عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 02-08-2019, 06:48 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016
Haedphone

" وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ " الطارق : 11 .
ثُمَّ أَقْسَمَ قِسْمًا ثَانِيًا عَلَى صِحَّةِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ أَيْ: تَرْجِعُ السَّمَاءُ بِالْمَطَرِ كُلَّ عَامٍ.

وَافْتَتَحَ الْكَلَامَ بِالْقَسَمِ تَحْقِيقًا لِصِدْقِ الْقُرْآنِ فِي الْإِخْبَارِ بِالْبَعْثِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْهُدَى ، وَلِذَلِكَ أُعِيدَ الْقَسَمُ بِـ " السَّمَاءِ "كَمَا أَقْسَمَ بِهَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ ، وَذَكَرَ مِنْ أَحْوَالِ السَّمَاءِ مَا لَهُ مُنَاسَبَةٌ بِالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْغَيْثُ الَّذِي بِهِ صَلَاحُ النَّاسِ ، فَإِنَّ إِصْلَاحَ الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ كَإِصْلَاحِ الْمَطَرِ - للأرض-. وَفِي الْحَدِيثِ " مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا" الْحَدِيثَ .صحيح البخاري .
وَفِي اسْمِ الرَّجْعِ مُنَاسَبَةٌ لِمَعْنَى الْبَعْثِ فِي قَوْلِهِ " إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ" وَفِيهِ مُحَسِّنُ الْجِنَاسِ التَّامِّ وَفِي مُسَمَّى الرَّجْعِ وَهُوَ الْمَطَرُ الْمُعَاقِبُ لِمَطَرٍ آخَرَ مُنَاسَبَةً لِمَعْنَى الرَّجْعِ الْبَعْثِ ، فَإِنَّ الْبَعْثَ حَيَاةٌ مُعَاقَبَةٌ بِحَيَاةٍ سَابِقَةٍ .
وَعُطِفَ الْأَرْضُ فِي الْقَسَمِ ; لِأَنَّ بِذِكْرِ الْأَرْضِ إِتْمَامَ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْمُقْسَمِ وَالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ كَمَا عَلِمْتَ مِنَ الْمَثَلِ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ .

" وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ " الطارق :12.

وَالصَّدْعُ : الشَّقُّ ، وَهُوَ الْمَصْدَرُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ ، أَيِ : الْمَصْدُوعِ عَنْهُ ، وَهُوَ النَّبَاتُ الَّذِي يُخْرَجُ مِنْ شُقُوقِ الْأَرْضِ، قَالَ تَعَالَى " أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا"عبس 26،25
وَلِأَنَّ فِي هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ إِيمَاءً إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ مِنْ دَلَائِلَ إِحْيَاءِ النَّاسِ لِلْبَعْثِ ، فَكَانَ فِي هَذَا الْقَسَمِ دَلِيلَانِ .
وَتَنْصَدِعُ الْأَرْضُ لِلنَّبَاتِ، فَيَعِيشُ بِذَلِكَ الْآدَمِيُّونَ وَالْبَهَائِمُ، وَتَرْجِعُ السَّمَاءُ أَيْضًا بِالْأَقْدَارِ وَالشُّؤُونِ الْإِلَهِيَّةِ كُلَّ وَقْتٍ، وَتَنْصَدِعُ الْأَرْضُ عَنِ الْأَمْوَاتِ، إِنَّهُ أَيِ: الْقُرْآنُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ أَيْ: حَقٌّ وَصِدْقٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ.

" إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ "الطارق :13.
أَيْ أَنَّ الْقُرْآنَ لَقَوْلٌ يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ بِالْبَيَانِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
وَالْفَصْلُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّفْرِقَةِ ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، أَيْ : يُبَيِّنُ الْحَقَّ وَيُبْطِلُ الْبَاطِلَ ، وَالْإِخْبَارُ بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ ، أَيْ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَاصِلٌ .

"وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ"
الطارق :14.
أَيْ لَيْسَ الْقُرْآنُ بِالْبَاطِلِ وَاللَّعِبِ، أَيْ لَمْ يَنْزِلْ بِاللَّعِبِ ،فَهُوَ جَدٌّ لَيْسَ بِالْهَزْلِ - وَالْهَزْلُ ضِدُّ الْجِدِّ-، وَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي يَفْصِلُ بَيْنَ الطَّوَائِفِ وَالْمَقَالَاتِ، وَتَنْفَصِلُ بِهِ الْخُصُومَاتُ.

"إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا "الطارق:15.إِنَّهُمْ أَيِ: الْمُكَذِّبِينَ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِلْقُرْآنِ يَكِيدُونَ كَيْدًا لِيَدْفَعُوا بِكَيْدِهِمِ الْحَقَّ، وَيُؤَيِّدُوا الْبَاطِلَ، و يَمْكُرُونَ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ مَكْرًا .

"وَأَكِيدُ كَيْدًا"
الطارق:16. لِإِظْهَارِ الْحَقِّ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، وَلِدَفْعِ مَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْبَاطِلِ، وَيُعْلَمَ بِهَذَا مَنِ الْغَالِبُ، فَإِنَّ الْآدَمِيَّ أَضْعَفُ وَأَحْقَرُ مِنْ أَنْ يُغَالِبَ الْقَوِيَّ الْعَلِيمَ فِي كَيْدِهِ. تفسير السعدي .

الْكَيْدُ صفةٌ فعلِيَّةٌ خبريَّةٌ ثابتة لله عزَّ وجلَّ بالكتاب، ولا يوصف به إلا مُقَيَّدًا في مقابلة كَيْدِ المخلوق.الموسوعة العقدية/الدرر السنية.

وَقيل الْكَيْدُ : إِخْفَاءُ قَصْدِ الضُّرِّ وَإِظْهَارُ خِلَافِهِ ، فَكَيْدُهُمْ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ . وَأَمَّا الْكَيْدُ الْمُسْنَدُ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِمْهَالِ مَعَ إِرَادَةِ الِانْتِقَامِ عِنْدَ وُجُودِ مَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ مِنْ إِنْزَالِهِ بِهِمْ وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ ، شُبِّهَتْ هَيْئَةُ إِمْهَالِهِمْ وَتَرْكِهِمْ مَعَ تَقْدِيرِ إِنْزَالِ الْعِقَابِ بِهِمْ بِهَيْئَةِ الْكَائِدِ يُخْفِي إِنْزَالَ ضُرِّهِ وَيُظْهِرُ أَنَّهُ لَا يُرِيدُهُ وَحَسَّنَهَا مُحَسِّنُ الْمُشَاكَلَةِ . تفسير التحرير والتنوير -

"فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا"
الطارق:17.
مَهِّلْ وَأَمْهِلْ : أَنْظِرْ وَلَا تَعْجَلْ . تفسير البغوي .

أَيِ انْتَظِرْ عُقُوبَتَهُمْ وَلَا تَسْتَعْجِلْ ذَلِكَ ثُمَّ أَكَّدَ أَمْرَهُ فَقَالَ : " أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا " أَيْ إِمْهَالًا ، لَمَّا كَرَّرَ الْأَمْرَ تَوْكِيدًا خَالَفَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ ، عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ مُطْلَقٌ ، وَهَذَا الثَّانِيَ مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ" رُوَيْدًا " وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ" مَهِّلْهُمْ " بِفَتْحِ الْمِيمِ وَشَدِّ الْهَاءِ مُوَافَقَةً لِلَفْظِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ . التفسير الكبير المسمى البحر المحيط .
أَيْ: قَلِيلًا فَسَيَعْلَمُونَ عَاقِبَةَ أَمْرِهِمْ، حِينَ يَنْزِلُ بِهِمِ الْعِقَابُ.
تَمَّ تَفْسِيرُهَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
تفسير السعدي .
رد مع اقتباس