عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 05-08-2011, 06:52 PM
أم حذيفة أم حذيفة متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,648
افتراضي

صفحة رقم -54-

وقال : فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم .

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى :

( فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول
صلى الله عليه وسلم وعرفه
أن يبينه للأمة وينصح لهم ويأمرهم
باتباع أمره وإن خالف ذلك رأي
عظيم من الأمة فإن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
أحق أن يعظم ويقتدى به من رأى أي
معظم
قد خالف أمره في بعض الأشياء
خطأ ومن
هنا رد الصحابة ومن بعدهم على كل
مخالف سنة صحيحة وربما
أغلظوا في الرد
لا بغضا له بل هو محبوب عندهم
معظم في نفوسهم لكن
رسول الله أحب إليهم وأمره فوق
أمر كل مخلوق
فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره
فأمر الرسول أولى أن يقدم
ويتبع
ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف
أمره وإن
كان مغفورا له بل ذلك المخالف المغفور
له لا يكره أن يخالف أمره
إذا ظهر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بخلافه .
قلت : كيف يكرهون ذلك
وقد أمروا به أتباعهم كما مر وأوجبوا
عليهم
أن يتركوا أقوالهم المخالفة للسنة ؟
بل إن
الشافعي رحمه الله
أمر أصحابه أن ينسبوا السنة الصحيحة
إليه ولو لم يأخذ بها أو
أخذ بخلافها ولذلك لما جمع المحقق
ابن دقيق العيد رحمه الله
المسائل التي خالف مذهب كل واحد
من الأئمة الأربعة الحديث
فيها انفرادا واجتماعا في مجلد ضخم
قال في أوله :
( إن نسبة هذه المسائل إلى الأئمة
المجتهدين حرام
وإنه يجب على الفقهاء المقلدين
لهم معرفتها
لئلا يعزوها إليهم فيكذبوا عليهم ) .

ترك الأتباع بعض أقوال أئمتهم اتباعا للسنة

صفحة رقم -55-

ولذلك كله كان أتباع الأئمة ثلة من الأولين .
وقليل من الآخرين لا يأخذون بأقوال
أئمتهم كلها بل قد تركوا كثيرا منها لما ظهر
لهم مخالفتها للسنة حتى أن الإمامين :
محمد بن الحسن وأبا يوسف رحمهما الله قد خالفا شيخهما أبا حنيفة
( في نحو ثلث المذهب ) وكتب الفروع


صفحة رقم -56-

كفيلة ببيان ذلك ونحو هذا يقال
في الإمام المزني وغيره من أتباع الشافعي
وغيره ولو ذهبنا نضرب على ذلك الأمثلة
لطال بنا الكلام ولخرجنا به
عما قصدنا إليه في هذا البحث من الإيجاز
فلنقتصر على مثالين اثنين :
1 - قال الإمام محمد في " موطئه " ( ص 158 ) :
( قال محمد : أما أبو حنيفة رحمه الله فكان لا يرى في الاستسقاء صلاة
وأما في قولنا فإن الإمام يصلي بالناس
ركعتين ثم يدعو ويحول رداءه ) إلخ .

2 - وهذا عصام بن يوسف البلخي من أصحاب الإمام محمد ومن الملازمين للإمام أبي يوسف
( كان يفتي بخلاف قول الإمام أبي حنيفة كثيرا لأنه لم يعلم الدليل وكان
يظهر له دليل غيره فيفتي به " ولذلك
( كان يرفع يديه عند الركوع والرفع منه ) كما هو في السنة المتواترة عنه صلى الله عليه وسلم فلم يمنعه


صفحة رقم -57-

من العمل بها أن أئمته الثلاثة
قالوا بخلافها وذلك ما يجب أن يكون
عليه كل مسلم بشهادة الأئمة الأربعة وغيرهم كما تقدم .
وخلاصة القول إنني أرجو أن لا يبادر
أحد من المقلدين إلى
الطعن في مشرب هذا الكتاب
وترك
الاستفادة مما فيه من السنن النبوية
بدعوى مخالفتها للمذهب بل أرجو أن يتذكر
ما أسلفناه من أقوال الأئمة في
وجوب العمل بالسنة وترك أقوالهم المخالفة
لها وليعلم أن الطعن في هذا
المشرب إنما هو طعن في الإمام الذي
يقلده أيا كان من الأئمة فإنما أخذنا هذا
المنهج منهم كما سبق بيانه فمن
أعرض عن الاهتداء بهم في هذا
السبيل
فهو على خطر عظيم لأنه يستلزم
الإعراض عن السنة وقد
أمرنا عند الاختلاف بالرجوع إليها
والاعتماد عليها كما قال تعالى :
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما [ النساء : 65 ]
.

.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن قال فيهم :
إنما كان قول المؤمنين
إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم
بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون .
ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون .
دمشق 13 جمادى الآخرة سنة 1370 ه .

صفحة رقم -58-
شبهات وجوابها

ذلك ما كنت كتبته منذ عشر سنوات في
مقدمة هذا الكتاب وقد ظهر لنا في
هذه البرهة أن له تأثير طيب في صفوف الشباب المؤمن لإرشادهم إلى وجوب
العودة في دينهم وعبادتهم إلى
المنبع الصافي من الإسلام :
الكتاب والسنة فقد ازداد فيهم - والحمد لله - العاملون بالسنة
والمتعبدون بها حتى صاروا معروفين
بذلك غير أني لمست من بعضهم
توقفا
عن الاندفاع إلى العمل بها لا شكا في
وجوب ذلك بعد ما سقنا من
الآيات والأخبار
عن الأئمة في الأمر بالرجوع إليها
ولكن لشبهات يسمعونها من بعض المشايخ المقلدين
لذا رأيت أن أتعرض لذكرها والرد عليها
لعل ذلك البعض يندفع بعد ذلك إلى
العمل بالسنة مع العاملين بها فيكون من
الفرقة الناجية بإذن الله تعالى .
1 - قال بعضهم :
لا شك أن الرجوع إلى هدي نبينا صلى الله عليه وسلم في شؤون ديننا
أمر واجب لا سيما فيما كان منها عبادة
محضة لا مجال للرأي والاجتهاد فيها لأنها توقيفية كالصلاة مثلا ولكننا
لا نكاد نسمع أحدا من المشايخ المقلدين
يأمر بذلك بل نجدهم يقرون الاختلاف ويزعمون أنها توسعة على الأمة
ويحتجون على ذلك بحديث - طالما كرروه في مثل هذه المناسبة رادين به على
أنصار السنة - :
( اختلاف أمتي رحمة )

فيبدو لنا أن هذا الحديث يخالف المنهج الذي تدعو إليه وألفت كتابك هذا
وغيره عليه فما قولك في هذا الحديث ؟

صفحة رقم -59-


والجواب من وجهين :
الأول : أن الحديث لا يصح بل هو باطل لا أصل له قال العلامة السبكي :
( لم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع ) .
قلت : وإنما روي بلفظ :
( . . . اختلاف أصحابي لكم رحمة ) .
و( أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم ) .
وكلاهما لا يصح :

الأول واه جدا والآخر موضوع وقد حققت القول في ذلك كله في
( سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة )
( رقم 58 و59 و61 ) .


الثاني : أن الحديث مع ضعفه مخالف للقرآن
الكريم فإن الآيات الواردة فيه

- في النهي عن الاختلاف في الدين والأمر بالاتفاق فيه -
أشهر من أن تذكر ولكن لا بأس من أن
نسوق بعضها على سبيل المثال قال تعالى :
ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم
[ الأنفال 46 ] .
وقال : ولا تكونوا من المشركين من
الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما
لديهم فرحون [ الروم 31 - 32 ] .
وقال : ولا يزالون مختلفين .
إلا من رحم ربك [ هود 118 - 119 ]
فإذا كان من رحم ربك لا يختلفون وإنما
يختلف أهل الباطل فكيف يعقل أن يكونالاختلاف رحمة ؟
صفحة رقم -60-

فثبت أن هذا الحديث لا يصح لا سندا ولا متنا ( 1 ) وحينئذ يتبين بوضوح أنه لا يجوز اتخاذه شبهة للتوقف عن العمل بالكتاب والسنة الذي أمر به الأئمة .
2 - وقال آخرون : إذا كان الاختلاف في الدين منهيا عنه
فماذا تقولون في اختلاف الصحابة والأئمة من بعدهم ؟
وهل ثمة فرق بين اختلافهم واختلاف غيرهم من المتأخرين ؟ .
فالجواب : نعم هناك فرق كبير بين الاختلافين ويظهر ذلك في شيئين :
الأول : سببه .
والآخر : أثره .
فأما اختلاف الصحابة فإنما كان عن
ضرورة واختلاف طبيعي منهم في الفهم
لا اختيارا منهم للخلاف يضاف إلى ذلك أمور أخرى كانت في زمنهم استلزمت
اختلافهم ثم زالت من بعدهم ( 2 ) ومثل
هذا الاختلاف لا يمكن الخلاص
منه كليا ولا يلحق أهله الذم الوارد في الآيات السابقة
وما في معناها لعدم تحقق
وأما الاختلاف القائم بين المقلدة فلا
عذر لهم فيه غالبا فإن بعضهم قد تتبين له الحجة من الكتاب والسنة
وأنها تؤيد المذهب الآخر الذي لا يتمذهب
به عادة فيدعها لا لشيء إلا لأنها خلاف
مذهبه فكأن المذهب
شرط المؤاخذة وهو القصد أو الإصرار عليه .

صفحة رقم -61-

عنده هو الأصل أو هو الدين الذي جاء
به محمد صلى الله عليه وسلم
والمذهب الآخر هو دين آخر منسوخ
وآخرون منهم على النقيض من ذلك فإنهم يرون هذه المذاهب
- على ما بينها من اختلاف واسع -
كشرائع متعددة كما صرح بذلك بعض متأخريهم ( 1 ) :
لا حرج على المسلم أن يأخذ من أيها ما شاء ويدع ما شاء
إذ الكل شرع وقد يحتج هؤلاء وهؤلاء
على بقائهم في الاختلاف بذلك
الحديث الباطل :
( اختلاف أمتي رحمة )

وكثيرا ما سمعناهم يستدلون به على ذلك
ويعلل بعضهم هذا الحديث
ويوجهونه بقولهم : إن الاختلاف إنما كان رحمة لأن فيه توسعة على الأمة
ومع أن هذا التعليل مخالف لصريح الآيات المتقدمة وفحوى
كلمات الأئمة السابقة فقد جاء النص عن بعضهم برده .
قال ابن القاسم :
( سمعت مالكا وليثا يقولان في
اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ليس كما قال ناس : ( فيه توسعة )
ليس كذلك إنما هو خطأ وصواب ) ( 2 ) .
وقال أشهب :

( سئل مالك عمن أخذ بحديث حدثه ثقة
عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتراه من ذلك في سعة ؟

فقال : لا والله حتى يصيب الحق ما الحق إلا واحد
قولان مختلفان يكونان صوابا جميعا ؟
ما الحق والصواب إلا واحد ) ( 3 ) .

صفحة رقم -62-

وقال المزني صاحب الإمام الشافعي :

( وقد اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
خطأ بعضهم بعضا ونظر بعضهم في
أقاويل بعض وتعقبها ولو كان
قولهم كله صوابا عندهم لما فعلوا ذلك
وغضب عمر بن الخطاب من اختلاف أبي بن كعب وابن مسعود في
الصلاة في الثوب الواحد إذ قال أبي : إن الصلاة في الثواب الواحد حسن جميل .
وقال ابن مسعود : إنما كان ذلك والثياب قليلة . فخرج عمر مغضبا فقال :
اختلف رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن
ينظر إليه ويؤخذ عنه وقد صدق أبي
ولم يأل ابن مسعود ولكني لا أسمع أحدا يختلف فيه
بعد ما مقامي هذا إلا فعلت به كذا وكذا )
( 1 ) . ) .
وقال الإمام المزني أيضا :
( يقال لمن جوز الاختلاف وزعم أن العالمين
إذا اجتهدا في الحادثة فقال أحدهما :
حلال والآخر : حرام
أن كل واحد منهما في اجتهاده مصيب الحق :
أبأصل قلت هذا أم بقياس ؟
فإن قال : بأصل قيل له :
كيف يكون أصلا والكتاب ينفي الاختلاف ؟
وإن قلت : بقياس قيل :

كيف تكون الأصول تنفي الخلاف ويجوز لك أن تقيس عليها جواز الخلاف ؟
هذا ما لا يجوزه عاقل فضلا عن عالم )
( 2 )
فإن قال قائل : يخالف ما ذكرته عن الإمام مالك أن الحق واحد
لا يتعدد ما جاء في كتاب ( المدخل الفقهي ) للأستاذ الزرقا ( 1/89 ) :

( ولقد هم
أبو جعفر المنصور ثم الرشيد من بعده أن يختارا مذهب


التعديل الأخير تم بواسطة أم حذيفة ; 05-10-2011 الساعة 06:11 AM
رد مع اقتباس