عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 02-26-2013, 03:21 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,022
المجلس الثامن
16 ربيع الثاني 1434 هـ

قواعد في صفات الله تعالى
القاعدة الأولى:
صفات الله تعالى كلها صفات كمال، لا نقص فيها بوجه من الوجوه *- وهذا نظير القاعدة الأولى من قواعد الأسماء وهي : أسماء الله تعالى كلها حسنى -*، كالحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والرحمة، والعزة، والحكمة، والعلو، والعظمة، وغير ذلك.*- وتطبيق القاعدة أنك كلما تقرأ صفة دل عليها كتاب الله أو دلت عليها السنة الصحيحة فاثبتها على وجه الكمال الذي لانقص فيه بوجه من الوجوه ،لأن صفات الله مضافة إليه سبحانه ، والصفة إذا أضيفت للكامل فهي كاملة ، وإذا أضيفت للمخلوق الناقص فهي ناقصة ، فالحياة مثلا إذا أضيفت لله فهي صفة كاملة لانقص فيها بوجه من الوجوه ، فهي الحياة الكاملة التي لم يسبقها عدم ،ولا يلحقها زوال ، خلاف حياة المخلوق الناقص ، فحياته تسبقها عدم وتلحقها زوال. وهذه القاعدة كما هي مفيدة في تقرير الحق فهي مفيدة في رد الباطل . فإذا قال قائل إثبات صفات الله تستلزم كذا وكذا من النقائص ، يُرد عليه بهذه القاعدة ، صفات الله تعالى كلها صفات كمال، لا نقص فيها بوجه من الوجوه، وما تقوله من هذه اللوازم يلزم في وصف المخلوق ولا يلزم في وصف الخالق ، لأن صفات الله تعالى كلها صفات كمال، لا نقص فيها بوجه من الوجوه. إذن فالقاعدة تفيد في باب تقرير الحق وفهمه ،وتفيد في باب رد الباطل ونقضه -*
وقد دل على هذا السمع، والعقل، والفطرة.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(50). والمثل الأعلى هو الوصف الأعلى.
*- فمن ادعى في شيئ من صفات الله النقص، فهو مخالف لقول الله " وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى" . فهو سبحانه منزه عن أي صفة نقص يدعيها أصحاب الباطل ويصفونه عز وجل بها قال تعالى منزهًا نفسه : "سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ" - ومما يدل على أن صفات الله عز وجل كاملة لانقص فيها بوجه من الوجوه ، ثبوت الأسماء الحسنى لله ، والأسماء الحسنى هي الأسماء الدالة على صفات الكمال- *
وأما العقل: فوجهه أن كل موجود حقيقة، فلابد أن تكون له صفة. إما صفة كمال، وإما صفة نقص. والثاني باطل بالنسبة إلى الرب الكامل المستحق للعبادة؛ ولهذا أظهر الله تعالى بطلان ألوهية الأصنام باتصافها بالنقص والعجز. فقال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)(51). وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ* أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)(52). وقال عن إبراهيم وهو يحتج على أبيه: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً)(53)، وعلى قومه: (أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ* أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(54).
ثم إنه قد ثبت بالحس والمشاهدة أن للمخلوق صفات كمال، وهي من الله تعالى، فمعطي الكمال أولى به.

وأما الفطرة: فلأن النفوس السليمة مجبولة مفطورة على محبة الله وتعظيمه وعبادته، وهل تحب وتعظم وتعبد إلا من علمت أنه متصف بصفات الكمال اللائقة بربوبيته وألوهيته؟
وإذا كانت الصفة نقصاً لا كمال فيها فهي ممتنعة في حق الله تعالى كالموت والجهل، والنسيان، والعجز،والعمى،والصمم ونحوها؛لقوله تعالى:(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ)(55). وقوله عن موسى: (فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى)(56). وقوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ)(57). وقوله: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)(58).وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الدجال:"إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور"(59). وقال: " أيها الناس، أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمَّ، ولا غائباً"(60).
وقد عاقب الله تعالى الواصفين له بالنقص، كما في قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ)(61). وقوله: (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)(62).
ونزه نفسه عما يصفونه به من النقائص، فقال سبحانه: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(63). وقال تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)(64).
وإذا كانت الصفة كمالاً في حال، ونقصاً في حال، لم تكن جائزة في حق الله ولا ممتنعة على سبيل الإطلاق، فلا تثبت له إثباتاً مطلقاً، ولا تنفى عنه نفياً مطلقاً بل لابد من التفصيل: فتجوز في الحال التي تكون كمالاً، وتمتنع في الحال التي تكون نقصاً ،وذلك كالمكر، والكيد، والخداع، ونحوها. فهذه الصفات تكون كمالاً إذا كانت في مقابلة من يعاملون الفاعل بمثلها؛ لأنها حينئذ تدل على أن فاعلها قادر على مقابلة عدوه بمثل فعله أو أشد، وتكون نقصاً في غير هذه الحال، ولهذا لم يذكرها الله تعالى من صفاته على سبيل الإطلاق وإنما ذكرها في مقابلة من يعاملونه ورسله بمثلها،كقوله تعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)(65). وقوله: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً* وَأَكِيدُ كَيْداً)(66). وقوله: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ*وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)(67).وقوله:(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)(68). وقوله: (قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ* اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)(69).
ولهذا لم يذكر الله أنه خان من خانوه فقال تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(70). فقال: (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ )، ولم يقل: فخانهم؛ لأن الخيانة خدعة في مقام الائتمان، وهي صفة ذم مطلقاً.
وبهذا عرف أن قول بعض العوام: "خان الله من يخون" منكر فاحش، يجب النهي عنه.
___________
ما بين العلامتين إضافة
*- ...-*

(50) سورة النحل، الآية: 60.
(51) سورة الأحقاف، الآية: 5.

(52) سورة النحل، الآيتان: 20، 21.
(53) سورة مريم، الآية: 42.
(54) سورة الأنبياء، الآيتان: 66، 67.
(55) سورة الفرقان، الآية: 58.
(56) سورة طه، الآية: 52.
(57) سورة فاطر، الآية: 44.
(58) سورة الزخرف، الآية: 80.
(59) رواه البخاري، كتاب الفتن (7131)، ومسلم، كتاب الفتن (2933).
(60) رواه البخاري، كتاب المغازي (4202)، ومسلم، كتاب الذكر (2704).
(61) سورة المائدة، الآية: 64.
(62) سورة آل عمران، الآية: 181.
(63) سورة الصافات، الآيات: 180 - 182.
(64) سورة المؤمنون، الآية: 91.
(65) سورة الأنفال، الآية: 30.
(66) سورة الطارق، الآيتان: 15، 16.
(67) سورة الأعراف، الآيتان: 182، 183.
(68) سورة النساء، الآية: 142.
(69) سورة البقرة، الآيتان: 14، 15.
(70) سورة الأنفال، الآية: 71.

هنا

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 03-05-2013 الساعة 01:34 AM