عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 08-28-2010, 06:43 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,031

النسمة الثانية



بعض القواعد الفقهية التي تعين

في حل بعض المواقف الشرعية


الأجر والثواب على قدر المشقة


في طريق العبادة


هـٰذه قاعدة مهمة، وهي مسألة المشقة في العبادة.
فالمشقة نوعان:
مشقة نفاها الشارع عن التشريع،
ومشقة ملازمة للعبادة


مشقة نفاها الشارع عن التشريع، وذلك في مثل
قوله تعالىٰ:


{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى
لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ
الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ
أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ
وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
البقرة185


وهـٰذا وصف لكل ما جاء في
هـٰذه الشريعة المطهرة أنه


يسر، ولا يلزم من اليسر أن لا يكون فيه تكليف

للنفس؛ لأنه إذا لم يكن تكليف للنفس،
فالحقيقة ينتفي التعبد؛
لأن مقتضى العبادة تكليف ما فيه مشقة.


س: ما هي المشقة المنفية عن الشريعة؟
المشقة المنفية عن الشريعة هي تكليف ما يعسر،


أو ما لا تعلم عاقبته الحميدة،

أما أن يكلف الإنسان ما يشق عليه

من العبادات، فهـٰذا كثير، فالصوم

مثلاً فيه مشقة،لا سيما في أيام الصيف وشدة

الحر؛ لكن هـٰذه المشقة ليست من أصل العبادة؛

يعني لم يشرع الصيام لأجل هـٰذه المشقة،

لتحصيل هـٰذه المشقة.
ولذلك لو أن إنساناً قال: أنا سأخرج وأقف في
الشمس حتى يعظم أجري في صيامي،
هل نقول له: أنت الآن زاد
أجرك بهذه المشقة؟ الجواب: لا، لم يزد
أجره بهذه المشقة.
فالمشقة التي يجري عليها الثواب ويحصَّل بها الأجر
هي المشقة المترتبة على العبادة ذاتها،
لا على أمر خارج عنها.
فالأجر في المشقة هو في المشقة التي تكون من ذات
العبادة، لا بأمر يطلبه الإنسان.
*ولذلك لو أن شخصاً فتح المكيِّف في نهار صيام
يتبرد ويخفف من وطأة الحر عليه،


هل ينقص أجره بذلك؟
الجواب: لا، لا ينقص أجره، لكن إذا لم يكن عنده
وسائل تكييف وجاء الصوم في يوم حار، وكلفه ذلك
وشق عليه هل يؤجر على هـٰذه المشقة؟ نعم يؤجر؛
لكن لو قال: أنا سأغلق المكيفات وأغلق المراوح في يوم
شديد الحر حتى يعظم أجري، هل يحصل له الأجر؟
الجواب: لا ، لم تأت الشريعة بمثل هـٰذا.
*إذاً المشقة التي يترتب عليها الثواب


هي المشقة الناتجة عن ذات العبادة بلا طلب من
الإنسان وتكلف
فكلما عظمت مشقة الصبر في فعل


الطاعات، وفي ترك المحرمات لقوة

الداعي إليها، وفي الصبر على المصيبات

لشدة وقعها، كان الأجر أعظم والثواب أكثر.

وقال تعالى في بيان لطفه في تسهيل

العبادة الشاقة:

﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ

عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ

وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ

وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ

الأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ

أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي

فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرَّعْبَ﴾
سورة : الأنفال (11-12).


فذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى منتين في

هـٰذه الآية على عباده المؤمنين في

على كثرة عدد الكفار وعدتهم وقلة

المؤمنين وضعف حالهم؛ لكن الله جل

وعلا ينصر من ينصره، فمنّ عليهم

بمنتين ذكِرتا في هـٰذه الآية:

﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ

فنزل عليهم النعاس، وهـٰذا النعاس

لا يكون في الغالب من الخائف؛ لأن

الخائف وجل يترقب فزع القلب، فكيف

يدب إليه نوم أو تسكن له عين؟ لا يكون

هـٰذا إلا ممن اطمأن قلبه وسكن فؤاده،


فقرت عينه فحصل منه النعاس، هـٰذه منة.


الثانية ما ذكره الله جل وعلا في قوله: ﴿وَيُنَزِّلُ
عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ
عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ﴾.


فذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إنزال هـٰذا الماء

ليحصل لهم به الطهارة، ولتصلب الأرض التي

يقفون عليها في مواجهة العدو، وهـٰذه منة

إلهية وتسهيل من رب العالمين .

ثم هناك أمرثالث
وهو أمر لا يدرك بالنظر، إنما يدرك
بالخبر ويدرك أثره في الواقع، وهو قوله تعالىٰ:
﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ
فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا

فجمع الله لهم من المثبتات الحسية والمثبتات

المعنوية ما كتب الله لهم به النصر والظفر

مع شدة المشقة، وعظم الخطب.


المصدر قطوف بتصرف من كتاب
شرح
القواعد الحسان


للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي

لفضيلة الشيخ
خالد بن عبد الله المصلح
القاعدة الثالثة والخمسون





رد مع اقتباس