عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 10-25-2010, 10:26 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016
اقتباس:
"......وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"
في قوله تعالى





البقرة 258



قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية




بل يبقيهم على كفرهم وضلالهم، وهم الذين اختاروا لأنفسهم ذلك، وإلا فلو كان قصدهم الحق والهداية لهداهم إليه ويسر لهم أسباب الوصول إليه،


وتمام الآية وشرحها

يقول تعالى: { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } أي: إلى جرائته وتجاهله وعناده ومحاجته فيما لا يقبل التشكيك، وما حمله على ذلك إلا { أن آتاه الله الملك } فطغى وبغى ورأى نفسه مترئسًا على رعيته، فحمله ذلك على أن حاج إبراهيم في ربوبية الله فزعم أنه يفعل كما يفعل الله، فقال إبراهيم { ربي الذي يحيي ويميت } أي: هو المنفرد بأنواع التصرف، وخص منه الإحياء والإماتة لكونهما أعظم أنواع التدابير، ولأن الإحياء مبدأ الحياة الدنيا والإماتة مبدأ ما يكون في الآخرة، فقال ذلك المحاج: { أنا أحيي وأميت } ولم يقل أنا الذي أحيي وأميت، لأنه لم يدَّع الاستقلال بالتصرف، وإنما زعم أنه يفعل كفعل الله ويصنع صنعه، فزعم أنه يقتل شخصًا فيكون قد أماته، ويستبقي شخصًا فيكون قد أحياه، فلما رآه إبراهيم يغالط في مجادلته ويتكلم بشيء لا يصلح أن يكون شُبْهَة فضلاً عن كونه حجة، اطَّـرد معه في الدليل فقال إبراهيم: { فإن الله يأتي بالشمس من المشرق } أي: عيانًا يقر به كل أحد حتى ذلك الكافر { فأتِِ بها من المغرب } وهذا إلزام له بطرد دليله إن كان صادقـًا في دعواه، فلما قال له أمرًا لا قوة له في ُشبْهِة تشوش دليله، ولا قادحًا يقدح في سبيله { بُهت الذي كفر } أي: تحير فلم يرجع إليه جوابًا وانقطعت حُجته وسقطت شبهته، وهذه حالة المبطل المعاند الذي يريد أن يقاوم الحق ويغالبه، فإنه مغلوب مقهور، فلذلك قال تعالى: { والله لا يهدي القوم الظالمين } بل يبقيهم على كفرهم وضلالهم، وهم الذين اختاروا لأنفسهم ذلك، وإلا فلو كان قصدهم الحق والهداية لهداهم إليه ويسر لهم أسباب الوصول إليه، ففي هذه الآية برهان قاطع على تفرد الرب بالخلق والتدبير، ويلزم من ذلك أن يفرد بالعبادة والإنابة والتوكل عليه في جميع الأحوال

* قال ابن القيم رحمه الله: وفي هذه المناظرة نكتة لطيفة جدا، وهي أن شرك العالم إنما هو مستند إلى عبادة الكواكب والقبور، ثم صورت الأصنام على صورها، فتضمن الدليلان اللذان استدل بهما إبراهيم إبطال إلهية تلك جملة بأن الله وحده هو الذي يحيي ويميت، ولا يصلح الحي الذي يموت للإلهية لا في حال حياته ولا بعد موته، فإن له ربًا قادرًا قاهرًا متصرفـًا فيه إحياء وإماتة، ومن كان كذلك فكيف يكون إلها حتى ُيتـَّخَـذ الصنم على صورته، ويعبد من دونه، وكذلك الكواكب أظهرها وأكبرها للحس هذه الشمس وهي مربوبة مدبرة مسخرة، لا تصرف لها بنفسها بوجه ما، بل ربها وخالقها سبحانه يأتي بها من مشرقها فتنقاد لأمره ومشيئته، فهي مربوبة مسخرة مدبرة، لا إله يعبد من دون الله



{ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } والمطلق يحمل على المقيد, فإن الهداية والضلال, لهما أسباب أوجبتها حكمة الله وعدله, وقد أخبر في غير موضع من كتابه بأسباب الهداية, التي إذا أتى بها العبد حصل له الهدى كما قال تعالى:
{ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ }
ذكر في هذه الآية السبب الموجب لهداية هذه
الأمة مطلقا بجميع أنواع الهداية,
تفسير السعدي
البقرة آية رقم: 142