عرض مشاركة واحدة
  #70  
قديم 09-27-2018, 02:10 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
الخاتمة
إذا قال قائل قد عرفنا بطلان مذهب أهل التأويل في باب الصفات، ومن المعلوم أن الأشاعرة من أهل التأويل فكيف يكون مذهبهم باطلاً وقد قيل: إنهم يمثلون اليوم خمسة وتسعين بالمائة من المسلمين؟!
الشرح
نعم قيل هذا.كتبَ بعضُ الناسِ كتابًا نُشِرَ في الصحفِ يتكلم عن مذهبِ الأشاعِرةِ وأنَّهُ من مذهبِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ وأنَّ أهلَ السُنةِ والجماعةِ ينقسِمون إلى قسمينِ: مُفوِّضةٍ ومؤوِّلةٍ . فالمُفوِّضة:الذين يقولون:اللهُ أعلمُ بما أرَادَ ويسكتون. والمؤولة:الذين يُحرِفون النصوصَ.
ويقول: أن المؤوِّلة ومنهم الأشاعرة بل قال:إنَّ الأشاعرة يُمثلونَ اليومَ خمسة ًوتسعينَ بالمئةِ من المسلمين يعني مابقي على مذهبِ السلفِ إلا خمسة بالمئةِ فقط والباقون كلُهُم أشاعرة.ومعلومٌ أنَّ هذا الكلام في الحقيقةِ ماهو صحيحٌ كما سيأتي إن شاءَ اللهُ تعالى.
المتن
وكيف يكون باطلاً وقدوتهم في ذلك أبو الحسن الأشعري؟
وكيف يكون باطلاً وفيهم فلان وفلان من العلماء المعروفين بالنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم؟
الشرح
كم الأسئلة الآن الأسئلة ثلاثة :
الأول:كيف نقول إن الأشاعرة َمذهبُهُم باطلٌ مع أنهم يُمثلون اليوم95 %.
ثانيا:كيف نقول إنَّ مذهَبَهُم باطلٌ وقدوتَهم أبو الحسن الأشعري؟
ثالثاً:كيف نقول إنَّ مذهبَهُم باطلٌ وفيهم فلانٌ وفلانٌ من العلماء؟ ولم نُعين أسماءهم لأنهم معروفون.يوجد من الأشاعرة من العلماء الناصحين المعروفين بالصِدقِ والإخلاصِ ونفْعِ المسلمين ماهو ظاهرٌ ؛كالنووي-رحمه الله-مثلا. النووي لاشكّ أنَّ الرجلَ عالمٌ مُخلصٌ نفع اللهُ بعلمِهِ ولهذا ما أكثرُ الذين يعتبرون قولَهُ وينقلونَهُ ويحتجون به وهوكذلك-رحمه الله-لكن مع هذا فى باب الصفاتِ صار مُخطِئًا فيها-رحمه الله وعفا عنه-. كيف نقول إنَّ الأشاعرة َمَذهَبُهُم باطلٌ وفيهم مثلُ هذا الرجل؟واضحٌ؟ لأن بعضَ الناسِ يحتجُ بالرجالِ على الحق ؛والواجب أن نحتجَ بالحقِ على الرجال.وما هو بالرجال على الحق.
المتن
قلنا: الجواب عن السؤال الأول: أننا لا نسلم أن تكون نسبة الأشاعرة بهذا القدر بالنسبة لسائر فرق المسلمين، فإن هذه دعوى تحتاج إلى إثبات عن طريق الإحصاء الدقيق.
ثم لو سلمنا أنهم بهذا القدر أو أكثر فإنه لا يقتضي عصمتَهم من الخطأ؛ لأن العصمة في إجماع المسلمين لا في الأكثر.
ثم نقول: إن إجماع المسلمين قديمًا ثابت على خلاف ما كان عليه أهل التأويل، فإن السلف الصالح من صدر هذه الأمة "وهم الصحابة" الذين هم خير القرون والتابعون لهم بإحسان وأئمة الهدى من بعدهم كانوا مجمعين على إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات، وإجراء النصوص على ظاهرها اللائق بالله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
وهم خير القرون بنص الرسول صلى الله عليه وسلم، وإجماعهم حجة ملزِمة؛ لأنه مقتضى الكتاب والسنة، وقد سبق نقل الإجماع عنهم في القاعدة الرابعة من قواعد نصوص الصفات.
الشرح
إذن الجواب على هذا السؤال من ثلاثةِ أوجُهٍ:
أولاً:المنع؛ يعني أننا نمنع أنَّ يكونَ نسبة ُالأشاعِرةِ إلى المسلمين خمسة ٌوتسعُون في المئةِ .ووجهُ المنعِ أن نقولَ:هل أُجرِيَت إحصائيةٌ ؟ الجواب:لأ؛ لكن هذا وَهْمُهُ.توهمَ أنَّ نسبة الأشاعرةِ إلى المسلمين خمسة ٌوتسعُون في المئةِ ؛وهذا لايُسلَّم.
ثانيًا: لوسلمنا جدلاً على أنهم بهذا القدرِأنهم خمسة ٌوتسعُون في المئةِ في الوقتِ المعاصر فهل هذا يقتضي عصمتَهُم من الخطأ؟ لأ. العِصمَة في إيش؟في الإجماعِ أما قولُ الأكثر فقد يكون هو الخطأ وقولُ الأقلِ هو الصوابُ كما في هذه المسألةِ لاشك أنه وإن كان من الأشاعرة خمسة ٌوتسعُون في المئةِ فإنَّ قولَ الـ الخمسة في المئة هو الصوابُ الموافِقُ لمذهبِ السلفِ.
ثالثًا:إذا كانوااليوم كما تزعُمون
خمسة ٌوتسعُون في المئةِ فإنهم في صدرِسلف الأمةِ ليسوا بشيءٍ لأنَّ سلفَ الأمةِ مُجمِعون على خلافِ مذهبِ الأشاعرة ؛وإجماعُ السلفِ الصالحِ حجة ٌ مُلزِمَة ٌ.فكان على الأشاعرةِ وعلى غيرِهِم ممن خالفوا هذا المذهب أن يرجِعوا إلى ما أجمَعَ عليهِ الصحابة ُ والتابعون لهم ومَن تبِعَهُم بإحسانٍ من أئمةِ الهُدى. واضح الآن؟ فالأجوبة صارت ثلاثة:
أولًا"المنع" وحجة ُالمنعِ أنَّهُ لم يُجْرِ إحصائية .ماطافَ في البُلدان الإسلاميةِ كلِها ونظر.
ثانيًا "التسليم"ولكن نمنعُ أن يكونَ كثرَتُهُم دليلاً على الصوابِ لأن الصواب إنما يكونُ في الإجماعِ.
ثالثًا
:أن نقول:هب أنهم
خمسة ٌوتسعُون في المئةِ الآن لكنهم ليسوا بشيءٍ في صدرِ سلفِ الأمةِ لَم يوجد هذا المذهب ُ أصلًا . فالإجماع في صدرِ سلفِ هذه الأمةِ على خِلافِ ماكان عليهِ الأشاعرة ُفي بابِ الأسماءِ والصفاتِ. بهذا بَطُلَ تعَلُقُهُ الذي تشبثَ به في سؤالهِ الأولِ واللهُ أعلمُ.
المتن
والجواب عن السؤال الثاني: أن أبا الحسن الأشعري وغيره من أئمة المسلمين لا يدعون لأنفسهم العصمة من الخطأ، بل لم ينالوا الإمامة في الدين إلا حين عرفوا قدر أنفسهم ونزلوها منزلتها وكان في قلوبهم من تعظيم الكتاب والسنة ما استحقوا به أن يكونوا أئمة، قال الله تعالى: "وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ"السجدة 24. وقال عن إبراهيم: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شَاكِرًا لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"النحل 120-121

الشرح
حاصلُ هذا الوجهِ؛ أن نقول نعم ليسوا من أهلِ السُنةِ والجماعةِ ؛حتى لو انتسبوا لأبي الحسن الأشعري؛ لأن أبا الحسنِ الأشعري وغيرهِ من الأئمةِ لايدَّعون لأنفسِهِم العصمة َ؛ وهم أيضًا ليسوا معصومين .
.بل لو ادعى أحدٌ العصمة َلنفسهِ ؛ لكان ادعاؤه العِصمة َهوأولَ خطأٍ أخَطأهُ ؛ لأنه يكونُ معصوماً من الخطأِ أبدًا إلا مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تعالى منَ الرُسُل؛ أما غيرُهم فكلٌ مُعرَّضٌ للخطأِ. فنقولُ

أولاً:حتى وإن كانوا أتباعَ أبي الحسنِ الأشعري فلا مانع أن نقول:إنهم مُخطِئون وهوأيضًا مُخطِئٌ ؛وليس هومعصومًا.و لايدَّعِي العصمة َفيمايقولُ ؛وماكان إمامًا إلاحينَ عَرِفَ قدرَ نفسِهِ؛ وصارَ مُتَبِعًا للكتابِ والسُنةِ.ومَنْ عَرِفَ قدرَ نفسِهِ عَرِفَ الناسُ قدرَهُ.فإذا عرفَ الإنسانُ قدرَ نفسِهِ وأنَّهُ غيرُ معصومٍ وأنَّهُ كغيرِهِ من البشرِ يُخطِئُ ويُصيبُ حينئذٍ يعرفُ الناسُ قدرَهُ. ونقولُ
ثانيًا:هؤلاء الذين يدَّعونَ أنهم أتباعٌ لأبي الحسن الأشعري لم يتبعوه حقيقة َالاتباعِ؛ولا اتبعوه الاتباع الحسنِ؛ لماذا؟ لأنّ أبا الحسنِ الأشعري كان له ثلاثُ مراحلٍ في عمرهِ: كان معتزِليًّا ثم بَيْنَ المعتزلةِ والسُنةِ ثم سُنيًّا.وأتباعه اتبعوه في وسط أمره.ومقتضى الاتباعِ الحسن ؛أن يتبعوهُ في آخرِ أمرهِ ؛لأن هذا هو الذي استقرَ عليه.
المتن
ثم إن هؤلاء المتأخرين الذين ينتسبون إليه لم يقتدوا به الاقتداء الذي ينبغي أن يكونوا عليه، وذلك أن أبا الحسن كان له مراحل ثلاث في العقيدة:
المرحلة الأولى: مرحلة الاعتزال: اعتنق مذهب المعتزلة أربعين عامًا يقرره ويناظر عليه، ثم رجع عنه وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم.
المرحلة الثانية: مرحلة بين الاعتزال المحض والسنة المحضة سلك فيها طريق أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كُلَّاب. قال شيخ الإسلام ابن تيميه ص471 من المجلد السادس عشر من مجموع الفتاوى؛ لابن قاسم "والأشعري وأمثاله برزخ بين السلف والجهمية أخذوا من هؤلاء كلامًا صحيحًا ومن هؤلاء أصولًا عقلية ظنوها صحيحة وهي فاسدة". أهـ.
المرحلة الثالثة: مرحلة اعتناق مذهب أهل السنة والحديث مقتديًا بالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كما قرره في كتابه: "الإبانة عن أصول الديانة" وهو من آخر كتبه أو آخرُها.
قال في مقدمته: "جاءنا - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - بكتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، جمع فيه علم الأولين، وأكمل به الفرائض والدين، فهو صراط الله المستقيم، وحبلُهُ المتين، من تمسك به نجا، ومن خالفه ضل وغوى وفي الجهل تردى، وحث الله في كتابه على التمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فقال عز وجل: "
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا"الحشر 7. إلى أن قال: فأمرهم بطاعة رسوله كما أمرهم بطاعته، ودعاهم إلى التمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما أمرهم بالعمل بكتابه، فنبذ كثير ممن غلبت شقوته، واستحوذ عليهم الشيطان، سنن نبي الله صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم، وعدلوا إلى أسلاف لهم قلدوهم بدينهم ودانوا بديانتهم، وأبطلوا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفضوها وأنكروها وجحدوها افتراءً منهم على الله "قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ".
ثم ذكر - رحمه الله - أصولاً من أصول المبتدعة، وأشار إلى بطلانها ثم قال: "فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة، والجهمية، والحرورية، والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون؟
قيل له: قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا - عز وجل - وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمدُ بن محمد بن حنبل - نضر الله وجهه ورفع درجته، وأجزل مثوبته - قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل" ثم أثنى عليه بما أظهر الله على يده من الحق وذكر ثبوت الصفات، ومسائلَ في القدر، والشفاعة، وبعض السمعيات، وقرر ذلك بالأدلة النقلية والعقلية.

والمتأخرون الذين ينتسبون إليه أخذوا بالمرحلة الثانية من مراحل عقيدته، والتزموا طريق التأويل في عامة الصفات، ولم يثبتوا إلا الصفات السبع المذكورة في هذا البيت:
حي عليم قدير والكلام له إرادة وكذاك السمع والبصر
الشرح
كما قلنا سابقًا طريقة َالتأويل قلنا ذلك من باب التنزل معهم فسموا أنفسَهُم أهلَ التأوِّيل ِوإلا فالحقيقة أنَّ هذا تحريفٌ .تحريفُ الكلم عن مواضِعِهِ لأنَّهُ لايَصدُقُ عليهِ التأويل.التأويل لابدَ فيهِ من قرينةٍ ودليلٍ ظاهرٍ فإن لم يكن فهو تحريفُ معاني النصوصِ إلى ما يُريدون وإنما ذلكَ تحريفٌ محضٌ ولهذا فنحنُ إذ سميناهم أهلَ التأويلِ فإنَّ ذلكَ من بابِ التنزُلِ معهم على تسميتهم وإلافإنهم أهلُ تحريفٍ إذ لا دليلٍ على ما ذهبوا إليه.والتأويل في لغةِ القرآن الكريم إما تفسير وإما المعاني.أما صرف اللفظِ عن ظاهرهِ فإن كان بدليلٍ فهو تفسيرٌ وإن كان بغيرِ دليلٍ فهوتحريفٌ.
................................

انتهى الشريط السابع
رد مع اقتباس