عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 01-31-2017, 03:35 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,019
المجلس الخامس عشر
الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ. وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه
صدقُوا اللهَ فصدَقَهُم
معنى "الصدق مع الله" وكيف يحققه المسلم؟
تعريف الصدّيقية:
"
الصِّدِّيقِيَّةُ: كمال الإخلاص والانقياد والمتابعة للخبر والأمر ظاهرا وباطنًا"

قال ابن القيم "فأعلى مراتب الصدق: مرتبة الصِّدِّيقِيَّةِ وهي كمال الانقياد للرسول مع كمال الإخلاص لله عزوجل".
وقد أمر الله سبحانه أهل الإيمان:أن يكونوا مع الصادقينَ وخَصَّ المنُعْمَ عليهم بالنبيينَ والصديقينَ والشهداءِ والصالحينَ فقال تعالى"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ"التوبة: 119، وقال تعالى"وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا "النساء 69 . .هنا .
" وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ " فيما أمر به فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ ".
الصِّدِّيقِينَ أفاضل أصحاب الأنبياء لمبالغتهم في الصدق والتصديق "وَالشُّهَدَاءِ" القتلى في سبيل الله، " وَالصَّالِحِينَ" غير من ذكر "وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا" رفقاء في الجنة بأن يستمتع فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم وإن كان مقرهم في الدرجات العالية بالنسبة إلى غيرهم .تفسير الجلالين.
ومن يستجب لأوامر الله تعالى وهدي رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فأولئك الذين عَظُمَ شأنهم وقدرهم, فكانوا في صحبة مَن أنعم الله تعالى عليهم بالجنة من الأنبياء والصديقين الذين كمُل تصديقهم بما جاءت به الرسل، اعتقادًا وقولا وعملا والشهداء في سبيل الله وصالح المؤمنين, وحَسُنَ هؤلاء رفقاء في الجنة.التفسير الميسر.

أنواع الصديقية:
-
فالصدق في الأقوال:
استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها
.
-
والصدق في الأعمال:
استواء الأفعال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد
.
والصدق في الأحوال
:
استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص واستفراغ الوسع وبذل الطاقة. فبذلك يكون العبد من الذين جاءوا بالصدق
.
وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامها به تكون صديقيته ولذلك كان لأبي بكر الصديق رضى الله عنه وأرضاه ذروة سنام الصديقية سمي الصديق على الإطلاق والصدّيق أبلغ من الصدوق والصدوق أبلغ من الصادق.

.هنا .

" الصدق مع الله "
أجَلُّ أنواعِ الصدقِ ، ويكون المسلمُ صادقًا مع ربِّه تعالى إذا حقَّق الصدق في جوانب ثلاثة : الإيمان والاعتقاد الحسَن ، والطاعات ، والأخلاق ، فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ، والصادق فيه هو من حققه على الوجه الذي أراده منه ربه تعالى ، ومنه الصدق في اليقين ، والصدق في النية ، والصدق في الخوف منه تعالى ، وليس كل من عمل طاعة يكون صادقًا حتى يكون ظاهرُهُ وباطنُهُ على الوجه الذي يحبه الله تعالى .
وقد بَينَّ الله تعالى الصادقينَ في آيةٍ واحدةٍ ، وهي قوله عز وجل "
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَة وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْس" ثم قال سبحانه بعد هذه الأوصاف كلها"أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" البقرة/ 177 .
قال ابن كثير رحمه الله :
اشتملت هذه الآية الكريمة على جُمَل عظيمة ، وقواعد عميمة ، وعقيدة مستقيمة ." تفسير ابن كثير " 1 / 485 .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
"
أُولَئِكَ " أي : المتصفون بما ذُكر من العقائد الحسنة ، والأعمال التي هي آثار الإيمان ، وبرهانه ونوره ، والأخلاق التي هي جمال الإنسان وحقيقة الإنسانية : فأولئك هم " الَّذِينَ صَدَقُوا" في إيمانهم ؛ لأن أعمالهم صدَّقت إيمانهم ، " وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " لأنهم تركوا المحظور ، وفعلوا المأمور ؛ لأن هذه الأمور مشتمِلَةٌ على كلِّ خِصالِ الخيرِ ، تضمنًا ، ولزومًا ؛ لأن الوفاء بالعهد يدخل فيه الدِّينِ كلِّهِ ، ولأن العبادات المنصوص عليها في هذه الآية : أكبر العبادات ، ومن قام بها : كان بما سواها أقوم ، فهؤلاء هم الأبرار ، الصادقون ، المتقون .
" تفسير السعدي " ص 83 .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
ومن فوائد الآية : أن ما ذُكر هو حقيقة الصدق مع الله ، ومع الخلق ؛ لقوله تعالى
"أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا " ؛ فصِدْقهم مع الله : حيث قاموا بهذه الاعتقادات النافعة : الإيمان بالله ، واليوم الآخر ، والملائكة ، والكتاب ، والنبيين ، وأنهم أقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وبذلوا المحبوب في هذه الجهات ، وأما صِدقهم مع الخلق : يدخل في قوله تعالى " وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا" ، وهذا من علامات الصدق ، ولهذا قال تعالى ""أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا" فصدقوا في اعتقاداتهم ، وفي معاملاتهم مع الله ، ومع الخلق
" تفسير سورة البقرة " 2 / 293 ، 294 .
ثانيًا:
الصدق مع الله تعالى ليس شيئًا نتجمل به ، ونقنع به أنفسنا وندع العمل ، بل الصدق مع الله يكون في النية ، ويكون في العمل إذا قمنا به ، وتيسرت أسبابه ، والصادق مع ربه تعالى يبلغ بصدق نيته ما يبلغ العامل إن تعذر عليه القيام بالعمل .
فعن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ" . رواه مسلم ( 1909 )
قال ابن القيم رحمه الله :
ليس للعبد شيء أنفع من صدقه ربَّه في جميع أموره ، مع صدق العزيمة ، فيصدقه في عزمه ، وفي فعله ، قال تعالى :
" فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ "محمد21.
فسعادته في صدق العزيمة ، وصدق الفعل ، فصدق العزيمة : جمعها ، وجزمها ، وعدم التردد فيها ، بل تكون عزيمة ، لا يشوبها تردد ، ولا تلوُّم ، فإذا صدقت عزيمته : بقي عليه صدق الفعل ، وهو استفراغ الوسع ، وبذل الجهد فيه ، وأن لا يتخلف عنه بشيء من ظاهره ، وباطنه ، فعزيمة القصد تمنعه من ضعف الإرادة والهمة ، وصدق الفعل يمنعه من الكسل ، والفتور ، ومَن صدَق الله في جميع أموره : صنع الله له فوق ما يصنع لغيره ، وهذا الصدق معنى يلتئم من صحة الإخلاص ، وصدق التوكل ، فأصدَقُ الناس : مَن صح إخلاصُه ، وتوكله .

" الفوائد " ( ص 186 ، 187 ) .
ثالثًا :
قد يحتار المسلم بم يبدأ ؟ وكيف يرتب أمرَهُ في يومه وليلته ؟ وهذا لا ينبغي أن يكون عائقًا أمام القاصد لفعل الخير ، من طلب العلم ، أو الدعوة إلى الله ، فمثل تلك الفوضى يمكن للمسلم أن يتخلص منها بترتيب ساعات يومه ، فيجعل الجزء الأول من نهاره لحفظ القرآن ، ويرتب باقي يومهِ بين طلبِ العلم عن طريق الأشرطة ، وقراءة الكتب ، وحضور مجالس العلمِ ، وبين أداءِ الواجباتِ التي في ذمته ، زوجًا كان أو زوجة ، عاملاً كان أو متفرغًا .
والله أعلم
.الإسلام سؤال وجواب
ومن أمثلة الصدق مع الله
قصة الثلاثة الذين انطبق عليهم غار لما التجئوا إليه،فقال أحدهم"والله يا هؤلاء لا يُنْجِيكُمْ إلا الصِّدْقُ،فَليَدْعُ كُلُّ رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه...،فَفَرَّجَ الله عنهم فَخَرَجُوا".

-قال
عبدالله بن عمر رضي الله عنه: سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ " انطلَق ثلاثةُ رَهطٍ ممن كان قبلَكم ، حتى أوَوُا المبيتَ إلى غارٍ فدخَلوه ، فانحدَرَتْ صخرةٌ منَ الجبلِ فسَدَّتْ عليهمُ الغارَ ، فقالوا : إنه لا يُنجيكم من هذه الصخرةِ إلا أن تدعوَ اللهَ بصالحِ أعمالِكم ، فقال رجلٌ منهم : اللهمَّ كان لي أبَوانِ شيخانِ كبيرانِ ، وكنتُ لا أَغبِقُ قبلَهما أهلًا ولا مالًا ، فناء بي في طلبِ شيءٍ يومًا ، فلم أرُحْ عليهما حتى ناما ، فحلَبتُ لهما غَبوقَهما فوجَدتُهما نائمَينِ ، وكرِهتُ أن أَغبِقَ قبلَهما أهلًا أو مالًا ، فلبِثتُ والقَدَحُ على يدي أنتظِرُ استيقاظَهما حتى برَق الفجرُ ، فاستيقَظا فشرِبا غَبوقَهما ، اللهمَّ إن كنتُ فعَلتُ ذلك ابتغاءَ وجهِك ففرِّجْ عنا ما نحن فيه من هذه الصخرةِ ، فانفرَجَتْ شيئًا لا يستَطيعونَ الخروجَ ، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : وقال الآخَرُ : اللهمَّ كانتْ لي بنتُ عَمٍّ كانتْ أحبَّ الناسِ إليَّ ، فأرَدتُها عن نفسِها فامتنَعتْ مني ، حتى ألَمَّتْ بها سَنَةٌ منَ السنينَ ، فجاءَتْني فأعطَيتُها عشرينَ ومِائَةَ دينارٍ على أن تُخَلِّيَ بيني وبين نفسِها ، ففعَلَتْ حتى إذا قدَرتُ عليها قالتْ : لا أُحِلَّ لك أن تَفُضَّ الخاتَمَ إلا بحقِّه ، فتحرَّجتُ منَ الوُقوعِ عليها ، فانصرَفتُ عنها وهي أحبُّ الناسِ إليَّ وترَكتُ الذهبَ الذي أعطيتُها ، اللهمَّ إن كنتُ فعَلتُ ذلك ابتغاءَ وجهِك فافرُجْ عنا ما نحن فيه ، فانفرَجَتِ الصخرةُ غيرَ أنهم لا يستَطيعونَ الخروجَ منها ، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : وقال الثالثُ : اللهمَّ إني استأجَرتُ أُجَراءَ فأعطيتُهم أجرَهم غيرَ رجلٍ واحدٍ ترَك الذي له وذهَب ، فثمَّرتُ أجرَه حتى كثُرَتْ منه الأموالُ ، فجاءني بعد حينٍ ، فقال : يا عبدَ اللهِ أَدِّ إليَّ أجري ، فقلتُ له : كلُّ ما تَرى من أجرِك ، منَ الإبلِ والبقرِ والغنمِ والرقيقِ ، فقال : يا عبدَ اللهِ لا تَستَهزِئْ بي ، فقلتُ : إني لا أستَهزِئُ بك ، فأخَذه كلَّه فاستاقَه فلم يترُكْ منه شيئًا ، اللهمَّ فإن كنتُ فعَلتُ ذلك ابتغاءَ وجهِك فافرُجْ عنا ما نحن فيه ، فانفرَجَتِ الصخرةُ فخرَجوا يَمشونَ " .
الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 2272- خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية.
شرح الحديث
الدُّعاءُ والتَّقرُّبُ إلى اللهِ تعالى بصالِحِ الأعمالِ سَبَبٌ لتَفْريجِ كُلِّ كَرْبٍ، وفي هذا الحديثِ يَحكِي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنَّه "انطَلَقَ ثلاثةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كان قَبْلَكم"، أي: مِنَ الأُمَمِ السَّابقةِ، والرَّهْطُ: ما دون العَشَرَةِ مِنَ الرِّجالِ لا يكونُ فيهِمُ امْرأةٌ، "حتَّى أَوَوُا المَبيتَ إلى غارٍ فدخَلوهُ"، أي: لَجَؤوا إلى غارٍ؛ لِيَبيتوا فيه من يَوْمهم، وفي بعضِ الرِّواياتِ أنَّهم دخَلوه لِمَا كان مِنْ أَمْطارٍ، والغارُ: الكَهْفُ، "فانْحَدَرَتْ صخرةٌ مِنَ الجبلِ فسَدَّتْ عليهِمُ الغارَ"، أي: نزلَتْ من أعلى الجبلِ صخرةٌ فأغلَقَتْ مَخْرَجَ الغارِ"، أي: بابَهُ الَّذي يخرُجون منه، فَحُبِسَ الثَّلاثَةُ داخِلَ الجبلِ، "فقالوا"، أي: قال بعضُهم لبعضٍ: "إنَّه لا يُنَجِّيكُمْ من هذه الصَّخرةِ إلَّا أنْ تَدْعوا اللهَ بصالِحِ أعمالِكُمْ"، أي: تَتوسَّلوا إليه وتَدْعوهُ بما كان من عملِكُمُ الصَّالِحِ؛ حتَّى يَستجيبَ اللهُ لكم، ويَفْرِجَ تلك الصَّخرةَ، فقال رَجُلٌ منهم: "اللَّهُمَّ كان لي أَبَوانِ شَيْخانِ كبيرانِ، وكنتُ لا أَغْبِقُ قَبْلَهما"، أي: لا أُقَدِّمُ عليهما في شُرْبِ العَشِيِّ، "أهلًا ولا مالًا"، كِناية عن شِدَّةِ بِرِّهِ بهما، "فَنَاءَ بي في طَلَبِ شيْءٍ يومًا"، أي: طال به الوقتُ خارجَ البيتِ؛ لِبُلوغِ بعضِ الحاجةِ، "فَلَمْ أَرُحْ عليهما حتَّى نامَا"، أي: لم يَرجِعْ إلى البيتِ حتَّى نام الأَبَوانِ، "فَحَلَبْتُ لهما غَبُوقَهُما"، أي: شَرابَهما الَّذي يَشْرَبانِهِ قَبْلَ نَوْمِهما، "فوجدْتُهما نائِمَيْنِ، وكَرِهْتُ أنْ أَغْبِقَ قَبْلَهما أهلًا أو مالًا"، أي: وامْتَنَعَ عن أنْ يَشرَبَ أو يُشْرِبَ أَحَدًا قَبْلَهما، قال الرَّجلُ: "فَلَبِثْتُ والقَدَحُ على يَدي أَنْتَظِرُ استيقاظَهما حتَّى بَرَقَ الفجرُ"، أي: ظهَرَ ضياؤُهُ، والقَدَحُ: الوِعاءُ الذي حَلَبَ فيه، "فاستيقظَا فشرِبَا غَبوقَهما"، أي: ترَكهما نائمَيْنِ مُفَضِّلًا للسَّهَرِ في انتظارِهما على أنْ يُوقِظَهما من نومِهما حتَّى يكونَا هما المُسْتَيْقِظَيْنِ، قال الرَّجلُ: "اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فعَلْتُ ذلك ابتِغاءَ وَجهِكَ"، أي: طلبًا لِمرضاتِكَ، "ففرِّجْ عنَّا ما نحن فيه من هذه الصَّخرةِ"، أي: اجعَلْ لنا منها مَخْرَجًا، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فانفرَجَتْ شيئًا لا يَستطيعون الخُروجَ"، أي: فُتِحَ بابُ الغارِ قَدْرًا يسيرًا.
قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وقال الآخَرُ: "اللَّهُمَّ كانتْ لي بِنْتُ عَمٍّ كانت أَحَبَّ النَّاسِ إليَّ، فأَرَدْتُها عن نَفْسِها"، أي: أراد أنْ يَزنيَ بها، "فامْتَنَعَتْ منِّي، حتَّى أَلَمَّتْ بها سَنَةٌ مِنَ السِّنينَ"، أي: نزلَتْ بها مَضَرَّةٌ جعلَتْها في حاجةٍ وفَقْرٍ، "فجاءَتْني"، أي: تطلُبُ منه المُساعَدةَ، "فأعطيْتُها عِشرينَ ومِئةَ دِينارٍ على أنْ تُخَلِّيَ بيني وبين نَفْسِها"، أي: شَرَطَ عليها أنْ تُمكِّنَهُ من نفْسِها مُقابِلَ المالِ، "ففَعَلَتْ"، أي: وافقَتْ، "حتَّى إذا قَدَرْتُ عليها"، أي: تمكَّنَ منها، واقترَبَ من جِماعِها، قالَتْ بِنْتُ عمِّهِ: "لا أُحِلُّ لك أنْ تَفُضَّ الخاتَمَ إلَّا بِحَقِّهِ"، أي: تُذَكِّرُهُ وتسألُهُ أنْ يَنتَهيَ عنها ولا يُواقِعَها، ومُرادُ قَوْلِها: لا تُزِلْ البَكارَةَ إلَّا بالزَّواجِ الَّذي أحلَّهُ اللهُ، قال الرَّجلُ: "فتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقوعِ عليها، فانصرَفْتُ عنها"، أي: تجنَّبها ولم يَزْنِ بها؛ لِمَا ذكَّرَتْهُ به من حقِّ الله فيها، قال الرَّجُلُ: "وهي أَحَبُّ النَّاسِ إليَّ"، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ حُبَّهُ لها كان أَدْعى إلى الوقوعِ عليها، ومع ذلك انصرَفَ عنها، "وتركْتُ الذَّهَبَ الَّذي أعطيْتُها"، أي: وترَكَ لها المالَ الَّذي قد أَخَذَتْهُ منه، ثمَّ قال: "اللَّهُمَّ إنْ كنتُ فعَلْتُ ذلك ابتغاءَ وَجهِكَ فافْرِجْ عنا ما نحن فيه"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فانفرَجَتِ الصَّخرةُ غيرَ أنَّهم لا يَستطيعون الخُروجَ منها"، أي: زِيدَ من مِقدارِ فَتْحِ البابِ بتلك الدَّعْوةِ.
قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وقال الثَّالِثُ: "اللَّهمَّ إنِّي استأجَرْتُ أُجَرَاءَ"، أي: عُمَّالًا يَعمَلونَ عِنده مُقابِلَ أَجْرٍ، "فأعطيْتُهم أجْرَهم غيرَ رجُلٍ واحدٍ ترَك الَّذي له وذَهَبَ"، أي: إلَّا عامِلًا ذهَب ولم يأخُذْ أُجْرَتَهُ، "فثَمَّرْتُ أَجْرَهُ"، أي: تاجَرَ له به، "حتَّى كَثُرَتْ منه الأموالُ"، أي: زادَ نَماءُ هذه الأُجْرةِ عِنده، "فجاءني بَعْدَ حينٍ"، أي: جاءه الأجيرُ الَّذي ترَكَ أُجرَتَهُ بعْدَ مُدَّةٍ مِنَ الزَّمنِ، فقال: "يا عبدَ اللهِ، أَدِّ إليَّ أَجْري"، أي: يَطلُبُ منه أُجرتَهُ، فقال له الرَّجُلُ: "كُلُّ ما ترى من أَجرِكَ مِنَ الإبلِ والبَقَرِ والغَنَمِ والرَّقيقِ"، أي: كُلُّ أنواعِ المالِ الَّتي أمامَ نَظَرِكَ هي أَجْرُكَ الَّذي تركْتَ، والرَّقيقُ: هُمُ العَبيدُ المملوكونَ، فقال الأجيرُ: "يا عبدَ اللهَ، لا تَستهزِئْ بي"! أي: يَستنكِرُ عليه ما يدَّعيهِ من أنَّ أُجْرتَهُ قد بلَغَتْ كُلَّ ذلك، فقُلْتُ: "إنِّي لا أَستهزِئُ بك، فأخَذَهُ كُلَّهُ فاستاقَهُ فَلَمْ يَترُكْ منه شيئًا"، أي: أخَذَ كُلَّ ذلك المالِ الَّذي أشار به إليه، وفي ذلك إشارةٌ إلى أنَّ الرَّجُلَ لم يَطمَعْ في شيءٍ من ذلك، ولو بِقَدْرِ ما يترُكُ له الأجيرُ من مُكافَأَةٍ له نَظيرَ فِعْلِهِ، قال الرَّجلُ: "اللَّهمَّ فإنْ كنتُ فعلْتُ ذلك ابتغاءَ وَجهِكَ فافْرِجْ عنَّا ما نحن فيه"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فانْفَرَجَتِ الصَّخرةُ"، أي: فَتَمَّ لهم بتِلك الدَّعوةِ فَتْحُ الغارِ، "فخرَجوا يَمْشونَ".
وفي الحديثِ: التَّوسُّلُ إلى اللهِ تعالى بالأعمالِ الصَّالحةِ.
وفيه: فَضلُ الإخلاصِ.
وفيه: بيانُ فضلِ بِرِّ الوالِدَيْن وفَضلِ تقديمِهما على سائِرِ الأهلِ والأقارِبِ.
وفيه: فَضلُ التعفُّفِ عن الحَرامِ ومُراقبةِ اللهِ تعالى والخوفِ مِنه.
وفيه: الحَثُّ على بَذْلِ الخيرِ للآخَرينَ دونَ تَلَمُّسِ أَجْرٍ منهم على ذلك، والحَذرُ مِن الطَّمَعِ .

الدرر السنية. .


التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 02-06-2017 الساعة 02:18 AM
رد مع اقتباس