قال النووي – رحمه الله - :
" في هذا الحديث بيان أن هدايا العمال حرام ،
ولهذا ذكر في الحديث عقوبته وحمله ما أُهدي إليه
يوم القيامة ، وقد بين صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث السبب
في تحريم الهدية عليه وأنها بسبب الولاية ،
بخلاف الهدية لغير العامل ،
فإنها مستحبة ،
وحكم ما يقبضه العامل ونحوه باسم الهدية
أنه يرده إلى مُهْديه ، فإن تعذر : فإلى بيت المال " .
" شرح مسلم " ( 6 / 462 ) .
وقال الترمذى:
حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ أَبُو طَالِبٍ قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ ( عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ (2)
ومعنى الحديث :
من جعلناه على عمل وأعطيناه على ذلك مالاً ،
فلا يحل له أن يأخذ شيئاً بعد ذلك ،
فإن أخذ فهو غلول ،
والغلول هو الخيانة في الغنيمة وفي مال بيت مال المسلمين .
.
ففي هذين الحديث دليل على أنه
لا يجوز لمن كان موظفاً يأخذ راتباً من دائرته أن يقبل مالاً أو هدية
من أحدٍ بسبب وظيفته ، فإن فعل كان غلولاً .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى :
نحن موظفون حكوميون تأتينا في رمضان إكراميات
وزكوات من بعض رجال الأعمال ،
ولا نستطيع التفرقة بين الزكوات والإكراميات
لعدم علمنا بذلك .
والسؤال :
إذا أخذنا هذه الأموال ونحن في غنى عنها
وأنفقناها على الأرامل والأيتام والفقراء ما الحكم ؟
وإذا أنفقنا منها على أسرنا وأكلنا منها ،
ما الحكم ؟
فأجاب :
" هدايا العمال من الغلول ، يعني :
إذا كان الإنسان في وظيفة حكومية وأهدى إليه أحد
ممن له صلة بهذه المعاملة فإنه من الغلول ،
ولا يحل له أن يأخذ من هذا شيئاً ولو بطيب نفس منه .
مثال ذلك : لنفرض أن لك معاملة في دائرة ما ،
وأهديت لمدير هذه الدائرة ،
أو لموظفيها هدية فإنه يحرم عليهم قبولها ؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن اللُّتْبيَّة
على الصدقة فلما رجع قال هذا أهدي إلي وهذا لكم ،
فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب الناس وقال :
( ما بال الرجل منكم نستعمله على العمل فيأتي ويقول :
هذا لكم ، وهذا أهدي إلي ،
فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا ) (3)
فلا يحل لأحد موظف في دائرة من دوائر الحكومة أن
يقبل الهدية في معاملة تتعلق بهذه الدائرة ،
ولأننا لو فتحنا هذا الباب وقلنا :
يجوز للموظف قبول هذه الهدية :
لكنا قد فتحنا باب الرشوة ، والرشوة خطيرة جداً
وهي من كبائر الذنوب ، فالواجب على الموظفين إذا أهدي
لهم هدية فيما يتعلق بعملهم أن يردوا هذه الهدية ،
ولا يحل لهم أن يقبلوها ،
سواء جاءتهم باسم هدية ، أو باسم الصدقة ،
أو باسم الزكاة ، ولاسيما إذا كانوا أغنياء ،
فإن الزكاة لا تحل لهم كما هو معلوم " .
" فتاوى الشيخ العثيمين " ( 18 / السؤال رقم 270 ) .
والله أعلم .