عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05-22-2020, 04:20 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016
1 حكم الصوم عن الكلام

حكم الصوم عن الكلام

السؤال
أريد أن أعرف ما حكم الإمساك عن الكلام نهائيا لمدة محددة أو غير محددة ؟ أولا: بنية العبادة لله تعالى ، كما فعل نبي الله زكريا . ثانيا : إن كانت النية لتكفير ذنب ، مثل : الغيبة ، أو غيرها . ثالثا : لمجرد التحدي كلهو ، فهل هذا من اللهو المباح أم لا ؟ وهل هذا يعتبر من التنطع المنهى عنه ؟ وهل فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من الصحابة ؟
نص الجواب
الحمد لله
أولًا :
الإمساك عن الكلام بنية العبادة : غير جائز ، لأنه لا يُتقرب إلى الله إلا بما شرعه ، ولم يُشرع لنا أن نتقرب إليه بالإمساك عن الكلام ؛ وهذا وحده كاف في اعتبار التقرب بذلك إلى الله بدعة ، لا تشرع ؛ فكيف إذا كان قد صح النهي عن ذلك صريحا ؟!
روى البخاري :6704: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ ، فَسَأَلَ عَنْهُ ، فَقَالُوا : أَبُو إِسْرَائِيلَ ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ ، وَلَا يَسْتَظِلَّ ، وَلَا يَتَكَلَّمَ ، وَيَصُومَ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ ، وَلْيَسْتَظِلَّ ، وَلْيَقْعُدْ ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ" .
قال ابن عبد البر رحمه الله في "التمهيد" (5/184) :
"وفيه دليل على أن السكوت عن ذكر الله : ليس من طاعة الله ...
وإنما الطاعة ما أمر الله به ورسوله" انتهى .
وقال الخطابي رحمه الله في "معالم السنن" 4/59 :
"قد تضمن نذره نوعين : من طاعة ، ومعصية ؛ فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بما كان منهما طاعة ، وهو الصوم ، وأن يترك ما ليس بطاعة ، من القيام في الشمس ، وترك الكلام ، وترك الاستظلال بالظل ، وذلك لأن هذه الأمور مشاق تتعب البدن وتؤذيه ، وليس في شيء منها قربة إلى الله سبحانه، وقد وضعت عن هذه الأمة الآصار والأغلال التي كانت على من قبلهم" انتهى.
وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في:جامع العلوم والحكم :
"والأعمال قسمان : عبادات ، ومعاملات .
فأما العبادات ، فما كان منها خارجاً عن حكم الله ورسوله بالكلية ، فهو مردود على عامله ، وعامله يدخل تحت قوله "أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الله" .
فمن تقرَّب إلى الله بعمل ، لم يجعله الله ورسولُه قربة إلى الله : فعمله باطلٌ مردودٌ عليه ، وهو شبيهٌ بحالِ الذين كانت صلاتُهم عندَ البيت مُكاء وتصدية .
وهذا كمن تقرَّب إلى الله تعالى بسماع الملاهي ، أو بالرَّقص، أو بكشف الرَّأس في غير الإحرام، وما أشبه ذلك من المحدثات التي لم يشرع الله ورسولُه التقرُّب بها بالكلية .
وليس ما كان قربة في عبادة ، يكونُ قربةً في غيرها مطلقاً ، فقد رأى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً قائماً في الشمس ، فسأل عنه ، فقيل : إنَّه نذر أنْ يقوم ولا يقعدَ ولا يستظلَّ وأنْ يصومَ ، فأمره النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَقعُدَ ويستظلَّ ، وأنْ يُتمَّ صومه . فلم يجعل قيامه وبروزه للشمس قربةً يُوفى بنذرهما ....
مع أنَّ القيام عبادةٌ في مواضعَ أُخَر ، كالصلاةِ والأذان والدعاء بعرفة ، والبروز للشمس قربةٌ للمحرِم .
فدلَّ على أنَّه ليس كلُّ ما كان قربة في موطنٍ يكون قربةً في كُلِّ المواطن ، وإنَّما يتبع في ذلك ما وردت به الشريعةُ في مواضعها" انتهى .
وروى أبو داود :2873: عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قال : حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ" .
جاء في "عون المعبود" :
"وَلَا صُمَات يَوْم إِلَى اللَّيْل : وَهُوَ السُّكُوت ، وَفِيهِ النَّهْي عَمَّا كَانَ مِنْ أَفْعَال الْجَاهِلِيَّة ، وَهُوَ الصَّمْت عَنْ الْكَلَام ، فِي الِاعْتِكَاف وَغَيْره . قَالَهُ الْعَلْقَمِيّ" انتهى .
وقال المناوي رحمه الله في "فيض القدير" 6/575 :
""وَلَا صُمَات يَوْم إِلَى اللَّيْل " أي لا عبرة به ، ولا فضيلة له ، وليس مشروعا عندنا ، كما شرع للأمم قبلنا ؛ فنهى عنه لما فيه من التشبه بالنصرانية " انتهى .
وقال الخطابي رحمه الله في "معالم السنن"4/87 :
"وقوله"وَلَا صُمَات يَوْم إِلَى اللَّيْل " وكان أهل الجاهلية من نسكهم الصمات، وكان الواحد منهم يعتكف اليوم والليلة ، فيصمت ولا ينطق؛ فنهوا عن ذلك، وأمروا بالذكر والنطق بالخير" انتهى .
ويؤيد ما ذكره الخطابي رحمه الله ، من أن التعبد لله بالسكوت عن الكلام هو من فعل أهل الجاهلية ، ما رواه البخاري :3834: عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ : دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَحْمَسَ يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ ، فَرَآهَا لَا تَكَلَّمُ ، فَقَالَ :مَا لَهَا لَا تَكَلَّمُ ؟ قَالُوا : حَجَّتْ مُصْمِتَةً . قَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ ، هَذَا مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ" .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" :
"وَقَالَ اِبْن الرِّفْعَة فِي قَوْل الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاق فِي " التَّنْبِيه " : وَيُكْرَه لَهُ صَمْت يَوْم إِلَى اللَّيْل ، قَالَ فِي شَرْحه : إِذْ لَمْ يُؤْثِر ذَلِكَ ، بَلْ جَاءَ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس : النَّهْي عَنْهُ .
ثُمَّ قَالَ : نَعَمْ ، قَدْ وَرَدَ فِي شَرْع مَنْ قَبْلنَا ، فَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ شَرْع لَنَا، لَمْ يُكْرَه ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبّ . قَالَهُ اِبْن يُونُس .
قَالَ : وَفِيهِ نَظَر ... وحَدِيث اِبْن عَبَّاس أَقَلّ دَرَجَاته الْكَرَاهَة .
قَالَ : وَحَيْثُ قُلْنَا إِنَّ شَرْع مَنْ قَبْلنَا ، شَرْع لَنَا ؛ فَذَاكَ إِذَا لَمْ يَرِد فِي شَرْعنَا مَا يُخَالِفهُ اِنْتَهَى .
قال الحافظ ابن حجر : وَهُوَ كَمَا قَالَ . ...
وَأَمَّا الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الصَّمْت وَفَضْله كَحَدِيثِ "مَنْ صَمَتَ نَجَا" أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ ، وَحَدِيث " أَيْسَر الْعِبَادَة الصَّمْت" أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي الدُّنْيَا بِسَنَدٍ مُرْسَل رِجَاله ثِقَات ، إِلَى غَيْر ذَلِكَ ، فَلَا تُعَارِض مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق مِنْ الْكَرَاهَة ، لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِد فِي ذَلِكَ ، فَالصَّمْت الْمُرَغَّب فِيهِ : تَرْك الْكَلَام الْبَاطِل ، وَكَذَا الْمُبَاح إِنْ جَرّ إِلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ ، وَالصَّمْت الْمَنْهِيّ عَنْهُ : تَرْك الْكَلَام فِي الْحَقّ لِمَنْ يَسْتَطِيعهُ ، وَكَذَا الْمُبَاح الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ . وَاللَّهُ أَعْلَم" انتهى .
ويؤخذ من هذا : أن التعبد لله تعالى لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه . وأن ذلك كان شرعا لمن قبلنا ، لكن ورد شرعنا بالنهي عنه .
قال ابن قدامة في "المغني" 4/481 :
"وَلَيْسَ مِنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ الصَّمْتُ عَنْ الْكَلَامِ ، وَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ تَحْرِيمُهُ... "
وذكر حديث أبي بكر المتقدم ، وحديث" لَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ " ، وحديث أبي إسرائيل ، ثم قال :
"فَإِنْ نَذَرَ ذَلِكَ فِي اعْتِكَافِهِ أَوْ غَيْرِهِ : لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ . وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا ...
وَإِنْ أَرَادَ فِعْلَهُ : لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، سَوَاءٌ نَذَرَهُ أَوْ لَمْ يَنْذُرْهُ .
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ : لَهُ فِعْلُهُ إذَا كَانَ أَسْلَمَ .
وَلَنَا : النَّهْيُ عَنْهُ ، وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ ، وَالْأَمْرُ بِالْكَلَامِ ، وَمُقْتَضَاهُ الْوُجُوبُ .
وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ ، هَذَا مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ .وَهَذَا صَرِيحٌ ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيمَا عَلِمْنَاهُ ، وَاتِّبَاعُ ذَلِكَ أَوْلَى" انتهى .
ثانيا :
وأما السكوت عن الكلام تكفيرا لذنب كالغيبة أو غيرها ، فالذي يظهر فيه : أنه بدعة أيضا ، إذ لا تكفر الذنوب إلا بما جعله الله كفارة لها ، وكفارة الغيبة تكون بالتوبة والدعاء لمن اغتابه والثناء عليه ، إن لم تكن الغيبة وصلت إليه ، فإن وصلت إليه وجب الاعتذار له ، وينظر السؤال رقم :23328.
ثالثًا :
وأما السكوت عن الكلام لمجرد اللهو أو التحدي : فهو مباح ، بشرط ألا يؤدي ذلك إلى السكوت عن أمر لا ينبغي السكوت عنه .
ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرنا بالسكوت مطلقا ، وإنما أمرنا بالسكوت إذا كان الكلام لا خير فيه ، وأمرنا بالكلام إذا كان الكلام خيرا .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" روى البخاري :6018- ومسلم :47 .
قال النووي رحمه الله :
"مَعْنَاهُ : أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّم : فَإِنْ كَانَ مَا يَتَكَلَّم بِهِ خَيْرًا مُحَقَّقًا يُثَاب عَلَيْهِ ، وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا فَلْيَتَكَلَّمْ .
وَإِنْ لَمْ يَظْهَر لَهُ أَنَّهُ خَيْر يُثَاب عَلَيْهِ ، فَلْيُمْسِك عَنْ الْكَلَام ، سَوَاء ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ حَرَام أَوْ مَكْرُوه أَوْ مُبَاح مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ.
فَعَلَى هَذَا : يَكُون الْكَلَام الْمُبَاح مَأْمُورًا بِتَرْكِهِ ، مَنْدُوبًا إِلَى الإِمْسَاك عَنْهُ ، مَخَافَةً مِنْ اِنْجِرَاره إِلَى الْمُحَرَّم أَوْ الْمَكْرُوه . وَهَذَا يَقَع فِي الْعَادَة كَثِيرًا أَوْ غَالِبًا . وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى " مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد" ...
وَقَدْ أَخَذَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَعْنَى الْحَدِيث فَقَالَ : إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّم فَلْيُفَكِّرْ ; فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ لا ضَرَر عَلَيْهِ : تَكَلَّمَ ، وإِنْ ظَهَرَ لَهُ فِيهِ ضَرَر ، أَوْ شَكَّ فِيهِ أَمْسَكَ" انتهى . "شرح مسلم" 2/25.
وقال القاري رحمه الله في "مرقاة المفاتيح" 6/2247: في شرحه لحديث أبي إسرائيل المتقدم :
"وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِالتَّكَلُّمِ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يَجِبُ ، كَالْقِرَاءَةِ وَرَدِّ السَّلَامِ ؛ فَتَرْكُهُ مَعْصِيَةٌ" انتهى .
والله أعلم .




المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب



التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 05-22-2020 الساعة 04:22 AM
رد مع اقتباس