عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-21-2017, 02:29 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
Haedphone

تعريف القاعدة الفقهية

ـ القواعد في اللغة :
جمع قاعدة ، ومعنى القاعدة : أصل الشيء ، وقواعد البيت أساسه ، ومنه قوله تعالى"وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا " . سورة البقرة / آية : 127 .
وقوله تعالى " فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهم مّنَ الْقَوَاعدِ ".سورة النحل آية : 26 .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : حسين بن عبد العزيز آل الشيخ .

ـ القواعد في اصطلاح الفقهاء :
اختلف الفقهاء في تعريف " القاعدة الفقهية " بِناء على اختلافهم في مفهومها ، هل هي قضية كُلية أو قضية أغلبية ؟
ونختار لكل مدرسة تعريفًا من تعريفاتها :
ـ فمن تعريفات المدرسة الأولى :
" الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة ، تُفهم أحكامها منه " .
ـ ومن تعريفات المدرسة الثانية :
" حكم أكثري لا كُلِّي ، ينطبق على أكثر جزئياته ، لِتُعْرَف أحكامها منه " .
والظاهر أن الباعث لمن يُعَرِّفها بأنها حكم أكثري هو : أن كثيرًا من قواعد الفقه لها صور مستثناة منها ، ولا ينطبق عليها حكمها ، ويلحظ هذا الأمر من يُطالع كتب "قواعد الفقه " .
ولكن هذا الاستثناء وعدم الاطراد ، لا ينقض كُلية تلك القواعد ، ولا يقدح في عمومها ، لأن الغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار القطعي ، كما أن الكليات الاستقرائية صحيحة وإن تخلَّف عن مقتضاها بعض الجزيئات .
القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة / للسعدي / تعليق : العثيمين / ص : 4 .

أقسام القواعد الفقهية
تُقَسَّم القواعد الفقهية من حيثيتين :
* الحيثية الأولى : مصدرها واستمدادها :

يمكن تقسيم القواعد الفقهية من حيث مصادرها أو استمدادها إلى قسمين :
أ ـ قواعد جاء بها نص شرعي :
* وقد تكون القاعدة بلفظ النص .
مثل قاعدة : " لا ضرر ولا ضِرار " .
حيث أن مصدرها حديث نبوي صحيح .
فعن عبادة بن الصامتِ ؛ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قضى أن : " لا ضرر ولا ضِرار " .
سنن ابن ماجه / تحقيق الشيخ الألباني / ( 13 ) ـ كتاب : الأحكام / ( 17 ) ـباب : من بنى في حقه مايضر بجاره / حديث رقم : 2340 / ص : 400 / صحيح .
* وقد تكون القاعدة أُنشِأ لفظها من ظاهر النص دون حاجة إلى استنباط .
مثل قاعدة : وليس واجبٌ بلا اقتدار ولا محرمٌ مع اضطرار
وكل محظور مع الضرورة بقدر ما تحتاجه الضرورة .
فهذه القاعدة مستفادة من ظاهر نص حديث صحيح دون الحاجة إلى استنباط .
* فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال :
" دعوني ما تركتكم ، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمرٍ فَأْتُوا منه ما استطعتم " .
صحيح البخاري . متون / ( 96 ) ـ كتاب : الاعتصام / ( 2 ) ـ باب : الاقتداء بسنن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ / حديث رقم : 7288 / ص : 846 .
ولقوله تعالى "لاَ يُكَلفُ اللهُ نَفسًا إِلاَّ وُسْعَهَا " سورة البقرة / آية : 286 .
ولقوله تعالى "فاتَّقوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ". سورة التغابن / آية : 16 .
ويُستفاد من هذه القاعدة وما يتفرع عنها أن : القدرة مناط التكليف .
ب ـ قواعد خرَّجها العلماء من استقراء -أي التتبع- الأحكام الجزئية :
وهي التي تتبعها العلماء في أبواب الفقه المختلفة ،وصاغوها في عبارات موجزة مسلسلة .
مثل قاعدة : وكلُّ مشغولٍ فلا يُشَغلُ مثالُه المرهونُ والمُسَبَّلُ
القواعد والأصول الجامعة ... / ص : 6 / بتصرف .ومجموعة الفوائد البهية ... / ص : 21 / بتصرف .
بالاستقراء جمع العلماء أحكام جزئية نتج عنها هذه القاعدة
س : ما هو الاستقراء ؟
ـ الاستقراء لغةٌ : مصدر استقرى فلان الأثر يستقريه ، إذا تتبعه .
مثل : استقريت ـ أي تتبعتُ ـ وجوه القوم لأعرف أخي
ويخطئ من يقول : ( استقرأتُ ، أستقرئ ) . وهو خطأ لأن هذا من القراءة . فمعنى : استقرأت : طلبت القراءة
و ( استقريت ) من ( القَرْي ) أو ( القَرْوِ ) وهو التتبع .
ـ الاستقراء في اصطلاح الأصوليين : تتبع العام في جزئياته المعلومة أحكامها ، فإذا استقراها المجتهد فوجدها كلها على حكم واحد ، فيغلب على الظن أن الصورة التي لم يعلم حكمها ، موافقة في الحكم لسائر الصور .
ومثاله : صلاة الوتر : اختُلِفَ في أنها واجبة أو مستحبة ، فنظرنا فوجدنا جميع الصلوات المفروضة لا تؤدَّى على الراحلة ، ووجدنا الوتر يؤدَّى على الراحلة ، فيغلب على الظن أنه نافلة وليس فريضة ، ليكون الباب كله جاريًا على وتيرة واحدة .
الواضح في أصول الفقه للمبتدئين ... / ص : 164 / بتصرف .

· وهذه أحكام جزئية على سبيل المثال وليس الحصر ـ على أساسها صاغ العلماء قاعدة " وكل مشغول فلا يُشغل " ـ :
ـ زوجة الغير ومعتدته محرمة على جميع الرجال عدا زوجها ، لأنها مشغولة به بمقتضى عقد الزواج . فلا تُشغَّل بغيره حتى تفرغ من هذا المشغول به لقوله تعالى "وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ". سورة النساء / آية : 24 .
أي حرمت عليكم المحصنات من النساء ، أي المتزوجات منهن ، إلا المسبيات ، فإن المسبية تحل لسابيها بعد الاستبراء (1) وإن كانت متزوجة .
الوجيز في فقه السنة ... / ص : 295 / بتصرف .
(1) الاستبراء ---> أي استبراء الرحم وخلوه من أي حَمْل .
ـ لا يحل لمسلم أن يخطب على خطبة أخيه . ولا أن يبيع على بيعة أخيه .
قال ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : " نهى النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أن يبيع بعضكم على بيع بعض ، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبه أو يأذن له الخاطب " .
صحيح البخاري . متون / ( 67 ) ـ كتاب : النكاح / ( 45 ) ـ باب : لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكِح أو يدعَ / حديث رقم : 5142 / ص : 623 .
ـ ومثله : المرهون :لا يُباع ولا يوهب ولا يرهن حتى ينفك الرهن أو يأذن الراهن .
والدار المؤجرة لا تؤجر حتى تفرغ .
فكل مشغول بحق لا يُشْغَل بآخر حتى يفرغ الحق منه .
رسالة القواعد الفقهية / السعدي / ص : 46 / بتصرف .
الحيثية الثانية : اتفاق الفقهاء عليها وعدمه :
إذ من القواعد ما اتفقت المذاهب الفقهية عليها ، وتسمى بالقواعد الكلية . ومنها ما حصل الاختلاف فيها ـ أعني القواعد الفقهية ـ مثال للقواعد الكلية :

وترجعُ الأحكامُ لليقينِ فلا يُزيلُ الشكُّ لليقينِ .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 22 / بتصرف .
ـ قال العلامة جلال الدين السيوطي ـ رحمه الله ـ في : " الأشباه والنظائر " / ص : 56 :
" اعلم أن هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه ، والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر " .
القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب إعلام الموقعين لابن القيم (1) / إعداد عبد الرحمن ... / ص : 272 .
( 1 ) واسمه : أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكرِ بنِ أيوبَ بنِ سعدِ بنِ حَرِيزِ بن مكي زين الدين الزُّرعي الأصل ثم الدمشقيُّ الحنبليُّ الشهيرُ بابن قيم الجوزية .
والزرعي : نسبة إلى زُرع : قرية من حَوْران ، وهي ناحية واسعة كثيرة الخير بنواحي دمشق ، منها كانت تحصل غلاتها وقيم الجوزية ، هو والد الإمام ، إذ كان قيمًا ـ مثل كلمة ناظر ـ على المدرسة الجوزية بدمشق .
من أجل ذلك قيل للإمام : ابن قيم الجوزية ، ثم أطلق القول على الإضافة فقيل : ابن القيم .
القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب إعلام الموقعين / ص : 36 .

واختلف العلماء في عدد القواعد الكلية ، منهم من قال : 45 قاعدة ، ومنهم من قال : 66 قاعدة ، إلا أن القواعد الكلية الكبرى قصرها الأكثر على خمس قواعد ، وهي :
( الأمور بمقاصدها ) ، و ( اليقين لا يزول بالشك ) ، و ( المشقة تجلب التيسير ) ، و ( لا ضرر ولا ضِرار ) ، و ( العادة مُحَكَّمَة ) .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 22 / بتصرف .
مثال للقواعد المختلَف فيها :
سيأتي خلال الشرح إن شاء الله .
س : هل يجوز أن نجعل القاعدة الفقهية دليلاً شرعيًّا يُستنبط منه حكم شرعي ؟ !
هناك خلاف في وجهات النظر بين العلماء :
ـ ورد بكتاب : منظومة القواعد الفقهية للسعدي : شرح / د . خالد إبراهيم الصقعبي :
هناك أقوال لأهل العلم وهي بمجموعها تفيد أنه لا يسوغ اعتبار القواعد الفقهية أدلة شرعية لاستنباط الأحكام لسببين :

الأول : أن هذه القواعد ثمرة للفروع المختلفة ، وجامع ورابط لها وليس من المعقول أن يُجعل ما هو ثمرة وجامع دليلاً لاستنباط أحكام الفروع .
الثاني : أن معظم هذه القواعد لا تخلو من المستثنيات ، فقد تكون المسألة المبحوث عن حكمها من المسائل والفروع المستثناة .
ولذلك لا يجوز بناء الحكم على أساس هذه القواعد ، ولكنها تعتبر شواهد مُصاحبة للأدلة يستأنس بها في تخريج الأحكام للوقائع الجديدة قياسًا على المسائل الفقهية المدونة
ولكن هذا لا يؤخذ على إطلاقه ، وقد مر معنا أن من القواعد الفقهية ما كان أصله ومصدره من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، أو يكون مبنيًّا على أدلة واضحة من الكتاب والسنة المطهرة أو مبنيًّا على دليل شرعي من الأدلة المعتبرة عند العلماء ، أو تكون القاعدة مبنية على الاستدلال القياسي وتعليل الأحكام فهذه أدلة شرعية وقواعد فقهية يمكن الاستناد إليها في استنباط الأحكام وإصدار الفتاوى وإلزام القضاء بها .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : خالد إبراهيم الصقعبي / ص : 10 .
ـ وقال الشيخ : حسين بن عبد العزيز آل الشيخ في شرح هذه المنظومة :
والأولى الاستدلال بالدليل المستندة إليه القاعدة وليس بالقاعدة . ا . هـ .
ـ وورد بكتاب : القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة / تأليف الشيخ : عبد الرحمن بن ناصر السعدي . تعليق الشيخ : محمد بن صاالح العثيمين / ص : 11 :
ذهب فريق من الباحثين إلى أنه لا يجوز جعل القواعد الفقهية أدلة للأحكام الفرعية .
واستدلوا بنصوص قليلة عن بعض المتقدمين ، هي في الواقع ظنية لا قطعية ، فلا يكاد يصفو لهم ذلك كدليل من نصوص الأئمة إلا قليلاً من هذا القليل !
وعللوا ذلك بأسباب :
1ـ أن القواعد ثمرة للفروع وجامع لها ؛ وليس من المعقول أن يجعل ما هو ثمرة وجامع دليلاً لاستنباط أحكام الفروع .
2ـ معظم القواعد لا تخلو من المستثنيات .
3 ـ كثير من القواعد الفقهية استقرائية ، وقد يكون استقراءً ناقصًا .
الرد على عللهم وأسبابهم :
ـ الاعتراض الأول : فالإجابة عنه ، أن كل قواعد العلوم بُنيت على فروعها ، وأيضًا فإن الفروع التي نريد تطبيق القاعدة عليها ليست هي الفروع التي بُنيت عليها القاعدة ، فلا دَوْرَ إذن .
ـ الاعتراض الثاني : فالإجابة أنه لا يستدل بها إلا العالم بها ، فقد يكون الحكم المستثنى منصوصًا على استثنائه في كتب الفروع أو في كتب الأشباه والنظائر ثم يدرجه بعضهم في القاعدة ! فإن كان الفرع جديدًا فلا بأس للماهر بالقواعد الاستدلال بها كأي استدلال بدليل ظني الثبوت أو الدلالة أو بعام ، والعام قد يكون له مُخَصِّص .
ـ الاعتراض الثالث : فالإجابة أن هناك من القواعد ما ليس استقرائيًا ، بل هي نصوص شرعية كما قدمنا ، وأما القواعد الاستقرائية فالواقع يبين أنها وليدة عصور علمية متتالية ، فتمر القاعدة بمن يؤكدها ، وبمن يشرحها ، وبمن يستثني منا ، وبمن يعترض عليها ، مما يؤدي إلى إيضاح تام لمن يريد الإفتاء بها . ا . هـ .

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 07-05-2018 الساعة 02:44 AM
رد مع اقتباس