عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 07-05-2018, 03:46 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016
y

11 ـ النيةُ شَرْطٌ لِسَائرِ العَمَلْ * بِها الصَلاَحُ والفَسادُ للِعَمَلْ
هذه هي القاعدة الأولى :
النيةُ : العزم والقصد ، نوى كذا بمعنى قصده ، فمن قصد شيئًا ، وعزم على فعله
فقد نواه . وهذا الذي يقصده جمهور الفقهاء الذين تكلموا في مسائل النية .
أما في الاصطلاح : فهي مرادفة للإخلاص ؛ إذ بينهما عموم وخصوص مطلق . فالنية : أعم مطلقًا من الإخلاص ، فتشمل نية الرياء والشرك والإخلاص وغير ذلك .
والإخلاص : أخص من النية لأن معناه إخلاص النية من شوائب الشرك والرياء ، وإفراد الله بالقصد والإرادة .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 34 / بتصرف .
والنية كما قال أهل العلم : تَشْرُد ، فالإنسان يحتاج إلى معاهدتها ، وعلى مجاهدة اننفس من أجل تصحيحها وتنقيتها وتجريدها لله عز وجل .
القواعد الفقهية ... / شرح : خالد الصقعبي / ص : 19 .
وبدأ الناظم بما يتعلق بالنية تنبيهًا للقارئ إلى استحضارها وتخليصها قبل البدء بهذه القواعد .
وقد استحب جماعة من السلف بدء المصنفات بحديث النيات لهذا المعنى ، كما فعله الإمام البخاري في صحيحه .
شَرْطٌ : الشرط ما يلزم من عدمه العدمُ ، ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدم لذاته . والشرط خـارج العمل .
مثاله : الطهارة شرط في صحة الصلاة ، فلا يلزم من وجود الطهارة وجود صحة الصلاة ولا عدمها .
ويلزم من عدم الطهارة عدم صحة الصلاة .
فالنية شرط . وقيل ركنٌ ، والأول هو الصحيح ؛ لأنها ليست جزءًا من العمل .
والشرط والركن : يجتمعان : في انعدام صحة العمل عند عدمها .
ويفترقان : في أن الركن جزءٌ من حقيقة الفعل وماهيته ، كالركوع في الصلاة .
وأما الشرط فإنه خارج عن حقيقة الفعل وماهيته ، كاستقبال القبلة أثناء الصلاة .
قال بعض العلماء :
الركنُ ما في ذات الشيء ولجا والشرط عن ماهيته خرجا
لكن كلاهما إذا ما انعدما انعدمت حقيقةٌ معهما .
لِسَائرِ العَمَلْ : لفظ : سائر ؛ يأتي في اللغة ، بمعنى : كل ؛ باتفاق ، ويأتي بمعنى الباقي .
وعلامة الأول ـ أي بمعنى " كل " ـ : ألا يتقدمه ذكر شيء معين يعتبر فردًا من أفراد ما بعده ، كقولهم : سائر الطلاب مجتهدون .
وعلامة الثاني ـ أي بمعنى " الباقي " ـ : أن يتقدمه ذِكرُ شيءٍ معين هو فردٌ من أفراد ما بعده ، كقولهم : زيدٌ مجتهدٌ وسائر الطلاب كُسالى .
والمراد هنا ـ أي في هذه القاعدة ـ المعنى ـ الأول ، فيكون المعنى ، النيةُ شرطٌ لكل الأعمال ؛ وبها يُحكمُ على العمل بالصلاح أو الفساد . ويستثنى من هذا العموم أمران :
* الأول : التُّرُوك ، كترك الزنا ، وترك القتل ، وترك سائر المعاصي ، فهذه التروك داخلة في الأعمال من جهة اللفظ ، لأن الترك نوع من أنواع الفعل كما قال تعالى :
" كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ " . سورة المائدة / آية : 79 .
فالنية ليست شرطًا في صحة التروك ، فكل من ترك المعاصي فذمته بريئة من الإثم ، ولكن لا ثواب له على الترك إلا بنية الامتثال ـ أي الترك امتثالاً للنهي ـ .
* الثاني : الأعمال الدنيوية المحضة : التي يحصل المقصود منها بمجرد الفعل ، ولا يتوقف على النية ، كرد المغصوبات ، والديـون والأمانات إلى أهلها ، فإن المقصود هو رجوع المال إلى صاحبه ، وهذا يحصل بمجرد الردِّ ، ولا يتوقف على النية . وكذلك النفقة على الزوجة والأولاد يقصد بها سد حاجتهم ، وهذا حاصلٌ بمجرد الفعل دون توقف على نية الامتثال ، ولكن لا ثواب إلا بنية .
* فعن الزهري قال : حدثني عامرُ بن سعد ، عن سعد بن أبي وقاص ، أنه أخبره أن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال " إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرتَ عليها ، حتى ما تجعل في فم امرأتِك " .
صحيح البخاري . متون / (2) ـ كتاب : الإيمان / (41) ـ باب : ما جاء إن الأعمال بالنية ... / حديث رقم : 56 / ص : 17 .
والناظم في هذا البيت يشير إلى القاعدة الكلية الكبرى " الأمور بمقاصدها " ، بمعنى أن تصرفات المكلَّفِ تختلف أحكامها باختلاف مقصود الشخص ونيته فيها .
مثال ذلك :
من وجد مالاً مفقودًا ، فإن أخذَه بنية التملك لنفسه يكون غاصبًا ، ويلزمه الضمان عند التلف . وأما من أخذه بنية الحفظ ، وقصد التعريف ، ـ لُقَطَة ـ ، فإنه يكون أمينًا ، ولا يضمن المال عند التلف إلا بالتفريط .
منظومة القواعد الفقهية / للسعدي / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
* ثلاثة أشخاص قتلوا ثلاثة أشخاص :
الأول : قتل شخصًا عمدًا وعدوانًا ، فهذا يُقتل .
الثاني : شبه العمد أي أراد إيذاء المقتول لا قتلـه ، أو خطأ : كمن أراد يرمي صيدًا فقتل إنسانًا ، فهذا عليه كفارة .
الثالث : أمر بقتل فلان من الناس حدًّا ، فهذا لا شيء عليه .
فالأول قَتَلَ عمدًا ؛ والثاني شبه عمد أو خطأ ؛ والثالث مأذون له في ذلك ، فصورة العمل واحدة كلها قتل ؛ لكن النتيجة والتبعية اختلفت لاختلاف النية .
منظومة القواعد ... / شرح : خالد إبراهيم الصقعبي .
ـ وشواهد هذه القاعدة كثيرة جدًا في الكتاب والسنة :
· أما من الكتاب :فقوله تعالى " وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ " .سورة البينة / آية : 5 .
وقوله تعالى : " وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيمًا " .سورة النساء / آية : 114 .
وقوله جل شأنه " لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِىَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلوبُكمْ " .سورة البقرة / آية : 225 .
فهذه الآيات ونحوها تدل على وجوب النية في جميع الأعمال ، وأن المرءَ مؤاخذٌ بما قصد قلبه .
· وأما من السنة :
* قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبُها أو إلى امرأةٍ ينكحُهَا فهجرته إلى ما هاجر إليه " .
صحيح البخاري . متون / ( 1 ) ـ كتاب : بدء الوحي / ( 1 ) ـ باب : كيف كان بدء الوحي إلى ... / حديث رقم : 1 / ص : 9 .
ويكفي أن نعلم أن هذه القاعدة بنيت على هذا الحديث ، فمكانتهـا ـ أي القاعدة ، بمكانة هذا الحديث ونذكر طرفًا مما جاء في مكانة هذا الحديث :
* فهذا الحديث قاعدة من قواعد الإسلام العظيمة ، اتفق العلماء على صحته وتلقيه بالقبول .
وبه صدَّرَ البخاري كتابه الصحيح وأقامه مقام الخطبة له إشارة منه إلى أن كل عمل لا يُراد به وجه الله تعالى فهو باطل لا ثمرة له في الدنيا ولا في الآخرة .
وهذا الحديث هو أحد الأحاديث التي عليها مدار الدين ، وقد رُوي عن الإامين الجليلين " الشافعي " و " أحمد " رحمهما الله ، أنه ثلث العلم وثلث الإسلام ، لأن كسب العبد بقلبه وبلسانه وبجوارحه ، فالنية أحد الأقسام وهي أرجحها ، لأنها تكون عبادة بانفرادها .
وقال عبد الرحمن بن مهدي عليه رحمة الله تعالى : ينبغي أن يُجعل هذا الحديث رأس كل باب .
القواعد الفقهية ... / للسعدي / شرح خالد الصقعبي .
* عن نافع بن جُبَيرِ بنِ مُطْعِم قال : حدثتني عائشةُ ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ " يغزو جيش الكعبة ، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يُخسَفُ بأولِهم وآخرِهم " . قالت :قلتُ : يا رسول الله كيف يُخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقُهم ومَن ليس منهم ؟ . قال" يُخسفُ بأولهم وآخرِهم ثم يبعثون على نياتِهم " .
صحيح البخاري . متون / ( 34 ) ـ كتاب : البيوع / ( 49 ) ـ باب : ما ذُكر في الأسواق / حديث رقم : 2118 / ص : 239 .
وللمزيد يُرجَع لكتاب : رياض الصالحين ؛ ( 1 ) باب الإخلاص وإحضار النية .
o تنبيه :
ـ يجب التنبيه هنا على خطأٍ شائع بين المسلمين ، عندما تخاطب أحدهم وتأمره بعمل من أعمال الجوارح المأمور بها ، يقول " إنما الأعمال بالنيات"المهم ما وقر في القلب ! ! .
وهذا فهم خاطئ للحديث ، فالرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لم يقل " إنما النيات بالنية " ، ولن قال : إنماالأعمال بالنيات .
إذًا لابد من العمل الصالح ثم النية التي تجعل العمل خالصًا لوجه الله .
مثال ذلك :
نهى الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عن الصلاة في أوقات معينة وتسمى أوقات الكراهة ، ونهى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن هذه الأوقات لعدم التشبه بغير المسلمين في عقيدتهم ، رغم عدم الشك في نيته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونية أصحابه ، فلا يصلي أحد في هذه الأوقات ويقول ليس في نيتي عقيدة هؤلاء ، فنيتي صالحة ، لا . النية لا تخرجه عن النهي السابق . فلابد أن يكون العمل صالحًا ـ أي على الكتاب والسنة ـ ، والنية صالحة وخالصة لوجه الله .
نسأل الله أن يصلح أعمالنا .
ـ محل النية والقصد :
اتفق العلماء على أن القلب محل النية وموضعها .
ـ وقت النية :
النية المُقَارِنة ركن في العبادة ، فالأصل فيها أن تكون مُقارنة للفعلِ المَنوِيّ ، إلا أن الشارع جاء في بعض الأعمال وصحح سبق النية للفعل ، مثال ذك : أن الشريعة جاءت بأن من نوى الصيام في الليل صح صيامه ولو لم تكن نيته مقارنة لأول الصيام .القواعد الفقهية ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي / ص : 23 .
* فعن حفصة ؛ قالت : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " لا صيام لمن لم يؤرِّضْهُ من الليل "
سنن ابن ماجه [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 7 ) ـ كتاب : الصيام / ( 26 ) ـ باب :ما جاء في فرض الصوم من الليل ، والخيار في الصوم / حديث رقم : 1700 / ص : 297 / صحيح .

" لمن لم يورِّضْه " : من أَرَّضَهُ ، إذا قدره وحزمه ؛ أي : لمن ينوه بالليل .حاشية سنن ابن ماجه / ص : 297 .

* وعن عائشة ؛ قالت : دخل عَليَّ رسولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فقال : " هل عندكم شيء " ؟ . فنقول : لا ، فيقول : " إني صائم " ... .
سنن ابن ماجه [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 71 ) ـ كتاب : الصيام / ( 26 ) ـ باب :ما جاء في ... / حديث رقم : 1701 / ص : 297 / حسن .
فالأصل أن النية تصحب العمل من أول وقته حكمًا لا حقيقة ، أما الحقيقة فظاهرًا . وأما الحكم فمثاله : كأن ينوي المكلَّف صلاة العصر ، وهو يتوضأ وضوء صلاة ولم يُحْدِث بعد هذا الوضوء ما ينافي جنس الصلاة ، ثم شرع في صلاة العصر دون حضور الذهن لنية ، فإنه ناوٍ حكمًا .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 39 .
شروط النية :
ننتقل بعد ذلك للحديث عن شروط النية ، متى تكون النية صحيحة معتبرة ، ومتى لا تكون ؟ هناك عدد من الشروط منها :
* الشرط الأول : العلم بالمنوي ، فأنت إذا أردت أن تنوي شيئًا فلابد أن تكون عالمًا به .
* والشرط الثاني : الجزم بالمنوي ؛ لأنه لا يمكن أن تنوي شيئًا وتقصده إلا إذا كت جازمًا ، وبعض العلماء يجعل الجزم ركنًا من أركان النية ، ولا يجعله شرطًا لها .
* والشرط الثالث : التمييز ، فالصبي غير المميِّز لا يتمحض له قصد صحيح ، وحينذ لا يصح اعتبار النية منه ، قالوا : ليس له نية .
* الشرط الرابع : العقل ؛ لأن غير العاقل لا يتمحض له قصد صحيح ؛ ولذلك فإن الاثم والمجنون والسكران لا تعتبر نياتهم ، إن كانت لهم نيات ، وكون السكران حكم بوقوع الطلاق بفعله ليس هذا من باب اعتبار نيته ، وإنما هو من باب ربط الأحكام بأسبابها بدون نظر للنية .
* هناك شرط خامس يذكره بعض الفقهاء : وهو الإسلام ، قالوا : لأن الكافر لا تصح عبادته ، وهذا الشرط لا يصح ، لا يصح أن نجعل الإسلام شرطًا في النية ؛ وذلك لأن الكافر تعتبر نيته في عدد من الأمور مثل طلاقه ، ومثل بيعه ، فدل ذلك على أن النية معتبرة من الكافر ، وأن النية تصح ، وإن كان صحة العمل فيه تفصيل .
فإن قال قائل : العبادات لا تصح من الكافر فحينئذ كيف تصح نيته ؟
قلنا : إن النية لا تتمحض أن تكون عبادة ، بل قد تقع على جهة غير العبادة ، وعدم صحة عبادات الكافر ليس معناها أنه لا تصح نيته. مثل المحدِث : هل تصح الصلاة من المحدث ؟
لا تصح الصلاة من المحدِث ، مع أن نيته معتبرة ، فعدم صحة الصلاة وعدم صحة العبادة لا يدل على عدم اعتبار النية ، هذا شيء من مباحث النية .
القواعد الفقهية ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري .
* الشرط السادس : ألا يأتي بمنافٍ للنية ، والمنافي للنية أمران :
أ ـ القطع : يعني أن ينوي قطع العبادة ، فعلى هذا من قام يصلي ثم نوى قطع الصلاة انقطعت صلاته ، لكن من تردد في النية هل يقطع أو لا يقطع ؟ الصحيح أنها لا تنقطع ، لأن أصل النية موجود .
ب ـ الرِّدة عنِ الإسلام ِ، على قول من اشترط الإسلام لصحة النية .
القواعد الفقهية ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
صور التشريك في النية :

* الصورة الأولى : أن يدخل مع العبادة ما ليس بعبادة أصلاً . وهذه الصورة نوعين :
النوع الأول : أن يدخل مع العبادة ما لا يصح إدخاله ، كالذبح لله وللولي فلان ، فهذا يُبطل العبادة .
النوع الثاني : أن يُدْخِل مع العبادة ما يصح إدخاله ، كما لو اغتسل بنية الجمعة والتَّبَرّد .
* الصورة الثانية : أن ينوي مع العبادة عبادة أخرى ، وهذا له أنواع :
النوع الأول : أن يدخل الفريضة على فريضة ، هذا لا يجوز إلا في حالة واحدة فقط ،في الحج في القِران ، أي يدخل الحج على العمرة ، فيقول " اللهم لبيك عمرة
وحجًا" ، فهنا أدخل الحج على العمرة وقرنهما بنية واحدة
النوع الثاني : أن ينوي مع الفريضة سنة ، هذا يجوز في بعض الصور دون بعض .
وسيأتي تفصيل ذلك في قاعدة 42 :
وإِنْ تَسَاوى العَمَلانِ اجْتَمَعَا وَفُعلَ أَحَدُهمَا فَاسْتَمِعَا
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 39 .
==============
12 ـ الدِّينُ مَبْنيُّ على المَصَالحِ في جَلْبِهَا والدَّرْءِ للقَبَائِحِ
الدِّينُ : في اللغة : الطاعة والجزاء .
فمن الأول ـ أي : " الطاعة " ـ : قول الشاعر :
أيامٍ لنا غرٍّ طوالٍ ** عصينا الملكَ فيها أن نَدِينا
" فالدين بهذا المعنى مأخوذ من الفعل : " دان " بمعنى : أطاع ، فمن دان لغيره ، وأطاعه فإنه قد سلم الدين له ، ولما كان أهل الإيمان يطيعون الله ـ عز وجل ـ سميت شريعة الله " الدين "" . القواعد الفقهية ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري / ص : 24 .
ومن الثاني ـ أي : " الجزاء " : قولهم :
" كما تَدِين تُدانُ " ، ومنه " يومُ الدينِ " أي : يوم الجزاء
وأُطلق على الشريعةِ لفظُ الدِّين لقيامها على معنى الطاعة والجزاء .
منظومة القواعد الفقهية / للسعدي / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
المَصَالحِ : جمع مصلحة ، وهي المنفعة وزنًا ومعنى ،واحدها " مصلحة " .
إلا أن المقصود من المصالح عند الفقهاء هو حفظ مقصود الشارع بالحفاظ على الكليات الخمس ، وهي : " الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسل ، والمال " ، فقد جاء الإسلام للحفاظ على هذه الكليات الخمس .
في جَلْبِهَا : قال في القاموس : " جلب الشيء : المجيء به من مكان إلى آخر " .

الدَّرْءِ : قال في القاموس : " الدرء هو الدفع .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 45 .
القَبَائِحِ : هي المفاسد ، جمع مفسدة ، وهي المضرَّةُ ، والقبيح ضد الحسن .
* وهذه القاعدة هي القاعدة العامة ـ الكلية ـ التي ترجع إليها أصول الشريعة وفروعها وسائر القواعد الفقهية .
يعني : أن بعض العلماء ، وهو العز بن عبد السلام ـ أرجَع الفقه كله إلى قاعدة واحدة وهي :
جلب المصالح ودرء المفاسد .

وقال ابنُ السبكي : بل يرجع الفقه كله إلى الجزء الأول من القاعدة، وهي : جلب المصالح " ، لأن درء المفاسد نوع من جلب المصالح .
القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
فهذا الأصل العظيم ، والقاعدة العامة يدخل فيها الدين كله ، فكله مبني على تحصيل المصالح في الدين والدنيا والآخرة ، وعلى دفع المضار في الدين والدنيا والآخرة . ما أمر الله بشيءٍ إلا وفيه من المصالح ما لا يحيط به الوصف ، وما نهى عن شيءٍ إلا وفيه من المفاسد ما لا يحيط به الوصف .
قال تعالى " وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ"
سورة الأعراف / آية : 157 .
ومن أعظم ما أمر الله به التوحيد ، الذي هو : إفراد الله بالعبادة ، وهو مشتمل على صلاح القلوب ، وسعتها ، ونورها ، وانشراحها ، وزوال أدرانها ، وفيه مصالح البدن والدنيا والآخرة .
وأعظم ما نهى الله عنه : الشرك في عبادته ، الذي هو فساد وحسرة في القلوب والأبدان ، والدنيا والآخرة .
فكل خير في الدنيا والآخرة فهو من ثمرات التوحيد .
وكل شر في الدنيا والآخرة فهو من ثمرات الشرك .
ومما أمر الله به : الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج : الذي من فوائد هذا انشراح الصدر ونوره ، وزوال همومه وغمومه ، ونشاط البدن وخفته ، ونور الوجه ، وسعة الرزق ، والمحبة في قلوب المؤمنين ، وفي الزكاة والصدقة ، ووجوه الإحسان : زكاة النفس وتطهيرها ، وزوال الدرن عنها ، ودفع حاجة أخيه المسلم ، وزيادة بركة ماله ونماؤه ، مع ما في هذه الأعمال من عظيم ثواب الله الذي لا يمكن وصفه ، ومن حصول رضاه الذي هو أكبر من كل شيءٍ ، وزوال سخطه .
وكذلك شرع لعباده الاجتماع للعبادة في مواضع ، كالصلوات الخمس ، والجمعة ، والأعياد ، ومشاعر الحج ، والعلم النافع ، لما في الاجتمع من الاختلاط الذي يوجب التوادد والتواصل ، وزوال التقاطع والأحقاد بينهم ومراغمة الشيطان الذي يكره اجتماعهم على الخير ، وحصول التنافس في الخيرات ، واقتداء بعضهم ببعض ، وتعليم بعضهم بعضًا ، وتعلم بعضهم من بعض ، وكذلك حصول الأجر الكثير الذي لا يحصل بالانفراد ، إلى غير ذلك من الحِكَم .
وأباح سبحانه البيع والعقود المباحة ، لما فيها من العدل ، ولحاجة الناس إليها . وحرم الربا وسائر العقود الفاسدة ، لما فيها من الظلم والفساد ، وأباح الطيبات من المآكل والمشارب ، والملابس ، والمناكح ، لما فيها من مصالح الخلق ، ولحاجة الناس إليها ، ولعدم المفسدة فيها . وحرم الخبائث من : المآكل ، والمشارب ، والملابس ، والمناكح ، لما فيها من الخبث والمضرة ، عاجلاً وآجلاً ، فتحريمها حماية لعباده ، وصيانة لهم ، لا بخلاً عليهم ، بل رحمة منه بهم ، فكما أن عطاءَه رحمة ، فمنعه رحمة ، مثال ذلك : أن إنزال المطر بقدر ما يحتاج إليه العباد : رحمة منه تعالى ، فإذا زاد بحيث تضر زيادته كان منعه رحمة . لذا شرع لنا عند زيادة المطر إلى درجة نخشى منها الضر ، الدعاء بهذا " ... اللهم حوالينا ولا علينا ... " .
صحيح البخاري . متون / ( 15 ) ـ كتاب : الاستقساء / ( 6 ) ـ باب : الاستقساء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة / حديث رقم : 1014 / ص : 117 .
وبالجملة ، فإن أوامر الرب قوت القلوب وغذاؤها ، ونواهيه داء القلوب وَكُلُومهَا ، وكذلك المواريث ، والأوقاف ، والوصايا ، وما في معناها : اشتملت كلها على غاية المصلحة والمحاسن ، فالدين مُقام على جلب المصالح ودرء المفاسد .
رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 14 / بتصرف .
دليل هذه القاعدة : العموم والاستقراء .
أما العموم : فمنه قوله تعالى -وذلك بدلالة اللزوم-
" إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحشاءِ والمنكرِ وَالْبَغيِ " .سورة النحل / آية : 90 .
وقوله سبحانه (1) " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمةً لِّلْعالَمِينَ " . سورة الأنبياء / آية : 107 .
فمقتضى كون هذه الشريعة رحمة أن تكون جالبة للمصلحة دافعة للمفسدة (1) .
وفي تعاليل الأحكام نجد أن الشريعة عللت كثيرًا من أحكامها بمصالح الخلق كما قال ـ جل وعلا ـ" وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ ". سورة البقرة / آية : 179 .
فقوله : حياة ، هذا تعليل لهذا الحكم وهو القصاص لمصلحة الخلق ـ [ حتى لا تكون فوضى ويعم الفساد ، فإذا عُلم أن هناك قصاص ارتدع المعتدي (2) ] ـ .
(2)ما بين المعكوفتين [ ] تصرف
وأما الاستقراء : ـ وهو تتبُّعُ الجزئيات للوصول إلى حكم كلِّيٍّ ـ : وتتبع الأحكام والنظر في عللها وحِكَمِهَا ، دليل قاطع على كون هذه الشريعة مصلحة للخلق .
منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
منظومة القواعد ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري .
ـ بعد أن ذكر الناظم القاعدة الكلية في المصلحة ، بل هي من القواعد الخمس الكبرى ، بعدها انتقل إلى تفريع مبني على تلك القاعدة ، وهو تزاحم المصالح وتزاحم المفاسد . وهي القواعد التالية لهذا .
القواعد الفقهية ... / شرح : الشيخ خالد المصلح / بتصرف
رد مع اقتباس