عرض مشاركة واحدة
  #29  
قديم 12-07-2014, 03:40 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
1أَنْشَدَ الخطابي:
حُجَجٌ تَهَافَتْ كَالزُّجَاجِ تَخَالُهَا ... حَقًّا وَكُلٌّ كَاسِرٌ مَكْسُورُ
فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ حَالُ حُجَجِهِمْ فَأَيُّ لَغْوٍ بَاطِلٍ وَحَشْوٍ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا؟
وَكَيْفَ يَلِيقُ بِمِثْلِ هَؤُلَاءِ أَنْ يَنْسُبُوا إلَى الْحَشْوِ أَهْلَ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ؟ الَّذِينَ هُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ عِلْمًا وَيَقِينًا وَطُمَأْنِينَةً وَسَكِينَةً؛ وَهُمْ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ؛ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ؛ وَهُمْ بِالْحَقِّ يُوقِنُونَ لَا يَشُكُّونَ وَلَا يَمْتَرُونَ. فَأَمَّا مَا أُوتِيَهُ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَخَوَاصُّهُمْ مِنْ الْيَقِينِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْهُدَى: فَأَمْرٌ يَجِلُّ عَنْ الْوَصْفِ. وَلَكِنْ عِنْدَ عَوَامِّهِمْ مِنْ الْيَقِينِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَئِمَّةِ الْمُتَفَلْسِفَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَهَذَا ظَاهِرٌ مَشْهُودٌ لِكُلِّ أَحَدٍ... "
"
2
( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ( 39 ) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ( 40 ) )

هَذَانِ مَثَلَانِ ضَرَبَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِنَوْعَيِ الْكُفَّارِ ، كَمَا ضَرَبَ لِلْمُنَافِقِينَ فِي أَوَّلِ " الْبَقَرَةِ " مِثْلَيْنِ نَارِيًّا وَمَائِيًا ، وَكَمَا ضَرَبَ لِمَا يَقَرُّ فِي الْقُلُوبِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ فِي سُورَةِ " الرَّعْدِ " مَثَلَيْنِ مَائِيًّا وَنَارِيًّا ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى كُلٍّ مِنْهَا فِي مَوْضِعِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .

فَأَمَّا الْأَوَّلُ مِنْ هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ : فَهُوَ لِلْكُفَّارِ الدُّعَاةِ إِلَى كُفْرِهِمُ ، الَّذِينَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ ، وَلَيْسُوا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى شَيْءٍ ، فَمَثَلُهُمْ فِي ذَلِكَ كَالسَّرَابِ الَّذِي يُرَى فِي الْقِيعَانِ مِنَ الْأَرْضِ عَنْ بُعْدٍ كَأَنَّهُ بَحْرٌ طَامٌّ . [ ص: 71 ] وَالْقِيعَةُ : جَمْعُ قَاعٍ ، كَجَارٍ وَجِيرَةٍ . وَالْقَاعُ أَيْضًا : وَاحِدُ الْقِيعَانِ ، كَمَا يُقَالُ : جَارٌ وَجِيرَانٌ . وَهِيَ : الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ الْمُتَّسِعَةُ الْمُنْبَسِطَةُ ، وَفِيهِ يَكُونُ السَّرَابُ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ . وَأَمَّا الْآلُ فَإِنَّمَا يَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ ، يُرَى كَأَنَّهُ مَاءٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فَإِذَا رَأَى السَّرَابَ مَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْمَاءِ ، حَسِبَهُ مَاءً فَقَصَدَهُ لِيَشْرَبَ مِنْهُ ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ ( لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ) ، فَكَذَلِكَ الْكَافِرُ يَحْسَبُ أَنَّهُ قَدْ عَمِلَ عَمَلًا وَأَنَّهُ قَدْ حَصَّلَ شَيْئًا ، فَإِذَا وَافَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحَاسَبَهُ عَلَيْهَا ، وَنُوقِشَ عَلَى أَفْعَالِهِ ، لَمْ يَجِدْ لَهُ شَيْئًا بِالْكُلِّيَّةِ قَدْ قُبِلَ ، إِمَّا لِعَدَمِ الْإِخْلَاصِ ، وَإِمَّا لِعَدَمِ سُلُوكِ الشَّرْعِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ) [ الْفَرْقَانِ : 23 ] .

وَقَالَ هَاهُنَا : ( وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) . وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ،وَمُجَاهِدٍ ، وَقَتَادَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : أَنَّهُ يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْيَهُودِ : مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ : كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ . فَيُقَالُ : كَذَبْتُمْ ، مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ ، مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُونَ : أَيْ رَبَّنَا ، عَطِشْنَا فَاسْقِنَا . فَيُقَالُ : أَلَا تَرَوْنَ؟ فَتُمَثَّلُ لَهُمُ النَّارُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يُحَطِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، فَيَنْطَلِقُونَ فَيَتَهَافَتُونَ فِيهَا .
يرجع لألفاظ الحديث في الدرر السنية

تفسير ابن كثير
رد مع اقتباس