عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 10-29-2012, 05:05 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016
المبحث الأول
أوقاتنا أعمارُنا
===============

ما نحن إلا أنفاس إذا مر نَفَس مر بعضنا ، وإذا مرت لحظة فقدنا جزءًا من رأس مالنا .
فالموفق هو الذي يُسابق اللحظات ، ويغتنم الأوقات ، ولا يدع لحظة من عمره تمر إلا أودع فيها عبادة أو أكثر وجدد فيها إيمانه .

فالوقت أو الزمن كالمال كلاهما يجب الحرص عليه والاقتصاد في إنفاقه وتدبير أمره . وإن كان المال يمكن جمعه وادخاره بل وتنميته فإن الزمن عكس ذلك فكل دقيقة ولحظة ذهبت لن تعود إليك أبدًا ولو أنفقت أموال الدنيا أجمع .

وإذا كان الزمن مقدرًا بأجل معين وعُمْر محدد لا يمكن أن يقدم أو يؤخر ، وكانت قيمته في حسن إنفاقه ، وجب على كل إنسان أن يحافظ عليه ويستعمله أحسن استعمال ، ولا يفرط في شيء منه قل أو كثر .

* عن ابن مسعود ، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس ، عن عُمُرِهِ فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاهُ ، ومالِه من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وماذا عَمِلَ فيما علِمَ " .
سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 35 ) ـ كتاب : صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ / ( 1 ) ـ باب : في القيامة / حديث رقم : 2416 / ص : 544 / صحيح .


* عن أبي بَرْزَةَ الأسلمي ، قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم" لا تزول قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسْئَلُ عن عُمُرِهِ فيما أفناه ، وعن عمله فيم فعل ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه ، وعن جسمهِ فيم أبلاه " .
سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 35 ) ـ كتاب : صفة القيامة والرقائق والورع ..... / ( 1 ) ـ باب : في القيامة / حديث رقم : 2417 / ص : 545 / صحيح .



ـ فاللبيب الذي يفطن إلى هذا فيجتهد في فعل ما يستغل به أوقاته وقوته ، يجتهد في أن يجعل كل لحظة من لحظاته عبودية يزيد بها إيمانه ، فإن فاته العمل فلا تفوته النية ، حتى لا يكون في هذه اللحظة مغبونًا ، فإن رأس مال العبد صحته وفراغه .

* فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم" نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس : الصحة ، والفراغ " .
صحيح البخاري . متون / ( 81 ) ـ كتاب : الرقاق / ( 1 ) ـ باب : لا عيش إلا عيش الآخرة / حديث رقم : 6412 / ص : 752 .


يعني أن هذين الجنسين من النعم مغبون فيهما كثير من الناس ، أي مغلوب فيهما ، وهما الصحة والفراغ .

فإذا كان الإنسان فارغًا صحيحًا فإنه يغبن كثيرًا في هذا ، لأن كثيرًا من أوقاتنا تضيع بلا فائدة ونحن في صحة وعافية وفراغ ومع ذلك تضيع علينا كثيرًا ، ولكننا لا نعرف هذا الغبن في الدنيا ، إنما يعرف الإنسان الغبن إذا حضره أجله ، وإذا كان يوم القيامة ، ومما يدل على ذلك قول الله تعالى :
" حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ *لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ". سورة المؤمنون / آية : 99 ، 100 .
وقال عز وجل "وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ" .سورة المنافقون / آية : 10 .

الواقع أن هذه الأوقات الكثيرة تذهب علينا سُدَى لا ننتفع منها ، ولا ننفع أحدًا من عباد الله ، ولا نندم على هذا إلا إذا حضر الأجل ؛ يتمنى الإنسان أن يُعْطَى فرصة ولو دقيقة واحدة لأجل أن يستعتب ، ولكن لا يحصل ذلك .

ثم إن الإنسان قد لا تفوته هذه النعـة ، بل قد لا تفوته هاتان النعمتان : الصحة والفراغ بالموت بل قد تفوته قبل أن يموت ، قد يمرض ويعجز عن القيام بما أوجب الله عليه ، قد يمرض ويكون ضيق الصدر لا ينشرح صدره ويتعب ، وقد ينشغل بإيجاد النفقة له ولعياله حتى تفوته كثير من الطاعات .

ولهذا ينبغي للإنسان العاقل أن ينتهز فرصة الصحة والفراغ بطاعة الله عز وجل بقدر ما يستطيع .

شرح رياض الصالحين / للشيخ العثيمين / ج : 1 / ( 11 ) ـ باب : المجاهدة / شرح حديث رقم : ( 3 / 97 ) / ص : 451 .

ـ وقد كان السلف ـ رضي الله عنهم ـ أحرص ما يكونون على أوقاتهم لأنهم كانوا أعرف الناس بقيمتها . وكانوا يحرصون كل الحرص على ألاَّ يمر يوم أو بعض يوم أو بُرهة من الزمان وإن قَصُرَت دون أن يتزودوا منها بعلم نافع أو عمل صالح أو مجاهدة للنفس أو إسداء نفع للغير حتى لا تتسرب الأعمار سُدى وتضيع هَباء وتذهب جُفاءً وهم لا يشعرون .
قال الشاعرُ :
إذا مر بي يوم ولم أقتبس هدى *ولم أستفد علمًا فما ذاك من عمري .
رسالة اقتربت الساعة / محمود المصري / بتصرف . ا . هـ .
* عن ابن عباس قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " اغتنم خمسًا قبل خمسٍ : حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك " .
رواه الحاكم والبيهقي عن ابن عباس ـ وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع ..... / الهجائي / ج : 1 / حديث رقم : 1077 / ص : 244 .

* عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو تعلمون ما أعلمُ ، لبكيتم كثيرًا ، ولضحكتم قليلاً ، ولخرجتم إلى الصُّعدات ؛ تجأرون إلى الله تعالى ..... " .
أخرجه الحاكم ..... وحسنه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع الصغير وزيادته /الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 5262 / ص : 933 .
* عن عبد الله بن عمرو ، قال : مَرَّ بي رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وأنا أُطَيِّنُ حائطًا لي ! أنا ، وأمي ، فقال " ما هذا يا عبد الله " ؟ فقلتُ : يا رسول الله أُصلحه ، فقال : " الأمرُ أسْرَعُ مِنْ ذاكَ " .
سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ / ( 35 ) ـ أول كتاب الأدب /( 172 ) ـ باب : [ ما جاء ] في البناء / حديث رقم : 5235 / ص : 946 / صحيح .
* عن الأعمش قال : مَرَّ عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن نعالج خُصًا لنا وَهَى ، فقال " ما هذا " ؟ .
فقلنا : خصٌّ لنا وَهَى فنحن نُصْلِحه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أرى الأمرَ إلاَّ أعجل من ذلك "
سنن أبي داود / ( 35 ) ـ أول كتاب الأدب / ( 172 ) ـ باب : [ ما جاء ] في البناء /حديث رقم : 5236 / ص : 946 / صحيح .
ما يقصد صلوات الله وسلامه عليه ، أنْ يمنعهم من إصلاح ذلك الخص - البيـت - ، ولكن يقصد يذكرهم بأن الآخرة هي المتاع ، وبأن الموتَ آتٍ لا مَحالة ، وبأن العاقل اللبيب هو الذي يصلحُ هنالِك قبل أن يهتم بإصلاح هذا الفاني .
ولاشك أن نصيحتَهُ أيضًا تتضمنُ عدم الانشغال الزائد بالدنيا ، الذي يُلْهِي المؤمن ، ويجعل الدنيا في النهاية كأنها الهدف وكأنها الغاية ، وكأنها هي المقصودة المُرَادة . " إن الأمرَ أعجلُ من ذلك " ---> يعني إن الموت آتٍ لا مَحَالة ، ولابد أن تستعدوا للقاء الله عز وجل ، أي لا تبالِغُوا في إصلاح دنياكم ، ولا تُبالِغُوا في الاهتمام بها ، كما هو الحالُ الآن ، الناسُ يهتمون بالدنيا اهتمامًا مُبَالَغًا فيه . الدنيا عند المؤمن لابد أن تكون بِقَدَر ، ولابد فعلًا أنْ تكون وسيلة ، وإذا كانت وسيلة قطعًا لن يهتم المؤمن بالمظاهر الكاذبة ، وبالأُمور التي يُقصَدُ بها التفاخر والتباهِي ، المؤمن سيكون فعلًا قَصْدُهُ أن يستعينَ بها على حَسَنَة ، هذا قدر الدنيا عنده ، أنها توصله ، هي مَعْبَر ، هي جِسر ، فلن يهتم المؤمنُ بها في هذه الحالة إلا ما يُعين منها على طاعة اللهِ عز وجل . فقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " إن الأمر أعجل من ذلك " ---> أي لا تُبَالِغُوا في الاهتمام بأموركم الدنيوية . وفي الحديث الصحيح أيضًا : " ما قلَّ وكفَى خيرٌ مما كَثُرَ وألْهَى " .
مسند أبي يعلي ، عن أبي سعيد . وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته / ج : 2 /حديث رقم : 5653 / ص : 987 . [ السلسلة الصحيحة تحت رقم : 945 ] .
هذا الحديث واضح الدلالة في أن الإنسان كلما كَثُرَ انشغاله بالدنيا كلما كانت سببًا في إلهائه وانشغاله .

أشرطة شرح رياض الصالحين .
ـ لا عيش إلا عيش الآخرة :
* ..... قال : حدثنا سهل بن سعد الساعديُّ كنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الخندق وهو يحفر ونحن ننقُلُ التراب ويمرُّ بنا فقال " اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة " .
صحيح البخاري . متون / ( 81 ) ـ كتاب : الرقاق / ( 1 ) ـ باب : لا عيش إلا عيش الآخرة / حديث رقم : 6414 / ص : 752 .
ـ ملعونة الدنيا :
..... قال سمعتُ أبا هريرة يقول : سمعتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول :
" ألا إن الدنيا ملعونة (1) ، ملعونٌ ما فيها ، إلا ذكرُ الله وما والاه (2) وعالمٌ أو متعلم " .
سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ / ( 33 ) ـ كتاب : الشهادات عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ / ( 14 )ـ باب منه / حديث رقم : 2322 / ص : 525 / حديث حسن .
( 1 ) ملعونة : أي مبغوضة .
( 2 ) وما والاه : أي قاربه من الطاعة الموصلة لمرضات الله .
ولا يُفهم من هذا الحديث سب الدنيا مطلقًا ولعنها ، بل الملعون ـ المبغوض ـ منها ما يبعد عن الله تعالى ويُشغل عنه .
ـ عن البراء قال : كنا مع رسول الله في جنازة فجلسَ على شفيرِ القبرِ فبكى حتى بلَّ الثرى ، ثم قال " يا إخواني لمثل هذا فأعدُّوا " .
سنن ابن ماجه / [ المجلد الواحد ] / ( 37 ) ـ كتاب : الزهد / ( 19 ) ـ باب : الحزن والبكاء /حديث رقم : 4195 / ص : 696 . حسن .
فلنُعِد أنفسنا لذلك اليوم العصيب ، الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون ، وكل منا آتيه وحده ، نسأل الله الثبات على الحق.




التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 11-23-2018 الساعة 08:22 AM