عرض مشاركة واحدة
  #69  
قديم 02-15-2015, 04:06 AM
هند هند غير متواجد حالياً
عضوة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,493
وإذا قيل قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم
قضى بالشاهد الواحد مع اليمين والآية الكريمة

ليس فيها إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين
قيل الآية الكريمة فيها إرشاد الباري عباده إلى حفظ حقوقهم
ولهذا أتى فيها بأكمل الطرق وأقواها
وليس فيها ما ينافي ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم
من الحكم بالشاهد واليمين فباب حفظ الحقوق
في ابتداء الأمر يرشد فيه العبد إلى الاحتراز والتحفظ التام
وباب الحكم بين المتنازعين ينظر فيه إلى المرجحات
والبينات بحسب حالها ومنها أن شهادة المرأتين
قائمة مقام الرجل الواحد في الحقوق الدنيوية
وأما في الأمور الدينية كالرواية والفتوى
فإن المرأة فيه تقوم مقام الرجل
والفرق ظاهر بين البابين ومنها الإرشاد إلى الحكمة
في كون شهادة المرأتين عن شهادة الرجل
وأنه لضعف ذاكرة المرأة غالبا وقوة حافظة الرجل
ومنها: أن الشاهد لو نسي شهادته فذكره الشاهد الآخر
فذكر أنه لا يضر ذلك النسيان إذا زال بالتذكير
بقوله أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى
ومن باب أولى إذا نسي الشاهد
ثم ذكر من دون تذكير فإن الشهادة مدارها على العلم واليقين
ومنها :أن الشهادة لا بد أن تكون عن علم ويقين
لا عن شك فمتى صار عند الشاهد ريب في شهادته
ولو غلب على ظنه لم يحل له أن يشهد إلا بما يعلم
ومنها: أن الشاهد ليس له أن يمتنع إذا دعي للشهادة
سواء دعي للتحمل أو للأداء وأن القيام بالشهادة
من أفضل الأعمال الصالحة كما أمر الله بها
وأخبر عن نفعها ومصالحها
ومنها: أنه لا يحل الإضرار بالكاتب
ولا بالشهيد بأن يدعيا في وقت أو حالة تضرهما
وكما أنه نهي لأهل الحقوق والمتعاملين وأن يضار الشهود
والكتاب فإنه أيضا نهى للكاتب والشهيد
أن يضار المتعاملين أو أحدهما
وفي هذا أيضا أن الشاهد والكاتب إذا حصل عليهما ضرر
في الكتابة والشهادة أنه يسقط عنهما الوجوب
وفيها التنبيه على أن جميع المحسنين الفاعلين للمعروف
لا يحل إضرارهم وتحميلهم ما لا يطيقون
فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان
وكذلك على من أحسن وفعل معروفا أن يتمم إحسانه
بترك الإضرار القولي والفعلي بمن أوقع به المعروف
فإن الإحسان لا يتم إلا بذلك
ومنها: أنه لا يجوز أخذ الأجرة على الكتابة والشهادة
حيث وجبت لأنه حق أوجبه الله على الكاتب والشهيد
ولأنه من مضارة المتعاملين
ومنها: التنبيه على المصالح والفوائد المترتبة
على العمل بهذه الإرشادات الجليلة
وأن فيها حفظ الحقوق والعدل وقطع التنازع والسلامة
من النسيان والذهول
ولهذا قال" ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة
وأدنى ألا ترتابوا "
وهذه مصالح ضرورية للعباد

ومنها: أن تعلم الكتابة من الأمور الدينية
لأنها وسيلة إلى حفظ الدين والدنيا وسبب للإحسان
ومنها: أن من خصه الله بنعمة من النعم يحتاج الناس إليها
فمن تمام شكر هذه النعمة أن يعود بها على عباد الله
وإن يقضي بها حاجتهم لتعليل الله
النهي عن الامتناع عن الكتابة بتذكير الكاتب
بقوله كما علمه الله ومع هذا فمن كان في حاجة أخيه
كان الله في حاجته ومنها أن الإضرار بالشهود
والكتاب فسوق بالإنسان فإن الفسوق هو الخروج
عن طاعة الله إلى معصيته وهو يزيد وينقص
ويتبعض ولهذا لم يقل فأنتم فساق
أو فاسقون بل قال فإنه فسوق بكم فبقدر خروج العبد
عن طاعة ربه فإنه يحصل به
من الفسوق بحسب ذلك واستدل
بقوله تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله
أن تقوى الله وسيلة إلى حصول العلم
وأوضح من هذا قوله تعالى
يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا
أي علما تفرقون به بين الحقائق والحق والباطل
ومنها: أنه كما من العلم النافع تعليم الأمور الدينية
المتعلقة بالعبادات فمنها أيضا تعليم الأمور الدنيوية
المتعلقة بالمعاملات فإن الله تعالى حفظ على العباد
أمور دينهم ودنياهم وكتابه العظيم فيه
تبيان كل شيء
ومنها "مشروعية الوثيقة بالحقوق
وهي الرهون والضمانات التي تكفل للعبد حصوله على حقه
سواء عامل برا أو فاجرا أمينا أو خائنا
فكم في الوثائق من حفظ حقوق وانقطاع منازعات
ومنها: أن تمام الوثيقة في الرهن أن يكون مقبوضا
ولا يدل ذلك على أنه لا يصح الرهن إلا بالقبض
بل التقييد بكون الرهن مقبوضا يدل على أنه قد يكون
مقبوضا تحصل به الثقة التامة وقد لا يكون مقبوضا
فيكون ناقصا ومنها أنه يستدل
بقوله فرهان مقبوضة أنه إذا اختلف الراهن والمرتهن
في مقدار الدين الذي به الرهن أن القول قول المرتهن
صاحب الحق لأن الله جعل الرهن وثيقة به
فلولا أنه يقبل قوله في ذلك لم تحصل به الوثيقة
لعدم الكتابة والشهود
ومنها :أنه يجوز التعامل بغير وثيقة ولا شهود
لقوله فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي ائتمن أمانته
ولكن في هذه الحال يحتاج إلى التقوى والخوف من الله
وإلا فصاحب الحق مخاطر في حقه ولهذا أمر الله
في هذه الحال من عليه الحق أن يتقي الله ويؤدي أمانته
ومنها: أن من ائتمنه معامله فقد عمل معه معروفا عظيما
ورضي بدينه وأمانته فيتأكد على من عليه الحق أداء الأمانة
من الجهتين أداء لحق الله وامتثالا لأمره ووفاء
بحق صاحبه الذي رضي بأمانته ووثق به
ومنها تحريم كتم الشهادة وأن كاتمها قد آثم قلبه
الذي هو ملك الأعضاء وذلك لأن كتمها كالشهادة بالباطل
والزور فيها ضياع الحقوق وفساد المعاملات
والإثم المتكرر في حقه وحق من عليه الحق
وأما تقييد الرهن بالسفر مع أنه يجوز حضرا وسفرا
فللحاجة إليه لعدم الكاتب والشهيد وختم الآية بأنه
" عليم "
بكل ما يعمله العباد كالترغيب لهم في المعاملات الحسنة

والترهيب من المعاملات السيئة
تفسير السعدى
رد مع اقتباس