عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 05-08-2011, 07:00 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

صفحة رقم -63-
الإمام مالك وكتابه ( الموطأ )

قانونا قضائيا للدولة العباسية فنهاهما مالك عن ذلك وقال :
(
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في الفروع وتفرقوا
في البلدان وكل مصيب
) .
وأقول : إن هذه القصة معروفة مشهورة عن الإمام مالك رحمه الله
لكن قوله في آخرها :
( وكل مصيب ) ما لا أعلم له أصلا في شيء
من الروايات والمصادر التي وقفت عليها ( 1 ) اللهم إلا رواية واحد
أخرجها أبو نعيم في ( الحلية ) ( 6/332 )
بإسناد فيه المقدام بن داود وهو ممن
أوردهم الذهبي في ( الضعفاء )
ومع ذلك فإن لفظها :
( وكل عند نفسه مصيب ) فقوله :
( عند نفسه ) يدل على أن رواية ( المدخل ) مدخولة
وكيف لا تكون كذلك وهي مخالفة لما رواه الثقات عن الإمام مالك
أن الحق واحد لا يتعدد كما سبق بيانه ؟
وعلى هذا كل الأئمة من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة المجتهدين وغيرهم .
قال ابن عبد البر ( 2/88 ) :
( ولو كان الصواب في وجهين متدافعين ما خطأ السلف
بعضهم بعضا في اجتهادهم وقضائهم وفتواهم والنظر يأبى أن
يكون الشيء وضده صوابا كله ولقد أحسن من قال :
إثبات ضدين معا في حال أقبح ما يأتي من المحال ) .

صفحة رقم -64-
فإن قيل : إذا ثبت أن هذه الرواية باطلة
عن الإمام فلماذا أبى الإمام على المنصور أن يجمع الناس
على كتابه ( الموطأ ) ولم يجبه إلى ذلك ؟
فأقول : أحسن ما وقفت عيه من الرواية ما ذكره الحافظ ابن كثير في
( شرح اختصار علوم الحديث ) ( ص 31 )
وهو أن
الإمام قال :
( إن الناس قد جمعوا واطلعوا على أشياء لم نطلع عليها ) .
وذلك من تمام علمه وإنصافه كما قال ابن كثير رحمه الله تعالى .
فثبت أن الخلاف شر كله وليس رحمة
ولكن منه ما يؤاخذ عليه الإنسان كخلاف المتعصبة للمذاهب
ومنه ما لا يؤاخذ عليه كخلاف الصحابة ومن تابعهم من الأئمة حشرنا الله
في زمرتهم ووفقنا لاتباعهم .

فظهر أن اختلاف الصحابة هو غير اختلاف المقلدة .
وخلاصته :
أن الصحابة اختلفوا اضطرارا ولكنهم كانوا ينكرون الاختلاف
ويفرون منه ما وجدوا إلى ذلك سبيلا .
وأما المقلدة
- فمع إمكانهم الخلاص منه ولو في قسم كبير منهم -
فلا يتفقون ولا يسعون إليه بل يقرونه فشتان إذن بين الاختلافين .
ذلك هو الفرق من جهة السبب .
وأما الفرق من جهة الأثر فهو أوضح وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم
- مع اختلافهم المعروف في الفروع -
كانوا محافظين أشد المحافظة على مظهر الوحدة
بعيدين كل البعد عما يفرق الكلمة ويصدع الصفوف
فقد كان فيهم مثلا من يرى مشروعية الجهر بالبسملة ومن يرى
عدم مشروعيته
صفحة رقم -65-
وكان فيهم من يرى استحباب رفع اليدين ومن لا يراه
وفيهم من يرى نقض الوضوء بمس المرأة
ومن لا يراه ومع ذلك فقد كانوا يصلون جميعا وراء إمام واحد
ولا يستنكف أحد منهم عن الصلاة وراء الإمام لخلاف مذهبي .
وأما المقلدون
فاختلافهم على النقيض من ذلك تماما فقد كان
من آثاره أن تفرق المسلمون في أعظم ركن بعد الشهادتين ألا وهو
الصلاة
فهم يأبون أن يصلوا جميعا وراء إمام واحد
بحجة أن صلاة الإمام باطلة أو مكروهة على الأقل بالنسبة إلى المخالف له
في مذهبه وقد سمعنا ذلك ورأيناه كما رآه غيرنا ( 1 )
كيف لا وقد نصت كتب بعض المذاهب المشهورة على الكراهة أو البطلان ؟
وكان من نتيجة ذلك أن تجد أربعة محاريب في المسجد الجامع يصلي فيها أئمة أربعة
متعاقبين وتجد أناسا ينتظرون إمامهم بينما الإمام الآخر قائم يصلي
بل لقد وصل الخلاف إلى ما هو أشد من ذلك عند
بعض المقلدين مثاله منع التزاوج بين الحنفي والشافعي ثم صدرت فتوى
من بعض المشهورين عند الحنفية
- وهو الملقب ب ( مفتي الثقلين ) -
فأجاز تزوج الحنفي بالشافعية وعلل ذلك بقوله : ( تنزيلا لها منزلة أهل الكتاب ) ( 1 ) ومفهوم ذلك - ومفاهيم الكتب معتبرة عندهم - أنه لا يجوز العكس
وهو تزوج الشافعي بالحنفية كما لا يجوز تزوج الكتابي بالمسلمة ؟
هذان مثالان من أمثلة كثيرة توضح للعاقل الأثر السيئ الذي كان
صفحة رقم -66-
نتيجة اختلاف المتأخرين وإصرارهم عليه بخلاف اختلاف السلف
فلم يكن له أي أثر سيء في الأمة
ولذلك فهم منجاة من أن تشملهم آيات النهي عن التفرق في الدين
- بخلاف المتأخرين -
هدانا الله جميعا إلى صراطه المستقيم .
وليت أن اختلافهم المذكور انحصر ضرره فيما بينهم ولم يتعده إلى غيرهم
من أمة الدعوة إذن لهان الخطب بعض الشيء ولكنه
- ويا للأسف - تجاوزهم إلى غيرهم من الكفار في كثير من البلاد والأقطار
فصدوهم بسبب اختلافهم عن الدخول في دين الله أفواجا
جاء في كتاب ( ظلام من الغرب ) للأستاذ الفاضل محمد الغزالي ( ص 200 )
ما نصه :
( حدث في المؤتمر الذي عقد في جامعة ( برينستون ) بأمريكا أن أثار أحد المتحدثين سؤالا
- كثيرا ما يثار في أوساط المستشرقين والمتهمين بالنواحي الإسلامية - قال :

( بأي التعاليم يتقدم المسلمون إلى العالم ليحددوا الإسلام الذي يدعون إليه ؟

أبتعاليم الإسلام كما يفهمهما السنيون ؟

أم بالتعاليم التي يفهمها الشيعة من إمامية أو زيدية ؟

ثم إن كلا من هؤلاء وأولئك مختلفون فيما بينهم .

وقد يفكر فريق منهم في مسألة ما تفكيرا تقدميا محدودا بينما يفكر آخرون تفكيرا قديما متزمتا .

والخلاصة أن الداعين إلى الإسلام يتركون المدعوين إليه في
حيرة لأنهم هم أنفسهم في حيرة ) .

صفحة رقم -67-
وفي مقدمة رسالة ( هدية السلطان إلى مسلمي بلاد جابان ) للعلامة

صفحة رقم -69-

محمد سلطان المعصومي رحمه الله تعالى :

( إنه كان ورد علي سؤال من مسلمي بلاد جابان ( يعني اليابان )
من بلدة ( طوكيو ) و( أوصاكا ) في الشرق الأقصى حاصله :
ما حقيقة دين الإسلام ؟
ثم ما معنى المذهب ؟
وهل يلزم من تشرف بدين الإسلام أن يتمذهب على أحد المذاهب الأربعة ؟
أي : أن يكون مالكيا أو حنفيا أو شافعيا أو غيرها أو لا يلزم ؟

لأنه قد وقع هنا اختلاف عظيم ونزاع وخيم حينما أراد عدة أنفار
من متنوري الأفكار من رجال ( يابونيا )
أن يدخلوا في دين الإسلام ويتشرفوا بشرف الإيمان فعرضوا ذلك
على جمعية المسلمين الكائنة في ( طوكيو ) فقال جمع من أهل الهند :
ينبغي أن يختاروا مذهب الإمام أبي حنيفة لأنه سراج الأمة .
وقال جمع من أهل إندونيسيا ( جاوا ) :
يلزم أن يكون شافعيا فلما سمع الجابانيون كلامهم تعجبوا جدا
وتحيروا فيما قصدوا
وصارت مسألة المذاهب سدا في سبيل إسلامهم ) .
3 - ويزعم آخرون أن معنى هذا الذي تدعون إليه من الاتباع للسنة
وعدم الأخذ بأقوال الأئمة المخالفة لها
ترك الأخذ بأقوالهم مطلقا والاستفادة من اجتهاداتهم وآرائهم .
فأقول : إن هذا الزعم
أبعد ما يكون عن الصواب بل هو باطل ظاهر البطلان كما يبدو ذلك
جليا من الكلمات السابقات فإنها كلها تدل على خلافه
وأن كل الذي ندعو إليه إنما هو ترك
اتخاذ المذاهب دينا ونصبها مكان الكتاب والسنة بحيث يكون الرجوع
إليها عند التنازع أو عند إرادة استنباط أحكام لحوادث طارئة
كما يفعل متفقهة هذا الزمان
وعليه وضعوا الأحكام الجديدة للأحوال الشخصية والنكاح والطلاق وغيرها
دون أن يرجعوا فيها إلى الكتاب والسنة ليعرفوا الصواب منها من الخطأ والحق من الباطل
وإنما على طريقة ( اختلافهم رحمة ) وتتبع الرخص والتيسير أو المصلحة
- زعموا -
وما أحسن قول
سليمان التيمي رحمه الله تعالى :

( إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله ) .
رواه ابن عبد البر ( 2/91 - 92 ) وقال عقبة :
( هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا ) .
فهذا الذي ننكره وهو وفق الإجماع كما ترى .
وأما الرجوع إلى أقوالهم والاستفادة منها والاستعانة بها على تفهم وجه الحق
فيما اختلفوا فيه مما ليس عليه نص في الكتاب والسنة أو ما كان منها بحاجة إلى توضيح فأمر
لا ننكره بل نأمر به ونحض عليه لأن الفائدة منه مرجوة لمن سلك سبيل الاهتداء بالكتاب والسنة .


صفحة رقم -70-
قال العلامة
ابن عبد البر رحمه الله تعالى ( 2/172 ) :
( فعليك يا أخي بحفظ الأصول والعناية بها واعلم أن من عني بحفظ السنن
والأحكام المنصوصة في القرآن ونظر في أقاويل الفقهاء
- فجعله عونا له على اجتهاده ومفتاحا لطرائق النظر وتفسيرا لجمل السنن
المحتملة للمعاني -
ولم يقلد أحدا منهم تقليد السنن التي يجب الانقياد إليها على
كل حال دون نظر ولم يرح نفسه
مما أخذ العلماء به أنفسهم من حفظ السنن وتدبرها
واقتدى بها في البحث
والتفهم والنظر وشكر لهم سعيهم فيما أفادوه ونبهوا عليه وحمدهم على صوابهم الذي هو أكثر أقوالهم
ولم يبرئهم من الزلل كما
لم يبرؤوا أنفسهم منه فهذا هو الطالب المتمسك
بما عليه السلف الصالح وهو المصيب لحظه والمعاين لرشده
والمتبع لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهدي صحابته
رضي الله عنهم .
ومن أعف نفسه من النظر وأضرب عما ذكرنا
وعارض السنن برأيه ورام أن يردها إلى مبلغ نظره
فهو ضال مضل ومن جهل ذلك كله أيضا وتقحم في
الفتوى بلا علم فهوأشد عمى وأضل سبيلا ) .
فهذا هو الحق ما به خفاء فدعني عن بنيات الطريق .
4 - ثم إن هناك وهما شائعا عند بعض المقلدين
يصدهم عن اتباع السنة
التي تبين لهم أن المذاهب على خلافها وهو ظنهم
أن اتباع السنة يستلزم
تخطئة صاحب المذهب والتخطئة معناها عندهم الطعن في الإمام
ولما كان الطعن في فرد من أفراد المسلمين لا يجوز فكيف في إمام من أئمتهم ؟

والجواب : أن هذا المعنى
باطل وسببه الانصراف عن التفقه في السنة
وإلا فكيف يقول ذلك المعنى مسلم عاقل ؟
ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو القائل :


التعديل الأخير تم بواسطة أم حذيفة ; 05-10-2011 الساعة 02:39 PM
رد مع اقتباس