الدنيا الذي ينفق ماله في سبيل الله، وفي مرضاة الله عز وجلّ، صار ثاني اثنين بالنسبة للعالم الذي آتاه الله الحكمة والعلم وصار يعلم الناس.فهناك فرق بي الذين ينهمك في الدنيا ويعرض عن الآخرة، وبين الذي يغنيه الله، ويكون غناه سبباً للسعادة والإنفاق في سبيل الله ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(البقرة: 201)

المصدر

شرح رياض الصالحين للشيخ بن عثيمين رحمه الله


قال الإمام البخاري رحمه الله
6062 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنِّي فَرَطُكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الْآنَ وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ أَوْ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي وَلَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا.


والمقصود بصلاته عليهم صلاة الميت : أي دعاؤه لهم بالدعاء الذي يقال في صلاة الجنازة ، وقد كان هذا بعد سبع سنين من استشهادهم رضي الله عنهم .


وليس في الحديث نفي وقوع الشرك في هذه الأمة ، بل فيه أنه لا يخاف على جميع الأمة ، بدليل أنه وقع من بعضهم ، كما دلت نصوص أخرى على علمه وإخباره صلى الله عليه وسلم بأن بعض أمته يقع في الشرك .


قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " وفي هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه سلم ؛ فإن معناه الإخبار بأن أمته تملك خزائن الأرض وقد وقع ذلك ، وأنها لا ترتد جملة وقد عصمها الله تعالى من ذلك ، وأنها تتنافس في الدنيا وقد وقع كل ذلك " انتهى .

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله : " قوله : ( ما أخاف عليكم أن تشركوا ) أي على مجموعكم لأن ذلك قد وقع من البعض أعاذنا الله تعالى ، وفي هذا الحديث معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك أورده المصنف في علامات النبوة " انتهى من "فتح الباري" (3/ 211).

ثانيا :قد دلت السنة الصحيحة على أن من هذه الأمة من يشرك بالله تعالى :

1- روى البخاري (7116) ومسلم (2906) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ ) وَذُو الْخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ .


2- وروى مسلم (2907) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى . فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا ؟ قَالَ إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ ، فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ ).


فتبين بهذا أن بعض المسلمين سوف يقع في الشرك والردة ، من دون أن يعم ذلك جميع الأمة ؛ فإنها معصومة من أن تجتمع على ضلالة .
وكيف يشك مسلم في أن دعاء الأموات ، والتضرع إليهم في الملمات ، وسؤالهم تفريج الكربات ، من الشرك ؟! بل هذا عين ما كان يفعله المشركون الأوائل طلبا للقربى أو الشفاعة عند الله ، كما قال تعالى : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) الزمر/3 .


المصدر






(1) لم نجد له تحقيق
( 2) إنما الدنيا لأربعةِ نفرٍ ؛ عبدٌ رزقَه اللهُ مالًا و علمًا فهو يتَّقي فيه ربَّه ، و يصِلُ فيه رَحِمَه ، و يعلمُ للهِ فيه حقًّا ، فهذا بأفضلِ المنازلِ ، و عبدٌ رزقَه اللهُ علمًا ، و لم يرزقْه مالًا ، فهو صادقُ النَّيَّةِ ، يقولُ : لو أنَّ لي مالًا لعملتُ بعملِ فلانٍ ، فهو بنِيَّتِه ، فأجرُهما سواءٌ و عبدٌ رزقَه اللهُ مالًا ، و لم يرزقْه عِلمًا يخبِطُ في مالِه بغيرِ علمٍ ، و لا يتَّقي فيه ربَّه ، و لا يصِلُ فيه رَحِمَه ، و لا يعلمُ للهِ فيه حقًّا ، فهذا بأخبثِ المنازلِ ، و عبدٌ لم يرزقْه اللهُ مالًا و لا علمًا فهو يقولُ : لو أنَّ لي مالًا لعملتُ فيه بعملِ فلانٍ ، فهو بنيَّتِه ، فوزرُهما سواءٌ ) مثلَ هذه الأمةِ كمثلِ أربعةِ نفرٍ : رجلٌ آتاه اللهُ مالًا و علمًا فهو يعملُ بعلمِه في مالِه ؛ ينفقُه في حقِّه ، و رجلٌ آتاه اللهُ علمًا و لم يُؤْتِه مالًا و هو يقول : لو كان لي مثلُ هذا عملتُ فيه بمثلِ الذي يعملُ فهما في الأجر سواءٌ ، و رجلٌ آتاه اللهُ مالًا و لم يُؤتِه علمًا فهو يخبطُ في مالِه ينفقُه في غيرِ حقِّه ، و رجلٌ لم يؤْتِه اللهُ مالًا و لا علمًا ، و هو يقولُ : لو كان لي مثلُ هذا عملتُ فيه مثلَ الذي يعمل قال رسولُ اللهِ : فهما في الوزرِ سواءٌ



الراوي: أبو كبشة الأنماري المحدث: الألباني - المصدر:

صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 16
خلاصة حكم المحدث: صحيح لغيره


__________________


مدونة ( أصحابي )
مناقب الصحابة رضي الله عنهم





التعديل الأخير تم بواسطة توبة ; 07-23-2016 الساعة 10:20 PM
  #2  
قديم 01-04-2015, 11:13 AM
الصورة الرمزية توبة
توبة توبة غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 817

المجلس الخامس عشر
4 جمادى الأخر 1437 هـ
والمجلس الحادي عشر
تابع بَابُ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَالتَّنَافُسِ فِيهَا

13 ربيع الأول 1436هـــــ


قال الإمام البخاري رحمه الله

6063 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَكْثَرَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ قِيلَ وَمَا بَرَكَاتُ الْأَرْضِ قَالَ زَهْرَةُ الدُّنْيَا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ هَلْ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ فَصَمَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ عَنْ جَبِينِهِ فَقَالَ أَيْنَ السَّائِلُ قَالَ أَنَا قَالَ أَبُو سَعِيدٍ لَقَدْ حَمِدْنَاهُ حِينَ طَلَعَ ذَلِكَ قَالَ لَا يَأْتِي الْخَيْرُ إِلَّا بِالْخَيْرِ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ وَإِنَّ كُلَّ مَا أَنْبَتَ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرَةِ أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ الشَّمْسَ فَاجْتَرَّتْ وَثَلَطَتْ وَبَالَتْ ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوَةٌ مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ.

الشـــرح

قوله (مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ) بَرَكَاتُ السَّمَاءِ بِالْمَطَرِ ، وَبَرَكَاتُ الْأَرْضِ بِالنَّبَاتِ وَالثِّمَارِ ، وَكَثْرَةِ الْمَوَاشِي وَالْأَنْعَامِ ، وَحُصُولِ الْأَمْنِ وَالسَّلَامَةِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّمَاءَ تَجْرِي مَجْرَى الْأَبِ ، وَالْأَرْضَ تَجْرِي مَجْرَى الْأُمِّ ، وَمِنْهُمَا يَحْصُلُ جَمِيعُ الْمَنَافِعِ وَالْخَيْرَاتِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَدْبِيرِهِ ،كما في قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ) .المصدر


قَوْلُهُ زَهْرَةُ الدُّنْيَا ) وَالْمُرَادُ بِالزَّهْرَةِ الزِّينَةُ وَالْبَهْجَةُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَالزَّهْرَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ زَهْرَةِ الشَّجَرِ وَهُوَ نَوْرُهَا بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمُرَادُ مَا فِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمَتَاعِ وَالْعَيْنِ وَالثِّيَابِ وَالزُّرُوعِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَفْتَخِرُ النَّاسُ بِحُسْنِهِ مَعَ قِلَّةِ الْبَقَاءِ.

قَوْلُهُ هَلْ يَأْتِي فِي رِوَايَةِ هِلَالٍ " أَوَ يَأْتِي " وَهِيَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ وَالْوَاوُ عَاطِفَةٌ عَلَى شَيْءٍ مُقَدَّرٍ أَيْ أَتَصِيرُ النِّعْمَةُ عُقُوبَةً ؟ لِأَنَّ زَهْرَةَ الدُّنْيَا نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ فَهَلْ تَعُودُ هَذِهِ النِّعْمَةُ نِقْمَةً ؟ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ اسْتِرْشَادٍ لَا إِنْكَارٍ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ : بِالشَّرِّ " صِلَةٌ لِـ يَأْتِي أَيْ هَلْ يَسْتَجْلِبُ الْخَيْرُ الشَّرَّ ؟

قَوْلُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ أَيِ الْوَحْيُ وَكَأَنَّهُمْ فَهِمُوا ذَلِكَ بِالْقَرِينَةِ مِنَ الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي جَرَتْ عَادَتُهُ بِهَا عِنْدَمَا يُوحَى إِلَيْهِ .
وعن عائشة – في حديث البراءة من الإفك – قالت :
حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ فِى الْيَوْمِ الشَّاتِ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الذي أُنْزِلَ عَلَيْهِ .رواه مسلم ( 2770 ) .
وكان تصيبه الشدة .
وعن عائشة – في حديث البراءة من الإفك – قالت : فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَجْلِسَهُ وَلاَ خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ .
رواه مسلم ( 2770 ) .
قال بدر الدين العيني – رحمه الله - :
( البُرَحاء ) بضم الباء الموحدة وفتح الراء وبالحاء المهملة الممدودة ، وهو شدة الكرب ، وشدة الحمَّى أيضاً .
" عمدة القاري " ( 1 / 43 ) .
وكان يتغير وجهه صلى الله عليه وسلم فيتربَّد ثم يحمرُّ .
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : " كَانَ نبي اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الوحي كُرِبَ لِذَلِكَ وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ " .
رواه مسلم ( 2334 ) .
قال النووي – رحمه الله - :
( وتربَّد وجهُه ) أي : علته غبرة ، والربد تغير البياض إلى السواد ، وإنما حصل له ذلك لعظم موقع الوحي ، قال الله تعالى ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلاً ) .
" شرح مسلم " ( 11 / 190 ) .
وفي ( 15 / 89 ) قال :ومعنى تربد أي تغير وصار كلون الرماد .انتهى

المصدر

قَوْلُهُ ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ عَنْ جَبِينِهِ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ " الْعَرَقَ " وَفِي رِوَايَةِ هِلَالٍ " فَيَمْسَحُ عَنْهُ الرُّحَضَاءُ " بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ هُوَ " الْعَرَقُ " وَقِيلَ الْكَثِيرُ وَقِيلَ عَرَقُ الْحُمَّى وَأَصْلُ الرَّحْضِ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ الْغَسِيلُ وَلِهَذَا فَسَّرَهُ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ عَرَقٌ يَرْحَضُ الْجِلْدَ لِكَثْرَتِهِ.

قَوْلُهُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ لَقَدْ حَمِدْنَاهُ حِينَ طَلَعَ لِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي " حِينَ طَلَعَ ذَلِكَ " وَفِي رِوَايَةِ هِلَالٍ " وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ " وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ لَامُوهُ أَوَّلًا حَيْثُ رَأَوْا سُكُوتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَظَنُّوا أَنَّهُ أَغْضَبَهُ ثُمَّ [ ص: 251 ] حَمِدُوهُ آخِرًا لَمَّا رَأَوْا مَسْأَلَتَهُ سَبَبًا لِاسْتِفَادَةِ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا قَوْلُهُ " وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ " فَأَخَذُوهُ مِنْ قَرِينَةِ الْحَالِ.

قَوْلُهُ لَا يَأْتِي الْخَيْرُ إِلَّا بِالْخَيْرِ زَادَ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ تَكْرَارُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِي رِوَايَةِ هِلَالٍ " إِنَّهُ لَا يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ " وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الرِّزْقَ وَلَوْ كَثُرَ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْخَيْرِ إِنَّمَا يَعْرِضُ لَهُ الشَّرُّ بِعَارِضِ الْبُخْلِ بِهِ عَمَّنْ يَسْتَحِقُّهُ وَالْإِسْرَافُ فِي إِنْفَاقِهِ فِيمَا لَمْ يُشْرَعْ وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَضَى اللَّهُ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا فَلَا يَكُونُ شَرًّا وَبِالْعَكْسِ وَلَكِنْ يُخْشَى عَلَى مَنْ رُزِقَ الْخَيْرَ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ فِي تَصَرُّفِهِ فِيهِ مَا يَجْلُبُ لَهُ الشَّرَّ .
قَوْلُهُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ " وَلَكِنَّ هَذَا الْمَالَ إِلَخْ " وَمَعْنَاهُ أَنَّ صُورَةَ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ مُونِقَةٌ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ شَيْءٍ مُشْرِقٍ نَاضِرٍ أَخْضَرَ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : قَوْلُهُ " الْمَالُ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ " لَيْسَ هُوَ صِفَةَ الْمَالِ وَإِنَّمَا هُوَ لِلتَّشْبِيهِ كَأَنَّهُ قَالَ الْمَالُ كَالْبَقْلَةِ الْخَضْرَاءِ الْحُلْوَةِ أَوِ التَّاءِ فِي قَوْلِهِ خَضِرَةٌ وَحُلْوَةٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْمَالُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا أَوْ عَلَى مَعْنَى فَائِدَةِ الْمَالِ أَيْ أَنَّ الْحَيَاةَ بِهِ أَوِ الْعِيشَةَ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَالِ هُنَا الدُّنْيَا لِأَنَّهُ مِنْ زِينَتِهَا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا الْمُخَرَّجِ فِي السُّنَنِ " الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ " فَيَتَوَافَقُ الْحَدِيثَانِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ التَّاءُ فِيهِمَا لِلْمُبَالَغَةِ .

قَوْلُهُ وَإِنَّ كُلَّ مَا أَنْبَتَ الرَّبِيعُ أَيِ الْجَدْوَلُ وَإِسْنَادُ الْإِنباتِ إِلَيْهِ مَجَازِيٌّ وَالْمُنْبِتُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ - تَعَالَى - ، وَفِي رِوَايَةِ هِلَالٍ " وَأَنَّ مِمَّا يُنْبِتُ " وَمِمَّا فِي قَوْلِهِ مِمَّا يُنْبِتُ لِلتَّكْثِيرِ وَلَيْسَتْ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ لِتُوَافِقَ رِوَايَةَ " كُلَّ مَا أَنْبَتَ " وَهَذَا الْكَلَامُ كُلُّهُ وَقَعَ كَالْمَثَلِ لِلدُّنْيَا.



قَوْلُهُ يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ أَمَّا حَبَطًا فَبِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالطَّاءُ مُهْمَلَةٌ أَيْضًا وَالْحَبَطُ انْتِفَاخُ الْبَطْنِ مِنْ كَثْرَةِ الْأَكْلِ يُقَالُ حَبِطَتِ الدَّابَّةُ تَحْبَطُ حَبَطًا إِذَا أَصَابَتْ مَرْعًى طَيِّبًا فَأَمْعَنَتْ فِي الْأَكْلِ حَتَّى تَنْتَفِخَ فَتَمُوتَ وَرُوِيَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ التَّخَبُّطِ وَهُوَ الِاضْطِرَابُ وَالْأَوَّلُ الْمُعْتَمَدُ وَقَوْلُهُ " يُلِمُّ " بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ يُقَرِّبُ مِنَ الْهَلَاكِ.

قَوْلُهُ آكِلَةُ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْكَافِ " الْخَضِرِ " بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْكَلَأِ يُعْجِبُ الْمَاشِيَةَ وَوَاحِدُهُ خَضِرَةٌ .

قَوْلُهُ امْتَلَأَتْ خَاصِرَتَاهَا تَثْنِيَةُ خَاصِرَةٍ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَهُمَا جَانِبَا الْبَطْنِ مِنَ الْحَيَوَانِ .
قَوْلُهُ ( وَثَلَطَتْ ) بِمُثَلَّثَةٍ وَلَامٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ طَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَضَبَطَهَا ابْنُ التِّينِ بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ أَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا رَقِيقًا زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ " ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ " وَالْمَعْنَى أَنَّهَا إِذَا شَبِعَتْ فَثَقُلَ عَلَيْهَا مَا أَكَلَتْ تَحَيَّلَتْ فِي دَفْعِهِ بِأَنْ تَجْتَرَّ فَيَزْدَادُ نُعُومَةً ثُمَّ تَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ فَتَحْمَى بِهَا فَيَسْهُلُ خُرُوجُهُ فَإِذَا خَرَجَ زَالَ الِانْتِفَاخُ فَسَلِمَتْ وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ لَمْ تَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الِانْتِفَاخَ يَقْتُلُهَا سَرِيعًا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ إِذَا فُرِّقَ لَمْ يَكَدْ يَظْهَرُ مَعْنَاهُ وَفِيهِ مَثَلَانِ أَحَدُهُمَا لِلْمُفَرِّطِ فِي جَمِيعِ الدُّنْيَا الْمَانِعِ مِنْ إِخْرَاجِهَا فِي وَجْهِهَا وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ أَيِ الَّذِي يَقْتُلُ حَبَطًا وَالثَّانِي الْمُقْتَصِدُ فِي جَمْعِهَا وَفِي الِانْتِفَاعِ بِهَا وَهُوَ آكِلَةُ الْخَضِرِ فَإِنَّ الْخَضِرَ لَيْسَ مِنْ أَحْرَارِ الْبُقُولِ الَّتِي يُنْبِتُهَا الرَّبِيعُ وَلَكِنَّهَا الْحَبَّةُ وَالْحَبَّةُ مَا فَوْقَ الْبَقْلِ وَدُونَ الشَّجَرِ الَّتِي تَرْعَاهَا الْمَوَاشِي بَعْدَ هَيْجِ الْبُقُولِ فَضَرَبَ آكِلَةَ الْخَضِرِ مِنَ الْمَوَاشِي مَثَلًا لِمَنْ يَقْتَصِدُ فِي أَخْذِ الدُّنْيَا وَجَمْعِهَا وَلَا يَحْمِلُهُ الْحِرْصُ عَلَى أَخْذِهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا وَلَا مَنْعَهَا مِنْ مُسْتَحِقِّهَا فَهُوَ يَنْجُو مِنْ وَبَالِهَا كَمَا نَجَتْ آكِلَةُ الْخَضِرِ وَأَكْثَرُ مَا تَحْبَطُ الْمَاشِيَةُ إِذَا انْحَبَسَ رَجِيعُهَا فِي بَطْنِهَا

وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ : آكِلَةُ الْخَضِرِ هِيَ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ الَّتِي أَلِفَ الْمُخَاطَبُونَ أَحْوَالَهَا فِي سَوْمِهَا وَرَعْيِهَا وَمَا يَعْرِضُ لَهَا مِنَ الْبَشَمِ وَغَيْرِهِ وَالْخَضِرُ وَالنَّبَاتُ الْأَخْضَرُ وَقِيلَ حِرَارُ الْعُشْبِ الَّتِي تَسْتَلِذُّ الْمَاشِيَةُ أَكْلَهُ فَتَسْتَكْثِرُ مِنْهُ ، وَقِيلَ هُوَ مَا يَنْبُتُ بَعْدَ إِدْرَاكِ الْعُشْبِ وَهِيَاجِهِ فَإِنَّ الْمَاشِيَةَ تَقْتَطِفُ مِنْهُ مَثَلًا شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَا يُصِيبُهَا مِنْهُ أَلَمٌ وَهَذَا الْأَخِيرُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي وُجُودَ الْحَبَطِ لِلْجَمِيعِ إِلَّا لِمَنْ وَقَعَتْ مِنْهُ الْمُدَاوَمَةُ حَتَّى انْدَفَعَ عَنْهُ مَا يَضُرُّهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ آكِلَةَ الْخَضِرِ لَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ أَكْلِهِ ضَرَرٌ أَلْبَتَّةَ وَالْمُسْتَثْنَى آكِلَةُ الْخَضِرِ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ لَا كُلُّ مَنِ اتَّصَفَ بِأَنَّهُ آكِلَةُ الْخَضِرِ وَلَعَلَّ قَائِلَهُ وَقَعَتْ لَهُ رِوَايَةٌ فِيهَا " يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ إِلَّا آكِلَةُ الْخَضِرِ " وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ فَشَرَحَهُ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الِاخْتِصَارِ .


قَوْلُهُ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ فِي رِوَايَةِ هِلَالٍ " فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ هُوَ "
قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ فِي رِوَايَةِ هِلَالٍ " وَأَنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ "



قَوْلُهُ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ زَادَ هِلَالٌ " وَيَكُونُ شَهِيدًا عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " يَحْتَمِلُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً بِأَنْ يُنْطِقَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا وَالْمُرَادُ شَهَادَةُ الْمَلِكِ الْمُوَكَّلِ بِهِ وَيُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ التَّمْثِيلُ لِثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ لِأَنَّ الْمَاشِيَةَ إِذَا رَعَتِ الْخَضِرَ لِلتَّغْذِيَةِ إِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ مِنْهُ عَلَى الْكِفَايَةِ وَإِمَّا أَنْ تَسْتَكْثِرَ الْأَوَّلُ الزُّهَّادُ وَالثَّانِي إِمَّا أَنْ يَحْتَالَ عَلَى إِخْرَاجِ مَا لَوْ بَقِيَ لَضَرَّ فَإِذَا أَخْرَجَهُ زَالَ الضُّرُّ وَاسْتَمَرَّ النَّفْعُ وَإِمَّا أَنْ يُهْمِلَ ذَلِكَ الْأَوَّلُ الْعَامِلُونَ فِي جَمِيعِ الدُّنْيَا بِمَا يَجِبُ مِنْ إِمْسَاكٍ وَبَذْلٍ وَالثَّانِي الْعَامِلُونَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَقَالَ الطِّيبِيُّ : يُؤْخَذُ مِنْهُ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ فَمَنْ أَكَلَ مِنْهُ أَكْلَ مُسْتَلِذٍّ مُفْرِطٍ مُنْهَمِكٍ حَتَّى تَنْتَفِخَ أَضْلَاعُهُ وَلَا يُقْلِعَ فَيُسْرِعُ إِلَيْهِ الْهَلَاكُ وَمَنْ أَكَلَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ أَخَذَ فِي الِاحْتِيَالِ لِدَفْعِ الدَّاءِ بَعْدَ أَنِ اسْتَحْكَمَ فَغَلَبَهُ فَأَهْلَكَهُ وَمَنْ أَكَلَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ بَادَرَ إِلَى إِزَالَةِ مَا يَضُرُّهُ وَيُحِيلُ فِي دَفْعِهِ حَتَّى انْهَضَمَ فَيَسْلَمُ وَمَنْ أَكَلَ غَيْرَ مُفْرِطٍ وَلَا مُنْهَمِكٍ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ وَيُمْسِكُ رَمَقَهُ فَالْأَوَّلُ مِثَالُ الْكَافِرِ وَالثَّانِي مِثَالُ الْعَاصِي الْغَافِلِ عَنِ الْإِقْلَاعِ وَالتَّوْبَةِ إِلَّا عِنْدَ فَوْتِهَا وَالثَّالِثُ مِثَالٌ لِلْمُخَلِّطِ الْمُبَادِرِ لِلتَّوْبَةِ حَيْثُ تَكُونُ مَقْبُولَةً وَالرَّابِعُ مِثَالُ الزَّاهِدِ فِي الدُّنْيَا الرَّاغِبِ فِي الْآخِرَةِ وَبَعْضُهَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي الْحَدِيثِ وَأَخْذُهُ مِنْهُ مُحْتَمَلٌ وَقَوْلُهُ " فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ " كَالتَّذْيِيلِ لِلْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَفِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ إِنْ عَمِلَ فِيهِ بِالْحَقِّ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عَكْسِهِ وَهُوَ بِئْسَ الرَّفِيقُ هُوَ لِمَنْ عَمِلَ فِيهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَقَوْلُهُ " كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ " [ ص: 253 ] ذُكِرَ فِي مُقَابَلَةِ " فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ " وَقَوْلُهُ : وَيَكُونُ شَهِيدًا عَلَيْهِ " أَيْ حُجَّةً يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِحِرْصِهِ وَإِسْرَافِهِ وَإِنْفَاقِهِ فِيمَا لَا يُرْضِي اللَّهَ .



وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ : فِي هَذَا الْحَدِيثِ وُجُوهٌ مِنَ التَّشْبِيهَاتِ بَدِيعَةٌ أَوَّلُهَا تَشْبِيهُ الْمَالِ وَنُمُوِّهِ بِالنَّبَاتِ وَظُهُورِهِ ثَانِيهَا تَشْبِيهُ الْمُنْهَمِكِ فِي الِاكْتِسَابِ وَالْأَسْبَابِ بِالْبَهَائِمِ الْمُنْهَمِكَةِ فِي الْأَعْشَابِ وَثَالِثُهَا تَشْبِيهُ الِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ وَالِادِّخَارُ لَهُ بِالشَّرَهِ فِي الْأَكْلِ وَالِامْتِلَاءِ مِنْهُ وَرَابِعُهَا تَشْبِيهُ الْخَارِجِ مِنَ الْمَالِ مَعَ عَظَمَتِهِ فِي النُّفُوسِ حَتَّى أَدَّى إِلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْبُخْلِ بِهِ بِمَا تَطْرَحُهُ الْبَهِيمَةُ مِنَ السَّلْحِ فَفِيهِ إِشَارَةٌ بَدِيعَةٌ إِلَى اسْتِقْذَارِهِ شَرْعًا وَخَامِسُهَا تَشْبِيهُ الْمُتَقَاعِدِ عَنْ جَمْعِهِ وَضَمِّهِ بِالشَّاةِ إِذَا اسْتَرَاحَتْ وَحَطَّتْ جَانِبَهَا مُسْتَقْبِلَةً عَيْنَ الشَّمْسِ فَإِنَّهَا مِنْ أَحْسَنِ حَالَاتِهَا سُكُونًا وَسَكِينَةً وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى إِدْرَاكِهَا لِمَصَالِحِهَا وَسَادِسُهَا تَشْبِيهُ مَوْتِ الْجَامِعِ الْمَانِعِ بِمَوْتِ الْبَهِيمَةِ الْغَافِلَةِ عَنْ دَفْعِ مَا يَضُرُّهَا وَسَابِعُهَا تَشْبِيهُ الْمَالِ بِالصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْقَلِبَ عَدُوًّا فَإِنَّ الْمَالَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُحْرَزَ وَيُشَدَّ وَثَاقُهُ حُبًّا لَهُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي مَنْعَهُ مِنْ مُسْتَحِقِّهِ فَيَكُونُ سَبَبًا لِعِقَابِ مُقْتَنِيهِ وَثَامِنُهَا تَشْبِيهُ آخِذِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ بِالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ .



وقيل في معنى الحديث : مَثَلُ الْمَالِ مَثَلُ الْحَيَّةِ الَّتِي فِيهَا تِرْيَاقٌ نَافِعٌ وَسُمٌّ نَاقِعٌ فَإِنْ أَصَابَهَا الْعَارِفُ الَّذِي يَحْتَرِزُ عَنْ شَرِّهَا وَيَعْرِفُ اسْتِخْرَاجَ تِرْيَاقِهَا كَانَ نِعْمَةً وَإِنْ أَصَابَهَا الْغَبِيُّ فَقَدْ لَقِيَ الْبَلَاءَ الْمُهْلِكَ وَفِي الْحَدِيثِ جُلُوسُ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ فِي غَيْرِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا وَفِيهِ جُلُوسُ النَّاسِ حَوْلَهُ وَالتَّحْذِيرُ مِنَ الْمُنَافَسَةِ فِي الدُّنْيَا . وَفِيهِ اسْتِفْهَامُ الْعَالِمِ عَمَّا يُشْكِلُ وَطَلَبُ الدَّلِيلِ لِدَفْعِ الْمُعَارَضَةِ . وَفِيهِ تَسْمِيَةُ الْمَالِ خَيْرًا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ وَفِي قَوْلِهِ : - تَعَالَى - إِنْ تَرَكَ خَيْرًا .



وَفِيهِ ضَرْبُ الْمَثَلِ بِالْحِكْمَةِ وَإِنْ وَقَعَ فِي اللَّفْظِ ذِكْرُ مَا يُسْتَهْجَنُ كَالْبَوْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُغْتَفَرُ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذِكْرِهِ مِنَ الْمَعَانِي اللَّائِقَةِ بِالْمَقَامِ وَفِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنْتَظِرُ الْوَحْيَ عِنْدَ إِرَادَةِ الْجَوَابِ عَمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ وَهَذَا عَلَى مَا ظَنَّهُ الصَّحَابَةُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُ لِيَأْتِيَ بِالْعِبَارَةِ الْوَجِيزَةِ الْجَامِعَةِ الْمُفْهِمَةِ وَقَدْ عَدَّ ابْنُ دُرَيْدٍ هَذَا الْحَدِيثَ وَهُوَ قَوْلُهُ إِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ مِنَ الْكَلَامِ الْمُفْرَدِ الْوَجِيزِ الَّذِي لَمْ يُسْبَقْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى مَعْنَاهُ وَكُلُّ مَنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْهُ فِي كَلَامِهِ فَإِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْهُ .



وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ تَرْكُ الْعَجَلَةِ فِي الْجَوَابِ إِذَا كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى التَّأَمُّلِ وَفِيهِ لَوْمُ مَنْ ظُنَّ بِهِ تَعَنُّتٌ فِي السُّؤَالِ وَحَمْدُ مَنْ أَجَادَ فِيهِ وَيُؤَيِّدُ أَنَّهُ مِنَ الْوَحْيِ قَوْلُهُ يَمْسَحُ الْعَرَقَ فَإِنَّهَا كَانَتْ عَادَتَهُ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ " وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا " وَفِيهِ تَفْضِيلُ الْغَنِيِّ عَلَى الْفَقِيرِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِهِ لِمَنْ لَمْ يُرَجِّحْ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ .
وَالْعَجَبُ أَنَّ النَّوَوِيَّ قَالَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ رَجَّحَ الْغَنِيَّ عَلَى الْفَقِيرِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ شَرَحَ قَوْلَهُ " لَا يَأْتِي الْخَيْرُ إِلَّا بِالْخَيْرِ " عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْخَيْرَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَأْتِي إِلَّا بِالْخَيْرِ لَكِنَّ هَذِهِ الزَّهْرَةَ لَيْسَتْ خَيْرًا حَقِيقِيًّا لِمَا فِيهَا مِنَ الْفِتْنَةِ وَالْمُنَافَسَةِ وَالِاشْتِغَالِ عَنْ كَمَالِ الْإِقْبَالِ عَلَى الْآخِرَةِ . قُلْتُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُجَّةً لِمَنْ يُفَضِّلُ الْفَقْرَ عَلَى الْغِنَى وَالتَّحْقِيقُ أَنْ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ .



وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى إِعْطَاءِ الْمِسْكِينِ وَالْيَتِيمِ وَابْنِ السَّبِيلِ . وَفِيهِ أَنَّ الْمُكْتَسِبَ لِلْمَالِ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ لَا يُبَارَكُ لَهُ فِيهِ لِتَشْبِيهِهِ بِالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ وَفِيهِ ذَمُّ الْإِسْرَافِ وَكَثْرَةِ الْأَكْلِ وَالنَّهَمِ فِيهِ ، وَأَنَّ اكْتِسَابَ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ وَكَذَا إِمْسَاكُهُ عَنْ إِخْرَاجِ الْحَقِّ مِنْهُ سَبَبٌ لِمَحْقِهِ فَيَصِيرُ غَيْرَ مُبَارَكٍ كَمَا قَالَ - تَعَالَى - يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ .


__________________


مدونة ( أصحابي )
مناقب الصحابة رضي الله عنهم





التعديل الأخير تم بواسطة توبة ; 03-20-2016 الساعة 05:34 PM
  #3  
قديم 01-17-2015, 08:30 PM
الصورة الرمزية توبة
توبة توبة غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 817


المجلس السادس عشر
تابع بَابُ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَالتَّنَافُسِ فِيهَا

قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه


6064 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَمْرَةَ قَالَ حَدَّثَنِي زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ قَالَ سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قَالَ عِمْرَانُ فَمَا أَدْرِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قَوْلِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَنْذُرُونَ وَلَا يَفُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ .

الشرح

حديث عمران بن حصين - رضي الله عنه - جاء الشاهد في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود: « خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ... » 1 : البخاري : الشهادات (2651) , ومسلم : فضائل الصحابة (2535) ,
حديث عمران بن حصين فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة في الصحيحين .

وحديث عبد الله بن مسعود أيضا جاء في صحيح مسلم أنه شك في القرن الثالث، وجاء في صحيح مسلم أنه قال: « خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم » 2 : البخاري : الشهادات (2652) , ومسلم : فضائل الصحابة (2533) . من حديث أبي هريرة في صحيح مسلم، وفي صحيح مسلم أيضا عن السيدة عائشة « أن رجلا سأل النبي عليه الصلاة والسلام أي الناس خير؟ قال: القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني، ثم الثالث » 3 : مسلم : فضائل الصحابة (2536) , وأحمد (6/156).
وجاء في بعضها ذكر الرابع جذما من حديث جعدة بن هبيرة، لكن في ثبوته نظر، وأكثر الأخبار على ذكر القرنين بعد قرنه، ووقع الشك في القرن الثالث في حديث عمران بن حصين عن ابن أبي مسعود، في بعضها وقع الشك هل بعد قرنين أو ثلاثة، وفي بعضها وقع الشك هل بعد قرنه قرن أو قرنين، لكن المعتمد عليه أنهما بعد قرنه قرنان، ووقع الشك في الثالث، وربما شهد بأن القرون التي بعد قرنه الثلاثة، حديث أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم أنه قال: يغزو فئام من الناس، فيقال: فيكم من صحب النبي عليه الصلاة والسلام؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم ، ثم يغزو فئام فيقال: فيكم من صحب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ذكر القرن الثالث، ثم ذكر من صحب أصحاب من صحب النبي عليه الصلاة والسلام ذكر القرن الرابع، وربما يشهد له أنهم أربعة قرون، لكن المقدم في حديث عمران بن حصين وما جاء في معناه في ذكر القرون أنه ثلاثة، وقع الشك في القرن الثالث بعد القرنين اللذين بعده عليه الصلاة والسلام .


وهذا يبين أن أفضل القرون هو قرنه عليه الصلاة والسلام، وهو الصحابة، ويبين أن الصحابة هم أفضل الأمة، وهو قول جمهور أهل العلم: أنهم أفضل بجملتهم، جمهور الصحابة أفضل من قرن التابعين، وكذلك يفضلونهم على الجملة، ذهب ابن عبد البر وجماعة أن هذا تفضيل جملة على جملة .

والصواب أن التفضيل فرد على فرد، أنه تفضيل فرد على فرد لا تفضيل جملة على جملة، وأن الصحبة لا يعدلها شيء، لكن هذا القول اختاره بعض أهل السنة، وأن بعض الصحابة ممن لم يكن له صحبة قوية وكثيرة، أو تأخرت صحبته، أنه ربما كان في التابعين من هو أفضل من متقدمي التابعين، ولكن الصواب هو قول جمهور أهل السنة، وأنها تفضيل فرد على فرد، لا تفضيل جملة على جملة .

وفي هذا البيان تشديد لأمر الشهادة، ثم يأتي قوله بعد ذلك: « يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن » 4 : البخاري : المناقب (3650) , ومسلم : فضائل الصحابة (2535)
عند الترمذي « ويتسمنون ويحبون السمن » 5 : مسلم : فضائل الصحابة (2535).
يعني يتعاطون ذلك، وهذه خصال ذميمة يبين أنه ذكر في الشهادة: « يشهدون ولا يستشهدون » يبادرون إلى الشهادة، وهذا الأظهر فيه أنه المسارعة إلى الشهادة، وقيل: إن المراد به شهادة الزور، والأظهر - والله أعلم - أنه المسارعة إلى الشهادة، والمبادرة إليها بدون طلب، وهذا يؤذن بعدم الضبط، وعدم العناية، وعدم التحري أن يبادر الإنسان إلى الشهادة، لا تبادر؛ لأنه مثل ما قال: قد يجوز مع الشهادة والعهد ونحن صغار، لا تبادر، فصاحب الحق إذا كان له الحق يطلب الشهادة، لكن أنت إذا علمت أن صاحب الحق يجهل حقه، ويبحث عمن يثبت له حقه بشهادته، فشهادتك له خير كما جاء في حديث زيد بن خالد - رضي الله عنه - نعم.



المصدر
الصفحة الرئيسة / المكتبة الإلكترونية / الشروح /
شرح بلوغ المرام (الجزء السابع) لفضيلة الشيخ عبد المحسن بن عبد الله الزامل
*********
وفي رواية البخاري في كتاب الشهادات

2508 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ زَهْدَمَ بْنَ مُضَرِّبٍ قَالَ سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قَالَ عِمْرَانُ لَا أَدْرِي أَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَنْذِرُونَ وَلَا يَفُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ .

صحيح البخاري » كتاب الشهادات.

قَوْلُهُ : ( وَلَا يُؤْتَمَنُونَ ) أَيْ لَا يَثِقُ النَّاسُ بِهِمْ وَلَا يَعْتَقِدُونَهُمْ أُمَنَاءَ بِأَنْ تَكُونَ خِيَانَتُهُمْ ظَاهِرَةً بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لِلنَّاسِ اعْتِمَادٌ عَلَيْهِمْ .




قَوْلُهُ : ( وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ التَّحَمُّلَ بِدُونِ التَّحْمِيلِ أَوِ الْأَدَاءَ بِدُونِ طَلَبٍ ، وَالثَّانِي أَقْرَبُ ، وَيُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ مَرْفُوعًا " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ ؟ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا " ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَرْجِيحِهِمَا.

قَوْلُهُ : (
وَيَنْذِرُونَ ) نعرض هنا لحكم النذر .
هل يجوز أن ينذر الإنسان بأنه إذا حصل له ما هو كذا وكذا أن يصلي عشر أو عشرين ركعة أو أكثر أو أقل؟

النذر منهي عنه لا ينبغي النذر، ولكن متى رزقه الله خيراً شكره بطاعته في الصلاة وغيرها، أما النذر فمنهي عنه، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئاً، وإنما يستخرج به من البخيل) متفق على صحته ، فالمؤمن ينبغي له ترك النذر، لكن إن نذر طاعة وجب عليه الوفاء، إذا نذر طاعة وجب عليه الوفاء لأن الله أثنى على الموفين بالطاعات، فقال سبحانه: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه) خرجه البخاري في صحيحه رحمه الله، فإن نذر أن يصلي كذا وكذا، أو يصوم الاثنين والخميس أو إذا رزقه الله ولداً تصدق بكذا وكذا، أو إذا تزوج يتصدق بكذا، يوفي بنذره، إذا كان طاعة لله مثلما ذكر، أما نذر المعاصي لا يجوز، لو قال نذر لله عليه أنه يشرب الخمر أو يسرق أو يزني فهذا نذرٌ منكر لا يجوز له فعله، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: (من نذر أن يعصي الله فلا يعصيه) وعليه كفارة يمين في أصح قولي العلماء عن هذا النذر الخبيث، أما النذر المباح فهو مخير إن شاء فعله وإن شاء كفر عنه، إذا قال نذرٌ لله أني آكل من هذا الطعام، نذرٌ: لله أني أبيت في هذا البيت، أو أسافر اليوم، هو مخير إن شاء وفى وإن شاء كفر عن يمينه كفارة النذر لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- :(كفارة النذر كفارة اليمين). جزاكم الله خيراً




المصدر
وَقَوْلُهُ : ( وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ بَعْدَهَا نُونٌ أَيْ يُحِبُّونَ التَّوَسُّعَ فِي الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ ، وَهِيَ أَسْبَابُ السِّمَنِ بِالتَّشْدِيدِ . قَالَ ابْنُ التِّينِ : الْمُرَادُ ذَمُّ مَحَبَّتِهِ وَتَعَاطِيهِ لَا مِنْ تَخَلَّقَ بِذَلِكَ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ يَظْهَرُ فِيهِمْ كَثْرَةُ الْمَالِ ، وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَتَسَمَّنُونَ أَيْ يَتَكَثَّرُونَ بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ وَيَدَّعُونَ مَا لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الشَّرَفِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ ذَلِكَ مُرَادًا . وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بِلَفْظِ " ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَتَسَمَّنُونَ وَيُحِبُّونَ السِّمَنَ " وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي تَعَاطِي السَّمْنِ عَلَى حَقِيقَتِهِ . فَهُوَ أَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ خَبَرُ الْبَابِ وَإِنَّمَا كَانَ مَذْمُومًا ; لِأَنَّ السَّمِينَ غَالِبًا بَلِيدُ الْفَهْمِ ثَقِيلٌ عَنِ الْعِبَادَةِ كَمَا هُـوَ مَشْهُورٌ .


المصدر



__________________


مدونة ( أصحابي )
مناقب الصحابة رضي الله عنهم





التعديل الأخير تم بواسطة توبة ; 07-23-2016 الساعة 10:21 PM
  #4  
قديم 01-17-2015, 08:42 PM
الصورة الرمزية توبة
توبة توبة غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 817
افتراضي



المجلس السابع عشر
تابع بَابُ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَالتَّنَافُسِ فِيهَا

الجمع بين حديث عمران بن حصين رضي الله عنه : (وَيَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ ).
وحديث " ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ ؟ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قبل أن يسألها )


الراوي: زيد بن خالد الجهني المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم
- الصفحة أو الرقم: 1719- خلاصة حكم المحدث: صحيح



أولا :نعم ، هذان الحديثان قد يبدو عند النظر إليهما لأول وهلة أن بينهما شيئا من التعارض ، غير أنه عند التأمل نجد أنه لا تعارض بينهما ، وقد وفَّق العلماء بينهما ، فحملوا حديث الذم على حال يستحق صاحبها الذم ، وحملوا حديث المدح على حال أخرى يستحق صاحبها المدح .

فحديث عمران بن حصين رضي الله عنه : (وَيَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ ) المراد به قوم يستهينون بأمر الشهادة ولا يبالون بها ، فمنهم من يشهد بالزور ، ومنهم من يشهد وهو ليس أهلا للشهادة ، بأن يكون كثير النسيان والعفلة ولا يتثبت في الأمور ، ومنهم من يشهد قبل أن تطلب منه الشهادة ، وصاحب الحق يعلم بأن هذا الشخص يمكن أن يشهد له ، ولكنه لم يطلب منه الشهادة .


قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " فتح الباري " (5/261) :"
قَالَ اِبْن اَلْجَوْزِيِّ : اَلْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يَتَوَرَّعُونَ وَيَسْتَهِينُونَ بِأَمْرِ اَلشَّهَادَة وَالْيَمِين " انتهى .


أما قوله صلى الله عليه وسلم في حديث زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ : ( خَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا ) فالمراد به أن يشهد الإنسان شهادة حق وهو متثبت منها ، وأهل لها ، وصاحب الحق لم يعلم بهذه الشهادة ، فلولا هذه الشهادة التي لم يعلم بها صاحب الحق ، لضاع الحق عليه

فهؤلاء يسارعون بالشهادة لإقامة الحق والعدل ، طاعة لله تعالى ، ومحبة للخير ، من غير أن يطلب الشهادة منهم أحد .


قال النووي رحمه الله :
" ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ ؟ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قبل أن يسألها ) وَفِي الْمُرَادِ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَأْوِيلَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا : تَأْوِيلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِإِنْسَانٍ بِحَقٍّ وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ شَاهِدٌ فَيَأْتِي إِلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ بِأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهُ .... ويَلْزَمُ مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِإِنْسَانٍ لَا يَعْلَمُهَا أَنْ يُعْلِمَهُ إِيَّاهَا لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ لَهُ ... قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُنَاقَضَةٌ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي ذَمِّ مَنْ يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ ) وَقَدْ تَأَوَّلَ الْعُلَمَاءُ هَذَا تَأْوِيلَاتٍ أَصَحُّهَا : أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ مَعَهُ شَهَادَةٌ لِآدَمِيٍّ عَالِمٍ بِهَا فَيَأْتِي فَيَشْهَدُ بِهَا قَبْلَ أَنْ تُطْلَبَ مِنْهُ ، وَالثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى شَاهِدِ الزُّورِ فَيَشْهَدُ بِمَا لَا أَصْلَ لَهُ وَلَمْ يُسْتَشْهَدْ ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَنْتَصِبُ شَاهِدًا وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ " انتهى من " شرح صحيح مسلم " (12/17) .


وقال النووي أيضا :
" قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا) هَذَا الْحَدِيثُ فِي ظَاهِرِهِ مُخَالَفَةٌ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ (خَيْرُ الشُّهُودِ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا) قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الذَّمَّ فِي ذَلِكَ لِمَنْ بَادَرَ بِالشَّهَادَةِ فِي حق الآدمي هو عالم بها قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهَا صَاحِبُهَا ، وَأَمَّا الْمَدْحُ فَهُوَ لِمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةُ الْآدَمِيِّ وَلَا يَعْلَمُ بها صاحبها فيخبره بها ليستشهد بِهَا عِنْدَ الْقَاضِي إِنْ أَرَادَ... هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ " انتهى من " شرح صحيح مسلم " (16/87) .


وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الجمع بين الحديثين:
" أَجَاب العلماء بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا : أَنَّ الْمُرَادَ بِحَدِيثِ زَيْدٍ مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِإِنْسَانٍ بِحَقٍّ لَا يَعْلَمُ بِهَا صَاحِبُهَا فَيَأْتِي إِلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ بِهَا ، أَوْ يَمُوتُ صَاحِبُهَا الْعَالِمُ بِهَا وَيَخْلُفُ وَرَثَةً فَيَأْتِي الشَّاهِدُ إِلَيْهِمْ أَوْ إِلَى مَنْ يَتَحَدَّثُ عَنْهُمْ فَيُعْلِمُهُمْ بِذَلِكَ ، وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ" انتهىمن "فتح الباري " (5/260) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" جمع بعض العلماء بينهما بأن المراد بحديث زيد من يشهد بحق لا يعلمه المشهود له ، وجمع بعض العلماء بأن المراد بحديث زيد: من يشهد بشيء من حقوق الله تعالى؛ لأن حقوق الله تعالى ليس لها مطالب ، فيؤدي الشهادة من غير أن يسألها، فيكون المراد بهم رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحوهم .
وجمع بعضهم بأن المراد بحديث زيد بن خالد أنه كناية عن السرعة بأداء الشهادة ، فكأنه لشدة إسراعه يؤديها قبل أن يسألها " .
انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (10/ 1054-1055) .
وانظر للاستزادة إجابة السؤال رقم : (145054) .




ثانيا :أما قوله صلى الله عليه وسلم : ( ويظهر فيهم السمن ) يعني : أن هؤلاء يبالغون في الاعتناء بأنواع الطعام والشراب والترف حتى تزداد أجسامهم سمنة من الترف والنعيم الذي هم فيه ، فاهتمامهم بالأجسام وشهواتها ولذاتها وليس اهتمامهم بالعقول والقلوب .


قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" هذا هو الوصف الرابع لهم ، كثرة الشحم واللحم ، وهذا الحديث مشكل ؛ لأن ظهور السمن ليس باختيار الإنسان فكيف يكون صفة ذم ؟
قال أهل العلم: المراد أن هؤلاء يعتنون بأسباب السمن من المطاعم والمشارب والترف ، فيكون همهم إصلاح أبدانهم وتسمينها.
أما السمن الذي لا اختيار للإنسان فيه ، فلا يذم عليه ، كما لا يذم الإنسان على كونه طويلا أو قصيرا أو أسود أو أبيض ، لكن يذم على شيء يكون هو السبب فيه " .
انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (10/ 1056) .

وانظر للاستزادة في شرح هذا الحديث إجابة السؤال رقم : (137177) .


ثالثا :أما قول إِبْرَاهِيم النخعي رحمه الله : ( كَانُوا يَضْرِبُونَنَا عَلَى اَلشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ ) قيل : المراد بالشهادة والعهد هنا : الحلف ، بأن يقول مثلا : أشهد بالله ، وعليّ عهد الله ، أو أعاهد الله على كذا ...

وهذا الكلمات هي صيغ من صيغ اليمين ، وهي كلمات جائزة ليس فيها محظور شرعي ، غير أنهم كانوا يضربونهم عليها حتى لا يتساهل أحد فيها ، ويكثر منها بلا داعٍ ، فإن الإكثار من اليمن بالله مكروه مذموم .


قال الحافظ ابن حجر : " قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ فِي آخِرِ حَدِيث ابن مَسْعُودٍ : ( كَانُوا يَضْرِبُونَنَا عَلَى الشَّهَادَةِ ) أَيْ : قَوْلِ الرَّجُلِ أَشْهَدُ بِاللَّهِ مَا كَانَ إِلَّا كَذَا عَلَى مَعْنَى الْحَلِفِ ، فَكُرِهَ ذَلِكَ كَمَا كُرِهَ الْإِكْثَارُ مِنَ الْحَلِفِ ، وَالْيَمِينُ قَدْ تُسَمَّى شَهَادَةً كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( فشهادة أحدهم)" انتهى من " فتح الباري " (5/260) .
فهذا الضرب ضرب للتأديب والتعليم والتربية ، حتى يتربى المسلم من صغره على تعظيم الحلف بالله تعالى.


قال الحافظ رحمه الله :
" قَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد اَلْبَرّ : مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ اَلنَّهْيُ عَنْ مُبَادَرَةِ اَلرَّجُلِ بِقَوْلِهِ : أَشْهَدُ بِاَللَّهِ وَعَلى عَهْد اَللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَإِنَّمَا كَانُوا يَضْرِبُونَهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى لَا يَصِيرَ لَهُمْ بِهِ عَادَةٌ فَيَحْلِفُوا فِي كُلِّ مَا يَصْلُحُ وَمَا لَا يَصْلُحُ .
قُلْت (ابن حجر) : وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اَلْأَمْرُ فِي اَلشَّهَادَةِ عَلَى مَا قَالَ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اَلْمُرَادُ اَلنَّهْيَ عَنْ تَعَاطِي اَلشَّهَادَات وَالتَّصَدِّي لَهَا لِمَا فِي تَحَمُّلِهَا مِنْ اَلْحَرَجِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ أَدَائِهَا ; لِأَنَّ اَلْإِنْسَانَ مُعَرَّضٌ لِلنِّسْيَانِ وَالسَّهْوِ وَلَا سِيَّمَا وَهُمْ إِذْ ذَاكَ غَالِبًا لَا يَكْتُبُونَ" انتهى من "فتح الباري " (5/261) .والله أعلم .


المصدر

__________________


مدونة ( أصحابي )
مناقب الصحابة رضي الله عنهم





التعديل الأخير تم بواسطة توبة ; 07-23-2016 الساعة 10:22 PM
  #5  
قديم 02-01-2015, 03:21 AM
الصورة الرمزية توبة
توبة توبة غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 817
افتراضي


تابع باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها
المجلس الثامن عشر


قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه


6065 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَتُهُمْ أَيْمَانَهُمْ وَأَيْمَانُهُمْ شَهَادَتَهُمْ .



الشرح


من كتاب شرح فتح المجيد شرح كتاب التوحيد [130] للشيخ : ( عبد الله بن محمد الغنيمان )

ثم وضح هذا وبينه بقوله: (ثم يأتي قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته) وهذا سببه ضعف تقوى الله عندهم، وضعف الوازع الديني، فيصبح أحدهم لا يبالي بالشهادة ولا باليمين، فيشهد وإن كانت الشهادة غير متيقنة، وغير معلومة، وكذلك يحلف وإن كان آثماً حانثاً، فمعنى: (تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته) أنهم يبذلون الشهادة عند أدنى طلب، وكذلك اليمين فليس عندهم من الدين ما يمنعهم من بذله، بل الدين خف عندهم وضعف، بخلاف من يحفظ يمينه، ويوقر ربه، ويقدره حق قدره، ويخاف عقابه، ويرجو ثوابه، فإنه لا يكون بهذه المثابة. وكذلك في الرواية الأخرى أنهم يخونون ولا يؤتمنون، وهي بمعنى كونهم تكثر فيهم الشهادة وإن كانت زوراً، واليمين وإن كان كذباً، فهذا من الخيانة، وعدم الائتمان، فإذا لم يؤتمن الإنسان على دينه فهو لغيره أخون، فيكون معنى هذه الرواية والتي قبلها واحد.قال المصنف رحمه الله: [وفيه عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته)]. قال الشارح رحمه الله: [وهذه حال من صرف رغبته إلى الدنيا ونسي المعاد، فخف أمر الشهادة واليمين عنده تحملاً وأداء لقلة خوفه من الله، وعدم مبالاته بذلك، وهذا هو الغالب على الأكثر. والله المستعان].قوله: (تحملاً وأداءً) يعني: المسلم يجب عليه إذا شهد على الشيء أن يحمل الشهادة، وإذا طلبت منه أن يؤديها على الوجه الشرعي، وأن يقول الحق وإن كان على نفسه، وإن كان المقول عليه قريباً منه. أما التحمل فهو واجب، إذا حمل الشهادة وجب أن يحملها، يعني: إذا قيل له: اشهد، فإنه يشهد بالشيء الذي شاهد ورأى، وأداء الشهادة واجب إذا طلبت منه، وإن كتمها فهو آثم قلبه كما قال الله جل وعلا، ومعنى ذلك: أنهم مرتكبون جرماً عظيماً؛ لأنه حق جحد، وباطل ظهر، واستولي على الحق بسبب كتمان الشهادة، فيكون الذي كتم الشهادة قد ارتكب إثماً عظيماً بالنسبة للذي أكل الباطل، وبالنسبة للذي أخذ حقه، فتكون أوزارهم عليه. فالمقصود أن تحمل الشهادة وأداءها من الفروض على كل من شاهد شيئاً، فيجب عليه أن يؤديه إذا طلب منه كما شاهده وكما سمعه، ويجب عليه أن يقول الحق، وإن كان المقول عليه ذا قربى، وإن كان على نفسه. أما إذا صار يؤثر قرابته وأصدقاءه فمعنى ذلك أنه جعل دينه عرضة لأمر الدنيا، وهذا الصنف لم يكن موجوداً في القرون المفضلة، ولكنه جاء بعدهم، وأصبح يزداد حتى أصبح الناس يشهدون بالأجرة، فإذا بذل له شيء من المال شهد كذباً وزوراً، وهذه الشهادة قد جاء أنها تعدل الشرك بالله جل وعلا، وقد حذرنا الله جل وعلا منها، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن فاعل ذلك قد استحق غضب الله جل وعلا.قال الشارح رحمه الله: [فإذا كان هذا قد وقع في صدر الإسلام الأول فما بعده أكثر بأضعاف، فكن من الناس على حذر].والمقصود بصدر الإسلام: القرن الرابع والخامس، هذا الذي يقصده، وأنه قد وقع فيهم أن شهادة أحدهم تسبق يمينه، ويمينه شهادته، فكيف فيمن بعدهم من القرون المتأخرة التي يكون الناس فيها أقل ديانة، وأقل وازعاً يزعهم ويمنعهم من ارتكاب المحرمات؟! لأنه كلما ابتعد عهد الناس عن عهد النبوة يخف إيمانهم بلا شك؛ لأن الذي يؤثر في الإيمان هو رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم.



__________________


مدونة ( أصحابي )
مناقب الصحابة رضي الله عنهم





التعديل الأخير تم بواسطة توبة ; 07-23-2016 الساعة 10:23 PM
  #6  
قديم 02-28-2015, 02:19 PM
الصورة الرمزية توبة
توبة توبة غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 817

تابع باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها
المجلس التاسع عشر

قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه



حديث رقم 6066
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ خَبَّابًا وَقَدْ اكْتَوَى يَوْمَئِذٍ سَبْعًا فِي بَطْنِهِ وَقَالَ لَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِالْمَوْتِ إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَضَوْا وَلَمْ تَنْقُصْهُمْ الدُّنْيَا بِشَيْءٍ وَإِنَّا أَصَبْنَا مِنْ الدُّنْيَا مَا لَا نَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا إِلَّا التُّرَابَ .

الشرح
قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله في شرح الحديث



هذا أيضاً فيه الحذر من الدنيا والانشغال بها ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدعاء بالموت ، بل نهى عن تمني الموت ، وإن لم يدع الإنسان لضر نزل به ، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: ( إن أردت بعبادتك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون ) فالمعنى: أنه يسأل الله أن يقبضه قبل أن يفتن ، لا أن يعجل في قبضه ومنه أيضاَ قول مريم 'يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً' لم تدعو على نفسها بتعجيل الموت ولكنها تمنت أنها لم يحصل لها هذا الشيء قبل موتها ، مثل أن يقول القائل: ليتني مت ولم أشاهد هذا الشيء ، فليس المعنى تعجيل الموت ، ولكن يحب أنه مات سالماً منه ، وكذلك يوسف عليه السلام { أنت وليِّي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين } فهو دعاء بأن يتوفاه الله على الإسلام.


س: هل يجوز أن يقول أحدنا: اللهم توفني قبل
أن تجعلني محتاج لأحد من الناس ؟

ج: نعم ، لا بأس ، حتى في الدنيا لأن معناه اللهم

أغنني عن الخلق حتى الموت.

س: هل يجوز أن يقول الإنسان ـ وقد رأى فتناً فخشي
على نفسه ـ أن يقول: اللهم اقبضني إليك غير مفتون ؟

ج: نعم. فهل هذا فيه تمني للموت ؟ كلا ، اقبضني غير مفتون ، أي ولو بقيت في هذه الفتن ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (إنما السعيد من وُقي الفتن ، ومن ابتلي فصبر فواهن ).



س: ماذا لو شهد أحدهم على أبيه ، وتسبب هذا في غضبه عليه ؟

ج: يقول الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ
وَالْأَقْرَبِينَ } النساء 135 .لا بد أن يشهد بالحق ولو على أبيه.

حكم الكي بالنار

وردت أحاديث كثيرة في مسألة الكيّ ، وقسمها أهل العلم إلى أربعة أقسام :
1- ما يدل على الجواز ، كحديث جابر رضي الله عنه قال : ( رُمِيَ أُبَيٌّ يَوْمَ الأَحْزَابِ عَلَى أَكْحَلِهِ فَكَوَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) رواه مسلم (2207) .

2- ما يدل على عدم محبته له كحديث جابر رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ أَوْ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ ) رواه البخاري (5683) ومسلم (2205).


3- ما يدل على الثناء على تاركه كحديث عمران بن حصين في السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ، " الَّذِينَ لا يَكْتَوُونَ " أخرجه البخار ي (6541) ومسلم (218).
وفي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه : أن الملائكة كانت تسلم عليه ، لأنه لا يكتوي ، فلما اكتوى تركت السلام عليه ، فلما ترك الاكتواء عادت تسلم عليه " رواه مسلم (1226).

4- ما يدل على كراهة الكي كحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيِّ ) رواه البخاري (5681) .

وبهذا يتم الجمع بين الأحاديث ، فالنهي عنه يدل على كراهته ، وأحاديث فعله تدل على جوازه إذا احتاج إليه .
قال ابن عبد البر : ما أعلم بينهم خلافاً أنهم لا يرون بأساً بالكيِّ عند الحاجة .
وسبب كراهته ما فيه من تعذيب النفس وإيلامها .(أ.هـ )

المصدر

قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه

6067 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ قَالَ أَتَيْتُ خَبَّابًا وَهُوَ يَبْنِي حَائِطًا لَهُ فَقَالَ إِنَّ أَصْحَابَنَا الَّذِينَ مَضَوْا لَمْ تَنْقُصْهُمْ الدُّنْيَا شَيْئًا وَإِنَّا أَصَبْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ شَيْئًا لَا نَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا إِلَّا التُّرَاب.

6068 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ خَبَّابٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَّهُ .

قَوْلُهُ هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصَّهُ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا ضَمِيرٌ وَالْمُرَادُ أَنَّ الرَّاوِيَ قَصَّ الْحَدِيثَ وَأَشَارَ بِهِ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ بِتَمَامِهِ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ هُنَا وَقَرَنَهُ بِرِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنِ الْأَعْمَشِ وَسَاقَهُ بِتَمَامِهِ وَقَالَ بَعْدَ الْمَذْكُورِ هُنَا " فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ " الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْجَنَائِزِ وَأَحَلْتُ شَرْحَهُ عَلَى مَا هُنَا وَذُكِرَ فِي الْهِجْرَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَفِي غَزْوَةِ أُحُدٍ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَحَلْتُ بِهِ فِي الْهِجْرَةِ عَلَى الْمَغَازِي وَلَمْ يَتَيَسَّرْ فِي الْمَغَازِي التَّعَرُّضُ لِشَرْحِهِ ذُهُولًا وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَسَيَأْتِي بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَبْوَابٍ فِي " بَابِ فَضْلِ الْفَقْرِ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ – تَعَالَى . فتح الباري
وردت الرواية كامله في كتاب الجنائز
قال الإمام البخاري
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا شَقِيقٌ حَدَّثَنَا خَبَّابٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللَّهِ فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ إِلَّا بُرْدَةً إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ الْإِذْخِرِ.


الشرح



قَوْلُهُ : ( بَابُ إِذَا لَمْ يَجِدْ كَفَنًا إِلَّا مَا يُوَارِي رَأْسَهُ أَوْ قَدَمَيْهِ ) ؛ أَيْ رَأْسَهُ مَعَ بَقِيَّةِ جَسَدِهِ إِلَّا قَدَمَيْهِ أَوِ الْعَكْسُ ، كَأَنَّهُ قَالَ : مَا يُوَارِي جَسَدَهُ إِلَّا رَأْسَهُ ، أَوْ جَسَدَهُ إِلَّا قَدَمَيْهِ ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ : " خَرَجَتْ رِجْلَاهُ " . وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُغَطِّي رَأْسَهُ فَقَطْ دُونَ سَائِرِ جَسَدِهِ لَكَانَ تَغْطِيَةُ الْعَوْرَةِ أَوْلَى . وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُوجَدْ سَاتِرٌ أَلْبَتَّةَ أَنَّهُ يُغَطِّي جَمِيعَهُ بالِإِذْخِرِ ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَبِمَا تَيَسَّرَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلُ الْعَبَّاسِ : " إِلَّا الْإِذْخِرَ ، فَإِنَّهُ بُيُوتُنَا وَقُبُورُنَا " . فَكَأَنَّهَا كَانَتْ عَادَةً لَهُمُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْقُبُورِ . قَالَ الْمُهَلَّبُ : وَإِنَّمَا اسْتَحَبَّ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّكْفِينَ فِي تِلْكَ الثِّيَابِ الَّتِي لَيْسَتْ سَابِغَةً لِأَنَّهُمْ قُتِلُوا فِيهَا . انْتَهَى . وَفِي هَذَا الْجَزْمِ نَظَرٌ ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ لَهُمْ غَيْرَهَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّرْجَمَةِ .



قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا شَقِيقٌ ) هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ أَبُو وَائِلٍ ، وَخَبَّابٌ بِمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَتَيْنِ ، الْأُولَى مُثَقَّلَةٌ ، هُوَ ابْنُ الْأَرَتِّ ، وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ .

قَوْلُهُ : ( لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا ) ؛ كِنَايَةٌ عَنِ الْغَنَائِمِ الَّتِي تَنَاوَلَهَا مَنْ أَدْرَكَ زَمَنَ الْفُتُوحِ ، وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَجْرِ ثَمَرَتُهُ ، فَلَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى أَجْرِ الْآخِرَةِ .

قَوْلُهُ : ( أَيْنَعَتْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ ، وَفَتْحِ النُّونِ ؛ أَيْ نَضِجَتْ .

قَوْلُهُ : ( فَهُوَ يَهْدِبُهَا ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ ، وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ ؛ أَيْ يَجْتَنِيهَا ، وَضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ بِضَمِّ الدَّالِ ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ تَثْلِيثَهَا .



قَوْلُهُ : ( مَا نُكَفِّنُهُ بِهِ ) سَقَطَ لَفْظُ " بِهِ " مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى فَوَائِدِهِ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .






الصحابة رضي الله عنهم هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم يريدون وجه الله ، فمنهم من مضى ولم يأخذ من أجره شيئاً ، أي لم يأخذ من الغنائم شيئاً وعوضاً عن هجرته مثل: مصعب بن عمير ، وكان حامل الراية في أحد وكان شاباً مدللاً بين أبويه في مكة ، فلما أسلم طرده أبواه فهاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان يلبس قميصاً مرقعاً مع انه في مكة يلبس أحسن الثياب قبل أن يسلم ، ففضل رضي الله عنه أن يترك بلده وأهله ودلَّه هجرة إلى الله ورسوله ، وكان جزاءه أن اختار الله له الشهادة فقُتل في أُحد شهيداً ، وأنزل الله فيهم: { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما ءاتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين }0 ومن الصحابة من عُمَّرَ وأدرك المال ووفرة المال ، وصار يَهْدِبُ هذه الثمرة ويجنيها ، والله أعلم بالحال ، هل الأفضل من لم يأخذ من أجره الدنيوي شيئاً مثل مصعب بن عمير أو الآخر !
ولكن هذا الحديث أيضاً لا يدل على فضل الفقر لأن الفقر شيء يبتلي الله العبد به ، ولكن الصبر على الفقر هو الذي فيه الفضل لأنه من كسب العبد ، وكم من إنسان حرص حرصاً عظيماً على المال ولم يدركه ، وكم من إنسان تسبب بأسباب ضئيلى فأدرك المال ، وكم من إنسان لم يتسبب فجاءه المال ، أليس كذلك ؟ هذا شيء مشاهد.

من الناس من يكون ذكياً شاطراً جيداً في اكتساب المال لكنه لا يريح بل كلما اشترى شيئاً خسر ، ومن الناس من يكون سببه ضعيفاً لكنه يحصل على خير كثير ، كلما اشترى سلعة ارتفعت قيمتها فباع ما اشتراه بعشرة بمائة مثلاً ، هذا يغتني بوقت قصير ، ومن الناس من يأتيه المال بلا سبب ، يموت له قريب غني فيرث المال من بعده فيصبح غنياً فالفقر ليس من كسب العبد حتى يقال أن الإنسان يثاب عليه لكن يثاب على الصبر على الفقر ، وحينئذٍ تأتي المسألة هل الأفضل الفقير الصابر أم الغني الشاكر ؟


[ وذكر أحد طلبة العلم أن: البخاري في الترجمة لم يفضله على الغني إنما أثبت له فضلاً فقط ] نعم الفقر نفسه ليس فيه فضل إنما الصبر هو الذي فيه الفضل.

المصدر



__________________


مدونة ( أصحابي )
مناقب الصحابة رضي الله عنهم





التعديل الأخير تم بواسطة توبة ; 07-23-2016 الساعة 10:23 PM
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



أوقات الصلاة لأكثر من 6 ملايين مدينة في أنحاء العالم
الدولة:

الساعة الآن 04:09 PM بتوقيت مسقط


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
Powered & Developed By Advanced Technology