عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 03-21-2012, 12:02 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,022
Haedphone

*محنة الإمام أحمد :
عرضت عليه الدنيا فأباها ، والبدعة فنفاها . فقد تعرض الإمام للفتنة من أربعة من الخلفاء ، وهم المأمون ، والمعتصم ، والواثق ، والمتوكل .
وقد كانت الأمة قبل ذلك ترتفع فيها راية السنة إلى عهد الخليفة " هارون الرشيد " ـ رحمه الله ـ ، فكان أهل البدع يستخفون ببدعتهم ، ولا يجهرون بباطلهم .
ولما وليَ المأمون أبو جعفر بن هارون الرشيد ، وكانت ولايته في المحرم وقيل في رجب سنة ثمان وتسعين ومائة ، صار إليه قوم من المعتزلة وأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل ، وحسنوا له قبيح القول بخلقالقرآن ونفي صفة الكلام عن الله .
فالمعتزلة رفضوا الإيمان بصفة الكلام لاعتقادهم التشبيه وقياس الله على خلقه في الحكم ، فكذبوا بالآيات التي تدل على ثبوت الصفة لله ، فقالوا "لا يتكلم ولا يكلم " . تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا .
وحاول المأمون أن يجبر العلماء والقضاة على القول بمذهبه ، فأجابه أكثرهم تقية ، وقتل من قتل في المحنة ، ووقف الإمام أحمد كأنه جبل شامخ تكسرت عليه المحن وانهزمت على قدميه الفتن .
ولما هلك " المأمون " تبعه " المعتصم " فجلد الإمام وحبسه ثمانية وعشرين شهرًا على أن يلين . فثبت على الحق حتى هلك المعتصم ، ومِن بعده الواثق .
ثم أشرقت عليه خلافة المتوكل ، وكان من أهل السنة ، فَرُفِعَتْ أعلام السنة ونُكست أعلام البدعة ، وأهلك الله عز وجل كل من شارك في المحنة .
ولكن الإمام أحمد لم يَسْلَم في زمن المتوكل من الفتنة ولكنها فتنة من نوع جديد ، إنها فتنة الدنيا ، فتنة المال والجاه والدخول على السلطان
فقد حاول المتوكل أن يغدق على الإمام الأموال ، ولكن إمامنا وعالمنا لم ترهبه السياط والتعذيب ، ولم يجذبه بريق المال والسلطان .
فقال الإمام ـ رحمه الله : أسلم من هؤلاء ستين سنة ثم ابتلى بهم ، فما قبل من ذلك شيئًا ، وعاش بقية عمره زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة ، فازداد ارتفاعًا في قلوب الخلق
.من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 218 / بتصرف .

*وصايا الصالحين :
من أسباب الثبات الدعاء بأن يقيض الله للمرء رجلًا صالحًا يعظه فيثبته الله وينفعه بتلك الكلمات ، فتنبني نفسه ، وتُسدَّد خطاه يوم يتعرض لفتنة أو بلاء من ربه ليمحصه به
ها هو الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ يساق إلى المأمون مقيدًا بالأغلال ، وقد توعده وعيدًا شديدًا قبل أن يصل إليه حتى قال خادمه : يعز عليَّ يا أبا عبد الله أن المأمون قد سلَّ سيفًا لم يسلَّه قبل ذلك ، وأنه أقسم لئن لم تجبه ليقتلنك بذلك السيف . وهنا يأتي الصالحون ، أهل البصيرة لينتهزوا الفرصة ليلقوا بالوصايا التي تثبت في المواقف الحرجة .ففي السير 241أ11. أن أبا جعفر الأنباري قال : لما حُمل الإمام أحمد إلى المأمون أُخبرتُ ، فعبرتُ الفرات ، وجئتَهُ ، فسلمتُ عليه ، وقلتُ : يا إمام أنت اليوم رأس ، والناس يقتدون بك ؛ فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبنَّ خلق كثير ، وإن لم تجب ليمتنعن خلق كثير ، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت ، لابد من الموت فاتق الله ولا تجبه
.
والإمام أحمد في سياق رحلته إلى المأمون يقول : وصلنا إلى رحبة - رحبة
: تقع بين الرقة وبغداد على شاطئ الفرات - ورحلنا منها في جوف الليل ، قال : فعرض لنا رجل ، فقال : أيكم أحمد بن حنبل ؟ فقيل هذا . فقال : يا هذا ماعليك أن تُقْتَل ها هنا وتدخل الجنة . ثم قال : أستودعك الله ، ومضى .
وأعرابي يعترضه ، ويقول : يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤمًا عليهم ، إنك رأس الناس فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه ؛ فيجيبوا فتحمل أوزارهم يوم القيامة ، إن كنت تحب الله فاصبر ، فوالله ما بينك وبين الجنة إلا أن تُقتل .
ويقول الإمام أحمد : ما سمعت كلمة مُذ وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها في " طوق " ، قال : يا أحمد إن يقتلك الحق مت شهيدًا ، وإن عشت عشت حميدًا فقوَّى بها قلبي .
فإن أردت بناء نفسك أخي الكريم ـ فاحرص على طلب الوصية من الصالحين ، اعقلها إذا تُلِيَت عليك ، اطلبها قبل سفر إذا خشيت مما يقع فيه ـ من المعاصي ..... ، اطلبها أثناء ابتلاء ، أو قبل حدوث محنة متوقعة ، اطلبها إذا عُيِّنْتَ في منصب صَغُرَ أو كَبُرَ ، أو ورثت مالًا وصرت ذا غنى ، اطلبها في الشدة والرخاء والعسر واليسر لتنبني نفسك ـ على الحق ـ وينبني بها غيرك والله ولي المؤمنين .
عوامل بناء النفس / ص : 55 .

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 08-03-2019 الساعة 01:38 PM