ملتقى قطرات العلم النسائي
 
 

الـــمـــصـــحـــــف الـــجـــامـــع
مـــصـــحـــــف آيـــــات
موقع الدرر السنية للبحث عن تحقيق حديث

العودة   ملتقى قطرات العلم النسائي > ::الملتقى العام:: > ملتقى عام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-10-2012, 11:59 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,679
افتراضي رسالة في أحاديث شهر الله المحرَّم تأليف الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان



الاعتبار بمرور الأيام والأعوام


قال تعالى : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأولِي الأَلْبَابِ [آل عمران/190]
وقال تعالى : إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ والأرض لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ [يونس/6]
وقال تعالى : يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأولِي الأبْصَارِ[النور/44] .
* * *
في هذه الآيات الكريمات يخبر الله تعالى عن الآيات الكونية الدالة

على كمال علمه وقدرته ، وتمام حكمته ورحمته ، ومن ذلك اختلاف

الليل والنهار ، وذلك بتعاقبهما ، واختلافهما بالطول والقصر ،

والحر والبرد والتوسط ، وما في ذلك من المصالح العظيمة لكل ما

على الأرض ، وكل ذلك من نعم الله تعالى ورحمته بخلقه ، الذي لا

يدركه إلا أصحاب العقول السليمة والبصائر النَّيِّرة ، الذين يدركون

حكمة الله تعالى في خلق الليل والنهار والشمس والقمر ، ويدركون

ما في تعاقب الشهور والأعوام ، وتوالي الليالي والأيام .


والله تعالى جعل الليل والنهار خزائن للأعمال ، ومراحل للآجال ،

إذا ذهب أحدهما خلفه الآخر ، لإنهاض همم العاملين إلى الخيرات ،

وتنشيطهم على الطاعات ، فمن فاته الورد بالليل استدركه بالنهار ،

ومن فاته بالنهار استدركه بالليل ،

قال تعالى :
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً[الفرقان/62] .

وينبغي للمؤمن أن يأخذ العبرة من مرور الليالي والأيام ، فإن الليل

والنهار يبليان كل جديد ، ويقرِّبان كل بعيد ، ويطويان الأعمار ،

ويشيِّبان الصغار ، ويفنيان الكبار ، وكل يوم يمر بالإنسان فإنه يبعده

من الدنيا ويقرِّبه من الآخرة .


فالسعيد - والله - من حاسب نفسه ، وتفكر في انقضاء عمره ،

واستفاد من وقته فيما ينفعه في دينه ودنياه ، ومن غفل عن نفسه


تصرَّمت أوقاته ، وعَظُمَ فواته ، واشتدت حسراته ، نعوذ بالله من


التفريط والتسويف .


ونحن في هذه الأيام نودِّع عاماً ماضياً شهيداً ، ونستقبل عاماً مقبلاً

جديداً ، فعلينا أن نحاسب أنفسنا ، فمن كان مفرطاً في شيء من

الواجبات فعليه أن يتوب ويتدارك ما فات ، وإن كان ظالماً لنفسه

بارتكاب ما نهى الله ورسوله عنه ، فعليه أن يقلع قبل حلول الأجل ،

ومَنْ منَّ الله عليه بالاستقامة فليحمد الله على ذلك وليسأله الثبات إلى الممات .


وليست هذه المحاسبة مقصورة على هذه الأيام ، بل هي مطلوبة كل

وقت وأوان فمن لازَمَ محاسبة النفس استقامت أحواله ، وصلحت

أعماله ، ومن غفل عن ذلك ساءت أحواله ، وفسدت أعماله .


ومما يؤسف عليه أن كثيراً من الناس إذا بدأ العام يَعِدُ نفسه بالجد

والعزيمة الصادقة لإصلاح حاله ، ثم يمضي عليه اليوم بعد الأيام

والشهر بعد الشهور ، وينقضي العام وحاله لم يتغير ، فلم يزدد من

الخيرات ولم يتب من السيئات ، وهذه علامة الخيبة والخسران .


اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها ، وخير أعمارنا آخرها ، وخير

أيامنا يوم لقائك ، اللهم أعزَّ المسلمين بطاعتك ، ولا تذلهم بمعصيتك

، اللهم اجعل عامنا هذا وما بعده عام أمن وعزٍّ ونصر للإسلام

والمسلمين ، وأسبغ علينا نعمك ، وارزقنا شكرها ، وصلّى الله وسلم

على نبينا محمد




التعديل الأخير تم بواسطة أم حذيفة ; 11-11-2012 الساعة 05:08 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-11-2012, 12:07 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,679
افتراضي

الحث على قِصَرِ الأمل في الدنيا

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبيَّ فقال : ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول : ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك ) أخرجه البخاري (1) .
* * *
الحديث دليل على وجوب اغتنام الأوقات ، والحث على قِصَرِ الأمل ، وتقديم التوبة والاستعداد للموت ، وهذا الحديث من أبلغ الكلام في التذكير بالآخرة وعدم الاغترار بالدنيا ، وذلك أن الدنيا فانية ، مهما طال عمر الإنسان فيها ، فهي دار ممر لا دار مقر ، وكل نفس ذائقة الموت ، وهذه حقيقة مشاهدة ، نراها كلَّ يوم وليلة ، ونحس بها كلَّ ساعة ولحظة ، وإذا كان الإنسان لا يدري متى ينتهي أجله ويأتيه الموت فعليه أن يستعد للرحيل ، وأن يكون عابر سبيل ، فلا يركن إلى الدنيا ولا يتعلق بها ولا يتخذها وطناً ولا تحدثه نفسه بالبقاء فيها ، فلا يتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه الذي سيفارقه مهما تكن راحته وهناؤه ، وأن يكون فيها كالمسافر الذي يكتفي بسفره بالقليل الذي يساعده على بلوغ غايته وتحقيق مقصده .
ولقد أدرك الصحابي الجليل عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - موعظة رسول الله صلى الله عليه وسلم إدراكاً علمياً وعملياً ، وأخذ منه هذه الوصايا الثلاث العظيمة :
الأولى :« إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء » ومعنى ذلك : حث المؤمن على قِصَرِ الأمل في هذه الحياة ، وأنه ينبغي له إذا أمسى لا ينتظر الصباح ، وإذا أصبح لا ينتظر المساء ، بل يظن أن أجله مدركه قبل ذلك .

(1) صحيح البخاري (6416) .

********

الوصية الثانية : «وخذ من صحتك لمرضك »والمعنى : أنه ينبغي للمؤمن أن يغتنم أوقات الصحة وسلامة البدن من العلل ، وذلك بفعل الخير والإكثار من الطاعات ، قبل أن يحول بينه وبينها السُّقْمُ ، فيعجز عن الصيام والقيام وسائر الأعمال ، إذا اعتراه مرض أو علة أو كِبَرٌ .
الوصية الثالثة : «ومن حياتك لموتك »والمعنى : أنه ينبغي للمؤمن أن يغتنم زمن الحياة وساعات العمر بتقديم الزاد ، ولا يفرط حتى يدركه الموت ، ويحول بينه وبين الأعمال الصالحة .
وقد ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ) أخرجه البخاري(1) .

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه : ( اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ) أخرجه الحاكم وصححه (2) .

فالواجب علينا ونحن نستقبل عاماً جديداً أن نغتنم الأوقات ، ونبادر بالأعمال الصالحة قبل أن يحال بيننا وبينها ، إما بشغل أو مرض أو موت .


اللهم أيقظنا لتدارك بقايا الأعمار ، ووفقنا للتزود من الخير والاستكثار ،
اللهم أيقظ قلوبنا من رقدات الآمال ، وذكِّرنا قربَ الرحيل ودنوَّ الآجال ، وثبت قلوبنا على الإيمان ،
ووفقنا لصالح الأعمال ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين ،
وصلّى الله وسلم على نبينا محمد


(1) أخرجه البخاري (6412) .
(2) المستدرك (4/306) وصححه على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي ،

وصححه الألباني في « اقتضاء العلم العمل » ص (100) ، وله شاهد عن عمر بن ميمون ،

أخرجه ابن المبارك في « الز
هد » رقم (2) ، وأبو نعيم في «الحلية» (4/148) ، والخطيب في « الاقتضاء » ص (100 - 101)
قال الألباني : ( هذا إسناد مرسل حسن ) .



التعديل الأخير تم بواسطة أم حذيفة ; 11-11-2012 الساعة 12:49 AM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11-11-2012, 12:20 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,679
افتراضي

فضل شهر الله المحرم

عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفضلُ الصيام بعد رمضان شهرُ الله المحرم ، وأفضلُ الصلاة بعد الفريضة صلاةُ الليل )
وفي رواية: ( الصلاة في جوف الليل ) أخرجه مسلم
(1) .
* * *
الحديث دليل على فضل صيام شهر الله المحرم ، وأن صيامه يلي فضل شهر رمضان في الأفضلية ، وفضل الصيام فيه جاء من فضل أوقاته وتعظيم الأجر فيه ، لأن الصيام من أفضل الأعمال عند الله تعالى .
وشهر الله المحرم هو الشهر الذي تبدأ به السنة الهجرية ، كما تمَّ الاتفاق على ذلك في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب
رضى الله عنه ، وهو أحد الأشهر الحرم التي ذكر الله في كتابه ،
فقال تعالى :
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة/36]

وعن أبي بكرة
رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( السنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حرم : ثلاثة متوالية ، ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجبُ مُضَرَ الذي بين جمادى وشعبان ) متفق عليه(2) .

(1) صحيح مسلم (1163) .

(2) صحيح البخاري (4662) ومسلم (1679) .

وقد أضاف الله تعالى هذا الشهر إليه تشريفاً وتعظيماً ، لأن الله تبارك وتعالى لا يضيف من الأشياء إليه إلا خواصُها كبيت الله ، ورسول الله ، ونحو ذلك ، وسمي محرماً تأكيداً لتحريمه ، لأن العرب كانت تتقلب فيه ، فتحله عاماً وتحرمه عاماً .


وقوله تعالى :
فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ
أي : في هذه الأشهر المحرَّمة ، لأنها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها ،
قال قتادة : (
إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم

خطيئةً ووزراً من الظلم فيما سواها ، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً ، ولكن الله يُعَظِّمُ من أمره ما يشاء ) (1) .
وقد جعل الله هذه الشهور الهلالية مواقيت للناس ، لأنها علامات محسوسة يعرف كل أحد بدايتها ونهايتها ، ومما يؤسف عليه أن كثيراً من المسلمين تركوا التاريخ الهجري ، وأخذوا بتاريخ النصارى الميلادي المبني على أشهر وهمية غير مبنية على مشروع ولا معقول ولا محسوس .

وهذا دليل الضعف والانهزامية والتبعية لغير المسلمين ، ومن مفاسده : ربط المسلمين وناشئتهم بتاريخ النصارى ، وإبعادهم عن تاريخهم الهجري الذي ارتبط برسولهم
صلى الله عليه وسلم وبشعائر دينهم وعبادتهم (2) ، فالله المستعان .
وقد دل الحديث على أن أفضل ما يتطوع به من الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرم ، والظاهر أن هذا محمول على أنه أفضل شهر يُتطوع بصيامه بعد رمضان ، أما التطوع بصيام بعض الأيام منه فقد يكون بعض الأيام أفضل من أيامه كيوم عرفة ، وستة أيام من شوال .

وظاهر الحديث فضل صيام شهر المحرم كاملاً ، وحمله بعض العلماء على الترغيب في الإكثار من الصيام في شهر المحرم لا صومه كله ، لقول عائشة رضي الله عنها :
(
ما رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان ) أخرجه مسلم (3) .
اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة ، وارزقنا الاستعداد قبل النُّقلة ، وألهمنا اغتنام الزمان وقت المهلة ، ووفقنا لفعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد

(1) تفسير بن كثير (4/89-90) .

(2) انظر : التشبه المنهي عنه ص (542) .

(3) صحيح مسلم (1156) (175) .


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11-11-2012, 12:26 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,679
افتراضي

الترغيب في صيام يوم عاشوراء

عن أبي قتادة
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عاشوراء ،
فقال : ( يكفر السنة الماضية )

وفي رواية : ( … وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ) أخرجه مسلم(1) .

* * *
الحديث دليل على فضل صيام يوم عاشوراء ، وهو اليوم العاشر من شهر الله المحرم ، على القول الراجح والمشهور عند أهل العم .
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سئل عن صيام يوم عاشوراء ، فقال : (
ما علمت أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم صام يوماً يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم ، ولا شهراً إلا هذا الشهر ، يعني رمضان ) متفق عليه(2) .
فينبغي للمسلم أن يصوم هذا اليوم ، ويحث أهله وأولاده على صيامه ، اغتناماً لفضله ، وتأسياً بالنبي
صلى الله عليه وسلم .

وعن جابر بن سمرة
رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام يوم عاشوراء ، ويحثنا عليه ، ويتعاهدنا عليه الحديث ) أخرجه مسلم(3) .

والصيام من أفضل الأعمال عند الله تعالى ، ومن فوائد صوم التطوع - إضافة إلى ما رُتِّب عليه من الأجر - أنه كغيره من التطوعات

يجبر ما عسى أن يكون في أداء الفرض من نقص أو تقصير ، وفي ذلك قال النبي
صلى الله عليه وسلم في شأن الصلاة: ( قال الرب تبارك وتعالى : انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فَيُكَمَّلُ بها ما انْتَقَصَ من الفريضة ، ثم يكون سائر عمله كذلك )(4) .

(1) صحيح مسلم (1162) (196) (197) .


(2) صحيح البخاري (2006) ومسلم (1132) .


(3) صحيح مسلم (1128) .


(4) رواه الترمذي بتمامه (413)عن أبي هريرة
رضي الله عنه مرفوعاً،
وقال : ( حديث حسن )
لكن فيه حُريث بن قبيصة أو قبيصة بن حريث ،
وهو ضعيف ، ولعل الترمذي حسنه باعتبار طرقه.



كما أن صوم النفل يهيئ المسلم للترقي في درجات القرب من الله تعالى ، والظفر بمحبته ، كما في الحديث القدسي : ( ما تَقرَّب إليّ عبدي بأفضل مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبَّه الحديث )(1) .

وأعلم أن كل نص جاء فيه تكفير بعض الأعمال الصالحة للذنوب ، كالوضوء وصيام رمضان وصيام يوم عرفة ، وعاشوراء وغيرها ، أن المراد به الصغائر ، لأن هذه العبادات العظيمة ، وهي الصلوات الخمس والجمعة ورمضان إذا كانت لا تُكَفَّر بها الكبائر - كما ثبت في السنة - ، فكيف بما دونها من الأعمال ؟
ولهذا يرى جمهور العلماء أن الكبائر كالربا والزنا والسحر وغيرها ، لا تكفِّرها الأعمال الصالحة ، بل لا بد لها من توبة أو إقامة الحد فيما يتعلق به حد .


فعلى المسلم أن يباد بالتوبة في هذه الأيام الفاضلة من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها ، لعل الله تعالى أن يتوب عليه ويغفر ذنبه ، ويقبل طاعته ، لأن التوبة في الأزمنة الفاضلة لها شأن عظيم ، فإن الغالب إقبال النفوس على الطاعات ، ورغبتها في الخير ، فيحصل الاعتراف الذنب ، والندم على ما مضى ، لا سيما ونحن في بداية عام جديد ، وإلا فالتوبة واجبة في جميع الأزمان .

اللهم يا مصلح الصالحين أصلح فساد قلوبنا ، واستر في الدنيا والآخرة عيوبنا ، اللهم حبب إلينا الإيمان ، وزينه في قلوبنا ، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا من الراشدين ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد



(1) رواه البخاري (6502) .





التعديل الأخير تم بواسطة أم حذيفة ; 11-11-2012 الساعة 12:30 AM
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 11-11-2012, 12:39 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,679
افتراضي


الحكمة من صيام يوم عاشوراء

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قدم رسول الله
صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فسئلوا عن ذلك ، فقالوا : هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون ، فنحن نصومه تعظيماً له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نحن أولى بموسى منكم ، فأمر بصيامه)

أخرجه البخاري ومسلم ، وفي رواية لمسلم : ( فصامه موسى شكراً ، فنحن نصومه )
(1) .
* * *


في الحديث بيانٌ للحكمة العظيمة من مشروعية صيام يوم عاشوراء ، وهي تعظيم هذا اليوم وشكرُ الله تعالى على نجاة موسى عليه الصلاة والسلام وبني إسرائيل ، وإغراق فرعون وقومه ، ولهذا صامه موسى عليه السلام شكراً لله تعالى ، وصامته اليهود ، وأمة محمد
صلى الله عليه وسلم أحق بأن تقتدي بموسى من اليهود ، فإذا صامه موسى شكراً لله تعالى ، فنحن نصومه كذلك ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( نحن أولى بموسى منكم )

وفي رواية :
( فأنا أحق بموسى منكم ) أي : نحن أثبت وأقرب لمتابعة موسى عليه السلام منكم ، فإنا موافقون له في أصول الدين ، ومصدقون لكتابه ، وأنتم مخالفون لهما بالتغيير والتحريف ، والرسول
صلى الله عليه وسلم أطوع وأتبع للحق منهم ، فلذا صام يوم عاشوراء ، وأمر بصيامه تقريراً لتعظيمه ، وتأكيداً لذلك .
وعن أبي موسى رضى الله عنه
قال : كان يوم عاشوراء يوماً تعظمه اليهود ، وتتخذه عيداً ،
فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ( صوموا أنتم ) أخرجه البخاري ومسلم ،
وفي رواية لمسلم : ( كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيداً ، ويُلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم ، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ( فصوموا أنتم )(2) .

وظاهر هذا أن من حكمة صومه مخالفة اليهود ، وذلك بعدم اتخاذه عيداً ، والاقتصار على صومه ، لأن يوم العيد لا يصام ، وهذا أوجه من مخالفة اليهود في
يوم عاشوراء ، وسيأتي - إن شاء الله - وجه آخر من المخالفة ، وهو صوم التاسع قبله .
وقد ضلَّ في هذا اليوم طائفتان :
طائفة شابهت اليهود فاتخذت عاشوراء موسم عيد وسرور ، تظهر فيه شعائر الفرح كالاختضاب والاكتحال ، وتوسيع النفقات على العيال ، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة ، ونحو ذلك من أعمال الجهال ، الذين قابلوا الفاسد بالفاسد ، والبدعة بالبدعة .
وطائفة أخرى اتخذت عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة ، لأجل قتل الحسين بن علي - رضي الله عنهما - تُظهر فيه شعار الجاهلية من لطم الخدود وشق الجيوب ، وإنشاد قصائد الحزن ، ورواية الأخبار التي كذبها أكثر من صدقها ، والقصد منها فتح باب الفتنة ، والتفريق بين الأمة ، وهذا عمل من ضلَّ سعيه في الحياة الدنيا ، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً .
وقد هدى الله تعالى أهل السنة ففعلوا ما أمرهم به نبيهم
صلى الله عليه وسلم من الصوم ، مع رعاية عدم مشابهة اليهود فيه ، واجتنبوا ما أمرهم الشيطان به من البدع ، فلله الحمد والمنة .
اللهم فقهنا في ديننا ، وارزقنا العمل به والاستقامة عليه ، ويسِّرنا لليسرى ، وجنبنا العسرى ، واغفر لنا في الآخرة والأولى ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد.

(1) صحيح البخاري (3943) ومسلم (1130) (127) (128) .

(2) صحيح البخاري (2005) ومسلم (1131) (129) (130) .

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 11-11-2012, 12:44 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,679
افتراضي

استحباب صيام اليوم التاسع مع العاشر

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لما صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : يا رسول الله ، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا كان العام المقبل - إن شاء الله - صمنا اليوم التاسع ) قال : فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه مسلم
، وفي رواية له : ( لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع )(1) .

* * *
الحديث دليل على أنه يستحب لمن أراد أن يصوم عاشوراء أن يصوم قبله يوماً ، وهو اليوم التاسع ، فيكون صوم التاسع سنة وإن لم يصمه النبي
صلى الله عليه وسلم ، لأنه عزم على صومه ، والغرض من ذلك - والله أعلم - أن يضمه إلى العاشر ليكون هديه مخالفاً لأهل الكتاب ، فإنهم كانوا يصومون العاشر فقط ، وهذا تشعر به بعض الروايات في مسلم ، وقد صح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - موقوفاً عليه : ( صوموا التاسع والعاشر خالفوا اليهود )(2) .

وفي هذا دلالة واضحة على أن المسلم منهي عن التشبه بالكفار وأهل الكتاب ، لما في ترك التشبه بهم من المصالح العظيمة ، والفوائد الكثيرة ، ومن ذلك قطع الطرق المفضية إلى محبتهم والميل إليهم ، وتحقيق معنى البراءة منهم ، وبغضهم في الله تعالى ، وفيه - أيضاً - استقلال المسلمين وتميزهم .

وقد ذكر أهل العلم أن أفضل المراتب في صيام عاشوراء ، صوم ثلاثة أيام : التاسع والعاشر والحادي عشر ، واستدلوا بحديث ابن عباس : ( خالفوا اليهود وصوموا قبله يوماً وبعده يوماً )(3) ، وهذا حديث ضعيف ، لا يعول عليه ، إلا أن يقال إن صيام الثلاثة يأتي فضلها زيادة على فضل عاشوراء لكونها من شهر حرام ،
(1) صحيح مسلم (1134) .

(2) أخرجه عبد الرزاق (4/287) والطحاوي (2/78)
والبيهقي (4/278) عن ابن جريج ، عن عطاء ،
عن ابن عباس ، وإسناده صحيح .


(3) أخرجه البيهقي (4/287) وهو رواية عنده للحديث الآتي .


رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



أوقات الصلاة لأكثر من 6 ملايين مدينة في أنحاء العالم
الدولة:

الساعة الآن 09:36 PM بتوقيت مسقط


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
Powered & Developed By Advanced Technology