عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-02-2013, 07:57 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023

دورة شرح القواعد الفقهية


المجلس الثاني
28 جماد أول 1434 هـ

س : هـل يجـوز أن نجعـل القاعـدة الفقهيـة دليـلاً شـرعيًّا يُسـتنبط منـه حكـم شـرعي ؟ !
هنـاك خـلاف فـي وجهـات النظـر بيـن العلمـاء :
ـ ورد بكتـاب : منظومـة القواعـد الفقهيـة ( للسـعدي ) : شـرح / د . خالـد إبراهيـم الصقعبـي :
هنـاك أقـوال لأهــل العلـم وهـي بمجموعهـا تفيــد أنـه لا يسـوغ اعتبــار القواعـد الفقهيـة أدلـة شـرعية لاسـتنباط الأحكـام لسـببين :
الأول : أن هـذه القواعـد ثمـرة للفـروع المختلفـة ، وجامـع ورابـط لهـا وليـس مـن المعقـول أن يُجعـل مـا هـو ثمـرة وجامـع دليـلاً لاسـتنباط أحكـام الفـروع .
الثانــي : أن معظـم هـذه القواعـد لا تخلـو مـن المسـتثنيات ، فقـد تكـون المسـألة المبحـوث عـن حكمهـا مـن المسـائل والفـروع المسـتثناة .
ولذلـك لا يجـوز بنـاء الحكـم علـى أسـاس هـذه القواعـد ، ولكنهـا تعتبـر شـواهد مصاحبـة للأدلـة يسـتأنس بهـا فـي تخريـج الأحكـام للوقائـع الجديـدة قياسًـا علـى المسـائل الفقهيـة المدونـة .
ولكـن هـذا لا يؤخـذ علـى إطلاقـه ، وقـد مـر معنـا أن مـن القواعـد الفقهيـة مـا كـان أصلـه ومصـدره مـن كتـاب الله تعالـى أو مـن سـنة رسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، أو يكـون مبنيًّـا علـى أدلـة واضحـة مـن الكتـاب والسـنة المطهـرة أو مبنيًّـا علـى دليـل شـرعي مـن الأدلـة المعتبـرة عنـد العلمـاء ، أو تكـون القاعـدة مبنيـة علـى الاسـتدلال القياسـي وتعليـل الأحكـام فهـذه أدلـة شـرعية وقواعـد فقهيـة يمكـن الاسـتناد إليهـا فـي اسـتنباط الأحكـام وإصـدار الفتـاوى وإلـزام القضـاء بهـا .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : خالد إبراهيم الصقعبي / ص : 10 .
ـ وقـال الشـيخ : حسـين بـن عبـد العزيـز آل الشـيخ فـي شـرح هـذه المنظومـة :
والأولـى الاسـتدلال بالدليـل المسـتندة إليـه القاعـدة وليـس بالقاعـدة . ا . هـ .
ـ وورد بكتـاب : القواعـد والأصـول الجامعـة والفـروق والتقاسـيم البديعـة النافعـة / تأليـف الشـيخ : عبـد الرحمـن بـن ناصـر السـعدي . تعليـق الشـيخ : محمـد بـن صالـح العثيميـن / ص : 11 :
ذهـب فريـق مـن الباحثيـن إلـى أنـه لا يجـوز جعـل القواعـد الفقهيـة أدلـة للأحكـام الفرعيـة .
واسـتدلوا بنصـوص قليلـة عـن بعـض المتقدميـن ، هـي فـي الواقـع ظنيـة لا قطعيـة ، فـلا يكـاد يصفـو لهـم ذلـك كدليـل مـن نصـوص الأئمـة إلا قليـلاً مـن هـذا القليـل !
وعللـوا ذلـك بأسـباب :
1ـ أن القواعـد ثمـرة للفـروع وجامـع لهـا ؛ وليـس مـن المعقـول أن يجعـل مـا هـو ثمـرة وجامـع دليـلاً لاسـتنباط أحكـام الفـروع .
2ـ معظـم القواعـد لا تخلـو مـن المسـتثنيات .
3 ـ كثيـر مـن القواعـد الفقهيـة اسـتقرائية ، وقـد يكـون اسـتقراءً ناقصًـا .
الـرد علـى عللهـم وأسـبابهم :
ـ الاعتـراض الأول : فالإجابـة عنـه ، أن كـل قواعـد العلـوم بُنيـت علـى فروعهـا ، وأيضًـا فـإن الفـروع التـي نريـد تطبيـق القاعـدة عليهـا ليسـت هـي الفـروع التـي بُنيـت عليهـا القاعـدة ، فـلا دَوْرَ إذن .
ـ الاعتـراض الثانـي : فالإجابـة أنـه لا يسـتدل بهـا إلا العالـم بهـا ، فقـد يكـون الحكـم المسـتثنى منصوصًـا علـى اسـتثنائه فـي كتـب الفـروع أو فـي كتـب الأشـباه والنظائـر ثـم يدرجـه بعضهـم فـي القاعـدة ! فـإن كـان الفـرع جديـدًا فـلا بـأس للماهـر بالقواعـد الاسـتدلال بهـا كـأي اسـتدلال بدليـل ظنـي الثبـوت أو الدلالـة أو بعـام ، والعـام قـد يكـون لـه مُخَصِّـص .
ـ الاعتـراض الثالـث : فالإجابـة أن هنـاك مـن القواعـد مـا ليـس اسـتقرائيًا ، بـل هـي نصـوص شـرعية كمـا قدمنـا ، وأمـا القواعـد الاسـتقرائية فالواقـع يبيـن أنهـا وليـدة عصـور علميـة متتاليـة ، فتمـر القاعـدة بمـن يؤكدهـا ، وبمـن يشـرحها ، وبمـن يسـتثني منهـا ، وبمـن يعتـرض عليهـا ، ممـا يـؤدي إلـى إيضـاح تـام لمـن يريـد الإفتـاء بهـا . ا . هـ .

* * * * *

نبـــذة تاريخيـــة


نـزل القـرآن الكريـم يتضمـن الكثيـر مـن القواعـد .
ومثالـــه :
{ ... وَتَعَاوَنُـواْ عَلَـى الْبـرِّ وَالتَّقْـوَى وَلاَ تَعَاوَنُـواْ عَلَـى الإِثْـمِ وَالْعُـدْوَانِ ... (1) } .
سورة المائدة / آية : 2 .
( 1 )فهذه قاعدة ؛ فكل ما يطلق عليه بر وتقوى ، أمر الشرع بالتعاون عليه ، وكل ما كان إثم فالشرع نهى عن التعاون عليه .
{ وَجَـزَاء سَـيِّئَةٍ سَـيِّئَةٌ مِّثْلُهَـا ... (2) } . سورة الشورى / آية : 40 .
( 2 ) جزاء كل سيئة سيئة مثلها .

ومـن المعلـوم أن الله ـ عــز وجــل ـ امتَّـنَّ علينـا ببعثـة نبيـه محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وخصـه بخصائـص منهـا أنـه أوتـي جوامـع الكلـم ، وجوامـع الكلـم أن يتكلـم النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بالكـلام القليـل ، الـذي يكـون لـه معـان عديـدة ، ويشـمل أحكامًـا متعـددة .


3 - نصرت بالرعب على العدو . وأوتيت جوامع الكلم . وبينما أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض ، فوضعت في يدي " .
الراوي: أبو هريرة المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 523- خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية


وإذا تأمـل المـرء سـنة النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وجـد فيهـا مـن ذلـك الشـيء الكثيـر .
ومثــال ذلـك :
قـول النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " لا ضـرر ولا ضـرار " .
سنن ابن ماجه / تحقيق الشيخ الألباني / ( 3 ) ـ كتاب : الأحكام /( 17 ) ـ باب : من بنى في حقه ما يضر جاره / حديث رقم : 2340 / ص : 400 / صحيح .
القواعد الفقهية بين الأصالة ... / ص : 18 / بتصرف .
فالمقصـود أن المتأمـل فـي سـنة النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يجـد أن هنـاك عـددًا مـن الأحاديـث النبويـة قـد اختصـرت ألفاظهـا ، ودلـت علـى معــانٍ عديــدة ، وأحكــام متعـددة ، فيدلنـا هـذا علـى مبـدأ قواعـد الفقـه .
ـ ثـم بعـد النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وردت ألفـاظ رشـيقة عـن الأئمـة مـن الصحابـة ، ومَـنْ بَعْدَهـم مـن التابعيـن فيهـا ؛ اختصـار فـي الألفـاظ ، وشـمول فـي المعانـي والأحكـام .
ومـن ذلـك : قـول أميــر المؤمنيـن " عمـر بـن الخطــاب " ـ رضي الله عنهـ : ( مقاطـع الحقـوق عنـد الشـروط ... ) ، كمـا ذكـر ذلـك البخـاري تعليقًـا . ( 54 ) ـ كتاب : الشروط / ( 6 ) ـ باب : الشروط في المهر عند عقدة النكاح / ص : 318 ) . ورواه بإسـناد جيـد : عبـد الـرزاق وغيـره .
[ ومعناهـا : مقاطـع جمـع مقطـع وهـو موضـع القطـع فـي الأصـل ، وأراد بمقاطـع الحقـوق : وجـوب الحقـوق عنـد الشـروط ] .
وقـال أميـر المؤمنيـن " عمـر بـن الخطـاب " ـ رضي الله عنه ـ أيضًـا :
( هـذه علـى مـا نقضـي ، وتلـك علـى مـا قضينـا ) . فهـذه عبـارة مختصـرة أصبحت قاعـدة فقهيـة يهتـدي بهـا الأئمـة والعلمـاء والفقهـاء ، وهـذا اللفـظ رواه عبـد الـرزاق ، وابـن أبـي شـيبة ، وجماعـة بإسـناد لا بـأس بـه .
ـ ثـم بعـد عصـور الصحابـة والتابعيـن ، وبعـد أن جـاء عصـر التدويـن نجـد الواحـد مـن العلمـاء يعلـل الأحكـام الفقهيـة التـي يطلقهـا بعلـل تجمـع أحكامًـا فقهيـة مـن أبـواب شـتى ، فأخـذ مـن تلـك التعليـلات قواعـد فقهيـة .
ومـن أمثلـة ذلـك بعـد عصـر التدويـن أن الإمـام الشـافعي ـ رحمه الله ـ فـي كتابـه الأم ، ذكـر عـددًا مـن الأحكـام وعَلَّلَهَـا بعِلـل جامعـة تشـمل مسـائل عديـدة ؛ مـن ذلـك قولـه ـ رحمه الله ـ : ( لا يُنسـب إلـى سـاكت قـول ) ومنهـا قولـه ( الرُّخَـص لا يتعـدى بهـا محلهـا ) ـ فأُخِـذَت هـذه الألفـاظ كقواعـد عامـة ـ قواعـد فقهيـة ـ ، ورُتبـت عليهـا أحكـام فقهيـة فـي أبـواب عديـدة .
ومـن ذلـك : قـول الإمـام أبـي يوسـف ـ رحمه الله ـ : ( التعذيـر إلـى الإمـام علـى قـدر الجنايـة ) .
ومنهـا قولـه عـن الوصـي : ( لا يشـتري كيـف يبيـع ) يعنـي : لا يشـتري مـن الميـراث ، كيـف يشـتري وهـو يبيـع ؟ فأخـذ مـن هـذا قاعـدة فقهيـة أن مـن يبيـع لا يشـتري ، فمثـال ذلـك : الوكيـل إذا كـان سـيبيع بضاعـة لغيـره ، فإنـه لا يجـوز أن يشـتري تلـك البضاعـة لنفسـه .
ـ ثـم بعـد عصـور أوائـل التدويـن ، رَغـب العلمـاء جمـع تلـك القواعـد فـي مؤلفـات خاصـة ، وذلـك لأن الفـروع الفقهيـة متكاثـرة ، ولا يمكـن الإحاطـة بهـا ، فعندمـا نضبـط تلـك القواعـد نسـتطيع ضبـط الفـروع الفقهيـة . فحـاول العلمـاء التأليـف فـي القواعـد الفقهيـة .
ـ ومـن أوائـل مـن ألَّـفَ فـي القواعـد الفقهيـة : " أبـو الحسـن الكرخـي " المتوفـى سـنة أربعيـن وثلاثمائـة ( 340 ) ، فـي كتـاب عُـرف بعـد ذلـك باسـم " أصـول الكرخـي " .
ثـم ألَّـفَ بعـده ( أبـو زيـد الدَّبُوسـيّ ) المتوفـى سـنة ( 430 ) كتابـه : " تأسـيس النظـر " وذكـر فيـه
عـددًا من القواعـد الفقهيـة ، وذكـر فيـه عـددًا مـن الفـروع الفقهيـة المترتبـة علـى تلـك القواعـد .
ـ بعـد ذلـك جـاء الإمـام " العـز بن عبـد السـلام " ـ رحمه الله ـ المتوفـى سـنة سـت وسـتمائة ( 606 ) فألـف كتابـه :
" قواعـد الأحكـام فـي مصالـح الأنـام " ، وكـان مـن أوائـل الكتـب المؤلَّفَـة فـي القواعـد الفقهيـة ، فاحتـذى العلمـاء بعـده حـذوه ، فألَّفُـوا مؤلَّفـات عديـدة فـي هـذه القواعـد .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : سعد بن ناصر الشثري/ ص : 4 / بتصرف .
ـ أمـا القـرن الثامـن الهجـري ، فإنه يعتبـر العصـر الذهبـي فـي تدويـن القواعـد الفقهيـة ونهضتهـا علـى أيـدي كبــار الأئمـة ، فقـد اتسـعت رقعتهـا ، واحتفلـت (1) المؤلفـات فيهـا ، ومـن أشـهر مـا أُلِّــف فـي هـذا العصـر :
* " القواعـد النورانيـة الفقهيـة " لشـيخ الإسـلام ابـن تيميـة .
* " الأشـباه والنظائـر " لتـاج الديـن السُّـبكي . ( المتوفـي : 771 هـ ) .
* " القواعــد فـي الفقــه الإسـلامي " للحافــظ ابـن رجــب الحنبلـي ( المتوفـى : 795 هـ ) . وغيرهـا كثيـر .

( 1 ) حفل اللبن في الضرع : اجتمع ... ، امتلأ به . المعجم الوجيز / ص : 161 .
ـ وفـي القـرن التاسـع الهجـري ، جـاء العلاَّمـة ابـنُ المُلَقِّـنِ الشـافعي فوضـع كتابـه : " الأشـباه والنظائـر " ورتبـه علـى الأبـواب الفقهيـة ، مبينًـا مـا وقـع فيـه الاختـلاف .
ـ ثـم جـاء القـرن العاشـر الهجـري ، وفيـه رَقِـيَ التدويـن بكتـاب " الأشـباه والنظائر " للعلامـة السـيوطي ـ رحمه الله ـ والـذي جمـع فيـه القواعـد المتناثـرة والمبـددة عنـد العلائـيِّ ، والسّـبكيِّ، والزّركشـيِّ ، وهـو يُعـد مـن أروع مـا أُلـف فـي هـذا المجـال ، وأغزرهـا مـادة ، وأحسـنها ترتيبًـا وتنسـيقًا .
ونظيـره " الأشـباه والنظائـر " للعلامـة ابـن نُجيـمٍ الحنفـيِّ ـ رحمه الله ـ .
القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب إعلام الموقعين ... / ص : 188 / بتصرف .
ثـم تتابعـت مصنفـات الحنابلـة فـي القواعـد جيـلاً بعـد جيـل ، ورعيـلاً يعقبـه رعيـل ، فألَّفـوا فـي ذلـك كتبًـا شـريفة ومختصـرات مضبوطـة . وكـان مـن آخـر ما أُلِّـف : " منظومـة القواعـد الفقهيـة " للشـيخ عبـد الرحمـن بـن ناصـر السَّـعدي ـ رحمه الله ـ ضمنهـا طائفـة مـن مختاراتـه فـي القواعـد والضوابـط ، وقـد احتـوت علـى مهمـات القواعـد كمـا ذكـره الناظـم فـي الشـرح بقولـه : ( وبعـد ، فإنـي وضعـت لـي ولإخوانـي منظومـة مشـتملة علـى مهمـات قواعـد الديـن ، وهـي وإن كانـتقليلـة الألفـاظ ،فهـي

كثيــرة المعانـي لمـن تأملهـا ) . ومـن ثـمَّ كانـت عنايـة المتأخريـن بهـذا النظــم دراسـة وحفظًـا،وتفهُّمًـا،وضبطًـا .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 10 .

* * * * *

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 04-10-2013 الساعة 02:54 AM
رد مع اقتباس