عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05-02-2013, 11:31 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,031
شرح حديث اللهم اكفني بحلالك عن حرامك

شرح حديث اللهم اكفني بحلالك عن حرامك





قال الترمذي في سننه

حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا يحيى بن حسان حدثنا أبو معاوية عن عبد الرحمن بن إسحاق عن سيار عن أبي وائل ، عَن عليٍّ ، أنَّ مُكاتبًا جاءَهُ فقالَ:
إنِّي قد عَجزتُ عَن كتابتي فأعنِّي ، قالَ : ألا أعلِّمُكَ كلِماتٍ علَّمَنيهنَّ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ لو كانَ عَليكَ مثلُ جَبلِ صيرٍ دينًا أدَّاهُ اللَّهُ عَنكَ ، قالَ : قُل :" اللَّهمَّ اكفني بِحلالِكَ عن حرامِكَ ، واغنِني بِفَضلِكَ عَن من سواكَ"
الراوي: شقيق بن سلمة المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3563 - خلاصة حكم المحدث: حسن

مكتبة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله،الإلكترونية

والدرر السنية
-شرح غريب الحديث:
«مكاتبتي»: المكاتبة والكتابة؛ أن يكاتب السَّيِّد عبدَه على مالٍ يؤدِّيه منجَّمًا (مفرَّقًا)، فإذا أدَّاه صار حرًّا(6)، والمكاتَب اسم مفعول؛ لأنَّ المكاتبة تقع عليه.
«ألا»: حرف استفتاح يأتي على خمسة أوجه(7)، ويراد به هنا العرض والتَّحضيض وتنبيه المخاطب على الكلام الآتي ذكره.
«صِير»: ذكره أكثرهم بلفظ «صير»، وعند الحاكم والبيهقي «صَبِير» بإثبات الباء الموحَّدة(8).
«صِير»: بكسر الصَّاد؛ جبل ببلاد طيء، و«صبير» جبل باليمن(9)، وذكره خرج مخرج المبالغة، يعني مهما كان ذلك الدَّيْن، حتَّى ولو فرض أنَّه مثل الجبل.
«أدَّاه الله عنك»: قضاه عنك وأعانك على تسديده.
«اللَّهمَّ»: منادى حُذفت منه ياء النِّداء وعوِّض عنها الميم، وجُعلت الميم بعد لفظ الجلالة تيمُّنًا وتبرُّكًا بالابتداء بلفظ الجلالة واختير لفظ الميم دون غيره من الحروف للدَّلالة على الجمع؛ كأنَّ الدَّاعي يجمع قلبه على ربِّه عزوجل ، وعلى ما يريد أن يدعو به(10).
«اكفني»: ارزقني الكفاية من الحلال والاستغناء عن الحرام.
«أغنني»: اجعلني غنيًّا بفضلك ورزقك.
-المعنى الإجمالي للحديث:
جاء الرَّجل يطلب الإعانة الماليَّة لوفاء دينه وإنهاء مكاتبته والتَّخلُّص من رقِّه، فعلَّمه أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه هذا الدُّعاء العظيم لاحتمال أنَّه لم يكن عنده مال، فردَّه ردًّا حسنًا؛ عَملاً بقوله تعالى: ï´؟قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًىï´¾ [البقرة:263]، أو أنَّه أرشده إليه إشارةً إلى أنَّ الأولى والأصلح له أن يستعين بالله على أدائها، ولا يتَّكل على غيره، وهذا أحسن، وينصره قوله: «وَأَغْنِنِي بفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ»(11)، أضفْ إلى ذلك أنَّ المسؤول هو أمير المؤمنين، فيمكن أن يعينه من بيت المال؛ لكنَّه رضي الله عنه أرشده إلى الأفضل والأولى، كما أنَّه أراد أن يعلِّمه هذا الدُّعاء حرصًا منه على تبليغ حديث رسول الله ح، ونفعه به.

(1) «التَّقريب» (1/472).

(2) «تهذيب التهذيب» (2/486)، وانظر «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (1/474).

(3) «الجرح والتعديل» (5/212).

(4) «تهذيب التهذيب» (2/487).

(5) «تهذيب التهذيب» (2/142).

(6) «النهاية في غريب الحديث» (4/253).

(7) «القاموس المحيط» (1349).

(8) وفي نسخةٍ للتِّرمذي: «ثَبِير»، وأظنُّه تصحيفًا؛ لأنَّه لا أصل له في شيء من المصادر السَّالفة الذِّكر.

(9) «النهاية في غريب الحديث» (3/9)، «فيض القدير» (3/143).

(10) «الشرح الممتع» لابن عثيمين (2/87).

(11) انظر «تحفة الأحوذي» للمباركفوري (10/9).
هنا

يُؤخذ من هذا الحديث فوائدُ عظيمة، وأصولٌ جليلة:

*فوائد الحديث*
يؤخذ من هذا الحديث فوائد عظيمة، وأصول جليلة:

الفائدة الاولى:
التوكل على الله حقًّا، والاستعانة به صدقًا على قضاء الدَّين والوفاء به، قال الله تعالى: "
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا " [سورة الطلاق:2]، قال قتادة: "من حيث لا يرجو ولا يُؤَمِّل" [تفسير الطبري 46/23].
وقال تعالى:"
وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا " الطلاق: 4هنا
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "

- "لو أنَّكم كنتُم توَكلونَ علَى اللهِ حقَّ توَكلِه لرزقتُم كما يرزقُ الطَّيرُ تغدو خماصًا وتروحُ بطانًا"

الراوي: عمر بن الخطاب المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2344 - خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

فالتوكل على الله عز وجل من أعظم الأسباب التي يُستجلب بها الرزق ويُتوسل بها لقضاء الدَّين، قال بعض السلف: "بحسبك من التوسل إليه أن يعلم من قلبك حُسن توكُّلك عليه، فكم من عبدٍ من عباده قد فوَّض إليه أمره فكفاه منه ما أهمَّه، ثم قرأ: " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ " [جامع العلوم والحكم 407/2]، ثم لابد مع التوكل من السعي الصادق، والعمل بالأسباب المشروعة، واتخاذ التدابير اللازمة، وطرح الكسل والبطالة.
ومن أخلصَ في نيته وتوكله، وصدق في سعيه وهمَّته أدَّى عنه ربُّه وقُضي دَيْنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
مَن ادَّانَ أموالَ النَّاسِ يريدُ أداءَها أدَّى اللهُ عنهُ ومَن أخذَها يريدُ إتلافَها أتلفَهُ اللهُ"
الراوي: أبو هريرة المحدث:الألباني - المصدر: غاية المرام - الصفحة أو الرقم: 352 - خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

الفائدة الثانية:
التوجه إلى الله تعالى وإنزال الحوائج به، ففضله عظيم، ورزقه كريم، قال الله تعالى: "
وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا " [سورة النساء:32]هنا، وقال "فَإِذَافَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ " [سورة الشرح: 7،8]، أي ارغب إليه وحده ولا ترغب إلى غيره، وجاء في وصيَّته صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ "
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2516- خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

"، أي اسأله ولا تسأل أحدًا سواه، "لأن السُؤال فيه إظهار الذُّلِّ من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار، وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول على رفع هذا الضّرّ ونيل المطلوب وجلب المنافع ودر المضارّ، ولا يصلح الذُّلُّ والافتقار إلا لله وحده، لأنه حقيقة العبادة" [قاله ابن رجب في جامع العلوم 395/1].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "

"مَن نزلتْ به فاقةٌ فأنزلَها بالناسِ ؛ لم تُسَدَّ فاقتُه ، ومَن نزلتْ به فاقةٌ فأنزلَها باللهِ ؛ فيُوشِكُ اللهُ له بِرزقٍ عاجلٍ أو آجلٍ ".
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 1637 - خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

فعلى المدين أن يُوطِّن نفسه على سؤال ربِّه والرَّغبة في فضله، ويَدَعَ سؤال العبد الضعيف الذي إذا أعطى منَّ، وإذا أحسن استعبد، إلا من رحم الله تعالى.
قال عطاء: جاءني طاووس رحمه الله فقال لي: "يا عطاء، إيَّاك أن ترفع حوائجك إلى من أغلق دونك بابه، وجعل دونك حجابًا، وعليك بطلب حوائجك إلى من بابُه مفتوح لك إلى يوم القيامة طلب منك أن تدعوَه، ووعدك بالإجابة" [حلية الأولياء 11/4].
ومن أصبح وأمسى لا يرجو إلا ربَّه ولا يرغب إلا فيما عنده كان غنيًّا قنوعًا، وعاش سعيدا عزيزا.

الفائدة الثالثة:
فضيلة هذا الدعاء وأهميته في قضاء الدَّين، فالداعي يدعو ربه الرزاق ذا القوة المتين ان يزقه الكفاية من الحلال، والاستغناء بفضله عمَّن سواه.
فمن حرص على هذا الدعاء وواظب عليه محقِّقًا شروط الإجابة مجتنبا موانعها، كفاه الله وأغناه وأدَّى عنه وأعانه، مهما عَظُمَ ذلك الدَّين، فخزائنه عز وجل لا تنفد، ورزقه لا ينقص، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "
- إنَّ يمينَ اللهِ مَلْآَى ، لا يُغيضُها نفقةٌ ، سَحَّاءُ اللَّيلَ و النهارَ ، أرأيتُم ما أنفق منذ خلقَ السمواتِ و الأرضَ ؟ فإنه لم يُغَضْ مما في يمينِه ، و عرشُه على الماء ، و بيده الأخرى القبضُ ، يرفعُ و يخفِضُ"
الراوي: أبو هريرة المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 2277 - خلاصة حكم المحدث: صحيح
ومن رزقه الله من فضله لم يحتج إلى غيره.... اهـ.

ـ الفائدةالرَّابعة:
فضيلة الحلال الطَّيِّب ورذالة الحرام الخبيث، إذ أنَّ البركة والخير في الأوَّل ولو كان قليلاً، والمحقُ والشَّرُّ في الثَّاني ولو كان كثيرًا، قال الله تعالى: ﴿قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾ [المائدة:100].
«والصَّحيح أنَّ اللَّفظ عامٌّ في جميع الأمور، يتصوَّر في المكاسب، والأعمال، والنَّاس، والمعارف من العلوم وغيرها؛ فالخبيث من هذا كلِّه لا يفلح ولا ينجب، ولا تحسن له عاقبة وإن كثر، والطَّيِّب وإن قلَّ نافعٌ جميلُ العاقبة»(21).
وقال تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276].
المحقُ هو الذَّهاب والنَّقص ورفع البركة، ويُربي هنا الزيادة والنَّماء والبركة، فالله عزوجل: «يمحق مكاسب المُرَابِين، ويُرْبي صدقات المنفقين، عكس ما يتبادر لأذهان كثير من الخلق؛ أنَّ الإنفاق ينقص المال وأنَّ الرِّبا يزيده، فإنَّ مادَّة الرِّزق وحصول ثمراته من الله تعالى، وما عند الله لا ينال إلاَّ بطاعته وامتثال أمره، فالمتجرِّئ على الرِّبا، يعاقبه بنقيض مقصوده، وهذا مشاهد بالتَّجرِبَة: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلا﴾ [النساء:122](22)»، فعلى العبد أن يسعى لكسب الحلال الطَّيِّب، ويرضى بما قسم الله له منه، ولا يغترَّ بكثرة الخبيث، فإنَّ عاقبته إلى قُلٍّ.
ـالفائدةالخامسة:
ينبغي للعالم والمفتي والنَّاصح إرشادُ النَّاس إلى اللُّجوء إلى الله والفرار إليه والاعتصام به وتوحيده ودعائه، والرَّغبة فيما عنده، وقطع تعلُّقهم بالعباد وسؤالهم واستشرافهم لأموالهم، وهذا الَّذي فعله أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه حيث أرشد السَّائل إلى أفضل ممَّا طلب، ودلَّه على خير ممَّا سأل، أرشده إلى التَّوجُّه إلى الله عزوجل وسؤاله الكفاية والغنى من فضله.
ومثل هذا؛ حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أَنَّهُ شَكَا إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعًا يَجِدُهُ في جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ باسْمِ اللهِ ثَلاَثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ باللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ»(23).
علَّمه هذا الدُّعاء وأرشده إلى التَّوجُّه إلى ربِّ الأرض والسَّماء الَّذي يكشف الضُّرَّ، ويشفي، وهو الشَّافي لا شفاء إلاَّ شفاؤه، شفاءً لا يغادر سَقَمًا، فقال ذلك؛ فشفاه الله وعافاه، جاء في رواية «الموطَّأ» لهذا الحديث (1686): «فَقُلْتُ ذَلِكَ؛ فَأَذْهَبَ اللهُ مَا كَانَ بي، فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بهَا أَهْلِي وَغَيْرَهُمْ».
وقد عَمِي عن هذا أولئك الرُّقاة المرتزقة ـ فضلاً عن غيرهم من المشعوذين ـ الَّذين لا همَّ لهم إلاَّ الاستحواذ على النَّاس واستغلال جهلهم وابتزاز أموالهم، فيفرحون بمجيئهم إليهم واكتظاظ محلاَّتهم بهم، والله المستعان على ما يفعلون.
ـ الفائدةالسَّادسة:
ينبغي للمفتي والمعلِّم تذكير المتعلِّم أنَّه يريد نفعه وتعليمه وإيصال الخير إليه ويعرض عليه ذلك ابتداءً ليكون أوقع في نفسه فيشتدَّ تشوُّقه إليه وتُقبل نفسه عليه، فهو مقدِّمة استرعى بها نفسه لتفهيم ما يسمع ويقع منه بموقع»(24)، فالمكاتب لمَّا طلب الإعانة قال له عليٌّ رضي الله عنه: «ألا أعلِّمك كلمات»، فتأمَّل كيف عرض عليه أن يعلِّمه تلك الكلمات المباركات لعلَّ الله ينفعه بها، وهذه طريقة نافعة جدًّا في التَّعليم والدَّعوة إلى الله تعالى.
وقريب من هذا قول الله عزوجل لنبيِّه موسى ؛: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى﴾ [النازعات: 17- 19]، أتى بـ «هل» الدَّالَّة على العرض والمشاورة الَّتي لا يشمئزُّ منها أحد»(25).
وفي السُّنَّة الشَّريفة شيءٌ كثير من هذا، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح كلامه بقوله: «أَلاَأُخْبرُكُمْ»، «أَلاَأَدُلُّكُمْ»، «أَلاَأُنَبِّئُكُمْ»(26)، لإثارة انتباههم، وتشويقهم لكلامه، حتَّى تُقْبِلَ عليه نفوسهم وتعيه قلوبهم.
والله الموفِّق، لا إله إلاَّ هو، ولا ربَّ سواه، والحمد لله ربِّ العالمين.

(12) «تفسير الطبري» (23/46).

(13) رواه أحمد (1/30) والتِّرمذي (2344)، وقال: «هذا حديث حسن صحيح»، وصحَّحه الألباني في «صحيح الجامع» (5254).

(14) «جامع العلوم والحكم» (2/407).

(15) رواه أحمد (2/361)، والبخاري (2387).

(16) قاله ابن رجب في «جامع العلوم» (1/395).

(17) رواه الترمذي (2326)، وقال: «هذا حديث حسن صحيح غريب»، وصحَّحه الألباني في «صحيح الجامع» (6566).

(18) «حلية الأولياء» (4/11).

(19) «حلية الأولياء» (9/233).

(20) رواه البخاري (7419) ومسلم (993).

(21) قاله القرطبي في «تفسيره» (6/327).

(22) قاله السَّعدي، ملحق تفسيره (959).

(23) أخرجه مسلم (2202).

(24) قاله المناوي في «فيض القدير» (3/143 ـ 144).

(25) «تفسير السعدي» (506).

(26) افتح «صحيح الجامع الصغير» للعلامة الألباني : على هذه الحروف تجد كنزًا عظيما.

* منقول من (مجلة الإصلاح العدد 19)




منقول بتصرف

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 02-03-2014 الساعة 02:30 AM
رد مع اقتباس