الموضوع: شهر الغفران
عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 06-09-2015, 03:01 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,022

المجلس الرابع
فتوى مهمة تتعلق ببداية شهر الصيام ونهايته


إن أهل السنة والجماعة هم أحرص الناس على جمع الكلمة ؛ فليس الخلاف الفقهي عندهم مبررًا لمثل هذه الفرقة أبدًا ؛ بل عليهم متابعة الجماعة المسلمة التي يعيشون بينها ؛ صيامًا أو إفطارًا ، حتى وإن خالفوهم في فهم المسألة فقهيًا
وهذا أصل من أصول أهل السنة ، يغفل عنه كثير من المنتسبين إلى العلم ، فضلا عن العوام ؛ وذلك لأن أهل السنة والجماعة يعتبرون الخلاف شرًا عظيمًا .
فهذا عبد الله بن مسعود يصلي خلف عثمان ـ رضي الله عنهما ـ في منى أربع ركعات ، وهو يعلم يقينًا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يصلِّ بمنى إلا ركعتينِ ... ركعتينِ قصرًا ، ويقول عن صلاته مع عثمان : ليت حظي من أربع ، ركعتان متقبلتان . فيقال له : لم لا تصلي وحدك ؟ أو نحو ذلك ، يعنون : تقصر الصلاة عملاً بالسنة ،فيقول لهم : إن الخلاف شر .
وانظر لشيخ الإسلام ابن تيمية يفتي من رأى الهلال بعيني رأسه : أن يتابع الجماعة التي يعيش بينها على ما استقرت عليه ، صيامًا أو إفطارًا جمعًا للكلمة ، ونبذًا للفرقة .
ويحتج بحديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " الصوم يوم تصومون ، والفطر يوم تفطرون ، وأضحاكم يوم تضحون " .
وحديث " الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس " .
ويعرف الهلال بأنه : اسم لما يستهل به ، أي : يعلق به ويجهر به ، ويعرف الشهر بأنه : ما اشتهر ، فإن رؤي ولم يشتهر ؛ لم يكن الشهر قد دخل ، ولم يفرق في هذا بين كون من فوض إليه أمر الرؤيا مصيبًا أو مخطئًا ، مجتهدًا أو مفرطًا ؛ فالعهدة عليه ، وخطؤه على نفسه فحسب .
ولما كان الكثيرون من المخالفين في هذه المسألة يحتج برؤية السعودية للهلال في غالب الأحيان ؛ أوردت لهم الفتوى الآتية ، ليعلموا أن علماء السعودية أنفسهم يفتونهم بخلاف ما هم عليه .

.. مسألة اعتبار اختلاف المطالع وعدم اعتباره من المسائل النظرية التي للاجتهاد فيه مجال ، والاختلاف فيها واقع ممن لهم الشأن في العلم والدين ، وهو من الخلاف السائغ الذي يؤجر فيه المخطئ أجر الاجتهاد .
وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين :
فمنهم من رأى اعتبار اختلاف المطالع ، ومنهم من لم ير اعتباره ، واستدل كلُّ فريقٍ منهما بأدلة من الكتاب والسنة وربما استدل الفريقان بالنص الواحد ؛لقوله تعالى" يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ " . سورة البقرة / آية : 89 .
ولقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " وذلك لاختلاف الفهم في النص ،وسلوك كل منهما طريقًا في الاستدلال به .
ونظرًا لاعتبارات رأتها الهيئة وقدرتها ، ونظرًا إلى أن الاختلاف في هذه المسألة ليست له آثار تخشى عواقبها ؛ فقد مضى على ظهور هذا الدين أربعة عشر قرنًا لا نعلم فيها فترة جرى فيها توحيد الأمة الإسلامية على رؤية واحدة فإن أعضاء مجلس هيئة كبار العلماء يرون :
بقاء الأمر على ما كان عليه ، وعدم إثارة هذا الموضوع ، وأن يكون لكل دولة إسلامية حق اختيار ما تراه بواسطة علمائها من الرأيين المشار إليهما في المسألة ؛ إذ لكل منهما أدلته ومستنداته .
رسالة الصيام وأحكامه / ص : 25 .
*القنوت*
أنواع القنوت :
1قنوت في الوتر :
قنوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الوتر ، والسنة في هذا القنوت أن يكون قبل الركوع .

* فعن أُبي بن كعب " أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يوتر فيقنُتُ قبل الركوع" .
سنن ابن ماجه / ( 5 ) ـ كتاب : إقامة الصلوات والسنة فيها / 120 ) ـ باب :ما جاء في القنوت ..... / حديث رقم : 1182 / ص : 120 / صحيح .
وكان من هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ القنوت في الوتر في رمضان وغيره للحديث السابق .هدي النبي في رمضان . عمرو عبد المنعم / ص : 33 .

ـ صيغة القنوت في الوتر :
* قال الحسن بن علي بن أبي طالب : علمني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلمات أقولهن في الوتر" اللهم ! اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، -ف - إنك تقضي ولا يُقضى عليك ، [ و] إنه لا يذل من واليت ، [ ولا يعز من عاديت ] تباركت ربنا وتعاليت ، [ لا منجا منك إلا إليك ] "
.
قال الشيخ الألباني في كتاب : صفة صلاة النبي/ ص : 180 : ( هذه الزيادة ثابتة ) . وقال في رسالة : قيام رمضان ـ ص : 36 / إسناده صحيح.
*قال الحسن بن علي بن أبي طالب : علمني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلمات أقولهن في قنوت الوتر " اللهم ! اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ؛ فإنك تقضي ولا يُقضى عليك ، أنت تمن ، ولا يمن عليك ، أنت الغني ، ونحن الفقراء إليك ، وإنه لا يذل من واليت ، تباركت ربنا ! وتعاليت.
قال الشيخ الألباني في : مشكاة المصابيح : 1226 / إسناده صحيح .
وحسنه ابن حجر العسقلاني في : هداية الرواة ـ 2 / 59 .

2– قنوت في الفريضة :
ولا يشرع القنوت في الفريضة إلا في النازلة ، ولا يخص بها صلاة دون صلاة ، ويجعله بعد الركوع .
* عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ " أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع " .
صحيح البخاري " متون " / 65 ـ كتاب : تفسير القرآن / 9 ـ باب : ليس لك من الأمر شيء :سورة آل عمران / آية : 128 / حديث رقم : 4560 / ص : 535 .

* عن أنس ، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قنت شهرًا يدعو على حي من أحياء العرب ، ثـم تركـه
سنن النسائي / تحقيق الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ / 12 ـ كتاب : التطبيق / 32 ـ باب : ترك القنوت / حديث رقم : 1079 / ص : 176 / صحيح
* عن ابن عباس قال : قنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شهرًا متتابعًا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح ، في دبر كل صلاة ، إذا قال " سمعَ اللهُ لمنْ حمده " من الركعة الآخرة يدعو على أحياء من بني سُلَيم ، على رِعْلٍ وذَكْوانَ وعُصَّيّة ، ويُؤَمِّنُ مَنْ خلفه .
سنن أبي داود / تحقيق الشيخ الألباني / ( 2 ) ـ أول كتاب : الصلاة / ( 345 ) ـ باب :القنوت في الصلوات / حديث رقم : 1443 / ص : 249 / حسن .
وصح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه رفع يديه في القنوت :
* عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ " ... فما رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجد على شيءٍ قطُّ وَجدَهُ عليهم ، فلقد رأيت رَسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صلاة الغداة رفع يديه ، فدعا عليهم ... " .
حديث صحيح ـ رواه الإمام أحمد 3/137 - وإسناده صحيح . صفة قنوت النبي / ص : 11 .

وقد صح عن عمر بن الخطاب ، وابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنهما رفعا أيديهما في القنوت .صفة قنوت النبي / ص : 13 .

ـ وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجهر بدعائه في القنوت ، يسمع به المأمومين كما دل عليه قول ابن عباس في الحديث السابق ذكره " ويؤمن من خلفه " دليل على جهره بالدعاء في القنوت .
* ولحديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ " أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا أراد أن يدعو على أحد . أو يدعوَ لأحد قنت بعد الركوع . فربما قال : إذا قال " سمع الله لمن حمده" .
اللهم ربنا لك الحمد . اللهم أنج الوليد بن الوليد . وسلمة بن هشام . وعياش بن أبي ربيعة . اللهم أشدد وطأتك على مضَر ، واجعلها سنين كسني يوسف " .
قال : " يجهر بذلك " .....
صحيح البخاري " متون " / ( 65 ) ـ كتاب : تفسير القرآن / ( 9 ) ـ باب : ( ليس لك من الأمر شيء )سورة آل عمران / آية : 128 / حديث رقم : 4560 / ص : 535 .
شرح دعاء القنوت

اللهم اهدنا فيمن هديت

فإذا قلنا في دعاء القنوت «اللهم اهدنا فيمن هديت» فإننا نسأل الهدايتين، هداية العلم وهداية العمل، كما أن قوله تعالى"اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ"الفاتحة: 6، يشمل الهدايتين هداية العلم، وهداية العمل، فينبغي للقارئ أن يستحضر أنه يسأل الهدايتين: هداية العلم وهداية العمل.
وقوله «فيمن هديت» هذه من باب التوسل بإنعام الله تعالى على من هداه، أن ينعم علينا نحن أيضًا بالهداية. ويعني: أننا نسألك الهداية فإن ذلك من مقتضى رحمتك وحكمتك ومن سابق فضلك فإنك قد هديت أناسًا آخرين.

وعافنا فيمن عافيت
«وعافنا فيمن عافيت» عافنا من أمراض القلوب وأمراض الأبدان. وينبغي لك يا أخي أن تستحضر وأنت تدعو، أن الله يعافيك من أمراض البدن، وأمراض القلب؛ لأن أمراض القلب أعظم من أمراض البدن ولذلك نقول في دعاء القنوت: «اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا».
أمراض الأبدان معروفة لكن أمراض القلوب. تعود إلى شيئين:
الأول: أمراض الشهوات التي منشؤها الهوى.
الثاني: أمراض الشبهات التي منشؤها الجهل.
فالأول: أمراض الشهوات التي منشؤها الهوى، أن يعرف الإنسان الحق، لكن لا يريده؛ لأن له هوًى مخالفًا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلّم.
والثاني: أمراض الشبهات التي منشؤها الجهل؛ لأن الجاهل يفعل الباطل يظنه حقًّا وهذا مرض خطير جدًّا. فأنت تسأل الله المعافاة والعافية من أمراض الأبدان، ومن أمراض القلوب، التي هي أمراض الشبهات، وأمراض الشهوات.

وتولنا فيمن توليت
وقولنا «تولنا فيمن توليت» أي كُنْ وليًّا لنا، والولاية نوعان: عامَّة وخاصَّة.
فالولاية الخاصَّة: للمؤمنين خاصَّة، كما قال تعالى"اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"
البقرة: 752،
فتسأل الله تعالى الولاية الخاصة التي تقتضي العناية بمن تولاه الله عزَّ وجلَّ والتوفيق لمايحبه ويرضاه.
أما الولاية العامة، فهي تشمل كل أحد، فالله ولي كل أحد، كما قال تعالى"حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ"الأنعام: 16، وهذا عام لكل أحد، ثم قال"ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ"الأنعام: 26.
لكن عندما نقول «اللهم اجعلنا من أوليائك»، أو «اللهم تولنا»، فإننا نريد بها الولاية الخاصة، وهي تقتضي العناية والتوفيق لما يحبه ويرضاه.

وبارك لنا فيما أعطيت
وقنا شر ما قضيت

وقولنا: «وبارك لنا فيما أعطيت»
البركة
هي الخير الكثير الثابت، ويعيد العلماء ذلك إلى اشتقاق هذه الكلمة، فإنها من البِرْكة، بكسر الباء وهي مجمع الماء، فهي شيء واسع ماؤه كثير ثابت. فالبَرَكَة هي الخيرات الكثيرة الثابتة. والمعنى أي: أنزل لي البركة فيما أعطيتني.
«فيما أعطيت» أي أعطيت من المال والولد والعلم وغير ذلك مما أعطى الله عزَّ وجلَّ، فتسأل الله البركة فيه؛ لأن الله إذا لم يبارك لك فيما أعطاك، حرمت خيرًا كثيرًا.
ماأكثر الناس الذين عندهم مال كثير لكنهم في عداد الفقراء؛ لأنهم لا ينتفعون بمالهم، يجمعونه ولا ينتفعون به.
وهذا من نزع البركة.

كثير من الناس عنده أولاد، لكن أولاده لا ينفعونه لما فيهم
من عقوق، وهؤلاء لم يُبَارَكْ لهم في أولادهم.
تجد بعض الناس أعطاه الله علمًا كثيرًا لكنه بمنزلة الأمي، لا يظهر أثر العلم عليه في عبادته، ولا في أخلاقه، ولا في سلوكه، ولا في معاملته مع الناس، بل قد يُكْسِبه العلم استكبارًا على عباد الله، وعلوًّا عليهم، واحتقارًا لهم، وما علم هذا أن الذي منَّ عليه بالعلم هو الله، تجده لم ينتفع الناس بعلمه، لا بتدريس، ولا بتوجيه، ولا بتأليف، بل هو منحصر على نفسه، وهذا بلا شك حرمان عظيم، مع أن العلم من أبرك ما يعطيه الله للعبد؛ لأن العلم إذا علَّمْته غيرك ونشرته بين الناس، أُجِرتَ على ذلك من عدة وجوه:
الأول: أن في نشرك للعلم نشرًا لدين الله ـ عزَّ وجلَّ ـ فتكون من المجاهدين في سبيل الله؛ لأنك تفتح القلوب بالعلم، كما يفتح المجاهد البلاد بالسلاح والإيمان.
الثاني: من بركة نشر العلم وتعليمه أن فيه حفظًا لشريعة الله عزَّ وجلَّ، وحماية لها؛ لأنه لولا العلم لم تحفظ الشريعة.
الثالث: من بركة نشر العلم، أنك تُحْسِن إلى هذا الذي عَلَّمْتَهُ؛ لأنك تبصره في دين الله ـ عزَّ وجلَّ ـ فإذا عبد الله على بصيرة كان لك مثل أجره؛ لأنك أنت الذي دللته على الخير، والدال على الخير كفاعله.
الرابع: أنَّ في نشر العلم وتعلميه زيادة له، فعلم العالم يزيد إذا علّم الناس؛ لأنه استذكار لما حفظ وانفتاح لما لم يحفظ، كما قال القائل:
يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفًّا شددتا
أي: إذا أمسكته ولم تعلمه نقص.
«وقنا شر ما قضيت»
الله عزَّ وجلَّ يقضي بالخير ويقضي بالشر. أما قضاؤه بالخير فهو خير محض في القضاء والمقضي.
مثال القضاء بالخير: القضاء للناس بالرزق الواسع، والأمن والطمأنينة، والهداية والنصر.. إلخ.
هذا خير في القضاء والمقضي.
القضاء بالشر: خير في القضاء، شر في المقضي.
مثال ذلك: القحط -امتناع المطر- هذا شر، لكن قضاء الله به خير، كيف يكون القضاء بالقحط خيرًا؟ لو قال قائل: إن الله يقدّر علينا القحط، والجدب، فتموت المواشي، وتفسد الزروع، فما وجه الخير؟
نقول: استمع إلى قول الله سبحانه وتعالى"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"الروم: 14،
إذًا لهذا القضاء غاية حميدة، وهي الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى من معصيته إلى طاعته، فصار المقضي شرًّا والقضاء خيرًا.
وعلى هذا فـ«ما» هنا اسم موصول.
والمعنى: قِنَا شرَّ الذي قضيت، فإن الله تعالى يقضي بالشرِّ لحكمة بالغة حميدة، وليست
«ما» هنا مصدرية أي شر قضائك لكنها اسم موصول بمعنى الذي، لأن قضاء الله ليس فيه شر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلّم فيما أثنى به على ربه «والخير بيديك والشر ليس إليك» لهذا لا ينسب الشر إلى الله سبحانه وتعالى.
إنك تقضي و لا يقضى عليك, إنه لا يزل من واليت و لا يعز من عاديت

«إنك تقضي ولا يُقضى عليك» الله عزَّ وجلَّ يقضي قضاءً شرعيًّا وقضاءً كونيًّا، فالله تعالى يقضي على كل شيء وبكل شيء؛ لأن له الحكم التام الشامل.
«ولا يُقضَى عليك» أي لا يقضي عليه أحد، فالعباد لا يحكمون على الله، والله يحكم عليهم، العباد يُسألون عما عملوا، وهو لا يُسأل"لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ"
الأنبياء: 32.

«إنه لا يذل من واليت، ولا يعزّ من عاديت» وهذا كالتعليل لقولنا فيما سبق «وتولنا فيمن توليت»، فإذا تولى الله الإنسان فإنه لا يذل، وإذا عادى الله الإنسان فإنه لا يعز.
ومقتضى ذلك أننا نطلب العز من الله سبحانه، ونتقي من الذل بالله عزَّ وجلَّ، فلا يمكن أن يذل أحد والله تعالى وليه، فالمهم هو تحقيق هذه الولاية. وبماذا تكون هذه الولاية؟

هذه الولاية تكون بوصفين بيّنهما الله عزَّ وجلَّ في كتابه، فقال عزَّ وجلَّ"أَلا إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ"يونس: 26، 36، وصفات أحدهما في القلب، والثاني في الجوارح. "
الَّذِينَ آمَنُواْ" في القلب، "وَكَانُواْ يَتَّقُونَ" هذه في الجوارح،
فإذا صلح القلب والجوارح؛ نال الإنسان الولاية بهذين
الوصفين
،وليست الولاية فيمن يدعيها من أولئك القوم الذين يسلكون طرق الرهبان وأهل البدع الذين يبتدعون في شرع الله ما ليس منه، ويقولون نحن الأولياء. فولاية الله عزَّ وجلَّ التي بها العز هي مجموعة في هذين الوصفين:الإيمان والتقوى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أخذًا من هذه الآية:
"الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ "يونس: 36،
«من كان مؤمنًا تقيًّا كان لله وليًّا»، وصدق رحمه الله؛ لأن هذا الذي دلَّ عليه القرآن.
«ولا يعزّ من عاديت»
يعني أن من كان عدوًّا لله فإنه لا يعز، بل حاله الذل والخسران والفشل، قال الله تعالى"مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ"
البقرة: 89، فكل الكافرين في ذل وهم أذلة. ولهذا لو كان عند المسلمين عز الإسلام وعز الدين وعز الولاية؛ لم يكن هؤلاء الكفار على هذا الوضع الذي نحن فيه الآن، حتى إننا ننظر إليهم من طرف خفي، ننظر إليهم من طريق الذل لنا، والعز لهم؛ لأن أكثر المسلمين اليوم مع الأسف لم يعتزوا بدينهم، ولم يأخذوا بتعاليم الدين، وركنوا إلى مادة الدنيا، وزخارفها؛ ولهذا أصيبوا بالذل، فصار الكفار في نفوسهم أعز منهم. لكننا نؤمن أن الكفار أعداء لله وأن الله كتب الذل على كل عدو له، قال الله تعالى"إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ" المجادلة:20.
وهذا خبر مؤكد،ثم قال"كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ"المجادلة: 12، فمن عادى الله عزَّ وجلَّ فهو ذليل لا يمكن أن يكون عزيزًا إلا في نظر من لا يرى العزة إلا في مثل ما كان عليه هذا الكافر، وأما من نظر أن العزة لا تكون إلا بولاية الله عزَّ وجلَّ والاستقامة على دينه فإنه لا يرى هؤلاء إلاَّ أَذَلَّ خلق الله.
تباركت ربنا وتعاليت

«تباركت ربنا وتعاليت» هذا ثناء على الله عزَّ وجلَّ بأمرين: أحدهما التبارك، والتاء للمبالغة؛ لأن الله عزَّ وجلَّ هو أهل البركة «تباركت» أي كثرت خيراتك وعمت ووسعت الخلق؛ لأن البركة كما قلنا فيما سبق هي الخير الكثير الدائم.
وقوله: «ربنا» أي يا ربنا، فهو منادى حذفت منه ياء النداء.
وقوله: «وتعاليت» من العلو الذاتي والوصفي. فالله سبحانه وتعالى عليٌّ بذاته وعليٌّ بصفاته. عليٌّ بذاته فوق جميع الخلق، وعلوه سبحانه وتعالى وصف ذاتي أزلي أبدي، أما استواؤه على العرش فإنه وصف فِعْلِيٌّ يتعلق بمشيئته سبحانه وتعالى،والعرش:هو أعلى المخلوقات، وعليه استوى الله عزَّ وجلَّ، يعني علا عليه علوًّا يليق بجلاله وعظمته، لا نكَيِّفُه ولا نمثِّله وهذا العلو أجمع عليه السلف الصالح لدلالة القرآن والسنة والعقل والفطرة على ذلك*.
وأما العلو الوصفي فمعناه أن الله له من صفات الكمال أعلاها وأتمها، وأنه لا يمكن أن يكون في صفاته نقص بوجه من الوجوه.
تم بحمد الله وتوفيقه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
* * *
* راجع هذا البحث في شرح فضيلة شيخنا رحمه الله للعقيدة الواسطية.
نسخةإلكترونية ، معتمدة من موقع الشيخ العثيمين رحمه





التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 06-20-2018 الساعة 03:24 AM
رد مع اقتباس