عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 09-23-2018, 07:10 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
Haedphone

المتن
القاعدة الثالثة من قواعد صفات الله تعالى
صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: ثبوتية، وسلبية
الشرح
قال بعض الناس إن الأوْلى أن نُعبر بـ "ثبوتية ومنفية " لأن التي وصف اللهُ بها نفسه إما مثبتَة وإما منفية . ولكن الصواب أنه لافرق،لأن السلب والنفي معناهما واحدٌ، فإذا قُلت:فلانٌ لم يقم . فالمعنى أنه مسلوب عنه القيام ، أي منفي عنه ،ولا إشكال في ذلك.
المتن
فالثبوتية:ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، كالحياة والعلم، والقدرة، والاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والوجه، واليدين، ونحو ذلك.
فيجب إثباتها لله تعالى حقيقة على الوجه اللائق به بدليل السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا"سورة النساء، الآية: 136.
فالإيمان بالله يتضمن: الإيمان بصفاته. والإيمان بالكتاب الذي نزل على رسوله يتضمن: الإيمان بكل ما جاء فيه من صفات الله. وكون محمد صلى الله عليه وسلم ؛رسوله ؛يتضمن:الإيمان بكل ما أخبر به عن مُرْسِلِه، وهو الله - عز وجل.
وأما العقل: فلأن الله تعالى أخبر بها عن نفسه، وهو أعلم بها من غيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثًا من غيره، فوجب إثباتها له كما أخبر بها من غير تردد، فإن التردد في الخبر إنما يتأتي حين يكون الخبر صادراً ممن يجوز عليه الجهل، أو الكذب، أو العِي بحيث لا يفصح بما يريد، وكل هذه العيوبالثلاثة ممتنعة في حق الله - عز وجل - فوجب قبول خبره على ما أخبر به.

الشرح
أما دلالة السمع على وجوب ما أخبر اللهُ به عن نفسه ؛ في كتابه؛ أوأخبر به رسوله-صلى الله عليه وسلم- فواضحة ، لأنَّ اللهَ أنزل الكتاب على محمد-صلى الله عليه وسلم-فالإيمان بالكتاب إيمانٌ بمن أنزله.والإيمان بالرسول إيمانٌ بما أرسله ؛فلاجرم أن يجب الإيمان بكل ماجاء في الكتاب والسُنة من أسماء الله وصفاته.
أما دلالة العقل على ذلك : أن الله أخبر بهذه الصفات عن نفسه - لأننا لانثبت من الصفات إلا ما أخبر به اللهُ عن نفسه - وهوأعلمُ بنفسه من غيره ،ولهذا أيُّ إنسان يُحاول إنكار صفة من صفات الله نقول له:هل أخبرَ اللهُ بها عن نفسه؟ فإن قال:لا ، فقد كذَّب ، وإن قال:نعم . قلنا له :أأنتَ أعلم أم الله؟!إن قال:أنا أعلم ؛ فقد كفر وإن قال:اللهُ أعلمُ . قلنا: إذن يجب عليك أن تُؤمن بها، لأن اللهَ تعالى أعلمُ بنفسه وأصدقُ قيلا.
فما أخبر اللهُ به عن نفسه فهو صدقٌ ؛ لأن كلامَ اللهِ أصدقُ الكلام وأحسنُ حديثًا من غيره.وحُسن الحديث يكون بالبلاغة والفصاحة.فكلام الله-عزوجل- أحسنُ الكلام في وضوحه وبيانه وفصاحته.
فقد اجتمع في حق الله تعالى كمالُ الكمال من كل وجه ،من حيث العلم والصدق والبيان ، ولهذا يقول المؤلف:" فإن التردد في الخبر إنما يتأتي حين يكون الخبر صادراً ممن يجوز عليه الجهل أو الكذب أو العيّ"(ا.هـ)
فالجهل ضده العلم، والكذب وضده الصدق ، والعيّ ضده البيان والفصاحة.
فلوجاء رجلٌ نجار إلى مريض فوضع يده على بطنه ، ويلمس صدره ، وجبهته ورأسه و ضغط عليها ؛ ثم قال : هذا المريض فيه الداء الفلاني .
فإننا لانُصدقه؛ لأنه جاهل بهذه الصناعة، لكنه لوقال: هذا الخشب لايصلح أن نجعله أبواباً ؛ لقبلنا قوله إذا كانصدوقاً. قد يكون كذوباً قد يقول مايصلح أبوابا علشان يشتريه هوَّ ،على كل حال هذا الرجل الذي جاء يُشخص مرض هذا المريض وهو نجار لانقبله مهما كان في الصدق لأنه جاهل.
ولو جاءنا رجلٌ طبيب جيد ماهر، وجعل وجعل يتحسس المريض ليرى ما به من داء ، ثم قال: هذا يحتاج إلى علاج طويل يتكلف عليكم خمسين ألفًا، فلو كان هذا الطبيب - الرجل جيد في الصناعة وماهر في الطب لكنه -غير موثوق فيه من جهة الخبر ؛لكان من الممكن أن يكون قد ابتغى بقوله هذا كثرة الدراهم ؛ لاإبراء المريض
ولوجاءنا رجلٌ ثالث ،عالِم وصدوق لكنه هندي لا نفهم كلامه؛ لأننا عرب ، وشَخَّصَ المرض وأخبر به، لما فهمنا منه شيئًا ؛ وإذًا لن نثق بما قال ، لأن كلامه يفتقر إلى الفصاحة والبيان .
وإذا تأملنا بعد ذلك - كلام الله-عزوجل-عن نفسه وعن غيره، لوجدناه كلامًا صادرًا عن علم لاشك ،وعن صدق ولاشك ، وفي أحسن مايكون من البلاغة والفصاحة والبيان ولاشك أيضًا. فهل يبقى بعد هذا تردد في اعتقاد مايدل عليه كلام الله؟! والله لا يبقى تردد إطلاقاً في أن نعتقد مادل عليه هذاالكتاب العزيز .
ولهذا نقول:إنما يتأتي التردد حين يكون الخبر صادرًا ممن يجوز عليه الجهل أو الكذب أو العيّ، بحيث لا يُفصح بما يُريد.وكل هذه العيوب ممتنعة في حق الله فوجب قبول خبره على ماأخبر به.هذا دليل عقلي.

المتن

وهكذا نقول فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعلمُ الناسِ بربه وأصدقهم خبراً وأنصحهم إرادة، وأفصحهم بيانًا، فوجب قبول ما أخبر به على ما هو عليه.
الشرح
فإذا قال قائلٌ في قوله تعالى "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى"طه5، هذا خبرٌصادرٌ عن الله وهوعالمٌ بذلك، فإذا قال قائلٌ أن معناه "استولى"قلنا : إذا كان هذا معناه ائتِ بدليل.وهذه الكلمة وردت في القرآن في سبعة مواضع ، ليس فيها ولو موضع واحد قال اللهُ فيه:" استولى" فلو كان الله أرادبـ"استوى":"استولى" لكان كلامُه غير فصيح؛ إذ أن "استوى" غير"استولى" فإذا أراد بهذا غيرَ ظاهرهِ ؛ ولم يخبر عن مراده هذا ولو في موضع واحد ،- مع أنه ورد في عدة مواضع- ؛عُلِم أنه لايريد هذا المعنى،وتفسيرك "استوى"بمعنى "استولى" ؛يقتضي أن يكون كلامُ اللهِ ناقِصًا من حيثُ البيان والفصاحة ، لأن التعبير بهذا عن هذا بدون قرينة وبدون أن يأتي ولو مرة واحدة بهذا المعنى الذي ابتكرتُه - لاشك أنه خلاف الفصاحة و البيان والله-عزوجل-يقول في كتابه"يُريدُ اللهُ ليُبيِّنَ لكم" النساء 26 . ولم يقل :ليُعْمَى عليكم.
المتن
والصفات السلبية:ما نفاها الله - سبحانه - عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات نقص في حقه كالموت، والنوم، والجهل، والنسيان، والعجز، والتعب.
الشرح
هذه الصفات السلبية يجب نفيها عن الله ، لكن ليس الواجب مجرد نفيها فقط ؛ بل يجب اعتقاد ضدها ، فمثلا "لاتأخُذهُ سِنَة ٌولانوم" البقرة 255 ، لايكفي في الاعتقاد أن نقول :إن اللهَ لاينام حتى نعتقد؛ أنه لاينام لكمال حياته وقيوميته، لامجرد أنه لاينام فقط ، لأننا نقول إن كلمة " لاينام" مجرد انتفاء النوم ، وهذا في حد ذاته ليس كمالاً.
وكذلك أيضًا قوله تعالى:"وما مسَّنا من لغوب" ق 35 – أى:من تعب وإعياء،فلا يكفي هنا أن نؤمن بأن الله تعالى لم يتعب فقط ، بل يجب أن نؤمن بأنه لم يتعب لكمال قوته. وإلا لقلنا مثلاً أن العمود هذا عليه سقف يحمل السقف هذا كله هل يتعب؟ ماهو يتعب أبداً ولاسمعنا يومًا من الأيام أنه صاح علينا يقول ياناس أتعبتموني.
فإذن يجب أن نعتقد ياإخواني أن مانفاه الله عن نفسه لايكفي أن نعتقد مجرد انتفاء هذا المنفي ؛بل لابد أن نُضيف إلى ذلك إثبات كمال الضد.
المتن
فيجب نفيها عن الله تعالى - لما سبق - مع إثبات ضدها على الوجه الأكمل، وذلك لأن ما نفاه الله تعالى عن نفسه فالمراد به بيان انتفائه لثبوت كمال ضده، لا لمجرد نفيه؛ لأن النفي ليس بكمال، إلا أن يتضمن ما يدل على الكمال،
الشرح
يقول شيخ الإسلام-رحمه الله-لأن النفي عدم ،والعدم ليس بشيء,أي :المعدوم ليس بشيء،فضلاً عن أن يكون كمالاً ، فإذا كان العدم ليس بشئ فكيف يكون مدحًا وهو ليس بشيء؟إذًا فهذا النفي مُتضمِنٌ لإثباتٍ وإلا لم يكن مدحًا.
المتن

وذلك لأن النفي عدم، والعدم ليس بشيء، فضلاً عن أن يكون كمالاً، ولأن النفي قد يكون لعدم قابلية المحل له، فلا يكون كمالاً كما لو قلت: الجدار لا يظلم. وقد يكون للعجز عن القيام به فيكون نقصًا، كما في قول الشاعر:
قُبيِّلة لا يغدرون بذمة*ولا يظلمون الناس حبة خردل1
وقول الآخر:
لكن قومي وإن كانوا ذوي حَسَبٍ

ليسوا من الشر في شيء وإنْ هانا
الشرح
البيت الذي يلي الأخير هو قول الشاعر :
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحسانًا
أي : إذا ظلمهم أحد قالوا :غفر الله لنا ولك ، وذلك حتى لايسيء إليهم إساءة أكبر ، وهؤلاء مذمومون ، ولهذا قال بعده :
فليت لي بهم قومًا إذا ركبوا شَنُّوا الإغارة فرسانًا وركبانًا
تمنى الشاعر أن يأتي الله بغير هؤلاء الذين يشنون الإغارة
والخلاصة:أن الله تعالى لايُوصف بالنفي المحض لما يلي :
أولاً: لأن النفي المحض عدمٌ محضٌ ،والعدم ليس بشيءٍ فضلا عن أن يكون كمالاً.
ثانيًا: لأن نفي الشيء عن الشيء قد يكون لعدم قابليتة له لا لكماله الذي أوجب أن ينتفي عنه، مثل قولنا: الجدار لايظلمُ.
ثالثًا: أن النفي قد يكون للعجز عن هذا المنفي، فيكون النفيُّ حينئذٍ نقصًا.فإذا قلتُ:هذا الرجل لايغدر بالعهد ،مدح ولاذم؟يحتمِل ؛ يحتمل لايغدر لكمال وفائه ؛وحينئذٍ يكون هذا مدحًا فيه . ويحتمل لايغدربالعهد لأنه مايقدر ،يخاف لويغدر بالعهد هذه المرة كروا عليه مراتٍ ومراتٍ حتى أتلفوه لعجزه ،وهنا يكونُ هذا ذماً فيه .والحاصل: أنه يجب علينا نحو صفاتِ اللهِ التي نفاها الله عن نفسهِ ؛أن نؤمن بانتفائها لا لمجرد الانتفاء؛ ولكن لإثبات كمال ضدها.وإذا كانت هذه الصفات منفية لثبوت كمال ضدها صارت صفة كمال.
المتن
* مثال ذلك: قوله تعالى"وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لايَمُوت"سورة الفرقان، الآية: 58.
فنفي الموت عنه يتضمن كمال حياته.
* مثال آخر: قوله تعالى"وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا "سورة الكهف، الآية: 49.نفي الظلم عنه يتضمن كمال عدله.
* مثال ثالث: قوله تعالى "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ"سورة فاطر، الآية: 44.. فنفي العجز عنه يتضمن كمال علمه وقدرته. ولهذا قال بعده: "إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا". لأن العجز سببه إما الجهل بأسباب الإيجاد، وإما قصور القدرة عنه فلكمال علم الله تعالى وقدرته لم يكن ليعجزه شيء في السموات ولا في الأرض.وبهذا المثال علمنا أن الصفة السلبية قد تتضمن أكثر من كمال.
الشرح

أكثر من كمال، العلم والقدرة.
تمت القاعدة الثالثة
رد مع اقتباس