عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 10-05-2021, 10:38 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
Haedphone

من آية 35 إلى 39
"وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ" 35،36 .
لما خلق الله آدم وفضله، أتم نعمته عليه، بأن خلق منه زوجة ليسكن إليها، ويستأنس بها، وأمرهما بسكنى الجنة، والأكل منها رغدا، أي: واسعًا هنيئًا، "حَيْثُ شِئْتُمَا" أي: من أصناف الثمار والفواكه، وقال الله له"إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَاوَلَا تَضْحَى"طه : 118.أي لا تصيبك الشمس بحرها.فضمن له استمرار الطعام والشراب، والكِسوة، والماء، وعدم التعب والنصب."وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ"نوع من أنواع شجر الجنة، الله أعلم بها، وإنما نهاهما عنها امتحانا وابتلاء أو لحكمة غير معلومة لنا"فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ"دل على أن النهي للتحريم، لأنه رتب عليه الظلم.

"فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا "
فلم يزل عدوهما يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نهيا عنه، حتى أزلهما، أي: حملهما على الزلل بتزيينه " وَقَاسَمَهُمَا"الأعراف:21. أقسم لهما باللّه " إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ" الأعراف:21.أي: من جملة الناصحين حيث قلت لكما ما قلت، فاغترا بذلك، وغلبت الشهوة في تلك الحال على العقل. فاغترا به وأطاعاه، فأخرجهما مما كانا فيه من النعيم والرغد، وأُهبطوا إلى دار التعب والنصب والمجاهدة.

"وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ"

الهبوط قد يكون من مكان أعلى إلى مكان أسفل. وقد يكون الهبوط معنويا. بأن تقول هذا الإنسان هبط في نظري منذ فعل كذا. هو لم يهبط من مكان أعلى إلى مكان أسفل،ولكنه هبط في قيمته. وسواء كان الهبوط ماديا أو معنويا. فإنه حدث ليباشر آدم مهمته على الأرض.. والعداوة بين الإيمان والكفر مستمرة.
وهكذا بعد معصية آدم. هبط هو وحواء من الجنة ليمارسا حياتهما على الأرض.. وقوله تعالى "اهْبِطُوا"معناه أن آدم وحواء وإبليس هبطوا إلى الأرض بعد أن تمت التجربة الإيمانية.

أي: آدم وذريته، أعداء لإبليس وذريته، ومن المعلوم أن العدو، يجد ويجتهد في ضرر عدوه وإيصال الشر إليه بكل طريق، وحرمانه الخير بكل طريق، ففي ضمن هذا، تحذير بني آدم من الشيطان كما قال تعالى " إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ "فاطر: 6.ثم ذكر منتهى الإهباط إلى الأرض، فقال"وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ " أي: مسكن وقرار، "وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ" انقضاء آجالكم، ثم تنتقلون منها للدار التي خلقتم لها، وخلقت لكم، ففيها أن مدة هذه الحياة، مؤقتة عارضة، ليست مسكنًا حقيقيًا، وإنما هي معبر يتزود منها لتلك الدار، ولا تعمر للاستقرار.
وبهذا حذر الله آدم وذريته من أن يتخذوا من الحياة هدفًا لأن متاعها قليل، وأمدها قصير.
"فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ"37.
أي إن الله تعالى ألهمه كلمات فعمل بها فأناب إليه .أي أخذها آدم بالقبول والعمل بها حين علمها.
وهذه الكلمات هي" قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ"الأعراف : 23 .
فاعترف بذنبه وسأل الله مغفرته. "فَتَابَ عَلَيْهِ"أي أذن الله له في التوبة ووفقه لها ليتوب ويرجع إليه.

قال القرطبي ـ رحمه الله ـ في تفسير قوله تعالى: ثم تاب عليهم ليتوبوا ـ فقيل معنى: ثم تاب عليهم ـ أي وفقهم للتوبة ليتوبوا، وقيل: المعنى تاب عليهم، أي فسح لهم ولم يعجل عقابهم ليتوبوا.
فتوبة العبد محفوفة بتوبتين من الله تعالى، توبة قبلها وهي أن يوفقه للتوبة ويمن عليه بها، وهذه تعرف بحصولها ووقوعها من العبد، فإذا ألهم الله العبد التوبة فقد تاب عليه أولا، فإذا تاب العبد أتبع ذلك توبة أخرى من الله عليه يمن ويتفضل بها وهي قبوله لتلك التوبة وعفوه عن الزلة وإقالته العثرة، يقول ابن القيم رحمه الله: وتوبة العبد إلى ربه محفوفة بتوبة من الله عليه قبلها وتوبة منه بعدها، فتوبته بين توبتين من الله سابقة ولاحقة فإنه تاب عليه أولا إذنا وتوفيقا وإلهاما فتاب العبد فتاب الله عليه ثانيًا قبولًا وإثابة، قال تعالى" وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ "التوبة:118ـ فأخبر سبحانه أن توبته عليهم سبقت توبتهم وأنها هي التي جعلتهم تائبين، فكانت سببًا ومقتضيًا لتوبتهم فدل على أنهم ما تابوا حتى تاب الله عليهم والحكم ينتفي لانتفاء علته، وهذا القدر من سر اسميه الأول والآخر، فهو المعد وهو الممد ومنه السبب والمسبب وهو الذي يعيذ من نفسه بنفسه كما قال أعرف الخلق به: وأعوذ بك منك، والعبد تواب والله تواب فتوبة العبد: رجوعه إلى سيده بعد الإباق، وتوبة الله نوعان: إذن وتوفيق، وقبول وإمداد. انتهى.إسلام ويب.

وقال الشيخ العثيمين في دليل التوبتين:
فقوله تعالى"ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ " أي وفقهم للتوبة، وقوله تعالى"لِيَتُوبُواْ"أي يقوموا بالتوبة إلى الله؛ وأما توبة القبول ففي قوله تعالى"وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ" الشورى:25. الإسلام سؤال وجواب.
وقال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية:
هذا بيان لكمال كرم الله تعالى وسعة جوده وتمام لطفه، بقبول التوبة الصادرة من عباده حين يقلعون عن ذنوبهم ويندمون عليها، ويعزمون على أن لا يعاودوها، إذا قصدوا بذلك وجه ربهم، فإن الله يقبلها بعد ما انعقدت سببا للهلاك، ووقوع العقوبات الدنيوية والدينية.
" وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ " ويمحوها، ويمحو أثرها من العيوب، وما اقتضته من العقوبات، ويعود التائب عنده كريمًا، كأنه ما عمل سوءًا قط، ويحبه ويوفقه لما يقربه إليه.
ولما كانت التوبة من الأعمال العظيمة، التي قد تكون كاملة بسبب تمام الإخلاص والصدق فيها، وقد تكون ناقصة عند نقصهما، وقد تكون فاسدة إذا كان القصد منها بلوغ غرض من الأغراض الدنيوية، وكان محل ذلك القلب الذي لا يعلمه إلا الله، ختم هذه الآية بقوله"
وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ".ا.هـ .

"إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ"
التَّوَّابُ :فالتواب في حق الله تعالى هو الذي يتوب على عبده، أي يعود عليه بألطافه، ويوفقه إلى التوبة، وييسرها له، ثم يقبلها منه.
فهو التواب الذي ييسر أسباب التوبة لعباده مرة بعد مرة بما يظهر لهم من آياته..

الرَّحِيمُ: على وزن فعيل بمعنى فاعل، أي راحم، وبناء فعيل للمبالغة عالم وعليم، وقادر وقدير. والمعنى أنه المثيب على العمل فلا يضيع لعاملٍ عملاً، ولا يهدر لساع سعياً، وينيله بفضل رحمته من الثواب أضعاف عمله.
واقترن اسم " الرَّحِيمُ"مع " التَّوَّاب "لأن التوبة بقسميها، سواء كانت التوفيق للتوبة، أو قبولها، فإن ذلك كله من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده، لأن بقاءهم على الذنب من غير توبة سبب للعقوبة.
فمن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه لم يعاجلهم بالعقوبة بل أمهلهم ليتمكنوا من التوبة .
قال أبو السعود في اقتران الاسمين "وفي الجمع بين الوصفين وعد بليغ للتائب بالإحسان مع العفو والغفران ". ومثله قال القاسمي.

"قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.38""وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ"39.
"قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعًا"كرر الأمر على جهة التغليظ وتأكيده ، كما تقول لرجل : قم قم . وقيل: كرر الأمر لما علق بكل أمر منهما حكمًا غير حكم الآخر، فعلق بالأول العداوة ؛ وبالثاني إتيان الهدى . فكرر الإهباط، ليرتب عليه ما ذكر وهو قوله" فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى"
أمر الله تعالى آدم وحواء وإبليس بالهبوط مرتين، الأولى للإشارة إلى أنهم يهبطون من الجنة إلى دار بلاء وشقاء، وتعَاد واستقرار في الأرض إلى حين للتمتع بخيراتها، والثانية لبيان حالهم من حيث الطاعة والمعصية، وأنهم ينقسمون فريقين:
فريق يهتدى بهدى الله الذي أنزله وبلّغه للناس على لسان رسله، وأولئك هم الفائزون ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمر الآخرة، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من أمور الدنيا ، وفريق سار في طريق الضلال وكذّب بالآيات، وأولئك جزاؤهم جهنم خالدين فيها أبدًا. تفسير المراغي.
ما هو الخوف وما هو الحزن؟ الخوف أن تتوقع شرا مقبلا لا قدرة لك على دفعه فتخاف منه.. والحزن أن يفوتك شيء تحبه وتتمناه.
أي إن المهتدين بهدى الله لا يخافون مما هو آت، ولا يحزنون على ما فات، فإن من سلك سبيل الهدى سهل عليه كل ما أصابه أو فقده، لأنه موقن بأن الصبر والتسليم مما يرضى ربه، ويوجب مثوبته، فيكون له من ذلك خير عوض عما فاته، وأحسن عزاء عما فقده، فمثله مثل التاجر الذي يكدّ ويسعى وتنسيه لذة الربح آلام التعب.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا :والتكذيب كفر سواء كان عن اعتقاد بعدم صدق الرسول، أو مع اعتقاد صدقه وهو تكذيب الجحود والعناد.
أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ: جزاؤهم الخلود في النار بسبب جحودهم بها وإنكارهم إياها اتباعا لوسوسة الشيطان، وهذا مقابل قوله قبل " فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ".
رد مع اقتباس